قراءه فی مسار الحکم الأموی
کلمه المرکز: لم تشهد البشریه حدثا تأریخیا هز أعماق الحیاه الإنسانیه وأحدث نقله نوعیه فی مسار التأریخ کحدث الدعوه الإسلامیه وبعثه الهادی محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) داعیا إلى الله سبحانه ومنقذا للبشریه من ظلم الطواغیت وحکم الطغاه . ظلم الطواغیت وحکم الطغاه : بزغ نور الإسلام فی ربوع مکه یحمل إلى الأرض مبادئ الهدى والعدل والسلام .
فاستفاق طواغیتها على صوت الداعی منذرا بتحطیم تلک البنیه الجاهلیه البغیضه التی بنوها على الظلم والکفر ، وامتهان کرامه الإنسان ، وتکریس الجهل والخرافه والفساد .
فتصدوا بکل ما یملکون من قوه ووسائل للمقاومه ، لإیقاف الزحف الذی راح یدک معاقلهم ، ویحطم کبریاءهم ومصالحهم الآثمه .
وکان فی طلیعه أولئک الطواغیت الوجود الأموی المتمثل بأبرز رموزه فی تلک المرحله ( أبو سفیان ) .
لقد کان لهذا الوجود دور خطیر فی مواجهه الانطلاقه والمسار الإسلامی فی مرحله الدعوه والنبوه ، کما واصل دوره هذا فی مرحله الخلافه التی تلت عهد الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) .
وإنه لمن ضرورات فهم تأریخ الأمه والقوى الفکریه والسیاسه والاجتماعیه المؤثره فیها أن یدرس المسار الأموی ، وتحلل طبیعه بطریقه علمیه ونقد موضوعی على امتداد مواقفه التی مارسها رجاله وقادته ، وأن دراسه وتحلیل معالم ذلک المسار وممارساته فی مرحلتی الدعوه والخلافه والسلطه تتطلب دراسه المواقف الأمویه الآتیه :
1 – الوقوف بوجه الدعوه ومحاربه الرسول الکریم (صلى الله علیه وآله وسلم) .
2 – السقوط والتواری .
3 – إعاده تنظیم الصفوف .
4 – التسلل إلى السلطه .
5 – شق الصف وتمزیق وحده الأمه .
6 – محاربه الخلافه الشرعیه .
7 – السیطره على الدوله والحکم .
8 – العوده إلى محاربه المسار الإسلامی الأصیل المتمثل فی علی وآل البیت النبوی (علیهم السلام) وأتباعهم .
9 – تبدیل نظام الحکم .
10 – وضع الأحادیث وتحرف السنه .
۱۱ – إدخال الفساد الأخلاقی والاجتماعی إلى السلطه .
ولکی تکون لدى القارئ صوره واضحه عن هذا المسار فلنتناول بشئ من التفصیل تلک المواقف التأریخیه:
1 – الوقوف بوجه الدعوه ومحاربه الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) : لقد تناول الشیخ الأمینی فی موسوعته العلمیه الکبرى ( الغدیر ) الدور المعادی للرسول الکریم (صلى الله علیه وآله وسلم) الذی مثلته أبرز الشخصیات الأمویه فی مرحله الدعوه وهم : " أبو سفیان " و " عقبه بن أبی معیط " و " الحکم بن العاص " وستجد فی ما سجله من مواقف ووقائع وحوادث لتلک الشخصیات الأمویه صوره متکامله للدور الأموی فی مواجهه الرسول الکریم (صلى الله علیه وآله وسلم) فقد کان أبو سفیان أحد أبرز ثلاث شخصیات تصدت لمواجهه الدعوه وهم :
أبو لهب وأبو جهل ، وقد تولى أبو سفیان قیاده الشرک والجاهلیه فی مکه ، بعد موت أبی لهب ومقتل أبی جهل " الحکم بن هشام " فی معرکه بدر حیث اندحرت قوى الشرک والطاغوت ، فکان القائد والمخطط والمعبئ لقوى العدوان بعد ذلک فی أحد والأحزاب ، والصاد لرسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) عام الحدیبیه عن البیت الحرام ( فی السنه السادسه من الهجره ) ، کما تولى عملیات التعذیب للمستضعفین من المسلمین ، وأحد المخططین لاغتیال رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) .
ویستمر أبو سفیان فی حربه وصراعه مع رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) طوال إحدى وعشرین عاما حتى حقق الله النصر لنبیه بفتح مکه فی السنه الثامنه من الهجره فاضطر تحت ضغط القوه وعزه الإسلام وتعاظم تیاره ، إلى إعلان إسلامه بعد إقناع من العباس بن عبد المطلب – عم النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) لحقن دمه .
۲ – السقوط والتواری : وبفتح مکه سقطت المقاومه الجاهلیه وانهار صرح الشرک ، ودحر أبو سفیان ومن معه من قاده الضلال ، وطهر البیت الحرام من الأصنام والوثنیه ، وفتح الرسول المنتصر (صلى الله علیه وآله وسلم) آفاق العفو والرحمه وأطلق شعاره المعروف " الیوم یوم المرحمه الیوم تحمى الحرمه " .
لقد جمع الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) أولئک الأعداء الذین حاربوه وأخرجوه من دیاره ، وخططوا لقتله .
فخاطبهم بقلبه الکبیر ، وروحه الهادی ، وخلقه العظیم ، وهدفه الواسع لاستیعاب البشریه ، بقوله : " ما تظنون وما أنتم قائلون .
قال سهیل : نظن خیرا ونقول خیرا ، أخ کریم وابن عم کریم " ( 1 ) .
لیفتح أمامهم أبواب التوبه ویهئ لهم الأجواء النفسیه للتفاعل مع کلمه التوحید ، ومبادئ الهدى ، ولیشعرهم بعفو الإسلام وعظیم خلقه . وهکذا طوقهم رسول الله بالفضل والمن ، وأطلق سراحهم ، فحملوا اسم ( الطلقاء ) کما حملوا اسما آخر هو : ( مسلمه الفتح ) .
وهکذا توارى
هذا الوجود خلف الستار .
إلا أن تلک الفلول المهزومه لم تتفاعل مع روح الرساله ولم یتغلغل الإسلام فی أعماقها فظلت تختزن الماضی ، وتحمل الأحقاد على الرسول القائد (صلى الله علیه وآله وسلم) وعلى الطلیعه التی حققت الانتصار معه (صلى الله علیه وآله وسلم) وحطمت کبریاءهم وسیادتهم ، لا سیما ابن عمه ، زوج ابنته ، علی بن أبی طالب کما حملوا العداء ذاته لذریته من بعده .
3 – إعاده تنظیم الصفوف : بعد مرحله السقوط والتواری عن مسرح الأحداث والابتعاد عن الأضواء والواجهه الاجتماعیه الذی فرضه الأمر الواقع على الخط الأموی والذی استمر إلى ما بعد وفاه الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) لعدد من السنین ، إذ لم یستطع الوجود الأموی أن یسجل أی حضور فی أحداث السقیفه والنزاع على الخلافه لسقوطه من الاعتبار الاجتماعی آنذاک ، عدا محاوله أبی سفیان مع الإمام علی التی حاول فهیا التألیب ودفع الموقف إلى المواجهه المسلحه بین المسلمین یوم قال لعلی (علیه السلام) : " إنی لأرى عجاجه لا یطفئها إلا الدم . . . ثم قال لعلی : " أبسط یدک أبایعک فوالله لئن شئت لأملأنها علیک خیلا ورجالا فأبى (علیه السلام) " ( 1 ) .
ثم زجره قائلا : " والله ما أردت بهذا إلا الفتنه ، وإنک والله طالما بغیت للإسلام شرا ، ولا حاجه لنا فی نصیحتک " ( 2 ) .
وکان المسلمون الأولون یشعرون بأن الوجود الأموی سیعمل على
تنظیم صفوفه وإعاده نشاطه من جدید ، جاء ذلک التشخیص واضحا فی الحوار الذی دار بین أبی بکر والحباب بن المنذر والذی نصه : " أمنا تخاف یا حباب . . . وکان رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) قد رأى فی منامه أن بنی أمیه " ینزون على منبره . . .
وتلک رؤیا صادقه تکشف عن أن الموقف الأموی المواجه لن ینتهی بهزیمه الفتح ، بل سیعود إلى المواجهه بعد تنظیم صفوفه .
وقد تحقق ذلک ، وبدأ الحزب الأموی بتنظیم أوضاعه الداخلیه ، والبحث عن مراکز السلطه والنفوذ لاستعاده مرکزه المفقود بعد الفتح ، فاستغل ظروف الصراع على الخلافه ، بعد السقیفه وتألب الکثیرین على علی (علیه السلام) ووضع العقاب أمام تسلمه مقالید الأمور .
علی الخصم العقائدی للوجود الأموی ، والسیف الذی حطم قوتهم العسکریه ، وهو الذی علا کتف رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) یوم الفتح فحطم أصنامهم ، وطهر البیت الحرام منها .
لقد استغلوا تلک الفتره فجمعوا فلولهم لیواصلوا البحث عن أهدافهم ، وکانت البدایه تنطق من معاویه بن أبی سفیان حین ولاه عمر على الشام ، فهو کما وصفه المؤرخون داهیه ومخطط ، وبلا تورع عما نهى الله عنه ، راح یبنی الوجود الأموی فی الشام ، ویستقطب العناصر الموالیه ، ویرکز وجوده . ثم ، أتت الفرصه سانحه لبناء القوه الأمویه فی خلافه عثمان بن عفان وبشکل لم یسبق لم مثیل .
۴ – التسلل إلى السلطه : لقد کان فی تسلم معاویه لولایه الشام ، وهی من أهم الولایات فی الدوله الإسلامیه ، فرصه کبیره للحزب الأموی لأن یرکز وجوده ، ویبث أفکاره وآراءه ، وأن یبنی له قوه عسکریه وقاعده وأنصارا تناسب المرحله الجدیده ، فالشام بعیده عن مرکز الخلافه ، وحدیثه عهد بالإسلام فلم یطلع أهلها على مرحله النبوه ، ولا على بناه الإسلام والسابقین من الصحابه ، کعلی وأبی ذر وعمار وغیرهم ، کما کانت بلدا غنیا مکتفیا بموارده ، فاستغل معاویه کل ذلک لتنفیذ المخطط والأهداف . وحین ولی الخلافه عثمان بن عفان بن أبی العاص بن أمیه بن عبد شمس استغل الحزب الأموی ذلک ، فتسللوا إلى أجهزه الدوله بتعیینه إیاهم ولاه وأمراء وقاده جیوش ومتنفذین ، ومن خلال ما أعاده لهم من اعتبار ، وما آثرهم به من بیت المال على بقیه المسلمین ، تحول الأمویون إلى حزب حاکم وطبقه رأسمالیه مستغله مستبده ، بعد أن کانوا فئه منبوذه تحمل رایه الحرب ضد رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وکان صلى الله علیه وآله یلعن بعض قادتهم ویطرد بعضهم الآخر وینفیه من المدینه ، کالحکم بن أبی العاص ، کان الرسول یفعل ذلک ، ویقول : " لکل أمه آفه ، وآفه هذه الأمه بنو أمیه " .
وسنجد فی دراسه العلامه الأمینی رضی الله عنه لسیاسه عثمان ، وإعادته للاعتبار الأموی توثیقا کافیا لإیضاح التسلل الأموی إلى أجهزه الدوله وسیطرتهم على مقالید الأمور فی تلک الفتره ، مما أثار حفیظه الصحابه والتابعین لهم بإحسان ، لا سیما طلائعهم التی ساهمت فی حمل الدعوه ، وقتال المشرکین ، وفی مقدمتهم بنی أمیه فی بدر وأحد والأحزاب ویوم الفتح .
ومما یعکس شده رفض جیل الصحابه والتابعین للتسلط الأموی هو الثوره على عثمان وقتله ، والمنع من دفنه ، وللمزید من الإیضاح تراجع کتب التاریخ ، کتاریخ الطبری والیعقوبی ، وتاریخ المدینه والأخبار الطوال للدینوری والکامل لابن الأثیر والإمامه والسیاسه لابن قتیبه الدینوری وغیرها .
۵ – شق الصف وتمزیق وحده الأمه : من الکوارث المأساویه الکبرى التی أحدثها الأمویون فی الأمه الإسلامیه هی تمزیق وحده المسلمین وشق الصف الإسلامی .
فقد تبنى الأمویون أمثال مروان بن الحکم ومعاویه بن أبی سفیان تصعید الموقف فی المدینه المنوره بین الخلیفه عثمان بن عفان ، وبین الصحابه الذی عارضوا سیاسه التی اعتمدت الحزب الأموی فی السلطه والنفوذ ، إضافه إلى الممارسات المالیه والقضائیه والسلوکیه الأخرى التی استنکرها الصحابه ، وذکرها المؤرخون من مختلف الاتجاهات والمذاهب فی کتبهم ، فأدى هذا التصعید إلى الحیلوله دون إصلاح الأوضاع من قبل الذین سعوا فی الإصلاح ، وفی مقدمتهم الإمام علی (علیه السلام) حیث طلب من عثمان العدول عن سیاسه والتمسک بالکتاب والسنه ، والاستجابه لنداءات الاصلاح والتغییر ، والتخلی عمن حوله کمروان بن الحکم وسعید والولید ، والتوقف عن اضطهاد الصحابه کعمار بن یاسر وعبد الله بن مسعود ، وغیرهم کما اضطهد أبو ذر الغفاری من قبل .
لقد أجج مروان بن الحکم ومعاویه وفئه أخرى من الأمویین نار الموقف حتى قتل عثمان ، ووقعت الفتنه ، فرفعوا شعار الثأر لدم عثمان ، ورأى معاویه فی ذلک فرصه سانحه للتمرد على الخلافه الشرعیه والانفصال عن الدوله الإسلامیه ومحاربه الإمام علی (علیه السلام) الذی لجأت إلیه الأمه ، وبایعته بالخلافه بعد مقتل عثمان ، ووقف الصحابه من المهاجرین والأنصار یتقدمهم البدریون فی ذلک إلى جانبه ، واستطاع معاویه أن یعبئ بلاد الشام ضد الخلافه الشرعیه لبعدها عن المدینه المنوره مرکز الوحی والوعی الإسلامی وعدم تفاعل أهلها مع مرحله الدعوه ، والتعریف على طلائع الإسلام ورجالاته ، وجهلهم بمکانه الإمام علی (علیه السلام) ودوره الفرید من بین جمیع الصحابه فی ترکیز دعائهم الإسلام والدفاع عنه ، فاستطاع معاویه أن یضللهم ، ویشوه فی نفوسهم صوره الإمام علی الناصعه . لقد أقدم معاویه وهو یقود الحزب الأموی ، على شق المسلمین ، وإقامه کیان سیاسی للأمویین فی الشام .
وهکذا استأنف الأمویون الصراع والحرب الدعائیه المضلله ضد آل البیت النبوی (علیهم السلام) تترس معاویه بن أبی سفیان فی بلاد الشام ، وکرس کل جهوده لتضلیل الرأی العام ، واعتمد المال والإغراء بالمناصب والإرهاب أسلوبا لمواجهه الإمام علی (علیه السلام) فکانت صفین المعرکه المسلحه سنه
( ۳۶ ه‍ـ )
التی انتهت بالتحکیم والخداع ، وتثبیت معاویه وانشقاق جیش الإمام علی (علیه السلام) ، وتکون فرقه الخوارج التی اغتالت الإمام علیا فی ما بعد ، وفشلت فی قتل معاویه وعمرو بن العاص .
وبعد استشهاد الإمام علی (علیه السلام) تولى الإمام السبط الحسن بن علی (علیه السلام) الإمامه بعده ، فرأى معاویه فی استشهاد الإمام علی (علیه السلام) فرصه للإجهاز على الخلافه الشرعیه ، والاستیلاء على الدوله الإسلامیه ، فجهز جیشه ، وتقدم نحو العراق لمحاربه الإمام الحسن (علیه السلام) وانتهت هذه المرحله بصلح الإمام الحسن (علیه السلام) مع معاویه ، وتسلیم الخلافه له وفق شروط لم یف معاویه بها .
۶ – الاستیلاء على الدوله الإسلامیه : استولى معاویه على السلطه وخلا الجو للحزب الأموی ، وهکذا بدأ فصل جدید فی تأریخ الأمه وأسست الدوله الأمویه سنه ( ۴۱ ه‍ـ ). وامتدت حتى سنه ( ۱۳۲ ه‍ـ ) وولی الخلافه فیها معاویه وابنه یزید ثم معاویه بن یزید الذی رفض تسلم الخلافه ، ورأى أنها حق لآل البیت (علیهم السلام) وبتنازله انتهت خلافه آل أبی سفیان لتبدأ خلافه آل مروان أخلاف طرید رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) التی استمرت حتى عام ( ۱۳۲ ه‍ـ ) .
۷- العوده إلى الصراع : وما إن تمکن الأمویون من فرض وجودهم على الدوله والأمه حتى ألغى معاویه کل شرط اشترطه الإمام الحسن (علیه السلام) .
ومن تلک الشروط عدم ملاحقه أتباع أهل البیت (علیهم السلام) ، وترک سب الإمام علی (علیه السلام) فقد شن معاویه حربا شعواء على آل البیت وأتباعهم ومن شایعهم ، ومنع التحدث بفضائل علی (علیه السلام) ومناقبه التی لم یحظ أحد من الصحابه بمثلها ، ولم یکتف بذلک ، بل أصدر أمرا بسب علی (علیه السلام) على المنابر فی جمیع البلاد الإسلامیه ، ومن فوق مآذنهم .
فمعاویه هو أول من سبب الصحابه على المنابر والمآذن ، وتبعه الأمویون على ذلک حتى عام ( ۹۹ ه‍ـ ) فی خلافه عمر بن عبد العزیز الذی أوقف السب واستبدله بقوله تعالى : ( إن الله یأمر بالعدل والإحسان وإیتاء ذی القربى وینهى عن الفحشاء والمنکر والبغی ) .
والحدیث عن الحرب التی شنها الأمویون ضد آل البیت وأشیاعهم حدیث مفعم بالدم والأسى والشجون .
فبعد حروب معاویه مع الإمام علی (علیه السلام) وولده الإمام الحسن السبط (علیه السلام) الذی انتهى بالصلح .
وبعدما دس السم الذی أدى إلى استشهاده (علیه السلام) تتبع معاویه بن أبی سفیان شیعه علی وأتباعه فقتلهم حیثما وجدهم ، فقتل حجر بن عدی الذی وصفه الحاکم فی المستدرک بقوله : " إنه راهب أصحاب محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) " ( 1 ) ، کما قتل : شریک بن شداد الحضرمی ، وصیفی بن شداد الشیبانی ، وعمرو بن الحمق الخزاعی ، ورشید الهجری ، وعبد الله بن یحیى الحضرمی ، وعبد الرحمن بن حسان العنزی وغیرهم .
وجاء بعد معاویه ابنه یزید لیواصل الحرب على آل رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وأصحاب رسول الله ، فکانت فاجعه کربلاء التی أدمت قلوب المسلمین ، فقد قتل فیها الحسین بن علی (علیه السلام) سبط رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وسبعه عشر من أهل بیته وستون رجلا من أصحابه ، استشهدوا جمیعا فی کربلاء یوم العاشر من محرم الحرام عام ( ۶۱ ه‍ـ ) مما فجر براکین الثورات ضد الحکم الأموی ، فثارت المدینه المنوره فقمعها یزید بن معاویه واستأصل البدرین ، فلم یبق بدری واحد بعد تلک الواقعه المروعه ، قال ابن قتیبه الدینوری : " وذکروا أنه قتل یوم الحره من أصحاب النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ثمانون رجلا ، ولم یبق بدری بعد ذلک ، ومن قریش والأنصار سبعمئه . . . " ( 1 ) .
وحدثت ثورات أخرى کثوره التوابین وثوره المختار . وتواصل الارهاب الأموی ضد آل البیت (علیهم السلام) فقتل هشام بن عبد الملک زید بن علی ابن السبط الحسین بن علی بن أبی طالب سنه ( ۱۲۱ ه‍ـ ) ثم قتل ابنه یحیى .
وهکذا تواصل العداء الأموی لآل البیت (علیهم السلام) حتى سقوط دولتهم سنه ( ۱۳۲ ه ) .
۸ – تبدیل نظام الحکم : لقد فهم الأمویون أن الدوله والسلطه فی الأمه هی ملک لهم ، بل وبنوا سیاستهم على أساس استعباد الأمه ، فقد
فرض یزید بن معاویه على المسلمین أن یبایعوه على أنهم عبید له ( ۱ ) ورفض أن یبایعوه على کتاب الله وسنه ورسوله ، وابتدعوا نظریه الوراثه ، وحولوا نظام الحکم إلى نظام ملکی وراثی تمتهن فیه الأمه وتسحق إرادتها ، سجل السیوطی هذه الحقیقه عن سعید بن طهمان عن سفینه قال : " قلت لسفینه : إن بنی أمیه یزعمون أن الخلافه فیهم ، قال : کذبوا بنو الزرقاء بل هم ملوک من أشد الملوک ، وأول الملوک معاویه " ( 2 ) .
ولذلک شجب الصحابه والتابعون النظام الأموی هذا ورفضوه ، کما شجبه الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) ورفضه بشده عندما قرر معاویه بن أبی سفیان جعل الحکم وراثیا وفرض یزید حاکما على المسلمین ، مما دعاه إلى الثوره على السلطه عندما تسلمها یزید بعد أبیه وکانت ثورته عام ( ۶۱ ه‍ـ ).
وکان هذا التغییر مصادره کبرى لإراده الأمه ومخالفه لأصول الشریعه ، وفرض الحکام الأمویون علیها الواحد تلو الآخر ، فقاومتهم الأمه بالقوه والسلاح حتى سقطت دولتهم عام ( ۱۳۲ ه‍ـ ) .
۹ – إدخال الفساد والانحراف الأخلاقی إلى مؤسسه الخلافه : لقد أجمع المؤرخون والمختصون على أن الحکام الأمویین هم الذین أدخلوا الخلاعه والمجون والفجور وشرب الخمر وممارسه المحرمات
الشاذه إلى مؤسسه الخلافه ، حتى أصبحت دار الخلافه مرکزا للهو والعبث والفساد ، ففقدت الخلافه هیبتها الروحیه ومکانتها فی النفوس . فکان الخلیفه منهم یذکر باللهو والغناء وشرب الخمر والفجور والظلم وجمع الأموال وامتهان الأمه وسلبها حقوقها ومصادره إرادتها .
أخرج الواقدی من طرق أن عبد الله بن حنظله الغسیل قال : والله ما خرجنا على یزید حتى ظننا أن نرمى بالحجاره من السماء ، إنه رجل ینکح أمهات الأولاد ، والبنات ، والأخوات ویشرب الخمر ویدع الصلاه " ( 1 ) .
وقال الذهبی : " ولما فعل یزید بأهل المدینه ما فعل ، مع شربه الخمر والتباعه المحرمات اشتد علیه الناس وخرجه علیه غیر واحد " ( 2 ) .
ووصفه عبد الملک بن مروان بالخلیفه المأفون بقوله : " ألست بالخلیفه المأفون ، یعنی یزید " ( 3 ) .
قالت أم الدرداء لعبد الملک بن مروان مره " بلغنی یا أمیر المؤمنین أنک شربت الطلاء بعد النسک والعباده ؟ قال : إی والله والدماء قد شربتها " ( 4 ) .
ووصف الذهبی الولید بن یزید بن عبد الملک بقوله : " اشتهر
بالخمر والتلوط فخرجوا علیه لذلک . . . " ( 1 ) .
وقال ابن الأثیر : إن عبد الملک بن مروان أول من نهى عن الأمر بالمعروف ، فإنه قال فی خطبته بعد قتل ابن الزبیر : " ولا یأمرنی أحد بتقوى الله بعد مقامی هذا إلا ضربت عنقه " ( 2 ) .
من تلک اللقطات والمئات من الممارسات المحرمه التی ارتکبها الحکام الأمویون فی قصور الخلافه یتضح لنا الدور الأموی فی إسقاط الأخلاقیه الإسلامیه فی مؤسسه الخلافه التی أراد لها الله أن تکون قدوه ومنارا للهدى والإصلاح .
۱۰ – وضع الحدیث : وفی هذه المرحله – مرحله الحکم الأموی – کثر وضع الحدیث : والتشجیع علیه من قبل معاویه وبشکل رسمی ، کما کثر دخول الإسرائیلیات فی الحدیث والتفسیر والعقائد .
ویذکر الباحثون فی تاریخ الوضع والوضاع أن الکذب قد بدأ فی عصر رسول الله ، ولکنه کان عملا فردیا وممارسه من أناس کذابین ، أما الوضع بشکله المتبنی فقد بدأ عام ( ۴۱ ه‍ـ ) بدأه معاویه بن أبی سفیان ، وأن الوثائق التاریخیه التی وردت إلینا تؤکد ذلک ، قال أبو جعفر الإسکافی المعتزلی : " إن معاویه وضع قوما من الصحابه وقوما من التابعین على روایه أخبار قبیحه فی علی (علیه السلام) تقتضی الطعن فیه والبراءه
منه ، وجعل لهم على ذلک جعلا یرغب فی مثله فاختلفوا ما أرضاه ، منهم : أبو هریره وعمرو بن العاص والمغیره بن شعبه ومن التابعین عروه بن الزبیر " ( 1 ) .
وقال ابن عرفه : " إن أکثر الأحادیث الموضوعه فی فضائل الصحابه افتعلت أیام بنی أمیه تقربا إلیهم بما یظنون أنهم یرغمون به أنوف بنی هاشم " ( 2 ) .
إن دراسه الحوادث والوقائع والمواقف التأریخیه التی مارسها حکام أمویون تکشف لنا بوضوح حقیقه الصراع الأموی ضد الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) وامتداده المتمثل فی علی وآله (علیهم السلام) وسترى وضوح ذلک من خلال الدراسه التی أجراها الشیخ الأمینی فی شخصیات أمویه شملت أبا سفیان ومعاویه ومروان والحکم بن العاص والولید بن عقبه وغیرهم من العناصر الأمویه . وإذن فلنقرأ ما کتبه العلامه الأمینی فی ذلک لتتشکل أمامنا معالم الصوره الحقیقیه للمسار الأموی .
ــــــــــــــــــــــ
( ۱ ) تاریخ الیعقوبی : ۲ / ۶۰ . ( * )
( ۲ – ۳ ) الکامل فی التاریخ : ۲ / ۳۲۶ . ( * )
( ۴ ) المستدرک على الصحیحین : ۳ / ۴۶۸ . ( * )
( ۵ ) الإمامه والسیاسه : ۱ / ۱۸۵ . ( * )
( ۶ ) الإمامه والسیاسه : ۱ / ۱۸۵ .
( ۷ ) تاریخ الخلفاء : ۱۹۵ . ( * )
( ۸ ) تاریخ الخلفاء : ۱۹۵ .
( ۹ ) المصدر السابق : ۲۰۴ .
( ۱۰ ) الصدر السابق : ۲۰۴ .
( ۱۱ ) الکامل فی التاریخ : ۳ / ۵۲۲ . ( * )
( ۱۲ ) الکامل فی التاریخ : ۳ / ۲۳۳ .
( ۱۳ ) المصدر السابق . ( * )
( ۱۴ ) شرح نهج البلاغه / ابن أبی الحدید : ۱ / ۱۲ – ۱۶ .
( ۱۵ ) المصدر السابق : ۱ / ۳۵۸ . ( * )