ارتباط آیة التبلیغ بواقعة الغدیر
فمن الآیات الکریمه قوله تعالى فی سوره المائده :
(یَآ أَ یُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ)(۱) .
نزلت هذه الآیه الشریفه یوم الثامن عشر من ذی الحجّه سنه حجّه الوداع (۱۰ هـ) لمّا بلغ النبیُّ الأعظم(صلى الله علیه وآله)غدیرَ خمّ ، فأتاه جبرئیل بها على خمس ساعات مضت من النهار ، فقال :
یا محمّد! إنّ الله یُقرئک السلام ، ویقول لک : (یَـآ أَ یُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ)فی علیٍّ (وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ . . .) .
وکان أوائل القوم ـ وهم مئه ألف أو یزیدون ـ قریباً من الجُحفه فأمره أن یردّ من تقدّم منهم ، ویحبس من تأخّر عنهم فی ذلک المکان ، وأن یُقیم علیّاً(علیه السلام) عَلَماً للناس ، ویبلِّغهم ما أنزل الله فیه ، وأخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس .
وما ذکرناه من المتسالم علیه عند أصحابنا الإمامیّه ، غیرَ أنّا نحتجُّ فی المقام بأحادیث أهل السنّه فی ذلک . أنهاها العلاّمه الأمینی(رحمه الله) فی الغدیر إلى ۳۰ حدیثاً ؛ منها :
۱ ـ الحافظ أبوجعفر محمّد بن جریر الطبری ، المتوفى [۳۱۰] .
أخرج بإسناده ـ فی کتاب الولایه فی طرق حدیث الغدیر ـ عن زید بن أرقم ، قال :
لمّا نزل النبیّ(صلى الله علیه وآله) بغدیر خُمّ فی رجوعه من حجّه الوداع ، وکان فی وقت الضحى وحرّ شدید ، أمر بالدوحات فقُمَّت ، ونادى الصلاه جامعه ، فاجتمعنا فخطب بالغه ، ثمّ قال :
«إنّ الله تعالى أنزل إلىَّ : (بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ) . وقد أمرنی جبرئیل عن ربّی أن أقوم فی هذا المشهد ، واُعلم کلَّ أبیض وأسود : أنَّ علیّ بن أبی طالب أخی ووصییّ وخلیفتی والإمام بعدی . فسألت جبرئیل أن یستعفیَ لی ربِّی ؛ لعلمی بقلّه المتّقین ، وکثره المُؤذینَ لی ، واللائمین لکثرهِ ملازمتی لعلیٍّ ، وشدّه إقبالی علیه ، حتّى سَمَّونی اُذُناً ؛ فقال تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَیَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَیْر لَّکُمْ . . .)(2) .
ولو شئتُ أن اُسمِّیـَهم وأدلَّ علیهم لفعلتُ ، ولکنّی بسترهم قد تکرّمتُ ، فلم یرضَ الله إلاّ بتبلیغی فیه .
فاعلموا معاشرَ الناس ذلک ؛ فإنّ الله قد نصبه لکم ولیّاً وإماماً وفرض طاعته على کلّ أحد ، ماض حکمه ، جائز قوله ، ملعونٌ من خالفه ، مرحومٌ من صدّقه ، اسمعوا وأَطیعوا ؛ فإنَّ اللهَ مولاکم وعلیٌّ إمامکم . ثمّ الإمامه فی ولدی من صلبه إلى القیامه . لاحلال إلاّ ما أحلّه الله ورسوله ، ولا حرام إلاّ ما حرّم الله ورسوله وهم ؛ فما من علم إلاّ وقد أحصاه الله فیَّ ، ونقلتُه إلیه ، فلا تضلّوا عنه ، ولا تستنکفوا منه ؛ فهو الّذی یهدی إلى الحقّ(۳) ویعمل به ، لن یتوبَ الله على أحد أنکره ، ولن یغفر له ، حتماً على الله أن یفعل ذلک أن یعذّبه عذاباً نُکراً أبد الآبدین ، فهو أفضل الناس بعدی ما نزل الرزق وبقی الخلق ، ملعونٌ من خالفه ، قولی عن جبرئیل عن الله ، فلتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد(۴) .
إفهموا محکم القرآن ، ولا تتِّبعوا مُتشابهه ، ولن یفسِّر ذلک لکم إلاّ من أنا آخذٌ بیده وشائلٌ بعَضُده ومُعلِمکم : أنَّ من کنتُ مولاه فهذا ـ فعلیٌّ ـ مولاه ، وموالاته من الله عزّوجلّ أنزلها علیَّ .
ألا وقد أدّیتُ ، ألا وقد بلّغتُ ، ألا وقد أسمعتُ ، ألا وقد أو ضحتُ ، لا تحلُّ إمرهُ المؤمنین بعدی لأحد غیره .
ثمّ رفعه إلى السماء حتّى صارت رجله مع رکبه النبیّ(صلى الله علیه وآله) وقال :
معاشرَ الناس هذا أخی ووصیّی وواعی علمی وخلیفتی على من آمن بی وعلى تفسیر کتاب ربّی ـ وفی روایه ـ : أللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه والعَنْ من أنکره ، واغضَب على من جحد حقّه . أللّهمّ إنّک أنزلت عند تبیین ذلک فی علیٍّ : (ا لْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ)(۵) بإمامته ، فمن لم یأتمَّ به وبمن کان من ولدی من صلبه إلى القیامه ، فاُولئک حبطت أعمالهم وفی النار هم خالدون .
إنّ إبلیس أخرج آدم(علیه السلام) من الجنّه ، مع کونه صفوه الله ، بالحسد ؛ فلا تحسدوا فتحبطَ أعمالُکم وتزلَّ أقدامکم . فی علیّ نزلت سوره (وَالعَصْرِ* إِنَّ ا لاِْنسَانَ لَفِى خُسْر)(۶) .
معاشرَ الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الّذی اُنزِل معه (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ کَمَا لَعَنَّـآ أَصْحَابَ السَّبْتِ)(۷) . النور من الله فیَّ ، ثمّ فی علیّ ، ثمّ فی النسل منه إلى القائم المهدیّ .
معاشرَ الناس سیکون من بعدی أئمّه یدعون إلى النار ویوم القیامه لا یُنصرون ، وإنّ الله وأنا بریئان منهم ، إنّهم وأنصارهم وأتباعهم فی الدرک الأسفل من النار ، وسیجعلونها ملکاً اغتصاباً ، فعندها یُفرغ لکم أیُّها الثَّقَلان ، و (یُرْسَلُ عَلَیْکُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّار وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ)(۸) . . .» .
۲ ـ الحافظ الحاکم الحَسَکانی ، أبوالقاسم ، المتوفّى بعد [۴۹۰](۹) .
۳ ـ الحافظ أبوالقاسم بن عساکر ، الشافعیّ ، المتوفّى [۵۷۱](۱۰) .
۴ ـ أبو عبدالله فخر الدین الرازی ، الشافعیّ ، المتوفّى [۶۰۶](۱۱) .
۵ ـ جلال الدین السیوطیّ ، الشافعیّ ، المتوفّى [۹۱۱](۱۲) .
۶ ـ القاضی الشوکانیّ ، المتوفّى [۱۲۵۰] فی تفسیره فتح القدیر(۱۳) .
۷ ـ السیّد شهاب الدین الآلوسیّ ، الشافعیّ البغدادیّ ، المتوفّى [۱۲۷۰](۱۴) .
۸ ـ الشیخ سلیمان القندوزی ، الحنفیّ ، المتوفّى [۱۲۹۳](۱۵) .
۹ ـ الشیخ محمّد عبده المصریّ ، المتوفّى [۱۳۲۳](۱۶) .(17)
۱ ـ المائده : 67 .
۲ ـ التوبه : 61 .
۳ ـ [قال الله تعالى : (أَفَمَن یَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لاَّیَهِدِّى إِلاَّ أَن یُهْدَى) ؛ یونس : 35] .
۴ ـ قال الله تعالى : (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَد وَاتَّقُواْ اللَّهَ) ، الحشر : 18 .
۵ ـ المائده : 3 .
۶ ـ فی الدّرّ المنثور ۶ : 392 [8/622] من طریق ابن مردویه عن ابن عبّاس : «أنّ قوله تعالى (إِلاَّ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ) نزل فی علیٍّ وسلمان» .
۷ ـ النساء : 47 .
۸ ـ الرحمن : 35 .
۹ ـ شواهد التنزیل [۱/۲۵۵ ، ح ۲۴۹] .
۱۰ ـ تاریخ مدینه دمشق [۱۲/۲۳۷] .
۱۱ ـ التفسیر الکبیر ۳ : 636 [12/49] .
۱۲ ـ الدرّ المنثور ۲ : 298 [3/116] .
۱۳ ـ فتح القدیر ۳ : 57 [2/60] .
۱۴ ـ روح المعانی ۲ : 348 [6/192] .
۱۵ ـ ینابیع الموّده : 120 [1/119 ، باب ۳۹] .
۱۶ ـ تفسیر المنار ۶ : 463 .
۱۷ ـ الشفیعى شاهرودى، تلخیص الغدیر، ص ۲۷٫