نهج التشیع النهائی، والفرقه الناجیه

0

 وإیصالهم إلى نبع علم النبوه الحقیقی. لقد تیقن الإمام أن وصول أهل بیت النبوه إلى منصب القیاده لا یحل مشاکل المسلمین الناجمه عن تغییر دوله البطون لکافه الترتیبات الإلهیه المتعلقه بالقیاده، والحل الوحید لمشاکل الأمه تتمثل فی تحصین الأمه ضد الإنحراف وإعاده بنائها من جدید فرداً فرداً، وعلى هذا اتفق أئمه أهل بیت النبوه واتسقوا، فانصب جهدهم على نشر علم النبوه النقی فی جمیع أوساط المسلمین، واتخاذ التدابیر التی تؤدی إلى بقاء الفئه المؤمنه التی التزمت بموالاتهم (الشیعه) وتنظیم هذه الفئه تنظیماً یضمن استمرار وجودها، وتثقیفها تثقیفاً معمقاً بثقافه أهل بیت النبوه التی تمثل الثقافه الإسلامیه فی أنقى صورها وأروعها، بما فی ذلک إیجاد النظام التکافلی الاقتصادی الذی یغنی أفرادها عن الحاجه إلى دوله البطون.
ومضمون التشیع فی نهجه الجدید لا یختلف عن مضمونه فی عهد النبوه، فالمطلوب من الشیعی أن یلتزم بمبدأین: أولهما القرآن الکریم وبیان النبی لهذا القرآن، وثانیهما الإیمان بأن قیاده الأمه ومرجعیتها حق خالص لأهل بیت النبوه، وبالتحدید لأئمه أهل بیت النبوه الإثنى عشر الذین سماهم رسول الله، أولهم علی وثانیهم الحسن وثالثهم الحسین، ثم تسعه من ولد الحسین آخرهم المهدی المنتظر محمد بن الحسن، فمن آمن بذلک فهو شیعی، ومن الفرقه الناجیه، ومن لم یؤمن بذلک فأمره متروک لله. فالمضمون ثابت لم یتغیر والذی تغیر هو (التکتیک) والتنظیم، وإعاه الترتیب لمواجهه الواقع السیاسی وثمرات النهج التربوی والتعلیمی التی أوجدتها دوله البطون، وهذه الفرقه من الشیعه هی الإمامیه الاثنی عشریه، وهی الفرقه الناجیه، إذ لا خلاف بین المسلمین على أن الأئمه الشرعیین من بعد النبی هم اثنا عشر إماماً، وقد أخفقت دوله البطون على الرغم من إمکانیاتها الضخمه طوال التاریخ فی بیان أولئک الأئمه الاثنی عشر ما یجعل إجماع أهل بیت النبوه علی أسمائهم وترتیب أزمانهم الحجه الوحیده المؤهله للبقاء. والمنتمون إلى هذه الفرقه یشکلون الأکثریه الساحقه من المؤمنین الموسومین بالتشیع، وقد التزمت هذه الفرقه بالخط العرفانی السلمی، فلم تلجأ للعنف، ولم تشترک عملیاً فی الثورات، لأن الأئمه کانوا یعرفون سلفاً نتائج هذه الثورات إنما کان جهدها منصباً بالدرجه الأولى على معرفه الحقائق الشرعیه وتوسیع قاعدتها الشعبیه (إعاده بناء الأمه) وتحصین هذه القاعده من الإنحراف، وصار لها مذهب معروف یسمى بالمذهب الجعفری نسبه إلى الإمام جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علی (زین العابدین) بن الحسین بن علی بن أبی طالب. وسمی المذهب باسم جعفر لأنه عاصر إصرار دوله البطون على حصر المذاهب الإسلامیه بأربعه: الحنفی والشافعی والمالکی والحنبلی نسبه إلى أسماء مؤسسی هذه المذاهب، فسمی مذهب أهل البیت بالمذهب الجعفری، وأصحاب المذاهب الأربعه کانوا تلامیذ الإمام جعفر الصادق، فهو أستاذهم باعترافهم. أما سبب عدم انتشار هذا المذهب فی أوساط العامه فیعود إلى حساسیه دوله البطون من أئمه أهل البیت النبوه ومن إصرار هذه الدوله على طمس وجودهم وأولیائهم، ومن مناهجها التعلیمیه والتربویه التی غرست فی أذهان العامه مع التکرار والوراثه، وصورت أهل بیت النبوه فی الشواذ المبتدعه کما یقول ابن خلدون. وصورت أولیاءهم فی صوره الخارجین على الجماعه الشاقین لعصا الطاعه. وجاءت الأجیال المسلمه اللاحقه فصدقت تلک المقولات واستبعدت أن یکذب السلف الصالح الذی فتح بدینه مشارق الأرض ومغاربها، فحتى الکثیر من علماء أهل السنه لا یعرفون جعفر الصادق ولا یدرکون فضله ویعتقدون أن أتباعه کفار! وما ذلک إلا من ثمرات المناهج التربویه والتعلیمیه التی أشاعها معاویه بخاصه وخلفاء البطون بعامه.
فرق محسوبه على الشیعه
۱ – الزیدیه: هم أصحاب زید بن الحسن بن علی بن أبی طالب، وأصحاب زید بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، ومنهم تفرعت صنوف الزیدیه، ساقوا الإمامه بعد هذین فی أولاد فاطمه شورى بین أولادهما، فمن خرج منهم مستحقاً للإمامه فهو الإمام. ولذلک تبع بعضهم زیداً بن علی وبعضهم زیداً بن الحسن، وقالت الزیدیه بإمامه المفضول مع وجود الأفضل (۱).
____________
(۱) راجع: أصل الشیعه وأصولها للإمام محمد حسین آل کاشف الغطاء، ص ۱۳۵ – ۱۳۶٫
ویلاحظ أن الزیدین قد خرجا على خلیفه دوله البطون وکلاهما بطل، ولم یقل أحد منهما بأنه إمام شرعی معین من الله ورسوله، ولم یدع أحد منهما أن له فقه خاص به ومستقل عن فقه أهل بیت النبوه، ولم یدع أحد منهما أنه أعلم من الإمام الشرعی الذی کان معروفاً فی زمانه کل ما فی الأمر أن الرجلین کرها ظلم خلیفه البطون وظلم دولته، وتعجلا الشهاده فنالاها، ولأنهما من أهل بیت النبوه، ولأنهما اعتبرا رمزاً للشجاعه والتضحیه فی زمانهما قال أتباعهما بإمامتهما بعد موتهما، وأن کلمه إمام صارت تطلق على من هو أقل من الرجلین الشریفین شأناً فسمی أصحاب المذاهب الأربعه بالأئمه، وسمی أصحاب الصحاح السته بالأئمه، وسمی کبار المفسرین بالأئمه، وقد شجعت دوله البطون هذا التوجه لتسحب تمییز إمام أهل البیت النبوه وتعممه على أکبر عدد ممکن، وصولاً إلى إبطال مفاعیله تماماً کما عممت فکره العداله على جمع الصحابه، وصولاً إلى إبطال مرجعیه أهل بیت النبوه وطهارتهم، فقیل عن کل من الزیدین إمام مع أنه لم یقل هذا عن نفسه.
ولیس من المستعبد أن تکون دوله البطون قد شجعت هذا التوجه لتظهر أهل بیت النبوه فی مظهر المختلفین اللاهثین وراء الإمامه بمعناها الشرعی واللغوی.
ویبدو أن أنصار الإمامین (الزیدیین) فی أکثریتهم من أهل السنه الذین کرهوا الظلم وأحبوا البطوله، ولیس أدل على ذلک من قولهم بإمامه المفضول مع وجود الأفضل، لیجوزوا إمامه أبی بکر وعمر وعثمان مع وجود علی، وهو الأفضل برأیهم. والدلیل الثانی أن أحکامهم السیاسیه توفیقیه، بمعنى أنها لا ترید إثاره العامه، وتضحی بالنص طلباً للسلامه والوفاق الوطنی! ثم إنه لیس للزیدیین فقه خاص بهم ما جعلهم عاله على الفقه الحنفی لأن أبا حنیفه کان یتعاطف مع زید بن علی ویقول بشرعیه ثورته. ویلوح لی أن أکثر أتباعه أصناف قد التزموا بالفقه الحنفی وإن خلعوا علیه رداء أهل بیت النبوه وعباءتهم للتبرک!
۲ – الإسماعیلیه: وهم أصحاب إسماعیل بن جعفر الصادق الذین أنکروا موته فی حیاه أبیه، وزعموا أنه لا یموت حتى یملک الأرض، فیقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم لأن أباه أشار إلیه بالإمامه (۱).
____________
(۱) راجع: أصل الشیعه وأصولها للإمام الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء، ص ۱۳۶٫
من المؤکد أن الإسماعیلیه یقولون بإمامه علی والحسن والحسین وعلی بن الحسین ومحمد الباقر وجعفر الصادق، ویبدو أنهم فقدوا الاتصال بحلقه الأئمه فظنوا أن الإمام من بعد جعفر الصادق هو ابنه الکبیر إسماعیل، وعندما قیل لهم:
إن إسماعیل قد مات حال حیاه والده أنکروا ذلک. وقد صوروا إسماعیل فی صوره المهدی المنتظر، فالإسماعیلیه کانت منقطعه عن المصدر الیقینی للمعلومات وهو الإمام، وربما کان الدعاه بعیدین عنه، ولم یجالسوه، لأن مجالسه الإمام وبحث هکذا أمور فی غایه العسر والشده، فعیون دوله البطون تجوب دوماً حول الإمام وتحصی علیه حرکاته وسکناته، وحرکات الذین یتصلون وسکناتهم لتتأکد من طبیعه هذه الإتصالات کل ذلک یدفعنا إلى الاعتقاد أن إمامه إسماعیل اجتهادیه کان القصد منها إقامه علم لأتباع أهل البیت والمتعاطفین معهم فی منطقه معینه، وإضفاء الشرعیه على ساده هذه الحرکه وقادتها.
ومن المؤکد، أیضاً، أن (التکتیک) قد اختلط عندهم بالأصول وأن کثیراً من معارفهم وتوجهاتهم لا تمت لأهل البیت بصله، بمعنى أنهم لم یعلموها لأعضاء الفرقه الإسماعیلیه إنما هی من قبیل الافتراض، أو من اجتهاد قاده هذه الحرکه.
ولیس من المستبعد أن تکون عواطفهم صادقه نحو أهل بیت النبوه، ولکنها کانت بحاجه إلى التوجیه المباشر من الأئمه، وهذا ما افتقرت إلیه الحرکه الإسماعیلیه، بمعنى أن أمرها لم یکن بید الأئمه، وأنها فقدت الاتصال بهم وعوض القائمون علیها عن ذلک بالافتراض أو الاجتهاد.
۳ – الواقفیه: تطلق هذه التسمیه على غیر فرقه من فرق الشیعه، وتتمثل فی من قال بإمامه أحد الأئمه ووقف بعد موته، وقال: إنه القائم المنتظر. فالإسماعیلیه من الواقفیه وبعض أتباع موسى بن جعفر من الواقفیه، وتعزى ظاهره الواقفیه إلى فقدان الصله بین الأتباع وبین إمام زمانهم، وعدم القدره على الاختلاط به والاستماع إلیه ومعرفه حقیقه الحال، ووراء هذه الظاهره أحیاناً استبداد القائمین على هذه الجماعه أو تلک ورغبتهم الجامحه فی الاستیلاء على ما فی أیدیهم من أموال جمعت باسم الإمام.
إدعاء التشیع
کانت طریقه اتصالات الأئمه مع شیعتهم تحیر دوله البطون وتربکها، لذلک دست عیونها وجواسیسها من حول الإمام، فادعوا التشیع، وهم لیسوا شیعه، وغایتهم منصبه على معرفه تحرکات إمام الزمان وأعوانه، وعلى تحریف ما یسمعونه منه وتشویهه ونشره بین الناس لیکرهوا المسلمین بأئمه أهل بیت النبوه وبأهل البیت، ولیوحوا لهم بأن الأئمه وأولیاءهم أعداء للإسلام، وأن الخلیفه وبطانته هم حماه الإسلام الحقیقی، ومن هذا الفرق اللعینه التی کانت تتلقى دعماً من دوله البطون لتظهر التشیع والموالاه ولتتقول على الأئمه وتشوه سمعتهم وأولیاءهم الفرق التالیه:
۱ – الفرقه الخطابیه وتضم أصحاب أبی الخطاب، محمد بن أبی زینب الأجدع الأسدی. وقد کشف الإمام جعفر أمر هذا الرجل فلعنه وتبرأ منه، وحذر الشیعه من شروره. فأعلن أبو الخطاب کذبه علناً، وادعى أن جعفر بن محمد جعله وصیاً وقیماً له، ثم ادعى النبوه والرساله. وهذه الفرقه تقول بالرجعه والتناسخ (۱).
والدلیل على أن هذه الفرقه مجموعه من عیون دوله البطون امتهنت الظهور بالتشیع والتقول على الأئمه أن أبا الخطاب وأعوانه کانوا یمارسون نشاطاتهم علناً.
۲ – الفرقه الغرابیه: وتضم مجموعه من عیون دوله البطون وجواسیسها ادعت التشیع لتشویه معناه وتنفیر الناس منه ومن أهل البیت وأئمتهم، فقالت هذه الفرقه: أن الله قد أرسل جبریل إلى علی، فأخطأ وذهب إلى النبی لأنه کان یشبهه، وقالوا أنه کان أشبه من الغراب بالغراب والذباب بالذباب (۲). وکانت هذه الفرقه تمارس نشاطها بعلم دوله البطون ومن دون أن تتعرض لأیه معادله. وهذا یؤکد أن أفرادها موظفون فی دوله البطون غایتهم تنفیر الناس من التشیع ومن موالاه أهل بیت النبوه.
____________
(۱) راجع: فرق الشیعه للنوبختی ص ۳۹ و ۴۲٫
(۲) راجع: أصل الشیعه وأصولها للإمام الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء ص ۱۱۰٫
۳ – الفرقه العلباویه: وتضم أصحاب العلباء بن ذراع الدوسی الذی ادعى التشیع، وخرج بتقلیعه جدیده مفادها أن علیاً أفضل من النبی، وأن علیاً بعث محمداً لیدعو إلیه فدعا لنفسه، وجماعه من هذه الفرقه قالوا بألوهیه أشخاص أصحاب الکساء وقالوا: خمسه فی شئ واحد!

Leave A Reply

Your email address will not be published.