منهج الإمام الباقر علیه السلام مع مخالفیه (۲)
حدیث عظیم وجلیل له أبعاد متعدده وهو یحکی الواقع المعاش لأتباع أهل البیت فی الوقت الراهن وهم بأمس الحاجه إلى مثل هذه الأحادیث المغیبه عن الجمهور حتى لأتباع أهل البیت وقد حرص أئمتنا علیهم السلام أن یوصلوها إلى شیعتهم وموالیهم وأن یعملوا على طبقها ، وهذه الروایه تحتاج إلى بسط من الشرح والتوضیح لأنها کما ذکرنا تحمل فی طیاتها عده أبعاد:
البعد الأول: مفهوم التشیع عند الإمام الباقر علیه السلام
تطالعنا الروایه فی بدایتها بالترحم على الشیعه الذین یتحملون مسئولیه الدعوه إلى أهل البیت علیهم السلام فیوجد فریقان أحدهما: من یوالیهم ویشایعهم . والفریق الثانی : من لم یکن على هذا المنوال بل ولم یعرفوهم وعبر الإمام علیه السلام عن هذا الفریق بـ ( الناس )
حول معنى الشیعه الذین حملهم الأئمه مسئولیه الدعوه إلیهم وقد اهتم الإمام الباقر علیه السلام بهذا المفهوم وتحدیده ضمن روایات تحدث فیها عن هذا المفهوم ، وقد تکلمنا فی بعض أحادیثنا السابقه حول مفهوم الشیعه عند الإمام الباقر علیه السلام وإلیک خلاصه ذلک فنقول : أما مفهوم التشیع عند الإمام الباقر u فلابد من أخذه من الروایات التی وردت عنه فی هذا المجال وهی تشکل مجموعه کبیره لا یستهان بها ویمکن أن یستخلص منها عده عناصر ومواصفات بدورها تشکل لنا مفهوم التشیع والإنسان الشیعی .
العناصر الأساسیه لمفهوم التشیع
۱- طاعه الله .
۲- تقوى الله .
۳- التواضع .
۴- التخشع .
۵- الأمانه .
۶- کثره ذکر الله .
۷- الالتزام بالصلاه .
۸- الالتزام بالصوم .
۹- البر بالوالدین .
۱۰- التعاهد للجیران من الفقراء وأهل المسکنه .
۱۱- التعاهد للغارمین أی المدیونین .
۱۲- التعاهد للأیتام .
۱۳- صدق الحدیث .
۱۴-کثره تلاوه القرآن .
۱۵- کف الألسن عن الناس إلا فی خیر .
۱۶- المتبع سیره النبی صلى الله علیه وآله .
۱۷- المتبع سیره علی u وأولاده المعصومین علیهم السلام .
۱۸- کثره السجود .
۱۹- کثره الدموع من خشیه الله .
۲۰- کثره البکاء خوفا من الله .
هذه عشرون وصفاً یلزم الشیعی المشایع لأهل البیت علیهم السلام أن یتصف بها حتى یتحقق مفهوم التشیع الصحیح فی حقه .
التشیع هو الإسلام
فمفهوم التشیع هو مفهوم الإسلام بلا فرق بینهما فلو بحثنا عن حقیقه التشیع لرأیناه هو الإسلام المحمدی الصافی النقی الذی لا یشوبه أی شائبه لذلک أکد الإمام الباقر علیه السلام على أن التشیع لهم وموالاتهم هی : طاعه الله وولایته والتقوى فمن التزم ذلک فهو لهم ولی ، ومن کان لله عصیاً ومخالفأ فهو لهم عدو حتى لو ادعى مشایعتهم کما قال لجابر الجعفی فی الروایه الآتیه : ( مَنْ کَانَ لِلَّهِ مُطِیعاً فَهُوَ لَنَا وَلِیٌّ وَ مَنْ کَانَ لِلَّهِ عَاصِیاً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَ مَا تُنَالُ وَلَایَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ ) [۲]
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ ( الباقر علیه السلام ) قَالَ : لَا تَذْهَبْ بِکُمُ الْمَذَاهِبُ فَوَ اللَّهِ مَا شِیعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ[۳]
یعنی لا تذهب بکم مذاهب الأفکار والکلام والتخیلات وتتکلون علینا بدون عمل.
وفی الروایه التالیه تؤکد أن المتخلف عن تلک المفاهیم الحقه والصفات العالیه یکون بعیداً عن التشیع کما ورد عَنْ حُمَیْدِ بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام فَسَأَلَهُمْ عَنِ الشِّیعَهِ هَلْ یَعُودُ غَنِیُّهُمْ عَلَى فَقِیرِهِمْ وَ هَلْ یَعُودُ صَحِیحُهُمْ عَلَى مَرِیضِهِمْ وَ هَلْ یَعْرِفُونَ ضَعِیفَهُمْ وَ هَلْ یَتَزَاوَرُونَ وَهَلْ یَتَحَابُّونَ وَهَلْ یَتَنَاصَحُونَ فَقَالَ الْقَوْمُ وَ مَا هُمُ الْیَوْمَ کَذَلِکَ .
فَقَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام لَیْسَ هُمْ بِشَیْءٍ حَتَّى یَکُونُوا کَذَلِکَ [۴]
الدعوى الباطله
یحاول البعض أن یشیع بین الناس أن مجرد الانتساب إلى التشیع لأهل البیت علیهم السلام کاف فی تحقق مفهوم التشیع الصحیح ویکون سبباً فی نجاتهم حتى لو تقاعسوا عن العمل بل یتمادى البعض إلى أبعد من ذلک ویحاول أن یصور لهم أن مجرد ممارستهم لبعض الأعمال البسیطه کفیله بغفران ذنوبهم وهذا ما شجع الکثیر على التساهل فی أمور الدین ، کما أن هذا فی الواقع تغریر بهم وإیقاعهم فی متاهات لا نهایه لها وتربیتهم تربیه منحرفه عن أهداف الأئمه علیهم السلام .
لکن الروایات الوارده عن الإمام الباقر علیه السلام فی هذا المجال تخالف ذلک کله وتفند هذه الدعوى ففی الحدیث الصحیح عَنْ خَیْثَمَهَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أُوَدِّعُهُ
فَقَالَ : یَا خَیْثَمَهُ أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوَالِینَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِیمِ ، وَ أَنْ یَعُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَى فَقِیرِهِمْ ، وَ قَوِیُّهُمْ عَلَى ضَعِیفِهِمْ وَ أَنْ یَشْهَدَ حَیُّهُمْ جِنَازَهَ مَیِّتِهِمْ وَ أَنْ یَتَلَاقَوْا فِی بُیُوتِهِمْ فَإِنَّ لُقِیَّا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَیَاهٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْیَا أَمْرَنَا
یَا خَیْثَمَهُ أَبْلِغْ مَوَالِیَنَا أَنَّا لا نُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِلا بِعَمَلٍ وَ أَنَّهُمْ لَنْ یَنَالُوا وَلَایَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَهً یَوْمَ الْقِیَامَهِ مَنْ وَصَفَ عَدْلا ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَیْرِهِ [۵]
وهکذا نرى الإمام علیه السلام یؤکد على العمل والورع والتقوى وأنهم لن ینالوا ولایه أهل البیت علیهم السلام إلا بالورع عن محارم الله .
دعوى الحب لا یکفی فی التشیع
عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ : قَالَ لِی یَا جَابِرُ :
أَیَکْتَفِی مَنِ انْتَحَلَ التَّشَیُّعَ أَنْ یَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَیْتِ ؟
فَوَ اللَّهِ مَا شِیعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ ، وَمَا کَانُوا یُعْرَفُونَ یَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَ الْأَمَانَهِ وَ کَثْرَهِ ذِکْرِ اللَّهِ وَ الصَّوْمِ وَ الصَّلاهِ وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَیْنِ وَ التَّعَاهُدِ لِلْجِیرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ الْمَسْکَنَهِ وَ الْغَارِمِینَ وَ الأَیْتَامِ وَ صِدْقِ الْحَدِیثِ وَ تِلاوَهِ الْقُرْآنِ وَ کَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَیْرٍ وَ کَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِی الْأَشْیَاءِ .
قَالَ جَابِرٌ : فَقُلْتُ یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُ الْیَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَهِ .
فَقَالَ یَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِکَ الْمَذَاهِبُ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ یَقُولَ أُحِبُّ عَلِیّاً وَ أَتَوَلاهُ ثُمَّ لَا یَکُونَ مَعَ ذَلِکَ فَعَّالا .
فَلَوْ قَالَ إِنِّی أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله علیه وآله خَیْرٌ مِنْ عَلِیٍّ علیه السلام ثُمَّ لا یَتَّبِعُ سِیرَتَهُ وَ لا یَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِیَّاهُ شَیْئاً .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَیْسَ بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَحَدٍ قَرَابَهٌ .
أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَکْرَمُهُمْ عَلَیْهِ أَتْقَاهُمْ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .
یَا جَابِرُ وَ اللَّهِ مَا یُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَهِ وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَهٌ مِنَ النَّارِ وَ لَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّهٍ .
مَنْ کَانَ لِلَّهِ مُطِیعاً فَهُوَ لَنَا وَلِیٌّ وَ مَنْ کَانَ لِلَّهِ عَاصِیاً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَ مَا تُنَالُ وَلَایَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ [۶]
الانتحال هی الدعوى الکاذبه الزائفه فدعوى الحب مع مخالفه المدعی لمن یحبه فی العمل والسلوک والأخلاق والمنهجیه کل ذلک یثبت بطلان دعواه ، ولنترک الحدیث إلى العلامه المجلسی لأن یشرح لنا الحدیث ضمن تعلیقاته على فقرات الحدیث .
فیعلق العلامه المجلسی :
۱- على کلمه (حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ یَقُولَ أُحِبُّ عَلِیّاً وَ أَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا یَکُونَ مَعَ ذَلِکَ فَعَّالًا) من هذه الروایه بقوله :
( أی لو قال المخالف إنی أحب رسول الله وهو أفضل من علی ؛ فکما أنکم تتکلون على حب علی علیه السلام أنا أتکل على حب محمد صلى الله علیه وآله مع مخالفته فی القول بأوصیائه یمکنه أن یقول فکذا لا ینفعکم حب علی مع مخالفتکم له فی الأقوال والأفعال ).
۲- على کلمه ( لَیْسَ بَیْنَ اللَّهِ وَ بَیْنَ أَحَدٍ قَرَابَهٌ ) بقوله :
( أی لیس بین الله وبین الشیعه قرابه حتى یسامحکم ولا یسامح مخالفیکم مع کونکم مشترکین معهم فی مخالفته تعالى . أولیس بینه وبین علی علیه السلام قرابه حتى یسامح شیعه علی علیه السلام ولا یسامح شیعه الرسول .
والحاصل : إن جهه القرب بین العبد وبین الله إنما هی بالطاعه والتقوى ولذا صار أئمتکم أحب الخلق إلى الله فلو لم تکن هذه الجهه فیکم لم ینفعکم شیء .
۳- على کلمه : ( وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَهٌ مِنَ النَّارِ ) بقوله :
( أی لیس معنا صک ، وحکم ، ببرائتنا وبرائه شیعتنا من النار ، وإن عملوا بعمل الفجار ) .
۴- وعلى کلمه ( وَ لا عَلَى اللَّهِ لأَحَدٍ مِنْ حُجَّهٍ ) بقوله :
أی لیس لأحد على الله حجه إذا لم یغفر له بأن یقول : کنت من شیعه علی ، فلِمَ لم یغفر لی ، لأن الله لم یحتم بغفران من ادعى التشیع بلا عمل ، أو المعنى لیس لنا على الله حجه فی إنفاذ من ادعى التشیع من العذاب .
ثم قال : ویؤیده أن فی( المجالس ) : ومال لنا على الله حجه . [۷]
۵- وعلى کلمه : ( مَنْ کَانَ لِلَّهِ مُطِیعاً ) بقوله :
( کأنه جواب عمّا یتوهم فی هذا المقام أنهم علیهم السلام حکموا بأن شیعتهم وأولیاءهم لا یدخلون النار .
فأجاب علیه السلام : بأن العاصی لله لیس بولی لنا ، ولا تدرک ولا یتنا إلا بالعمل بالطاعات والورع عن المعاصی . [۸]
خیر الأمور أوسطها
بعد أن تقدم أن مجر الدعوى لمحبه آل الرسول دون العمل لا یکفی بل لا بد من الورع والتقوى والعمل الصالح هذا فی الجانب العملی .
أما فی الجانب العقائدی فیخاطب الإمام شیعته ویدعوهم إلى الحاله الوسطیه بین الإفراط والتفریط فلا یجوز للشیعه أن یغالوا فی أئمتهم ویضعوهم أعلى مما وضعهم الله ورسوله وأنفسهم ، کما لا یجوز أن یبخسوهم حقوقهم بإنکار فضائلهم ومقاماتهم العالیه التی رتبهم الله فیها فأئمه أهل البیت علیهم السلام مع أتباعهم الحقیقیین على الطریقه الوسطى ، ودعوا إلى نبذ التطرف فی جانب الإفراط وهو الغلو وجانب التفریط وهو نصب العداء لأهل الحق ، وحاول أئمه الهدى أن یجنبوا أتباعهم هذین الخطین المنحرفین وهذان الخطان لیسا من الدین فی شیء وإنما أوجدهما الجهل لذلک دعا الأئمه علیهم السلام أتباعهم إلى الحاله الوسطیه التی هی الصراط المستقیم .
فعَنْ أَبَانٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ ( الباقر علیه السلام ) قَالَ :
یَا مَعْشَرَ الشِّیعَهِ – شِیعَهِ آلِ مُحَمَّدٍ – کُونُوا النُّمْرُقَهَ الْوُسْطَى یَرْجِعُ إِلَیْکُمُ الْغَالِی وَیَلْحَقُ بِکُمُ التَّالِی
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ یُقَالُ لَهُ سَعْدٌ جُعِلْتُ فِدَاکَ مَا الْغَالِی ؟
قَالَ : قَوْمٌ یَقُولُونَ فِینَا مَا لا نَقُولُهُ فِی أَنْفُسِنَا فَلَیْسَ أُولَئِکَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ .
قَالَ : فَمَا التَّالِی ؟
قَالَ : الْمُرْتَادُ یُرِیدُ الْخَیْرَ یُبَلِّغُهُ الْخَیْرَ یُؤْجَرُ عَلَیْهِ .
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْنَا .
فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا مَعَنَا مِنَ اللَّهِ بَرَاءَهٌ وَ لا بَیْنَنَا وَ بَیْنَ اللَّهِ قَرَابَهٌ وَ لا لَنَا عَلَى اللَّهِ حُجَّهٌ وَ لَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّاعَهِ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مُطِیعاً لِلَّهِ تَنْفَعُهُ وَلَایَتُنَا وَ مَنْ کَانَ مِنْکُمْ عَاصِیاً لِلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَایَتُنَا وَیْحَکُمْ لَا تَغْتَرُّوا وَیْحَکُمْ لَا تَغْتَرُّوا [۹] .
هذه الروایه ترید أن تفهم الشیعه أنه لا یجوز لکم أن تغالوا فی أهل البیت وتقولوا فیهم ما لم یقولوه فی أنفسهم کأن تدعوا لهم الربوبیه أو الإلوهیه وغیر ذلک مما هم منه براء وهم أنفسهم لا یرتضونه وقد أنکروا ذلک فی عده روایات .
وإنما یجب علیکم أن تختاروا حاله الوسطیه وتکونوا النُّمْرُقه الوسطى وهی الوساده الصغیره التی یتکأ علیها الإنسان والجمع نمارق قال تعالى :(وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَهٌ) (الغاشیه:۱۵) فالأئمه یریدون من شیعتهم أن یکونوا حاله الوسط .
قال المجلسی : وکأن التشبیه بالنمرقه باعتبار أنها محل الاعتماد ، والتقیید بالوسطى لکونهم واسطه بین الإفراط والتفریط ، أو التشبیه بالنمرقه الوسطى باعتبار أنها فی المجالس صدر ومکان لصاحبه یلحق به ، ویتوجه إلیه من على الجانبین .
وقیل : المراد کونوا أهل النمرقه الوسطى .
وقیل : المراد إنه کما کانت الوساده التی یتوسد علیها الرجل إذا کانت رفیعه جداً أو خفیفه جداً لا تصلح للتوسد بل لا بد لها من حد من الارتفاع والانخفاض ، حتى یصلح لذلک ، کذلک أنتم فی دینکم وأئمتکم لا تکونوا غالین تجاوزون بهم مراتبهم التی أقامهم علیها وجعلهم أهلاً لها وهی الإمامه والوصایه …. ) [۱۰] .
کما تشیر الروایه إلى تنبیه بعض الشیعه الذین یحملون فی أذهانهم أن مجرد الانتساب إلى علی علیه السلام وأولاده المعصومین علیهم السلام کاف فی النجاه ولا یحتاج إلى عمل .
فالإمام یصرح أنه لا توجد عندهم براءه لأحد بدون عمل وورع وتقوى ولیس لهم على الله حجه وهذه الروایه أصرح من الروایه المتقدمه التی أشارت إلى عدم الحجه على الله سبحانه .
البعد الثانی : منهج الدعوه إلى أهل البیت
الإمام الباقر علیه السلام یقول : رحم الله عبدا من شیعتنا حببنا إلى الناس ولم یبغضنا إلیهم ).
الإمام یشیر إلى الأسلوب الإیجابی ثم إلى الأسلوب السلبی ، إن السؤال الذی یطرح نفسه ما هی العوامل التی تحبب أهل البیت فی أعین مخالفیهم ؟ حتى یجب على شیعتهم أن یلتزموا بها .
إن الجواب المفصل على هذا السؤال سوف یأتی فی الحدیث عن منهج الإمام الصادق علیه السلام وأشیر الآن مختصرا إلى ذلک :
۱- التخلق بأخلاق أهل البیت علیهم السلام والعمل بها عند الخاص والعام .
۲- التحبب إلى الناس ومعاملتهم بما یحب أن یعامله غیره به ففی الصحیح عَنْ أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الباقر علیه السلام قَالَ :
إِنَّ أَعْرَابِیّاً مِنْ بَنِی تَمِیمٍ أَتَى النَّبِیَّ صلى الله علیه وآله فَقَالَ لَهُ أَوْصِنِی فَکَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ یُحِبُّوکَ [۱۱]
۳- الإحسان إلى الآخرین حتى وإن کانوا من المخالفین له ففی الصحیح عَنْ حَرِیزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام مَنْ خَالَطْتَ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَکُونَ یَدُکَ الْعُلْیَا عَلَیْهِمْ فَافْعَلْ [۱۲]
۴- حفظ اللسان عن فضول الکلام فعن عبد الواحد بن المختار عن أبی جعفر علیه السلام قال لو أن لألسنتکم أوکیه لحدث کل امرئ بما له [۱۳]
۵- تعلم علومهم بصوره صحیحه وتعلیمها مخالفیهم حتى یتسنى لهم الإطلاع على علوم أهل البیت ویعرفوا ما عندهم .
۶- التحرز فی نقل روایات أهل البیت علیهم السلام وأن تکون بصوره صحیحه .
۷- غربله تلک الأحادیث وتمییز الغث من السمین ویؤخذ الذی علیه شاهد من القرآن ویترک ما خالفه .
۸- کتم أسرار أهل البیت التی لا یناسب بثها وقد دلت على ذلک مجموعه کبیره من الروایات
۹- التوقف عند الشبهات فیما ینسب إلى علومهم وأحادیثهم
کما عن جابر قال دخلنا على أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام ونحن جماعه بعد ما قضینا نسکنا فودعناه و قلنا له أوصنا یا ابن رسول الله.
فقال لیعن قویکم ضعیفکم و لیعطف غنیکم على فقیرکم و لینصح الرجل أخاه النصیحه لنفسه و اکتموا أسرارنا .
و لا تحملوا الناس على أعناقنا و انظروا أمرنا و ما جاءکم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به و إن لم تجدوه موافقا فردوه وإن اشتبه الأمر علیکم فقفوا عنده و ردوه إلینا حتى نشرح لکم من ذلک ما شرح لنا و إذا کنتم کما أوصیناکم لم تعدوا إلى غیره فمات منکم قبل أن یخرج قائمنا کان شهیدا و من أدرک منکم قائمنا فقتل معه کان له أجر شهیدین و من قتل بین یدیه عدوا لنا کان له أجر عشرین شهیدا [۱۴]
وفی روایه الکلینی مع اختلاف یسیر قال : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُکَیْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ دَخَلْنَا عَلَیْهِ جَمَاعَهً فَقُلْنَا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا نُرِیدُ الْعِرَاقَ فَأَوْصِنَا
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام لِیُقَوِّ شَدِیدُکُمْ ضَعِیفَکُمْ وَ لْیَعُدْ غَنِیُّکُمْ عَلَى فَقِیرِکُمْ وَ لَا تَبُثُّوا سِرَّنَا وَ لَا تُذِیعُوا أَمْرَنَا وَ إِذَا جَاءَکُمْ عَنَّا حَدِیثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَیْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَیْنِ مِنْ کِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَیْنَا حَتَّى یَسْتَبِینَ لَکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِهَذَا الْأَمْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَ مَنْ أَدْرَکَ قَائِمَنَا فَخَرَجَ مَعَهُ فَقَتَلَ عَدُوَّنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ عِشْرِینَ شَهِیداً وَ مَنْ قُتِلَ مَعَ قَائِمِنَا کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسَهٍ وَ عِشْرِینَ شَهِیداً [۱۵]
– وَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع أَنَّهُ أَوْصَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْفَذَهُ إِلَى قَوْمٍ مِنْ شِیعَتِهِ فَقَالَ لَهُ :
بَلِّغْ شِیعَتَنَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِیمِ وَ بِأَنْ یَعُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَى فَقِیرِهِمْ وَ یَعُودَ صَحِیحُهُمْ عَلِیلَهُمْ وَ یَحْضُرَ حَیُّهُمْ جَنَازَهَ مَیِّتِهِمْ وَ یَتَلَاقَوْا فِی بُیُوتِهِمْ فَإِنَّ لِقَاءَ بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَیَاهٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ امْرِأً أَحْیَا أَمْرَنَا وَ عَمِلَ بِأَحْسَنِهِ .
قُلْ لَهُمْ إِنَّا لَا نُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِلَّا بِعَمَلٍ صَالِحٍ وَ لَنْ تَنَالُوا وَلَایَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَهً یَوْمَ الْقِیَامَهِ لَمَنْ وَصَفَ عَمَلا ثُمَّ خَالَفَ إِلَى غَیْرِهِ [۱۶]
البعد الثالث: ما یسبب البغض لأهل البیت
وفی الجانب السلبی ما هی العوامل التی تبغض أهل البیت فی أعین مخالفیهم ؟
حتى یجب على شیعتهم أن یتجنبوها وفیما یلی بعض الأمور التی یجب أن یتجنبها الشیعه :
۱- تحمیل أهل البیت علیهم السلام سلبیات ما یصدر من الشیعه کما أشار الإمام الباقر علیه السلام إلى ذلک فی الروایه المتقدمه بقوله ( ولا تحملوا الناس على أعناقنا )
۲- نقل بعض الأخبار المخالفه للقرآن ونسبتها لأهل البیت علیهم السلام
۳- تبدیل أحادیث أهل البیت إلى الآراء الفاسده .
۴- تحریف أحادیث أهل البیت وأقوالهم .
۵- الزیاده فی کلام أهل البیت واستبدال الکلمه عشراً للرغبات والأهواء ، وإلى هذه العوامل یشیر الإمام الباقر علیه السلام بقوله :
( أما والله لو یروون ما نقول ، ولا یحرفونه ، ولا یبدلونه علینا برأیهم ما استطاع أن یتعلق علیهم بشیء ، ولکن أحدهم یسمع منا الکلمه فینیط عشرا ویتناولها برأیه .
رحم الله من سمع ما یسمع من مکنون سرنا فدفنه فی قلبه .
ثم قال : والله لا یجعل الله من عادانا ومن تولانا فی دار واحده [۱۷].
البعد الرابع
أن الکثیر من المصائب والویلات التی تحل بشیعه أهل البیت ناشیء من سوء تصرف الشیعه أنفسهم سواء کان فی الجانب العلمی أو العملی وعدم متابعتهم لإرشادات ونصائح أئمتهم التی وضعوها لهم کما أشار إلى ذلک بقوله ( ما استطاع أن یتعلق علیهم بشیء ) أی لو التزموا بنفس روایاتنا الصحیحه ولم یحرفوها ولم یبدلوها لما استطاع أحد أن یتهمهم بالباطل والشبهات .
الحکمه فی الدعوه
عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِیفٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام أَنَّهُ قَالَ صَانِعِ الْمُنَافِقَ بِلِسَانِکَ وَ أَخْلِصْ وُدَّکَ لِلْمُؤْمِنِ وَ إِنْ جَالَسَکَ یَهُودِیٌّ فَأَحْسِنْ مُجَالَسَتَهُ [۱۸]
الخطبه الثانیه
۱- حذر المرجع الدینی سماحه آیه الله العظمى السید علی السیستانی مجلس الأمن الدولی من ذکر قانون إداره الدوله العراقیه فی اجتماع مجلس الأمن .
وقال السیستانی فی رساله موجهه إلى مجلس الأمن الدولی ( إن هناک من یسعى إلى ذکر ما یسمى بقانون إداره الدوله العراقیه للمرحله الانتقالیه فی القرار الجدید لمجلس الأمن حول العراق بغرض إضفاء الشرعیه الدولیه علیه .
إن هذا القانون الذی وضعه مجلس غیر منتخب وفی ظل الاحتلال وبتأثیر مباشر منه یقید الجمعیه الوطنیه المقرر انتخابها ).
وأکد السید السیستانی ( أن هذا الأمر مخالف للقوانین ویرفضه معظم أبناء الشعب العراقی ، ولذلک فإن أی محاوله لإضفاء الشرعیه على هذا القانون من خلال ذکره فی القرار الدولی یعد عملا مضاداً لإراده الشعب العراقی وینذر بنتائج خطیره ).
۲- کما انتقد سماحه حجه الإسلام والمسلمین السید عبد العزیز الحکیم قوات الاحتلال الإمریکی فی عدم منح العراقیین الصلاحیات المالیه الکافیه.
والحمد لله رب العالمین والصلاه والسلام على محمد وآله الطاهرین وأصحابه المنتجبین
ــــــــــــــــــ
[۱] – شرح الأخبار – القاضی النعمان المغربی ج ۳ ص ۵۰۶٫
[۲] الکافی ج : ۲ ص : ۷۴
[۳] الکافی ج : ۲ ص : ۷۳
[۴] مستدرک الوسائل ج : ۸ ص : ۳۱۰ ح۹۵۲۰
[۵] الکافی ج : ۲ ص : ۱۷۶
[۶] الکافی ج : ۲ ص : ۷۴
[۷] أی یوجد فی نسخه کتاب المجالس للشیخ الصدوق المعروف بالأمالی : ومالنا على الله من حجه .
[۸] انظر: ( مرآه العقول ج ۸ ص۵۱- ۵۲ )
[۹] الکافی ج : ۲ ص : ۷۵
[۱۰] مرآه العقول ج ۸ ص ۵۴
[۱۱] وسائلالشیعه ج : ۱۲ ص : ۵۲ ح۱۵۵۱۸
[۱۲] وسائلالشیعه ج : ۱۲ ص ۹
[۱۳] بحار الأنوار ج : ۲ ص : ۷۵
[۱۴] بشاره المصطفى ص : ۱۱۳
[۱۵] الکافی ج : ۲ ص ۲۲۲
[۱۶] مستدرک الوسائل ج : ۸ ص۳۱۱ح۹۵۲۳
[۱۷] – شرح الأخبار – القاضی النعمان المغربی ج ۳ ص ۵۰۶٫
[۱۸] مستدرک الوسائل ج : ۸ ص ۳۱۶ح