فاطمة وما أدراك من فاطمة

0

 

إنَّ الحديث عن فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين، ذو شجون وتشعبات كثيرة، وقد يتهيب المرء الكلام عن هذه الشخصية الفريدة في صفاتها، ومكانتها، ودورها الكبير والمتميز في عالم النساء، وخصوصاً أنَّها عاشت في زمن كان يُنظر إلى المرأة نظرة دونية، إذ أنَّ تحقير المرأة في الجاهلية، كان أمراً عادياً، ومقبولاً، لا بل طبيعياً بحيث أنَّ وأد البنات كان من المسلَّمات التي لا يعترض عليها معترض، ويصوِّر القرآن الكريم، الحال بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ النحل: 58، 59.
.

ويأتي الإسلام ليرفع هذا الحيف عن المرأة، كإنسان وكدور، وليعلن المساواة الواقعية بين المرأة والرجل، على أساس الطبيعة البشرية، وليجعل جزاء الأعمال، للذكر والأنثى، على حد سواء، لا تفاضل بينهما في الأصل، أو الجنس.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ النساء: 123. إنَّ عملية التحول في وضعية المرأة، على يد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، بلغت ذروتها، عندما اختار اللَّه تعالى، فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، لتكون سيدة نساء العالمين، والقدوة والقائدة، لنساء زمانها، وكل زمان، لا بل القدوة للرجال وللنساء معاً، باعتبار أنها تمثّل الأنموذج الكامل للمرأة، في كل تفاصيل حياتها، منذ أنْ أبصرت النور، حتى آخر لحظات عمرها الشريف، وستبقى فاطمة الزهراء عليها السلام الكوكب المضي‏ء في عالم الإنسانية، تشرق على بني الإنسان كالشمس، فتملأ العقول بالفكر الصافي، والقلوب بالعواطف النبيلة، والحياة بالدور النسائي المميَّز، بحيث لا تجد في شخصية فاطمة إلا أسمى الصفات، وفي أعلى الدرجات..

إنّها الزهراء .. “القدوة لكل النساء اللواتي ينهلن من معين الحقيقة والنور الإلهي” كما قال إمام الأمة الخميني قدس سره، وكان لا بد لهنَّ أن يتمثَّلنَ بسيرة فاطمة عليها السلام التي كتبها اللَّه مع الأبرار، الذين قال فيهم: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ..﴾(3). .. فكم هي محظوظة المرأة التي تكون الزهراء عليها السلام مثالها وقدوتها، فالزهراء عليها السلام نبراس لكل امرأة تريد سبيل الرشاد، وتطلب معالي المعرفة والأخلاق ومفاخر التربية والتهذيب، وكم هي تعيسة، وطريقها مظلم تلك المسلمة المقلِّدة والمنبهرة بالمرأة الغربية، فهي تعاني من فراغ فكري هائل، فكل ما لديها مجرد أوهام وتقاليد عمياء، حتى أمست أكثر مرونةً، وأسهل تقبلاً لكل ما يرد إليها من فساد الموضات الثقافية والاجتماعية الهابطة، وأصبحت الحرية الممنوحة لها أعظم معول هدَّام لمجتمعها.

وإذا أردنا الوقوف عند بعض التفاصيل المتعلقة بالزهراء عليها السلام، في كافة مراحل حياتها المباركة، فإننا سنجد، باعتبارها المثال الأعلى للمرأة، أنها كانت في مرحلة الطفولة… كأفضل ما تكون الفتاة، وذلك لأنها ابنة لأعظم شخصية على وجه الأرض، حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها، وهو الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله…، وعندما أصبحت فاطمة عليها السلام زوجة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنها كانت الزوجة المثالية، إذ أعطت أبهى صورة عن الحياة الزوجية المنسجمة، الراقية.. وأما دورها كأم، فإنّه الدور الذي بلغ الذروة في عملية التربية، ذات المستوى الأعلى، كما يدعو إليها الإسلام من خلال الكتاب والسنَّة…

“اللّهم صلّ علی فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك”

Leave A Reply

Your email address will not be published.