حرکه الموت والحیاه عند الأمه من منظور قرآنی
قال تعالى فی محکم کتابه الحکیم:
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِینَ خَرَجُوا مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوْا ثُمّ أَحْیَاهُمْ إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلکِنّ أَکْثَرَ النّاسِ لاَ یَشْکُرُونَ ) البقره / ۲۴۳ .
الآیه من خلال جرسها القرآنی البلیغ، مسوقه سوق المثل , و (( للاعتبار تضرب الأمثال )) کما یقول الإمام علی (علیه السلام) (۱).
قال تعالى: ( وَلَقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِن کُلّ مَثَلٍ …) الإسراء / ۸۹ .
إن الآیه أعلاه قصیره المبنى ، عمیقه المعنى .
والمراد بها عرض قصه ذات مغزى بعید، وأهداف کبیره، ببلاغه عالیه، واختصار عجیب , وذلک من خلال ترکیز الأضواء القرآنیه على دینامیکیه حرکه الموت والحیاه عند الإنسانیه عموماً، والأمّه الإسلامیه خصوصاً.
فینبغی علینا عرض الحدث القصصی الغنی الهامّ أولاً، وتوضیح أسباب ضعف إراده الأمّه، وتبیان مصادر قوتها ونهضتها، وموتها وحیاتها، وسعادتها وشقائها من خلال هذا النصّ القرآنی الموحی، لنتبیّن أن التاریخ الإنسانی یعید نفسه بنفسه ولکن بصیغ مختلفه، وأشکال متباینه.
قال تعالى: (… وَتِلْکَ الْأَیّامُ نُدَاوِلُهَا بَیْنَ النّاسِ …) آل عمران / ۴۰٫
ویؤکد ذلک قول أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) فی وصیته لابنه الإمام الحسن (علیه السلام) : (( استدلّ على ما لم یکن بما قد کان ، فإن الأمور أشباه )) (۲).
ومن أولویات مطالب هذا العرض القرآنی القصصی ، ذکر قوم فی تاریخ البشریه ـ أیّ قوم ـ فی أیّ زمان ومکان ، إذ لیس المهم ذکر سمات القوم وخصائصهم ، وما یتعلّق بهم من أوضاع وتصرّفات وغیر ذلک ، ولا المهم تعیین ذلک، وإنما المهم ذکر الغرض من هذه القصه، وتحصیل المواعظ والعبر فی حرکتها التاریخیه ، وأثرها فی المسیره البشریه.
هؤلاء القوم المذکورون فی النصّ القرآنی، هجم علیهم أولو القدره والقوه من أعدائهم المعتدین (الباغین)، قاصدین إذلالهم، وطالبین استعبادهم، والتحکم بأموالهم وأنفسهم، ودمائهم وأرواحهم، فلم یدافعوا عن استقلالهم، ولم یحرصوا على عزّتهم، ولم یحافظوا على کرامتهم، ولم یفکّروا بما سیؤول إلیه مصیرهم ، وعواقب أمرهم ، باتخاذهم هذا الموقف الانهزامی الضعیف، إنه الموقف الذی یعکس عدم الموقف ، والهروب من اتخاذ أیّ موقف شریف ، قوی ، عزیز… لم یخطر على بال هؤلاء أیضاً ماذا سیکون مصیر الأبناء بعد أن کان هذا مصیر الآباء؟
إنهم قوم لم یدافعوا عن مقدّساتهم وکراماتهم ، أو أنهم لم یمتلکوا قدره على الدفاع والمقاومه، بأیّ شکلٍ کان، ونحن نعلم أن القدره لها أسباب ونتائج، والضعف له أسباب ونتائج أخرى.
ومن أسباب القوه، وحده الکلمه، وحبّ التعاون على البرّ والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان … وغیر ذلک من عوامل القوه.
أما أسباب الضعف الاجتماعی فتکمن فی تداعی اللبنات الأساسیه فی البناء الداخلی للأمّه، فتکون الأمّه مفکّکه غیر مترابطه، وغیر متحابّه، وذات الفرد فیها أکبر من مصلحه المجموع، والمصلحه الشخصیه (المحدوده) أهم من کل الاعتبارات الأخرى. وهذه حاله الأغلبیه الساحقه لهذا المجتمع العلیل.
عوده إلى الآیه:
أما هؤلاء المعنیون فی الآیه الکریمه، فإنهم سلکوا طرقاً أرجعتهم إلى الوراء، فأصابهم داء الضعف الإرادی المهین، والجهل المستبین، فأسرفوا فی الظلم، وتجاوزوا فی الاستهتار، وارتکاب المحرّمات… وأصبحوا من فاقدی الإراده والمبادره، ولذا عندما حاق بهم غضب الله تعالى، ببلاء عظیم، وهجوم شرس من أعدائهم على مصدر حیاتهم وسعادتهم الموهومه، تشرّدوا فی بقاع الأرض الواسعه، هرباً من الواقع المرّ، وواجهوا التهدید بالفناء والهلاک والدمار بشکل أشدّ مراره… حینئذٍ لم یتمکّنوا من الخروج من هذا الواقع المأساوی الألیم والخطیر، ولم یستطیعوا التخلّص من هذه الورطه الماحقه، التی أدخلوا بها أنفسهم ـ جهلاً وعناداً ـ ولم یتمکّنوا من تحریک عوامل النهضه حین حلول ظروفها الموضوعیه المناسبه ، فوقعوا فی حیره الجهاله فی کیفیه الخروج من هذا المأزق الخطیر والکبیر.
فالجهلاء لا یفکّرون ولا یتصرفون إلاّ على أساس من الجهل ، والاضطراب والقلق والتهوّر… لذلک خرجوا من دیارهم ، وترکوا أوطانهم ، وکانوا ألوفاً ـ وهذا دلیل الکثره ـ .
بین الخروج والهجره:
فی الآیه إشاره قرآنیه بلاغیه دقیقه ینبغی التنّبه لها وهی: أن القرآن الکریم ذکر أن القوم ( خَرَجُوا مِن دِیَارِهِمْ ) ، ولم یقل (هاجروا من دیارهم). والجواب على هذه الالتفاته القرآنیه الدقیقه کالآتی:
إن القرآن یرید أن یقول: إن هؤلاء القوم عندما خرجوا من دیارهم، نتیجه ذهولهم وارتباکهم وخوفهم، لم تلزمهم عقولهم بالتفکیر بضروره الجهاد والمواجهه الفعلیه، واسترجاع القوه والقدره، ولمّ الشمل المشتّت، ومن ثم إرغام العدو على التراجع، وإلقاء الرعب فی صفوفه…
(بعباره أخرى): هؤلاء القوم لم یفکروا کما یفکر المهاجرون فی سبیل الله، الذین یهاجرون لیس خوفاً من عواقب العمل، وإنما من أجل الحرص على مواصله الجهاد، ومواصله الضغط على الأعداء، وإنزال الرعب فی قلوبهم، والبحث عن السبل الناجحه لإرغامهم على التراجع.
وهذه الصوره یوضحها القرآن فی أبلغ الأسالیب وأدقّها بقوله تعالى:
( یَا عِبَادِیَ الّذِینَ آمَنُوا إِنّ أَرْضِی واسِعَهٌ فَإِیّایَ فَاعْبُدُونِ ) العنکبوت/ ۵۶٫
وقال أیضاً: ( وَمَن یُهَاجِرْ فِی سَبِیلِ اللّهِ یَجِدْ فِی الْأَرْضِ مُرَاغَماً کَثِیراً وَسَعَهً وَمَن یَخْرُجْ مِن بَیْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ یُدْرِکْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ…) النساء / ۱۰۰٫
أراد القرآن أن یصوّر موقف القوم بصوره ذلیله انهزامیه ، إنهم (فی الظاهر) خرجوا من دیارهم، فهناک شبه کبیر بینهم وبین الذین یهاجرون فی سبیل الله ، ویترکون دیارهم أیضاً ، ولکن الفارق فی المحتوى ، أی الفارق یکمن فی الدوافع والأهداف من هذا الخروج ، وفی النوایا، وفیما یترتب على هذا الخروج من جمله أعمال ومواقف أخرى.
قال الإمام علی (علیه السلام): (( من حسنت نیّته أمدّه التوفیق )) (۳).
لذلک عبّر القرآن بقوله عنهم إنهم (… خَرَجُوا مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ …) .
لقد کانوا جهلاء، والجاهل یضع نفسه فی التهلکه وهو یخشى منها، ویعرّض نفسه للذلّ وهو یهرب منه، ویهاجمه الموت وهو یهرب منه خوفاً وفزعاً.
ولا أعنی بالجاهل الذی لا علم له، وإنما الذی أعنیه کما یعنیه القرآن الکریم بقوله تعالى: ( یَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَیَاهِ الدّنْیَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَهِ هُمْ غَافِلُونَ ) الروم / ۷٫
أقسام الناس:
التفاته أخرى ینبغی أن نعرّج علیها ونلّم بها على ضوء علوم القرآن وهی:
إن الناس عند نزول المحنه، وحلول البلاء، وخلال مداهمه الأعداء لهم، ینقسمون إلى أربعه أقسام:
القسم الأول: منهم مَن یخرجون من دیارهم حذر الموت ، کما أشارت هذه الآیه لهذا الصنف من الناس.
القسم الثانی: منهم مَن یهاجرون من دیارهم لمواصله الجهاد خارج سیطره العدو، بحثاً عن العدّه والعدد الکافیین لصدّه.
القسم الثالث: منهم مَن یبقون فی دیارهم یذوقون مراره الذلّ ، ویعانون من سطوه الظالمین ، ومن شماته الأعداء… فیؤدی بهم هذا الخضوع الذلیل إلى الانحراف والفساد ، وظلم أنفسهم وظلم الآخرین ، وإلى هذا المعنى أشار القرآن الکریم بقوله تعالى:
( إِنّ الّذِینَ تَوَفّاهُمُ الْمَلاَئِکَهُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِیمَ کُنْتُمْ قَالُوا کُنّا مُسْتَضْعَفِینَ فِی الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَهً فَتُهَاجِرُوا فُیهَا فَأُولئِکَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِیراً ) النساء/ ۹۷ .
القسم الرابع: منهم مَن یبادر إلى الاستعداد للمواجهه والتضحیه، وهذا المستوى الذی یحثّ القرآن للارتفاع إلیه بقوله تعالى: ( وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعْتُم مِن قُوّهٍ ) الأنفال/ ۶۰٫
الخوف من الموت وحبّ الدنیا:
من المعلوم أن الذی یفتقد الاستعداد للآخره، یبدأ بالخوف من الموت، وإذا خاف من الموت تعلّق بالحیاه الدنیا، وإذا تعلّق بالحیاه الدنیا فإنه یصبح إنساناً دنیویاً فی تفکیره وسلوکه.
إنّ مسأله الخوف من الموت، حاله مرضیه خطیره، تحوی کل عوامل الإنحدار والنکسه والذله والغفله… وهی أیضاً مفتاح لکل أنواع البلاء والشقاء فی الدنیا والآخره، لأن الناس عندما یخافون من الموت السریع ویهربون منه، یوقعهم هذا الخوف الذلیل فی الموت البطیء والخطیر.
وإن کان المقصود من الحذر من الموت فی الجمله الترکیبیه، فی الآیه الکریمه الحکیمه فی قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِینَ خَرَجُوا مِن دِیَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ…) الحذر المؤدی إلى الجبن ، فهذه حاله سلبیه خطیره وضارّه کثیراً.
قال الإمام علی (علیه السلام): (( الجبن والحرص والبخل غرائز سوء یجمعها سوء الظنّ بالله )) (۴).
وربما یکون المقصود من الحذر فی الآیه، الخروج عن بؤره التوتر، والابتعاد عن ساحه الخطر، لأن أسباب الموت حینها ونتائجه لا قیمه لها، ولا نفع فیها.
وربما یکون معنى الحذر من الموت هو الابتعاد عن ساحه الخطر ولکن لیس خوفاً من الموت، وإنما للبحث عن منابع القوّه والقدره، وعن مصادر استرجاع العزّه والکرامه، فهم یخرجون من دیارهم ( حَذَرَ الْمَوْتِ ) الرخیص، وبحثاً عن الاستعداد للموت الغالی الواعی، الذی من جوهره تنبع الحیاه الدائمه والسعیده.
قال الإمام علی (علیه السلام): (( الموت فی حیاتکم مقهورین، والحیاه فی موتکم قاهرین )) (۵).
فهذا النوع من الحذر یکون إیجابیاً ونافعاً فی الظروف القاسیه والبلایا العظیمه.
وقد تکون للموت الغالی فرصه ذهبیه أخرى لاکتسابه، والتقرّب منه.
الرسول المصطفى محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) یستعیذ بالله سبحانه من حیاه تمنع خیر الممات، وذلک بدعائه الجمیل حیث قال (صلى الله علیه وآله وسلم):
(( أللهم إنی أعوذ بک من أمل یمنع خیر العمل ، ومن حیاه تمنع خیر الممات ، ومن دنیا تمنع خیر الآخره ، برحمتک یا أرحم الراحمین )).
الخائفون فی الآیه:
أما هؤلاء القوم الذین ذکرهم القرآن فی هذه الآیه الآنفه ، فإنهم ـ على ما یبدو ـ ومن خلال أحداث القصه، کانوا خائفین من الموت، فهربوا منه، حذراً من لقاء الله.
إننا نتمکّن من التعرّف على شخصیتهم من خلال تصرّفهم المضطرب عندما خافوا من الموت، ومعنى ذلک أنهم جهلاء بمعانی الحیاه، وأنهم یعیشون أنصاف الحیاه، وأنهم طلبه حبّ الدنیا، و (( حبّ الدنیا رأس کل خطیئه )) کما یقول رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم).
ولفهم ما یشبه حالتهم أکثر نلاحظ ما یشخّص به رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) أسباب ضعف الأمّه الإسلامیه، ویبین أسباب تدهورها الخطیر، حیث یرکّز على نقطتین رئیسیتین وذلک بقوله (صلى الله علیه وآله وسلم):
(( یوشک أن الأمم تداعى علیکم تداعی الأکله على قصعتها! )) قال قائل منهم: من قله نحن یومئذٍ؟ قال (صلى الله علیه وآله وسلم) : (( بل أنتم کثیر، ولکنکم غثاء کغثاء السیل، ولینزعنّ الله من عدوکم المهابه منکم ، ولیقذفنّ فی قلوبکم الوهن! )) قال قائل: یا رسول الله: ما الوهن ؟ قال (صلى الله علیه وآله وسلم): (( حبّ الدنیا ، وکراهیه الموت! )) (۶).
فهؤلاء القوم عندما خرجوا من دیارهم ، وهم أعدادا کبیره تقدّر بالآلاف، عرف الله منهم أنهم طلاب الدنیا، وأنهم مسرفون فی الفساد والانحراف، وهاربون من الموت العزیز، وراضون بحیاه الذله، عندها قال لهم: ( مُوتُوْا ) موت الخزی والذل والعار… وهنا تکمن خطوره وفداحه هذا الموت!!
عوامل النهضه:
ومن جهه أخرى عندما تذوّق هؤلاء الخانعون مراره الموت، وأحسّوا أن حیاتهم تافهه لا قیمه لها، عندما شعروا أن الموت العزیز نعمه أحسن منها بکثیر، أرادوا أن ینتفضوا على واقعهم المأساویّ الذلیل، ویعملوا على تغییره بحرکه شامله، تأبى الحیاه الذلیله المترفه، للأفراد کما للأمّه، حصل ذلک لهم ولکن بعدما عانوا من المرارات الکثیره، کمراره الغربه الشدیده ، والبلاء العظیم، فاجتمعوا فیما بینهم وأعدّوا مشروع عمل جدید، وقالوا: إن الخروج من عوامل البؤس والشقاء لا یتمّ إلاّ بإیجاد عوامل النهضه الواعیه فی النفوس، وکسر حاجز الخوف المطوّقین به، وتدریب النفوس على التصدی للباطل المعتدی، والسعی الجاد لتحجیم قدرته، والاستعداد للتضحیه بالغالی والنفیس، فی سبیل نصره الحق المضاع، والوصول إلى حدّ تفضیل الموت العزیز، على کل أنواع الحیاه الدنیویه الذلیله الخانعه… لقد بدأوا بتغییر أنفسهم عندما زرعوا فیها عوامل نمو الحیاه، وشروط النهضه، فعالجوا مرضهم، وساعدهم الله سبحانه فغیّر واقعهم، وأصلح شأنهم، ونصرهم على عدوهم المعتدی، ورزقهم الحیاه الأبدیه.
وهذه الحاله یصوّرها القرآن الکریم بقوله تعالى: ( ذلِکَ بِأَنّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیّراً نِعْمَهً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتّى یُغَیّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ …) الأنفال/ ۵۳٫
وفی قوله تعالى: ( … ثُمّ أَحْیَاهُمْ …).
وقال تعالى: ( یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا للّهِِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ …) الأنفال /۲۴٫
وجمله القول: هؤلاء القوم ماتوا بالخزی والذل، وتمکّن الأعداء منهم، وبقوا کذلک حتى تمّ إصلاح أنفسهم عبر سِنه الابتلاء، وعندما صقلتهم الاختبارات، فتمیّز ـ ساعتئذ ـ الخبیث من الطیب، ولطف الله بهم، وبثّ روح الحیاه والحرکه فیهم، بإلقاء القدره على النهضه، ورفع قوه الإراده والمبادره فیهم، للدفاع عن حقّهم المسلوب، فی هذه الحاله قاموا بحقوق أنفسهم وأمّتهم وأجیالهم القادمه.
خاتمه:
یتوضح من هذا العرض کیف تحیا الأمم، وتنهض الحضارات، وکیف تموت الشعوب وتنهار الحضارات، ویتبیّن من خلال حرکه مجریات الأمور دینامیکیه حرکه الموت والحیاه، الفردیه والجماعیه… ونعلم من خلال ذلک أن أحداث الحیاه الدنیا جمیعها لا تجری اعتباطاً وإنما هناک قوانین مرتبطه بها، متصله بقوه قاهره، إنها حرکه السنن الإلهیه فی المسیره البشریه، وهی سنن ثابته، لا تتغیّر ولا تتبدّل , فإذا کانت جمیع الأحداث فی الدنیا تجری ضمن حرکه هذه السنن، فینبغی علینا، بل یجب البحث الجاد والدقیق للتعرف على ضوابط هذه السنن، وأبعاد حرکتها، ودقه قوانینها , و (العلم بالشیء خیر من الجهل به) على أقل التقادیر.
_______________________
(۱) غرر الحکم ودرر الکلم.
(۲) نهج البلاغه کتاب ۳۱٫
(۳) نهج البلاغه خطبه ۱۱۴٫
(۴) غرر الحکم ودرر الکلم.
(۵) غرر الحکم ودرر الکلم.
(۶) الملاحم والفتن/ ص۱۵۷، سنن أبی داود، خ۴۲۹۷٫