الإمامة الالهية عند مدرسة اهل البيت عليهم السلام 02
فأما القرآن الكريم، فقد استدلت مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) على عددٍ من آياته في إثبات إمامة آل بيت رسول الله وخلافتهم لهُ ، ومن أهم هذهِ الآيات هي:
آية المباهلة.. قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ)
ولا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين، وأقتضائها تقدمه على غيره، لأن النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه واله) لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّة فيه إلا من هو غاية في الفضل وعلو المنزلة، وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة وأن النبي الاكرم محمد دعا إليها علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام)، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك.
آية التطهير .. قال تعإلى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فقد أجمع المفسرون والرواة على أنها نزلت في حق علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين(عليهما السلام)[01]
قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأبي الدرداء: “أيها الناس أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فجمعني رسول الله (صلى الله عليه واله) وفاطمة وحسناً وحسيناً في كساء فقال: اللهم هؤلاء لحمتي وعترتي وثقلي وحامتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: وأنا، فقال لها: وأنتِ إلى خير، إنما أنزلت فيّ وفي أخي وأبنتي فاطمة وفي إبنيّ حسن وحسين وفي تسعة من ولد الحسين خاصّة ليس معنا أحدٌ غيرنا”، فقام جلّ القومِ فقالوا: “نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة”[02].
آية الولاية.. قال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، هذه الآية المباركة تسمى في الكتب بـ (آية الولاية)، استدلت بها مدرسة اهل البيت على إمامة علي (عليه السلام)، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة، ذلك بأن الآية المباركة نزلت عندما تصدَّق الإمام علي بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع، كما أن كثيراً من المفسرين والمحدثين من أهل السُنّة ينصون على نزول الآية الكريمة في الإمام علي بن أبي طالب، ويروون هذا الحديث[03].
ومن هنا يتبيّن أن منصب الإمامة لا يتعين إلا بأمر إلهي فالإمام بصفته مرجع المسلمين، ومنعقد طاعتهم وقدوتهم في أمر الدين والدنيا يجب أن يكون حامل علم النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله)، علم الوحي والأوامر الألهية، فمنصبه في توجيه المسلمين و رعايتهم خطير .
………………………………
مصادر
[01] أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيباني الوائلي ابن حنبل، مسند أحمد، (القاهرة: مؤسسة قرطبة، د.ت)، ص 330؛ السيوطي، الدر المنثور، ج6، ص 603؛ أبو الحسن بن أبي بكر الهيثمي، موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)، ص ص 555- 556.
[02] أحمد بن علي بن المثنى الموصلي التميمي أبو يعلى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، (دمشق: دار المأمون للتراث، 1984م)، ج12، ص 314.
[03] الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، (القاهرة: دار الحرمين، 1995م)، ج6، ص 218؛ الجصاص، أبو بكر أحمد بن علي الرازي ، أحكام القرآن ، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م)، ج2، ص 557.