من هو أول من جَمع خُطب الإمام؟ (02)
أقوال العلماء في نهج البلاغة :
و أقوال العلماء و الادباء في خصوص نهج البلاغة و صحة انتساب مافيه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فهي كثيرة أيضاً نُشير إلى بعضها .
1. قال العلامة السيد محسن الأمين : ” إن نهج البلاغة مع صحة أسانيده في الكتب و جلالة قدر جامعه و عدالته و وثاقته ، لا يحتاج إلى شاهد على صحة نسبته إلى إمام الفصاحة و البلاغة ، بل له منهُ عليه شاهد ” 15 .
2. قال الفاضل الآلوسي : ” هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي و شمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي ” 16 .
3. قال الإمام محمد عبده : ” جمع الكتاب ـ أي نهج البلاغة ـ ما يمكن أن يعرض الكاتب و الخاطب من أغراض الكلام ، فيه الترغيب ، و التنفير ، و السياسات ، و الجدليات ، و الحقوق و أصول المدنية و قواعد العدالة ، و النصائح و المواعظ ، فلا يطلب الطالب طلبه إلا و يرى فيه أفضلها ، و لا تختلج فكرة إلا وجد فيه أكملها ” 17 .
4. قال الأديب أحمد حسن الزّيات المصري : ” و لا نعلم بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) فيمن سلف و خلف أفصح من علي في المنطق ، و لا أبلّ منه ريقاً في الخطابة ، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه ، و خطيباً تتدفّق البلاغة على لسانه ، و واعظاً ملء السمع و القلب ، و مترسلاً بعيد غور الحجة ، و متكلماً يضع لسانه حيث يشاء ، و هو بالإجماع أخطب المسلمين و إمام المنشئين ، و خُطبه في الحثّ على الجهاد و رسائله إلى معاوية و وصف الطاووس و الخفاش و الدنيا ، و عهده للأشتر النخعي إن صحَّ 18 تعدّ من معجزات اللسان العربي و بدائع العقل البشري ، و ما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه الرسول و مرانه منذ الحداثة على الكتابة له و الخطابة في سبيله ” 19 .
5. قال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية : ” إن كل كلمة من كلمات نهج البلاغة تعكس في وضوح روح الإمام و علمه و عظمته في دينه و جميع صفات الجلال و الكمال ، و لو لم يحمل نهج البلاغة اسم الإمام ثم قرأه عارف بسيرته و شخصيته لا يتردد في القول بأنه كلام الإمام من ألفه إلى يائه ” 20 .
6. قال الأستاذ الهنداوي : ” لا تكاد نرى كتاباً انفرد بقطعات مختلفة يجمعها سلك واحد من الشخصية الواحدة و الأسلوب الواحد ، كما نراه في نهج البلاغة ، لذلك نقرر و نكرر أن النهج لا يمكن أن يكون إلا لشخص واحد نفخ فيه نفس واحد ” 21 .
التشكيك في سند نهج البلاغة و في نسبته إلى علي ( عليه السَّلام ) :
أما التشكيك في صحة انتساب ما في نهج البلاغة إلى الامام علي ( عليه السَّلام ) ، فتلك شنشنة قد عرفت من أخزم .
و الأفضل أن نترك التقييم لهذا التشكيك إلى كبار العلماء .
1. قال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) : ” قال أعداء محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) و جاحدوا رسالته و نبوته : إن القرآن من وضعه ، لا من وحي الخالق جل و علا ، و قال أعداء علي ( عليه السَّلام ) و جاحدوا إمامته و ولايته : إن نهج البلاغة ـ كله أو جله ـ من تأليف الشريف الرضي ، لا من أقوال الإمام ( عليه السَّلام ) ” 22 .
و قال أيضا : ” و لو نُسب نهج البلاغة لمعاوية بن أبي سفيان لكانت النسبة حقاً و صدقا ، و لكان أبا يزيد المصدر الأول للفلسفة و الحضارة الإسلامية ، و لكنه نسب إلى إمام المتقين و حبيب المؤمنين و عدو المنافقين فأصبح موضع الريب و التشكيك ! ” 23 .
2. قال العلامة السيد محسن الأمين ( رحمه الله ) : ” و من التحامل على أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) التماس الوجوه و الطرق و الوسائل لإنكار نسبة نهج البلاغة إليه ، و أنه من تأليف السيد الرضي ” 24 .
3. قال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ): ” بعد البحث لم أجد أي سبب للشك في نسبة نهج البلاغة إلى الإمام ( عليه السَّلام ) إلا أن جامعه الشريف الرضي الشيعي . .! 25 .
ردود العلماء على المشككين :
1. قال العلامة السيد محسن الأمين ( رحمه الله ) : ” و لا يكاد ينقضي عجبي من هؤلاء الذين قادهم الوهم إلى أن الشريف الرضي أنشأ نهج البلاغة أو بعضه لا كثيراً منه أو أكثره و نسبه إلى أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) مع اعترافهم بأن علياً هو السابق في ميدان الفصاحة و البلاغة … فعليٌ ليس بحاجة إلى أن ينسب إليه الشريف الرضي ما ليس من كلامه و له الحظ الوافر من أفصح الكلام ” 15 .
2. قال العلامة السيد محسن الأمين ( رحمه الله ) : ” إن نهج البلاغة قد شرح حتى اليوم بعشرات الشروح و طبع منها الألوف ، و طبع منه الملايين ، ليس في إمكان الشريف الرضي مع علو قدره و لا غيره أن يأتي بما يضارع نهج البلاغة ، و كلام الرضي كثير معروف مشهور لا يشبه شيء منه نهج البلاغة و لا يدانيه ” 26.
3. و قال السيد محسن الأمين ( رحمه الله ) أيضا : ” ليس نهج البلاغة مرجعاً للأحكام الشرعية حتى نبحث عن أسانيده و نوصله إلى علي ( عليه السَّلام ) ، إنما هو منتخب من كلامه في المواعظ و النصائح و أنواع ما يعتمده الخطباء من مقاصدهم ، و لم يكن غرض جامعه إلا جمع قسم من الكلام السابق في ميدان الفصاحة و البلاغة على حدّ ما جمع غيره من كلام الفصحاء و البلغاء الجاهليين و الإسلاميين الصحابة و غيرهم بسند أو بغير سند ، و لم نَرَكُم تعترضون على أحد في نقله لخطبة أو كلام بدون سند و هو في الكتب يفوق الحد ، إلا على نهج البلاغة ، ليس هذا إلا لشيء في النفس مع أن جل ما فيه مروي بالأسانيد في الكتب المشهورة المتداولة ” 15 .
4. و قال ( رحمه الله ) أيضا : ” لو كان أكثر ما فيه منحول مدخول كما يقول الأديب الزيات في تاريخ الأدب العربي ، لردّه علماء ذلك العصر و ما قبلوه ، و بينوا وجه الانتحال فيه و أظهروه فشاع و ذاع ، لكنا لم نجدهم نسبوا ببنت شفة ، بل تلقّوه بالقبول و الإعظام … ” 26 .
ثم إن هناك كتباً ألفها علماء و ادباء تؤكد وجود الخطب و الكتب و الحِكم الواردة في نهج البلاغة قبل ولادة السيد الرضي ( رحمه الله ) و نذكر منها :
1. تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : لآية الله لشيخ حسن حسن زاده الآملي ، في خمس مجلدات ، استخرج فيها الكثير مما هو موجود في نهج البلاغة من المصادر و الكتب التي الَّفها العلماء قبل ولادة السيد الرضي 27 .
2. مصادر نهج البلاغة : للعلامة الخطيب السيد عبدالزهراء الحسني .
3. أسناد نهج البلاغة ، للشيخ عبد الله نعمة .
مستدركات نهج البلاغة :
ثم إن كلام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) أكثر بكثير مما جمعه الشريف الرضي كما أشرنا إلى ذلك ، و قد جمع بعض العلماء من كلام الإمام مجلدات عديدة ، فيها ما لم يرد في نهج البلاغة ، الذي يضم في الأساس مختارات من كلام الإمام ( عليه السَّلام ) ، و اليك أسماء بعضها :
1. المستدرك : للعلامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ، المعاصر لصاحب الذريعة 6 .
2. نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة : للعلامة المحقق الشيخ باقر المحمودي ، و قد طبع منه حتى الآن عدة مجلدات .
………………………..
المصادر
15. a. b. c. أعيان الشيعة : 1 / 79 .
16. بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب : 3 / 180 ، عنه أعيان الشيعة : 1 / 78 .
17. يراجع : مقدمة نهج البلاغة للإمام محمد عبده ، نقلاً عن : فضائل الإمام علي ، للعلامة الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) : 72 ، الطبعة الأولى سنة : 1397 هجرية / 1977 ميلادية ، دار التعارف بيروت / لبنان .
18. يعلّق العلامة السيد محسن الأمين ( رحمه الله ) على كلام الزيات قائلاً : ” و جاء الفاضل الزيّات الذي يريد أن يحيي تاريخ الأدب العربي فحكم حكماً جازماً قاطعاً باتاً بأن أكثر ما فيه منحول مدخول ولم يأت على ذلك ببينة و لا برهان سوى اعترافه بأنه بحق يفتح للناظر فيه أبواب البلاغة و يقرب عليه طلابها ، و سوى نقله الإجماع على أنه أخطب المسلمين و إمام المنشئين ، و بأن خطبه و عهده للأشتر تعدّ من معجزات اللسان العربي و بدائع العقل البشري ، لكن قلمه لم يطاوعه على الجزم بنسبة عهد الأشتر إليه فأردفه بقوله ” إن صح ” و ليت شعري ما الذي رابه من صحته ، أكونه من معجزات اللسان العربي ؟ و من أحق بمعجزاته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ أم كون ناقله الشريف الرضي ، و من أثبت منه نقلاً و أصدق منه قيلاً و أثبت عدالة و تقوى ” . أعيان الشيعة : 1 / 78 .
19. تاريخ الأدب العربي : 90 ، عنه أعيان الشيعة : 1 / 77 .
20. فضائل الإمام علي ، للعلامة الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) : 72 .
21. مع الإمام علي : 200 ، نقلاً عن : فضائل الإمام علي : 72 .
22. فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) : 71 ، الطبعة الأولى سنة : 1397 هجرية / 1977 ميلادية ، دار التعارف بيروت / لبنان .
23. فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) : 74 .
24. أعيان الشيعة : 1 / 77 .
25. فضائل الإمام علي : 73 .
26. a. b. أعيان الشيعة : 1 / 78 .
27. قال آية الله الشيخ حسن زاده الآملي في مقدمة كتابه المذكور : ” و كان مما يهمنا في ذلك الشرح تحصيل اسناد ما في النهج و ذكر مصادره و ماخذه من الجوامع الروائية و المجاميع التي الفت و دونت قبل جامع النهج ، الشريف الرضي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ مثل :
الجامع الكافي ، لثقة الاسلام الكليني ، المتوفى سنة 328 هجرية ، على أحد قولي شيخ الطائفة الطوسي ـ قدس سره ـ أو سنة 329 هجرية ، على ما قاله النجاشي ـ رحمة الله عليه ـ .
و البيان و التبيين ، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، المتوفى سنة 255 هجرية .
و الكامل ، لابي العباس محمد بن يزيد ، المعروف بالمبرد ، المتوفى سنة 285 هجرية .
و الكتاب المعروف بتاريخ اليعقوبي ، لاحمد بن أبي يعقوب الكاتب ، المتوفى سنة246 هجرية كما في الكنى و الالقاب للمحدث القمي ، أو حدود سنة 292 هجرية على قول آخر .
و تاريخ الامم و الملوك ، المعروف بتاريخ الطبري ، لابي جعفر محمد بن جرير الطبري الاملي ، المتوفى سنة 310 هجرية .
و كتاب صفين ، للشيخ الاقدم أبي الفضل نصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي ، من جملة الرواة المتقدمين ، بل هو في درجة التابعين ، كان من معاصري الامام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، باقر العلوم ، وكأنه كان من رجاله عليه السلام ، و أدرك الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كما في « الخرائج » للراوندي رحمه الله تعالى ، و كانت وفاة نصر سنة 212 هجرية .
و كتب الشيخ الاجل المفيد ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة 413 هجرية ، لا سيما ما نقل في كتبه باسناده عن المؤرخ المشهور محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني ، المتوفى سنة 207 هجرية .
و كتاب الامامة والسياسة ، المعروف بتاريخ الخلفاء ، من مؤلفات عبدالله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفى سنة 276 هجرية .
و مروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ ، لابي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، المتوفى سنة 346 هجرية .
و كتب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المشتهر بالشيخ الصدوق ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، المتوفى سنة 381 هجرية .
و كتاب الغارات ، لابي اسحاق ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي الاصبهاني ، المتوفى سنة 283 هجرية .
و غيرها من الكتب الاصيلة المعتمد عليها للعلماء الاقدمين الذين كانوا قبل الرضي جامع النهج ببضع سنين الى فوق مائتين ، و هو رضوان الله عليه توفي سنة 406 هجرية من هجرة خاتم النبيين .
و ما هذه المصادر الا انموذج لكثير مما يمكن أن يندرج معها .
و انما حدانا على ذلك طعن بعض المعاندين من السابقين و اللاحقين بل المعاصرين على النهج بأنه ليس من كلام أمير المؤمنين عليه السلام بل هو مما وضعه الرضي أو أخوه المرتضى فنسبه اليه ! يراجع مجلة تراثنا : العدد : 5 ، السنة الأولى .