المرجعية…

0
القضايا التي هي بحاجة إلى الغور في خضمّها بكل جرأة وشجاعة، والبحث فيها بسعة وشمول والكتابة عنها بعمق وتركيز، وطرحها بموضوعية وتجرد، ومن أهم هذه القضايا قضية المرجعية لما لها من أهمية قصوى ودور مصيري في حياة الأمة. ولكن الحديث عنها حديث له أهمية قصوى وحساسية كبيرة وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لأن المرجعية قيم ومبادئ، رؤية وموقف، فكر وثقافة، اقتصاد وسياسة، مجتمع وحقوق، أخلاق وسلوك، أمة ورجل، إيمان وخصال، إدارة وجهاد، قيادة وقرار، روح وهمة، أسس وأساليب، هدف وغاية.
قيم مستوحاة من رســــالة السماء، وضمير الإنسان… من كـــــتاب الله المقدس القرآن الحكيم، وكتاب الله الأقدس القرآن المبين(01)
 وإمام المتقين علي أمير المؤمنين(02)
 من أحاديث أهل البيت عليهم السلام الدرر اللامعة، ومن التاريخ المشرق بالأنوار الساطعة. من الوحي الإلهي، والعقل الفطري.
مبادئ مستخلصة من قيم السماء، وتجارب البشر. من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، من تاريخ الأنبياء، وحياة الأئمة والأوصياء. من الأحاديث القدسية، وكلمات الأئمة المهدية. من جميع الكتب السماوية، وجميع رسل البشرية.
رؤية واضحة ثاقبة، وموقف شجاع رصين، رؤية مبلورة وعميقة، وموقف مبدئي وحكيم.
رسالة سماوية جاء بها رسل الأرض والسماء، وحكمة إلهية ألهمها رب اليابسة والماء. رسالة موروثة من الأنبياء (03)
والأصفياء، وحكمة استقيت من صاحب الحوض اللواء (04).
فكر نيّر، وثقافة جريئة، فكر مركز وثقافة واسعة، فكر شامل وثقافة أشمل.
اقتصاد إسلامي عادل، متحرر من شوائب المذاهب الوضعية، وسياسة إنسانية قائمة على العدل والإنصاف بين الراعي والرعية.
مجتمع حضاري، وحقوق عادلة، أخلاق رفيعة، وسلوك رسلي(05)
. أمة في رجل ورجل في أمة. إيمان عميق، وخصال حميدة. إدارة ماهرة، وجهاد دائم، قيادة حكيمة متكاملة، هدف مقدس، وغاية سامية.
هذا هو منهج المرجعية ونهجها، منه تستقي رؤاها وإلى الأمة تبعثه مناراً.
ثانياً: لأن المرجعية هي المؤهلة لبناء الحضارة الإسلامية، وترسيخ دعائمها، وذلك لأن الحضارة انعكاس للفكر الحضاري الذي تختزله الأمم، والفكر الحضاري خلاصة لنمط وتفكير الأمم وسلوكياتها. وتفكير الأمم نتاج مراكز الإشعاع المذهبي والفكري والثقافي والسلوكي. ومراكز الإشعاع تعبير عن نمط تفكير عظماء الأمم وقياداتها. وفكر القيادات مستوحى من المنهج المذهبي والفكري الذي تتبناه وتتبعه، فالحضارات ما هي إلاّ صورة واقعية من العقيدة التي تتجسد في قائد الأمة ومفكريها، الذين تتراكم فيهم قيم المذهب وتتداعى على شكل حضارة.
والحضارة الإسلامية صورة حية من العقيدة والفكر الإسلامي الذي ينبثق من مراكز الإشعاع –الوحي، والمسجد والحوزة وجمي المعاهد الدينية- ويتجسد في الإنسان القائد، في الرسول أولاً والإمام المعصوم ثانياً والعالم الرباني –الفقيه والمرجع ثالثاً والإنسان المؤمن الرسالي رابعاً.
والحضارة نوعان: حضارة المدينة التي نشاهد في عصرنا الحاضر. وحضارة الإنسان التي يتحمل أعباءها الإنسان المرجع والفقيه القائد، إضافة إلى مشاركته في بناء الحضارة الأولى. وإن الثانية لأصعب وأكثر جهداً ومشقة، وما ذلك إلا لأن:
1 ـ الإنسان يمكنه تطويع ما عداه من الكائنات بسهولة ويسر، ولكنه يعجز في أكثر الأحايين من تطويع نظره ونفسه التي بين جنبيه وهي أقرب إليه من حبل الوريد. قال تعالى:( وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً).
2 ـ لأن الأولى تهتم بالشكل والمظهر الإنساني والحضاري. والثانية تصب جهدها واهتمامها لترسيخ الحقيقة والجوهر الإنساني والحضاري.
3 ـ لأن العقل قادر على إبداع السبل والوسائل لقيادة الكون من دون توقف ولكنه يتوقف مرات ومرات لإنتاج أو اكتشاف وسيلة ناجعة للسيطرة على نفسه ونظيره. وذلك لأن الإنسان يختلف عن الطبيعة حيث هذه خاضعة لمعادلات طبيعية ورياضية ثابتة، وذاك خاضع لمجموعة عوامل متقلبة غير ثابتة من أحاسيس ومشاعر وعواطف وأهواء وشهوات وعقل وضمير وقلب وما إلى ذلك من عناصر الإنسان، وهذه تؤثر عليها الظروف الزمكانية والموضوعية.
4 ـ لأن الأولى تبني المادة وهي معلومة بالنسبة، ولذا الأنسب أن يطلق عليها الحضارة المادية الإنسانية والثانية تبني الروح وهي مجهولة في الأغلب وأحق بها أن تسمى هي بالحضارة الإنسانية لأنها من الإنسان وإلى الإنسان ومن أجل إنسانية الإنسان ومع الإنسان وهو هدفها الأول والأخير.
5 ـ لأن الأولى تبنى عن طريق الإرهاب والدوافع المادية بينما الثانية تبنى عن طريق القناعة والاعتقاد بضرورتها في الحياة وأهميتها للإنسان، وعن طريق الاندفاع الذاتي.
والمرجع الفقيه يتكفل ببناء الحضارة الإنسانية، ولقد أثبت التاريخ قدرته وتفوقه في ذلك.
ثالثاً: الحديث عن المرجعية حديث عن الفقاهة، والحديث عن الفقاهة حديث عن القيادة، والحديث عن القيادة حديث عن الولاية، والحديث عن الولاية حديث عن الرسالة، والحديث عن الرسالة حديث عن ولاية الله وهيمنته وسلطته.
فالمرجعية صورة مصغرة عن كل أولئك فهي امتداد للقيادة الربانية، فالمرجع وارث لرسالات الأنبياء، مؤتمن على شريعة الأوصياء فهو رسول زمانه وإمام عصره ونبي أمته، وفقيه مجتمعه. وهو القائد الأعلى للأمة.
رابعاً: مسألة المرجعية الدينية تأتي في المرتبة الثانية بعد التوحيد من حيث الأهمية، وتتوقف عليها جميع المسائل الدينية، لما لها من أهمية كبرى ودور مصيري في حياة الأمة وتاريخها ومستقبلها.
أهمية المرجعية ترجع إلى قدرته على بناء وحفظ كيان الإسلام، وبسطه واعتلائه، وذلك لأن المرجع هو الحافظ للإسلام والحارس لجميع ما يتعلق بالمنظومة الإسلامية. وهو الملاذ عند الفوادح والمخاطرات بجميع أشكالها سياسية واقتصادية وفكرية وغيرها. وهو الجبل الأشم أمام التيارات المضادة الداخلية والخارجية الآتية من أعداء الإسلام والأمة الإسلامية من يهود ونصارى وأصحاب مذاهب فكرية واعتقادات باطلة مثل الماسونية والوهابية والبهائية، وأصحاب القوانين الوضعية غربية وشرقية وأوسطية.
لا ملاذ للمسلمين اليوم إلا المرجعية لصيانة دينهم وحفظ قرآنهم، وتماسك كيانهم، وبقاء قبلتهم.
خامساً: لارتباط مصالح الأمة –أحاد وجماعات- بشخصية المرجع القائد ومنهجه ونهجه في الحياة، وكذا نهضتها وتقدمها وجمودها وتخلف كل ذلك مرهون بالمرجع القائد الأعلى للأمة. كما هي مرتبطة بشخصية الأمة.
سادساً: لأن الصورة المنعكسة في الأذهان عن المرجعية صورة سطحية ومشوشة وقاصرة عكستها مصالح وشهوات أدعياء الدين، ورسخها الواقع المتخلف وخنوع الأمة للدعة.
سابعاً: لأن طرح الصورة الحقيقية للمرجعية كما نطقت بها الأحاديث بحاجة إلى شجاعة باسلة، وجرأة خاطفة وإلى تحمل عواقب جرأة الحديث وصدقه وصراحته.
ثامناً: لأن الحديث عن المرجعية بحاجة إلى فهم ووضوح وبلورة النظرية الإسلامية في القيادة العامة. ولا يتأتى ذلك إلا باستيعاب النصوص الشرعية التي تحدثت عن ذلك. وإليك بعض النصوص:
عن الإمام الرضا عليه السلام قال:
(إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين. إن الإمامة رأس الإسلام التالي وفرعه السامي.
بالإمامة تمام الصلاة والزكاة والصيام والحد والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف).
الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله، ويقيم حذود الله، ويذوب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة.
عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله).
وقال الإمام علي عليه السلام:
(العلماء غرباء لكثرة الجهال).
وقال الرسول صلى الله عليه وآله:
(رحم الله خلفائي. فقيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يُحيون سنتي وسنتي يعلموها عباد الله).
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
(إن العلماء ورثة الأنبياء. وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظاً وافراً. فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).
وقال الإمام العسكري عليه السلام:
(فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه. وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم).
وقال الإمام عليه السلام:
(إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم).
وقال الإمام عليه السلام:
(اتقوا الحكومة. فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبي أو وصي نبي).
وقال الإمام علي عليه السلام:
(من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه لسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم): وقال الإمام علي عليه السلام:
(إن أحق الناس بهذا الأمر ــ الإمارة والقيادة ــ أقواهم عليه وأعلمهم بكتاب الله).
قال الإمام علي عليه السلام:
(يا كميل محبة العالم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. فمنفعة الماء تزول بزواله).
(يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة).
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
(إن الله تعالى أوحى إلى دانيال أن أمقت عبيدي إلي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك للاقتداء بهم، إن أحب عبادي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحكماء القابل عن الحكماء).
وقال الإمام عليه السلام:
(إن العلماء أمناء الرسل)،(العلماء خلف والرسل).
قال الإمام الصادق عليه السلام:
(من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمه الله إليه إلى يوم الفناء، ومن ادعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك، وذلك الباب هو الأمين المأمون على سر الله المكنون).
وعن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله).
(عنى الله بها من اتخذ دينه هواه بغير هدى من غير إمام من أئمة الهدى).
وقال الإمام عليه السلام:
(اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون روايتهم عنا فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدثاً).
فقيل أو يكون المؤمن محدثاً؟ قال: (يكون مفهماً والمفهم محدث).
وقال الإمام عليه السلام:
(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فانهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم).
وقال الإمام عليه السلام:
(يجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء، بالله الأمناء على حلاله وحرامه).
وقال الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله عمر بن حنظلة قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال عليه السلام: (من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:
( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به).
قلت أفكيف يصفان؟ قال: (ينظر إن من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامناً فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فأتى: استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله).
وأستخلص من كل ما ذكر أن المرجعية هي الصراط المستقيم من سلكه بلغ الهدف ودخل الجنة، ومن انحرف عنه أضاع الطريق وهو في نار جهنم وبئس المصير. المرجعية هي سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وهي باب حطّة من دخله غفر له، ومن أوصده في وجهه أحاطت به نار ذنوبه المتراكمة، وهي مزامير داوود وزيره، وإنجيل عيسى، وعصا موسى، وهي كتاب محمد ونهج علي، من اغترف منها فقد اغترف علماً واسعاً، وحكمه لا تنفد، وموعظة حسنة، ومن حرم منها ضل الطريق وأضل العباد.
والمرجعية هي القيادة العليا للأمة، وبانية الحضارة الإنسانية العريقة، وحافظة التراث الإسلامي الناصع، والذائدة عن حريم الإسلام المقدس، والمعايشة لآلام الناس، والمطلع على مشاكلهم، والمدافعة عن مظلوميتهم والحافظة لحقوقهم.
تلك هي القيادة، بشؤونها وأعبائها وأهميتها! وكل دين ومدرسة ونظام وكل مجتمع وأمة لا يرجى لها البقاء والتوسع والنفوذ والتقدم إلا بقيادة نابهة نابغة سريعة البديهة صالحة صاحبة بصيرة نافذة وقرار حازم، قائمة بوظائفها مؤمنة برسالتها.
إن العالم الذي يتصدى لتحمل مسؤولية المناصب الدينية ولا سيما المرجعية العظمى هو خليفة النبيين ووحي الصديقين فعلى هذا يلزم أن نعرف كيف ينبغي أن يكون هذا العالم؟ بل كيف يجب أن يكون؟.
وهنا يبرز السؤال الثاني: ما هي المواصفات التي يجب أن يتحلى بها المرجع الأعلى؟.
الجواب: الصفات التي يجب أن يتحلى بها المرجع الأعلى هي كالتالي:
أولاً: التقوى والورع، والزهد والعفاف، ومخالفة الهوى والشهوات، والتواضع والبساطة في الحياة. وصيانة النفس وعدم العلو أو الاستكبار.
قال الإمام العسكري عليه السلام:
(فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم. فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة). قال الله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) وقال: ( يرفع الله الذين آمنوا و الذين أوتوا العلم درجات).
ثانياً: الشجاعة والجرأة، والتصدي والإقدام، والمبادرة والتجاسر،(فاز باللذات من كان جسوراً).
قال الله تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا). وقال الإمام علي: (إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه).
ثالثاً: معرفة الحق ورضوخه إليه واستيعابه لمفرداته، أن يكون فقيهاً عارفاً بالله عالماً بكتابه مستوعباً لقيم السماء وقوانينها والتفاضل بينها.
قال الله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال: (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات)، بأن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بكتاب الله).
رابعاً: معرفة الواقع الخارجي وإدراكه لدقائقه، ومعرفة الظروف الزمكانية والموضوعية وأثرها على مسار الفتوى والمجتمع وبالتالي الحديث مع الناس بلغتهم التي يعرفونها.
قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه يبين لهم).
وقال الرسول صلى الله عليه وآله: (إنا أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم)،(العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).
خامساً: القدرة على تطبيق الحق على الواقع. معرفة الحق ضرورية، ومعرفة الواقع مهمة. ولكن الأهم أن وضع الحق في مكانه المناسب زماناً ومكاناً وموضوعاً وشخصاً وأمة وما شابه ذلك(الأمور مرهونة بأوقاتها)،(ليس كل ما يعلم يقال وليس كل ما يقال حان وقته وليس كل ما حان وقته حضر أجله).
سادساً: الحياة المادية والمعنوية، حياة الجسد وحياة الفكر والنفس والعقل، بأن يحمل روحاً شابة متألقة قادرة على النشاط والحيوية والمتابعة لشؤون الأمة من دون كلل أو ملل. (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).
وما إلى ذلك من صفات الخير والكمال، صفات الرسل والأنبياء، صفات الأئمة والأولياء.
فالمرجع يجب أن يكون صورة ونموذجاً مصغراً عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة(عليهم السلام)(ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فالمرجع رسول زمانه إمام عصره. ولا يمكن أن يكون الرسول إلا عالماً بعصره معايشاً ومعاشراً لمجتمعه يعرف ما يدور داخلهم وفي أوساطهم. وكذا المرجع لا يصح أن يكون جاهلاً بعصره، أو متقوقعاً في بيته، لا يعرف ما يدور خارجه.
المرجع هو الذي ترجع إليه الأمة في أمورها كلها وبالخصوص الحوادث المستجدة. فمسألة المرجعية ليست رهبنة ولا مقتصرة على أعطاء الفتوى في الأمور العبادية فقط أو ما شابهها مما هو مدون في الرسائل العملية. بل المرجعية شاملة لكل مجالات الحياة، وأبرزها الحوادث الواقعة المستجدة التي تواجه الأمة.
ولو اقتصرت المرجعية على الشؤون المدونة في الرسائل العملية لاكتفت الأمة بكتاب يدون فيه جميع المسائل ترجع إليه الأمة عند حاجتها ويكون شبيهاً بالكتب الدراسية التي يؤلفها المختصون في الجامعات والمدارس، أو شبيهاً بكتاب المنجد في اللغة ليس غير.
إن الأحكام العامة ثابتة لا تتغير(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة) ولكن الفتاوى خاضعة للظروف الزمكانية والموضوعية والشخصية ووضع الأمة والمجتمع بل والحديثة والقرية بل والشخص، وهذا يتطلب معرفة كل ذلك حين إصدار الفتوى.
فالفقيه الذي يحق للمجتمع تقليده واتباعه، وتسليمه أزمة الأمور كلها والقيادة هو الفقيه الذي يتصف بما ذكرنا عالماً بجميع تعاليم الإسلام العبادية والمعاملاتية سياسية وثقافية اجتماعية وأخلاقية دفاعية وإدارية حكومية وحقوقية وما يمت إلى الحياة العامة بصلة.
هذا هو المرجع المطلوب وفي يومنا هذا هناك القليل ممن يتصفون بهذه المواصفات، قادرين على تحمل أعباء هذه الأمة التي يأسر الحاجة إلى قائد يقتلعها من غفلتها وحضيضها لينهض بها إلى ريادة العالم أجمع.
1 ـ قال الإمام علي عليه السلام: (وأنت الكتاب المبين الذي يظهر به المضمر)
2 ـ قال الإمام علي عليه السلام: (أنا القرآن الناطق)
3 ـ جاء في زيارة الحسين عليه السلام: (السلام عليك يا وارث الأنبياء، وقال الإمام الصادق عليه السلام: إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظاً وافراً فانظروا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
4 ـ جاء في الزيارة(السلام عليك يا صاحب الحوض واللواء)
5 ـ نسبة إلى سلوك الرسل.

Leave A Reply

Your email address will not be published.