السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین

0

السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین

 

بعد أن یسمو الشهید الى الله سبحانه وتعالى ویلتحق بالرفیق الأعلى ینقسم الناس إزاءه الى ثلاث فرق ؛ ففرقه تؤمن به وبقضیته وتعمل فی سبیل إحیاء أمره ، وفرقه تکفر به وبمبادئه وتعمل فی سبیل إخماد ذکره وإماته أمره ، وهاتان الفرقتان إنما تمثلان الأقلیه السحیقه ، أما الفرقه الثالثه فهی التی ینضوی تحتها أغلب الناس ؛ وهی الفئه التی کل جهدها أن تذرف الدموع على الشهید ؛ فیما هی فی واقع الأمر تصفق لأعدائه وتؤیدهم فعلاً .
الامه بعد استشهاد الزهراء علیها السلام
لقد ذهبت السیده الصدیقه فاطمه الزهراء سلام الله علیها ، وهی أول شهیده بعد رحیل الرسول الأکرم بظلامتها وحسرتها وآلامها وأحزانها الى ربها . ذهبت فاطمه ، ولکن ماذا کان فعل المسلمین وأهل المدینه منهم بالخصوص تجاه هذا الخطب الفجیع الذی یحمل فی طیاته معالم الردّه والانقلاب على الأعقاب ؟
لقد انقسم الناس حیاله الى ثلاثه أقسام ـ کما هی العاده ـ فقسم منهم بکى على سیدته الجلیله قاطعاً على نفسه عهداً باتباع سیرتها والاستضاءه بنورها ، وکان من هذا القسم رجال کسلمان المحمدی ـ الفارسی ـ وأبی ذر والمقداد وعمار وابن التیّهان .
وقسم بقی على بغضه لها وحبّه لعدوّها ، وهؤلاء کانوا أعداداً بسیطه کالمغیره الذی ضرب السیده الزهراء بیده الخبیثه فی أحد أزقّه المدینه وبقی على بغضه حتى آخر لحظه من حیاته البغیضه الملیئه بالأحقاد على مبادئ الإسلام . أما القسم الثالث ، فکان یمثل الأغلبیه من أهل المدینه ، فقد بکوا الصدیقه الزهراء وتعاطفوا معها قلباً ، ولکنهم فی الوقت ذاته خالفوها ومبادئها عملاً وصفّقوا لأعدائها ووقفوا مع الذین قتلوها واستباحوا حقوقها .
أزمه المسلمین الاولى
إن الأزمه التاریخیه الحقیقیه فی حیاه المسلمین هی هذه الازدواجیه فی السلوک ؛ الأزمه التی رفضها القرآن الکریم رفضاً قاطعاً ، معتبراً ظهور بوادرها أول ظهور الانکسار والرده والتخلّف . وها هی الآن الملایین تبکی الحسین علیه السلام فی أیام عاشوراء ذکرى استشهاده المقدس ، بل ویلطمون ویجرحون أنفسهم للدلاله على حزنهم وتضامنهم معه ، غیر أن المنصف إذا ما اعتبر أعمالهم مقیاساً لإیمانهم فسیعرف أنّ الکثیر منهم لاینتمی الى جبهه الحسین علیه السلام . فالعین تدمع من أجل الحسین ، والید تصفق لیزید ولکل من کان معه وخطه فی هذا العصر .
والأئمه علیهم السلام کانوا قد شخصوا ذلک من قبل ، حتى أنهم وضعوا نصوص الزیارات الشریفه لسید الشهداء التی جاء فیها : ” اللهم العن أول ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلک . . . اللهم العن العصابه التی جاهدت الحسین وشایعت وبایعت وتابعت على قتله ” 1 .
ونقرأ فی زیاره الوارث ، وهی من الزیارات المعتبره فنقول : ” بأبی أنت وأمی یا أبا عبدالله ، بأبی أنت وأمی یا ابن رسول الله ، لقد عظمت الرزّیه وجلت وعظمت المصیبه بک علینا وعلى جمیع أهل السماوات والأرض ، فلعن الله أمه أسرجت وألجمت وتهیّأت لقتالک . . . ” 2 .
فأولئک الذین ظلموا آل الرسول وأولئک الذین خالفوا الرسول فی أهل بیته قد ماتوا ، ولکنهم أورثوا حقدهم وظلمهم وبغضهم لأبنائهم وتابعیهم ، ولذلک نجد الکثیر من هم فی خط یزید بن معاویه . فحکام العراق الآن (المقصود هم حکام النظام السابق) ـ دون أدنى شک ـ هم التابعون والوارثون الحقیقیون لظلم الأمویین والعباسیین . وإنی إذ أبکی الحسین وأتابع أعدائه عملاً ، إنما أکون مشایعاً لقتله الحسین وورثتهم ؛ بمعنى أن دمعتی وبکائی الطویل لن ینفعنی بمقدار أنمله ، ولن یغیر من الواقع والحقیقه شیئاً أبداً .
إن المشکله لیست فی تلک الأقلیه التی تبغض أهل البیت علیهم السلام قلباً وقالباً ، فهذه الأقلیه کالکفره الذین یعلنون کفرهم ، وبالتالی فإن من الممکن التحسب لهم وأخذ الحیطه منهم . ولم تکن المشکله فی یوم من الأیام فی الأقلیه التی تعلن ولاءها لأهل البیت وتقلدهم فی کل صغیره وکبیره ، ولو أدى ذلک الى خوض المصاعب والمحن کما أثبت التاریخ . فهذه الأقلیه تحتل قمّه الإیمان ، وهی قلب الدین النابض ، لکن المشکله فی هذه الأکثریه المصابه بمرض الازدواجیه ، حیث تؤمن بأهل البیت کأئمه حق وتعمل ضد ما یأمرون به وینهون عنه .
ولقد صدق القائل حینما وصف للإمام الحسین علیه السلام واقع أهل الکوفه حیث التقاه فی طریقه الیها بقوله : یا ابن رسول الله ؛ قلوب القوم معک وسیوفهم علیک .
نحن والزهراء علیها السلام
بداعی التفاوت فی روایات استشهاد الصدیقه فاطمه الزهراء علیها السلام نعیش عده أیام هذه الذکرى الألیمه . والسؤال المطروح الآن هو : أین نحن من سیره سیده نساء العالمین التی نعتبرها المعیار والقدوه ، لاسیما وأننا نطلب شفاعتها ونؤکد أننا من شیعتها ؟ فهل نحن کذلک فعلاً ؟ وکیف نکون معها ولا نکون فی الجبهه المعادیه لها ؟
والجواب یبدو واضحاً وجلیّاً للغایه ، وبإمکاننا معرفته بواسطه مقارنه سلوکنا بأفعالها ومواقفها أولاً ، وبمقارنه أقوالنا بأقوالها . والأمر لیس مستعصیاً أن یتعرف کلّ واحد منّا على فعل الزهراء ، حتى یقیس نفسه بها .
وأقولها بکل صراحه : إنّ من المستحیل أن تتبع أمه من الأمم نهج فاطمه الزهراء وموازینها ثم تکون أمه متخلفه . فأمه تتبع الزهراء لا تستضعف ولا تذل . وعلى ذلک کلّه ، فان التخلف والذلّه والاستضعاف إنما منشأه نحن أولاً وأخیراً ، ولیس فی معاییر الزهراء .
وتبدو الازدواجیه ظاهره کل الظهور علینا ، حیث نعیش هاجس الخوف والرعب من أن تتخطفنا الأمم من حولنا ، ومع ذلک ندعی بصلافه بالغه اتباع الزهراء ومحبتها . فهذا هو التناقض بعینه والخرافه بعینها ، إذ لا یمکن مطلقاً أن یکون نهج الزهراء نهجاً یحملنا الالتزام به الى التخلف والفرقه والذل .
إن أبرز ما خلدته الزهراء من سیره فاضله مجاهده هو أنها لم تعش لنفسها أو تفکر فی نفسها کإنسانه وکصدیقه ، بل هی عاشت لنهج الإسلام الأصیل ؛ دین أبیها محمد بن عبد الله صلى الله علیه وآله وسلم ، ومن نماذج هذه الحقیقه أنها حینما عادت من المسجد لاحتجاجها على مصادره الحق من قبل الخلیفه الأول ، وجدت أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب علیه السلام جالساً فی زاویه من زوایا البیت وقد احتضن رکبتیه حزیناً متفکراً بشأن هذه الأمه التی خالفت رسولها فور وفاته ، بالرغم من أن الرسول کان قد أخبره بکل شیء سیحدث بعده . . . اشتکت الزهراء لزوجها أمیر المؤمنین ظلامتها محرّضه إیاه على الأخذ بحقها لاسیما وهو بطل الأبطال وصاحب ذی الفقار وفاتح خیبر . . فأجابها أمیر المؤمنین بکلمات ؛ الغرض منها التهدئه والتخییر بین الأخذ بحقها وبین بقاء الدین . فهی إن أرادت حقّها ـ الذی یبدو فی الظاهر شخصیاً ـ لابد أن تعرف أن لا یبقى للإسلام وجود ، وإن هی أرادت بقاء الدین لابد أن تحتسب إلى الله ظلامتها وآلامها . حیث قال علیه السلام : فاحتسبی الله ، فقالت علیها السلام : حسبی الله وأمسکت ۳ ثم لم تشتکی لأمیر المؤمنین أبداً ، وهی التی کانت تعلم علم الیقین أنها لو اقترحت علیه الأخذ بحقها للبّى الطلب ، إذ هی فاطمه التی جاء فیها ” وان الله عز وجل لیغضب لغضب فاطمه ویرضى لرضاها ” 4 .
وإذ تبین لنا أن مصلحه الدین هی الأساس فی سلوک الزهراء علیها السلام ، لنعد الى أنفسنا وننظر إلى مستوى وجود هذا الأساس والمعیار فی سلوکنا ، فهل خالفنا مصالحنا الشخصیه من أجل مصلحه الدین؟ وهل خالفنا منافعنا لصالح قضیه دینیه ؟ ۵ .
_____________________________________________

۱٫ مفاتیح الجنان للشیخ القمی .
۲٫ المصدر .
۳٫ بحار الأنوار ، ج۸ ، ص۱۱۲ .
۴٫ فرائد السمطین ، ج۲ ، ص۴۶ .
۵٫ فاطمه الزهراء علیها السلام قدوه الصدیقین ، آیه الله السید محمد تقی المدرسی ، الناشر : دار محبی الحسین (ع) ، قطع : رقعی ، الطبعه : الأولى

 

 

http://shiastudies.com/ar/

 

 

 

السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین. السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین.السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین. السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین. السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین.السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین.السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمینالسیدة فاطمة الزهراء علیها السلام في واقع المسلمین

Leave A Reply

Your email address will not be published.