الکرامه أو الذل.. مصیر یقرره المجتمع
تلجأ بعض النفوس الى الذل زعما منها أن الکرامه لها ضریبه باهظه تکلف المجتمع الغالی والنفیس والتعب والمشقه فتفرّ منها لأنها ترغب فی الراحه، ولکنها نسیت أن الذل والمهانه یجعلها تعیش فی مستنقع الخضوع والتفاهه وفی قلق الخوف التبعیه تحت سیاط ساده القهر والظلم وأرباب الاستبداد.
فإن الذین یرون أن تکالیف الکرامه غالیه لا یمکن للفرد والمجتمع أن ینالها قد وقعوا فی اشتباه عظیم ورموا نفوسهم فی مستنقع مظلم لا یهتدی سالکه الى بصیص أمل یفتح أمامه أفق الحیاه ولا یستضیء بنور علم یخرجه من ظلم الى نور بل هو الذی رسم مسیره حیاته وخرائط طرقها المحفوفه بالذل والعار والملیئه بالشین والصغار، فإن ضریبه الذل یدفعها المجتمع بکل أفراده فتهدر سمعته وکرامته وعنفوانه حتى أنه قد تهدر دمه لأنه خضع لغیر جبار السماء واتبع مله لم تنزل على قلب سید الأنبیاء(ص)،
إن الذین باعوا کرامتهم للسلطان والمستعمر یحسبون أنهم ینالون قربا منهما ومنزله عندهما ولکن التجربه أثبتت أن هؤلاء یستخدمونهم کعبید صغار ما دام یرجى منه النفع وأما بعد انتهاء الصلاحیه فمصیرهم الى المزابل والمدافن قد خسروا الدنیا والآخره، فکم من رجل نقل لنا التاریخ قصته أو شاهدناه بأم أعیننا قد تمرغ تحت أقدام السلطان أو المستعمر وبذل عزته وماء وجهه بین یدیه وانساق إلیه خاضعا ذلیلا وقدّم کل مقومات الحیاه وکل المقدسات وفرط بکل الأعراف والتقالید قربانا لیقربه من سلطان الجور ومستکبر العصر ولکنه فی النهایه بقی ذلیلا کل هذه التکالیف الذی تکلفها لیفر من تکلیف الکرامه أوصلته الى الذل المریر وهناک شخصیات کثیره فأین الملوک التی حکمت بالحدید والنار وکانت فی خدمه المستعمر فهذا ملک إیران سابقا قد شاهدناه یفر من بلده ذلیلا وهکذا رئیس تونس السابق وغیرهما الکثیر الکثیر قد خلصت بهم الحیاه الى الذل والمهانه لأنهم باعوا کرامتهم الى أسیاد طغاه قد استخدموهم الى أن انتهت صلاحیاتهم فرموهم للکلاب المهارشه.
لقد خلق الله الإنسان حرا کریما شریفا حتى ورد أن کرامه المؤمن أعظم عند الله من کرامه الکعبه المشرفه وأن حرمته عظیمه لا تبذل فی أسواق التجاره الرخیصه بل لا تنحنی قامته إلا لرب العزه وإله السماوات والأرض ولکن الإراده الإلهیه قد أخذت على عاتقها أن تجعل الإنسان مختارا بعد أن بینّت له سبل الحق والشرّ وجعلته على مفترق طرق کل منها یوصله الى ساحه تکون هی ثمره اختیاره وإرادته، فإن الشعوب هی التی تقرر مصیرها بعد أن تمت الحجه علیها بالإسلام فهی التی تختار طریق الکرامه والعزه وهی التی تختار الذل والخضوع الى مخلوق مثلها لم یجعل الله له سلطانا علیها.
فکم من شعب فرّ من تکالیف الکرامه والإباء فوقع فریسه لوحوش غابات الظلم والاستبداد وظلّ یرزح تحت نیر ظلمها لقرون طال عمرها وعظمت مرارتها على الأجیال فهی بخضوعها فسحت المجال لأصحاب النزوات الشیطانیه أن تتسلط على رقابها وبتهاونها بکرامتها قررت الدخول فی سلک الذل والمهانه.
ومن هنا فلا بد من ضریبه تقع على عاتق الأفراد والمجتمع هذه الضریبه إما أن توصل المجتمع الى العزه والکرامه والعداله والشموخ وإما أن توصله الى وحول الذل ومتاهه الخضوع لسلطان المخلوق، ولکن ضریبه الذل أبهظ تسلب من المجتمع مفهوم الحیاه وتجعله میتا متلاشیا بین أطماع الطغاه.
وأما ضریبه الکرامه فهی قریبه المساق وسهله المنال خصوصا إذا لاحظنا أنها تنسجم مع الفطره وتخرج من الوجدان وتتوافق مع مقصد الإسلام ولا تکلف المجتمع غیر کلمه حق تقال فی وجه سلطان ظالم کلمه ترده عن غیه وترشده الى توغله غیر الشرعیه فی مجتمع الإسلام، فإن الوقایه خیر من العلاج فإذا کان المجتمع مستیقظا دائم الوجود فی ساحات النضال ومیادین الکفاح یحافظ على کرامته وعزته ویحرسها بدماء أبنائه، وأما إذا أصاب المجتمع الرخاوه وحب الراحه وعدم الاکتراث لما یدبر ولما ینفذ فإنه سیقع تحت سطوه الظالم وسیؤدی به الطرق الى ساحه الذل والضیاع فیضطر الى العلاج لأنه لم یکن حاضرا فی دوحه الحیاه بل کان مشغولا بترفها وزخرفها.
فإن الشعوب تقرر مصیرها المشرق بالکرامه عندما تستعد بعزیمه لا تقهر للتضحیه والکفاح من أجل الحفاظ على غایاتها وأهدافها من الحیاه ولما کانت شعوبنا تؤمن بالإسلام دینا سماویا یلبی کل حاجات الحیاه ویأخذ بید المجتمع الى مدارج الکمال والرقی فلا بد لها من الحفاظ على بهائه وعلوه ولا بد لها من إتباع تعالیمه بکل حذافیرها وعندما تفرط بشعره منه تبدأ بالانحراف الموصل الى الذل والهوان.