بحوث تتعلق بمسأله المهدی علیه السلام

0 262

الفصل الثانی 
هناک بحوث تدور حول روایات فی کتب السنّه تخالف هذا الذی انتهینا إلیه ، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّه ما دلَّت علیه تلک الروایات عقیدهً لهم ، ودافعوا عن تلک العقیده ، إلاّ أنّنا فی بحوثنا حقّقنا أنّ تلک الروایات المخالفه لهذا العقیده ، إمّا ضعیفه سنداً ، وإمّا فیها تحریف ، والتحریف تارهً یکون عمداً ، وتاره یکون سهواً ، وتلک البحوث هی :
أوّلاً : الخبر الواحد الذی ورد فی بعض کتبهم فی أنّ «المهدی هو عیسى ابن مریم»(1)، فلیس من هذه الاُمّه ، وإنّما المهدی هو عیسى بن مریم ، فالمهدی الذی أخبر به رسول الله فی تلک الروایات الکثیره المتواتره التی دوّنها العلماء فی کتبهم ، وأصبحت روایات موضع وفاق بین المسلمین ، وأصحبت من ضمن عقائد المسلمین ، المراد من المهدی فی جمیع تلک الروایات هو عیسى بن مریم .
وهذه روایه واحده فقط موجوده فی بعض کتب أهل
____________
(۱) المنار المنیف لابن قیم الجوزیه : ۱۴۸ ، کنز العمال ۱۴/۲۶۳ ح۳۸۶۵۶ .
===============
( ۲۵ )

السنّه .
وثانیاً : الخبر الواحد الذی ورد فی بعض کتبهم من أنّ «المهدی من ولد العباس»(1)، فلیس من أهل بیت رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) .
وهذا أیضاً خبر واحد ، وکأنّه وضع فی زمن بنی العباس لصالح حکّام بنی العباس .
وثالثاً : الخبر الواحد الذی فی کتبهم من أنّه «من ولد الحسن»(2)، لا من ولد الحسین .
وهذا أیضاً خبر واحد .
ورابعاً : الخبر الواحد الذی فی بعض کتبهم من أنّ «اسم أبی المهدی اسم أبی النبی»(3) ، وأبو النبی اسمه عبدالله ، فلا ینطبق على المهدی ابن الحسن العسکری سلام الله علیهم ، فتکون روایه مخالفه لما ذکرناه واستنتجناه من الادله .
وخامساً : ما عزاه ابن تیمیّه إلى الطبری وابن قانع من «أنّ الحسن العسکری قد مات بلا عقب» وإذا کان الحسن العسکری قد مات بلا
____________
(۱) المصدر نفسه : ۱۴۹ ، کنزالعمال : ۱۴/۲۶۴ ح۳۸۶۶۳ .
(۲) المنار المنیف لابن قیّم الجوزیه : ۱۵۱ .
(۳) کنز العمال ۱۴/۲۶۸ ح۳۸۶۷۸ .
===============
( ۲۶ )

عقب ، فلیس المهدی ابن الحسن العسکری .
فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الاحادیث المخالفه ، أو إثبات أنّها روایات محرّفه .
أمّا ما نسبه ابن تیمیّه إلى الطبری صاحب التاریخ ، وإلى ابن قانع ، فهو کذب ، وقد حققته بالتفصیل فی بعض مؤلفاتی .
وأمّا بالنسبه إلى البحوث الاُخرى ، فلو أردنا الدخول فی تحقیقها لاحتجنا إلى وقت إضافی ، فإن شاء الله تعالى بعد أن أُکمل البحث فی هذه اللیله فی الفصل الثالث ، إن بقی من الوقت شیء ، ندخل فی هذه البحوث ، وحینئذ نصل إلى الفصل الثالث .
===============
( ۲۷ )
 
===============
( ۲۸ )
 
الفصل الثالث

عنوانه سؤالات ؟
السؤال الاول : مسأله طول العمر ؟
السؤال الثانی : لماذا هذه الغیبه ؟
السؤال الثالث : ما الفائده من إمام غائب ؟
السؤال الرابع : أین یعیش المهدی ؟
السؤال الخامس : متى یظهر ؟
السؤال السادس : ما هو تکلیف المؤمنین تجاهه وتجاه الاحکام الشرعیه فی زمن الغیبه ؟
السؤال السابع : ما هی الحوادث الکائنه عند ظهوره وبعد ظهوره ؟
السؤال الثامن : مسأله الرجعه ؟
وقد تکون هناک أسئله أُخرى .
ولابدّ من الاجابه على هذه الاسئله ولو بنحو الاجمال ، لئلاّ یبقى البحث ناقصاً .
===============
( ۲۹ )

أقرأ لکم عباره السعد التفتازانی أوّلاً ، وندخل فی البحث ونشرع فی الجواب عن هذه الاسئله ولو بنحو الاجمال کما ذکرت .
یقول السعد التفتازانی(۱) : زعمت الامامیه من الشیعه أنّ محمّد بن الحسن العسکری اختفى عن الناس خوفاً من الاعداء ، ولا استحاله فی طول عمره کنوح ولقمان والخضر (علیه السلام) ـ هذا رأی الشیعه ـ وأنکر ذلک سائر الفرق ، لانّه ادّعاء أمر مستبعد جدّاً ، ولانّ اختفاء إمام هذا القدر من الانام بحیث لا یذکر منه إلاّ الاسم بعید جدّاً ، ولانّ بعثه مع هذا الاختفاء عبث ، ولو سلّم فکان ینبغی أنْ یکون ظاهراً ، فما قیل أو فما یقال : إنّ عیسى یقتدی بالمهدی أو بالعکس شیء لا مستند له ، فلا ینبغی أنْ یعوّل علیه .
هذا غایه ما توصّل إلیه متکلّمهم سعد الدین التفتازانی .
أقول : إن تطرح هذه الاسئله کبحوث علمیه ومناقشات ، فلا مانع ، ویا حبّذا لو تطرح کذلک ویلتزم فیها بالاداب والاخلاق والمتانه ، ولا یکون هناک شتم وسبّ وتهجّم وتهریج واستهزاء ، وهکذا فعل بعض العلماء وبعض الکتّاب المعاصرین .
إلاّ أنّنا إذا راجعنا (منهاج السنّه) وجدناه فی فصل البحث عن المهدی قد ملا کتابه حقداً وبغضاً وعناداً وسبّاً وشتماً وتهریجاً وتکذیباً للحقائق !!! بحیث لو أنّکم أخرجتم من کتاب منهاج السنّه ما یتعلّق بالمهدی وما اشتمل علیه من السب والشتم لجاء کتاباً مستقلاً .

____________
(۱) شرح المقاصد ۵/۳۱۳ .
===============
( ۳۰ )

وقد تبعه أولیاءه فی هذا المنهج من کتّاب زماننا وفی خصوص المهدی سلام الله علیه واعتقاد الشیعه فی المهدی ، تراهم یتهجّمون ویسبّون وینسبون إلینا الاکاذیب ، ویخرجون عن حدود الاداب ، ومع الاسف یکون لکتبهم قرّاء ومن یروّج لها فی بعض الاوساط .
والحقیقه ، أنّه تارهً یشک الباحث فی أحادیث المهدی ، أو یُناقش فی أحادیث «الائمّه الاثنا عشر» ، أو لا یرتضی حدیث «من مات ولم یعرف إمام زمانه» ، فهذا له وجه ، بمعنى أنّه یقول : بأنّی لا أُوافق على صحّه هذه الاحادیث ، فیبقى على رأیه ، ولا یتکلّم معه إن لم یقتنع بما فی الکتب ، لاسیّما بروایات أبناء مذهبه .
وأمّا بناء على أنّ هذه الاحادیث مخرّجه فی الصحاح ، وفی السنن ، والمسانید ، والکتب المعتبره ، وأنّها أحادیث متّفق علیها بین المسلمین ، وأنّ الاعتقاد بالمهدی (علیه السلام) أو الاعتقاد بالامام فی کلّ زمان واجب ، وأنّ المهدی هو الثانی عشر فی الحدیث المعروف المتفق علیه ، فیکون البحث بنحو آخر ، لانّه إنْ کان الباحث موافقاً على هذه الاحادیث ، وعلى ما ورد من أنّ المهدی ابن الحسن العسکری ، فلا محاله یکون معتقداً بولاده المهدی (علیه السلام) ، کما اعتقدوا، وذکرنا أسماء کثیرین منهم .
نعم منهم من یستبعد طول العمر ، بأنْ یبقى الانسان هذه المده فی هذا العالم ، وهذا مستبعد کما عبّر سعد التفتازانی ، فإن التفتازانی لم یکذّب ولاده المهدی من الحسن العسکری سلام الله علیه ، وإنّما استبعد أن یکون الامام باقیاً هذه المده من الزمان ، ولذا نرى بعضهم یعترف بولاده الامام (علیه السلام)ثمّ
===============
( ۳۱ )

یقول : «مات» ، یعترف بولادته بمقتضى الادلّه الموجوده لکنّه یقول بموته ، لعدم تعقّله بقاء الانسان فی هذا العالم هذا المقدار من العمر ، لکن هذا یتنافى مع «من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میته جاهلیه» حیث قرّرنا أنّ هذا الحدیث یدلّ على وجود إمام فی کلّ زمان .
ولذا نرى البعض الاخر منهم یلتفت إلى هذه النواحی ، فلا یقول مات، بل یقول : «لا ندری ما صار» ، ولد ، إلاّ أنّه لا ندری ما صار ، ما وقع علیه ، لا یعترف ببقائه ، لانّه یستبعد البقاء هذه المده ، ولا ینفی البقاء لانّه یتنافى مع الاحادیث ، یعترف بالولاده فیقول : لا ندری ما صار ، وأین صار ، وما وقع علیه ، ممّا یظهر أنّهم ملتزمون بهذه الاحادیث ، ومن التزم بهذه الاحادیث لابدّ وأن یلتزم بولاده المهدی (علیه السلام)ووجوده .
ثمّ الاستبعاد دائماً وفی کلّ شیء ، وفی کلّ أمر من الاُمور ، الاستبعاد یزول إنْ حدث له نظیر ، لو أنّک تیقّنت عدم شیء أو عدم إمکان شیء ، فوقع فرد واحد ومصداق واحد لذلک الشیء ، ذلک الاعتقاد بالعدم الذی کنت تجزم به مائه بالمائه سیکون تسعین بالمائه، لوقوع فرد واحد ، فإذا وقع فرد آخر ، وإذا وقع فرد ثالث ، ومصداق رابع ، هذا الاعتقاد الذی کان مائه بالمائه ثمّ أصبح تسعین بالمائه ، ینزل على ثمانین، وسبعین، و ، و ، إلى خمسین وتحت الخمسین ، فحینئذ ، نقول للسعد التفتازانی :
إنّ الله سبحانه وتعالى أمکنه أنْ یعمّر نوحاً هذا العمر ، أمکنه أن یبقی خضراً فی هذا العالم هذه المده ، أمکنه سبحانه وتعالى أنْ یبقی عیسى فی العالم الاخر هذه المدّه ، الذی هو من ضروریات عقائد المسلمین ، ومن یمکنه أنْ
===============
( ۳۲ )

ینکر وجود عیسى ؟! وأیضاً : فی روایاتهم هم یثبتون وجود الدجال الان ، یقولون بوجوده منذ ذلک الزمان ، فإذا تعدّدت الافراد ، وتعدّدت المصادیق ، وتعدّدت الشواهد ، یقلّ الاستبعاد یوماً فیوماً ، وهذه الاکتشافات والاختراعات التی ترونها یوماً فیوماً تبدل المستحیلات إلى ممکنات ، فحینئذ لیس لسعد التفتازانی وغیره إلاّ الاستبعاد ، وقد ذکرنا أنّ الاستبعاد یزول شیئاً فشیئاً .
یمثّل بعض علمائنا ویقول : لو أنّ أحداً ادّعى تمکّنه من المشی على الماء ، یکذّبه الحاضرون ، وکلّ من یسمع هذه الدعوى یقول : هذا غیر ممکن ، فإذا مشى على الماء وعبر النهر مرّهً یزول الاستغراب أو الاستبعاد من السامعین بمقدار هذه المرّه ، فإذا کرّر هذا الفعل وکرّره وکرّره أصبح هذا الفعل أمراً طبیعیاً وسهل القبول للجمیع ، حینئذ هذا الاستبعاد یزول بوجود نظائر ذلک .
إلاّ انّ ابن تیمیّه ملتفت إلى هذه الناحیه ، فیکذّب أصل حیاه الخضر ویقول : بأنّ أکثر العلماء یقولون بأنّ الخضر قد مات ، فیضطرّ إلى هذه الدعوى ، لانّ هذه النظائر إذا ارتفعت رجع الاستبعاد مره أُخرى .
لکنّک إذا رجعت مثلاً إلى الاصابه لابن حجر العسقلانی(۱) لرأیته یذکر الخضر من جمله الصحابه ، ولو رجعت إلى کتاب تهذیب الاسماء
____________
(۱) الاصابه ۲/۱۱۴ ـ ۱۱۵ ـ دار الکتب العلمیه ـ بیروت .
===============
( ۳۳ )

واللغات للحافظ النووی(۱) الذی هو من علماء القرن السادس أو السابع یصرّح بأنّ جمهور العلماء على أنّ الخضر حی ، فکان الخضر حیّاً إلى زمن النووی ، وإذا نزلت شیئاً فشیئاً تصل إلى مثل القاری فی المرقاه(۲) وتصل إلى مثل شارح المواهب اللدنیّه ، هناک یصرّحون کلّهم ببقاء الخضر إلى زمانهم ، وحتّى أنّهم ینقلون قصصاً وحکایات ممن التقى بالخضر وسمع منه الاخبار والروایات ، فحینئذ تکذیب وجود الخضر من قبل ابن تیمیّه إنّما هو لعله ولحساب ، وهو یعلم بأنّ وجود الخضر خیر دلیل على أنّ هذا الاستبعاد لیس فی محلّه .
على أنّ الله سبحانه وتعالى إذا اقتضت الحکمه أنْ یبقی أحداً فی هذا العالم آلاف السنین إذا اقتضت الحکمه ، فقدرته سبحانه وتعالى تطبّق تلک الاراده ، ومشیّته تطبَّق ، وهو قادر على کلّ شیء .
فمسأله طول العمر أصبحت الان مسأله بسیطه الحل ، وصار الجواب عن هذا السؤال سهلاً جداً فی مثل زماننا .
وأمّا أنّ الامام (علیه السلام) متى یظهر ، وأنّه سلام الله علیه کیف یستفاد منه فی زمن الغیبه ؟
یقول ابن تیمیّه وأیضاً یقول سعد التفتازانی : بأنّ المهدی لم یبق منه إلاّ
____________
(۱) تهذیب الاسماء واللغات ۱/۱۷۶ رقم ۱۴۷ ـ دار الکتب العلمیه ـ بیروت .
(۲) مرقاه المفاتیح للقاری ۹/۶۹۲ کتاب الفتن .
===============
( ۳۴ )

الاسم ، ولم ینتفع منه أحد حتّى القائلون بوجوده .
وهؤلاء لا یعلمون ، لانّ هذه الاُمور لا یتوصّلون إلیها ولا یمکنهم الاطّلاع علیها ، إنّ الثقات من أبناء هذه الطائفه من علماء وغیر علماء ، لهم قضایا وحوادث وقصص وحکایات ، تلک القضایا الثابته المرویه عن طرق الثقات مدوّنه فی الکتب المعنیّه ، وکم من قضیه رجع الشیعه ، عموم الشیعه ، أو فی قضایا شخصیه ، رجعوا إلى الامام (علیه السلام) وأخذوا منه حلّ تلک القضیه ورفع تلک المشکله ، إلاّ أنّ أعداء الائمّه سلام الله علیهم والمنافقین لا یوافقون على مثل هذه الاخبار ، وطبیعی أن لا یوافقوا ، ومن حقّهم أن لا یعتقدوا .
مضافاً ، إلى أنّ الله سبحانه وتعالى إنّما ینصب الامام فی کلّ أُمه ، ویرسل الرسول إلى کلّ أُمّه ، لیتمّ به الحجه ، وکم من نبی قتلوه فی أوّل یوم من نبوّته ودعوته ، وکم من رسول صلبوه فی الیوم الاوّل من رسالته ، وکم من الانبیاء حاربوهم وشرّدوهم وطردوهم ، أیمکن أن یقال لله سبحانه وتعالى : بأنّ إرسالک هؤلاء الرسل والانبیاء کان عبثاً .
وأمّا أین یعیش ؟
فأین یعیش الخضر ؟ نحن نسأل القائلین ببقاء الخضر وغیر الخضر ممّن یعتقدون بحسب روایاتهم بقاءهم ، هؤلاء أین یعیشون ؟ وهذه لیست مسأله ، إنّ الامام أین یعیش !
وأمّا الحوادث الکائنه عند ظهوره وبعد ظهوره .
فتلک حوادث وقضایا مستقبلیه وردت بها أخبار ، وتلک الاخبار
===============
( ۳۵ )

مدوّنه فی الکتب المعنیه .
والشیء الذی أراه مهمّاً من الناحیه الاعتقادیه والعملیه ، وأرجو أنْ تلتفتوا إلیه ، فلربّما لا تجدونه مکتوباً ولا تسمعونه کما أقوله لکم :
لاحظوا إذا کانت غیبه الامام (علیه السلام) لمصلحه أو لسبب ، ذلک السبب إمّا وجود المانع وإمّا عدم المقتضی ، غیبه الامام (علیه السلام) إمّا هی لعدم المقتضی لظهوره أی لعدم وجود الارضیه المناسبه لظهوره ، أو لوجود الموانع عن ظهوره .
وجود الموانع وعدم المقتضی کان السبب فی غیبه الامام (علیه السلام) ، هذا واضح .
إنّا لا نعلم أنّ المانع متى یرتفع ، ولا نعلم أنّ المقتضی متى یتحقق ویحصل ، ولذا ورد فی الروایات : «إنّما أمرنا بغته» .
فظهور الامام (علیه السلام) متى یکون ؟
حیث لا یکون مانع وتتمّ المقدمات والارضیه المناسبه لظهوره .
وهذا متى یکون ؟
العلم عند الله سبحانه وتعالى ، فیمکن أن یکون غداً ، ویمکن أن یکون بعد غد ، وهکذا ، وهذه نقطه .
والنقطه الثانیه : إنّ فی روایاتنا أنّ حکومه المهدی ستکون حکومه داود (علیه السلام) ، إنّه یحکم بحکم داود (علیه السلام) ، رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)قال : «إنّما أقضی بینکم بالبیّنات والایمان وبعضکم ألحن بحجّته من بعض ، وأیّما رجل قطعت له قطعه
===============
( ۳۶ )

فإنّما أقطع له قطعه من نار»(1) .
أوضّح لکم هذه الروایه : رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)کان إذا تخاصم إلیه رجلان على کتاب مثلاً ، على دار ، أو على أیّ شیء آخر ، یطلب من المدعی البیّنه ، وحینئذ إنْ أقام البیّنه أخذ الکتاب من المدعى علیه وسلّمه إلى المدعی ، وهذا الحکم یکون على أساس البیّنه ، یقول رسول الله إنّما أقضی علیکم إنّما أقضی بینکم بالبیّنه ، أمّا إذا کانت البیّنه کاذبه والمدعی أقامها وعن هذا الطریق تملّک الکتاب ، فلیعلم بأنّ الکتاب هذا قطعه من النار ، أنا وظیفتی أنْ أحکم بینکم بحسب البیّنه ، لکن أنت المدعی إنْ کنت تعلم بینک وبین ربّک أنّ الکتاب لیس لک ، فلا یجوز لک أخذ هذا الکتاب .
إذن، یکون حکم رسول الله والحکم الاسلامی على أساس القواعد المقرّره ، وهذه هی الادله الظاهریه المعمول بها .
فإذا جاء المهدی سلام الله علیه ، لا یأخذ بهذه القواعد والاحکام الظاهریه ، وإنّما یحکم طبق الواقع ، فإذا جاء ورأى أنّ الکتاب الذی بیدی هذا الکتاب الذی بحوزتی هو لزید ، أخذه منّی وأرجعه إلى زید ، وإذا علم أنّ هذه الدار التی أسکنها ملک لعمرو أخذها منّی وأرجعها إلى عمرو ، فکلّ حقّ یرجع إلى صاحبه بحسب الواقع .
وعلى هذا ، إذا کان الامام (علیه السلام) ظهوره بغته ، وکان حکمه بحسب الواقع ، فنحن ماذا یکون تکلیفنا فیما یتعلّق بنا فی شؤوننا الداخلیه والشخصیه ؟ فی
____________
(۱) الکافی ۷/۴۱۴ رقم ۱ ، باختلاف بالالفاظ .
===============
( ۳۷ )

أُمورنا الاجتماعیه ؟ فی حقوق الله سبحانه وتعالى علینا ؟ وفی حقوق الاخرین علینا ؟ ماذا یکون تکلیفنا وفی کلّ لحظه نحتمل ظهور الامام (علیه السلام) ، وفی تلک اللحظه نعتقد بأنّ حکومته ستکون طبق الواقع لا على أساس القواعد الظاهریه ؟ حینئذ ماذا یکون تکلیف کلّ فرد منّا ؟
وهذا معنى «أفضل الاعمال انتظار الفرج» .
وهذا معنى ما ورد فی الروایات من أنّ الائمّه (سلام الله علیهم) کانوا ینهون الاصحاب عن الاستعجال بظهور الامام (علیه السلام) ، إنّما کانوا یأمرون ویؤکّدون على إطاعه الانسان لربّه وأن یکون مستعدّاً لظهور الامام (علیه السلام) .
وبعباره أُخرى : مسأله الانتظار ، ومسأله ترقب الحکومه الحقه ، هذه المسأله خیر وسیله لاصلاح الفرد والمجتمع ، وإذا صَلُحنا فقد مهّدنا الطریق لظهور الامام (علیه السلام) ، ولان نکون من أعوانه وأنصاره .
ولذا أمرونا بکثره الدعاء لفرجهم ، ولذا أمرونا بالانتظار لظهورهم ، هذا الانتظار معناه أن یعکس الانسان فی نفسه ویطبّق على نفسه ما یقتضیه الواقع ، قبل أن یأتی الامام (علیه السلام)ویکون هو المطبِّق ، ولربّما یکون هناک شخص یواجه الامام (علیه السلام)ویأخذ الامام منه کلّ شیء ، لانّ کلّ الاشیاء التی بحوزته لیست له ، وهذا ممکن .
فإذا راقبنا أنفسنا وطبّقنا عقائدنا ومعتقداتنا فی سلوکنا الشخصی والاجتماعی ، نکون ممهّدین ومساعدین ومعاونین على تحقّق الارضیه المناسبه لظهور الامام (علیه السلام) .
===============
( ۳۸ )

وتبقى کلمه سجّلتها عن الامام أمیر المؤمنین (علیه السلام) بهذه المناسبه ، یقول الامام (علیه السلام) ـ کما فی نهج البلاغه ـ : «ولا تستعجلوا بما لم یعجّله الله لکم ، فإنّه من مات منکم على فراشه وهو على معرفه حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بیته ، مات شهیداً»(1) .
وعندنا فی الروایات : أنّ من کان کذا ومات قبل مجیء الامام (علیه السلام)مات وله أجر من کان فی خدمته وضرب بالسیف تحت رایته .
یقول الامام (علیه السلام) : «فإنّه من مات منکم على فراشه وهو على معرفه حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بیته مات شهیداً ، ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النیّه مقام إصلاته لسیفه ، فإنّ لکلّ شیء مدّه وأجلاً»(2) .
ففی نفس الوقت الذی نحن مأمورون بالدعاء بتعجیل الفرج ، فنحن مأمورون أیضاً لتهیئه أنفسنا ، وللاستعداد الکامل لان نکون بخدمته ، وإذا عمل کلّ فرد منّا بوظائفه ، وعرف حقّ ربّه عزوجل وحقّ رسوله (صلى الله علیه وآله وسلم)وحقّ أهل بیته (علیهم السلام) ، فقد تمّت الارضیه المناسبه لظهوره (علیه السلام) ، ولا أقل من أنّا أدّینا تکالیفنا ووظائفنا تجاه الامام (علیه السلام) .
وکنت أقصد أن أُلخّص البحث فی بعض الجهات الاُخرى حتّى أُوفّر
____________
(۱) نهج البلاغه ۲/۱۵۶ خطبه ۱۸۵ .
(۲) تأویل الایات : ۶۴۲ ، البحار ۵۲/۱۴۴ ح۶۳ .
===============
( ۳۹ )

وقتاً لهذه النقطه الاخیره التی بیّنتها لکم ، وذکرت لکم الدلیل البرهانی العقلی والروائی على وجوب الالتزام العملی على کلّ واحد منّا بوظائفه تجاه ربّه وتجاه رسوله وتجاه أهل بیت الرسول (علیهم السلام) .

Leave A Reply

Your email address will not be published.