طاعتنا نظاماً للملة و إمامتنا أمانا من الفرقة

قبل الدخول في الجواب، لا بد من التذكير بأن موضوع السؤال ينطلق من عبارتين من الخطبة المعروفة بالخطبة الفدكية للسيدة الزهراء سلام الله علیها بنت النبي الأكرم محمد صلی الله علیه وآله و هذه الخطبة ألقتها عندما وصل إليها خبر تصميم الخليفة الأول على إسترجاع فدك منها.01 و هذه الخطبة مروية في المصادر الروائية و التاريخية للشيعة و السنّة و بأسناد متعددة و لكن بقليل من الإختلاف في النص.02

فالسيدة الزهراء سلام الله علیها في هذه الخطبة و بعد الحمد و الثناء و بيان النعم الإلهية تعرضت لفلسفة الخلق و كذلك فلسفة الأحكام الشرعية الإلهية حيث قالت:

1ـ “و طاعتنا نظاماً للملة”،03 فهذه الجملة و الجملة التي بعدها عطف على عبارة “فجعل الله الإيمان ….” التي وردت في هذه الخطبة. فيكون المعنى أن الله سبحانه و تعالى جعل طاعتنا سبباً للنظم في الدين الإسلامي.

و من الواضح الذي لا غبار عليه أن طاعة أهل البيت علیهم السلام سبب لنظم الدين، و ذلك لأن هذه الطاعة تجمع كل أفرادها حول محور الدين و هذا المحور يبينه الإمام الذي هو الأعلم و الأتقى و الجامع لكل الكمالات. و لاريب أهل البيت علیهم السلام هم أكثر الناس علما بحقائق القرآن و أكثرهم إطلاعاً بها، لأن علمهم متصل بمبدأ الوحي فمن الطبيعي يحصل الإنسجام و التوحيد في المسائل الدينية بحكم طاعتهم.

2ـ “و إمامتنا أماناً من الفرقة (للفرقة)”

فقد طرحت السيدة الزهراء سلام الله علیها هنا مسألة الإمامة و تعني بذلك تنبيه الخليفة و الناس بأن الإمامة و خلافة النبي محمد صلی الله علیه وآله هي من شؤونهم، و قد أعطاها الله سبحانه لهم للحد من فرقة الناس و لجمعهم حول محور واحد. و بتعبير آخر، إن الله جعل الإمامة، لكي لا تفترق الأمة الإسلامية و لكي لا يذهب كل إلى جهة، و جعلها محوراً يقرّه العقل. فلو كان لشخص الرجحان على باقي البشر في كل النواحي، العلمية و التقوائية و في التدبير و العدالة و في إرتباطه بالله سبحانه و غير ذلك، فمن الطبيعي يتحتم على الجميع الإلتفاف حوله، عندها لا تحصل أي فرقة و لا تشتت. و هذا الكلام مستلهم من حديث الثقلين04 و قد ذكرته السيدة الزهراء سلام الله علیها في خطبتها الفدكية. فعندما يقول النبي صلی الله علیه وآله، إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.

فهاتان العبارتان في الحقيقة بيان لمضمون واحد و هو أن نظام الدين الإسلامي و بقاءه و صيانته من التفرقة و التشتت، لا يكون إلا في ظل قيادة أهل البيت علیهم السلام. و مما يجدر قوله إن بعض المحققين 05 فسّر “الملة” هنا “بالأمة” و لا منافاة بين هذا المعنى و المعنى الذي بيّناه.

و من البديهي أن لكل مجتمع قطب فكر لنظامه و بقائه، و لا يكون هذا القطب إلا على رأس الهرم ليمكنه جذب كل الأفكار و الآراء إليه و ليملأ و يسدّ الفراغ الموجود من هذه الناحية، و عندها لا تبقى أرضية لأي إختلاف.

إن الشريعة الإسلامية و المجتمع الإسلامي أيضاً يتطلبان إتباع أهل البيت علیهم السلام و طاعتهم لحفظهما من كل إختلاف و تفرقة في جميع الأبعاد، لأنهم و باتصالهم بالمصدر الحيوي و بعالم الغيب، يؤمّنون الرشد الفكري للبشرية في جميع الجهات، بدءاً من الإقتصاد و مرورا بالحقوق  و الأحكام و إنتهاء بالسياسة و نظم الأمر.