الدين والأسرة (02)

0

أثر الأسرة في التنشئة الاجتماعية :

إن آفاق التربية الأسرية تمتدُّ عند بلوغ الطفل سِنَّ السادسة من العمر ، حيث يلتحق معظم الأطفال بالمدارس أو مراكز التعليم المختلفة ، فتكون قيم الأسرة التي زرعتها في أطفالها قد أثمرت ، لتجدَ نفسها أمام مَحك التطبيق العملي الميداني .

وعند التساؤل عن العوامل الأساسية المسؤولة عن تكوين الصفات – الفضائل والرذائل – ، وسيطرتها على شخصية الفرد في التعاملات اليومية ، نجدها تتحدد في ثلاث فئات أساسية ، وهي :

الفئة الأولى : المحددات البيولوجية ، وتشمل الملامح أو الصفات الجسمية كالطول والوزن .

الفئة الثانية : المحددات السيكولوجية النفسية ، وتتضمَّن العديد من الجوانب كسمات ، الشخصية ودورها في تحديد التوجهات القيمية للأفراد .

الفئة الثالثة : المحدِّدات البيئية ، حيث يمكن تفسير أوجه التشابه والاختلاف بين الأفراد في ضوء اختلافات المؤثرات البيئية والاجتماعية .

فالتنشئة الاجتماعية هي امتداد لتربية الأسرة في البيت ، حتى سميت بالتنشئة الأسرية ، وهي أولى مهام التنشئة الاجتماعية ، وقد تبيَّن أن هناك علاقة بين أسلوب التنشئة الاجتماعية ، وما يتبنَّاه الأبناء من قيم .

فالأسرة كمؤسسة اجتماعية لا توجد في فراغ ، وإنما يحكمها إطار الثقافة الفرعية التي ينتمي إليها ، كما يتمثل في المستوى الاقتصادي الاجتماعي ، والديانة وغير ذلك من المتغيرات .

الدين وعوامل التنشئة الاجتماعية :

من المتَّفَق عليه أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يتأثر ويؤثر اجتماعياً ، فيتأثر بأهله وبمجتمعه وبتاريخه ، وبكل ما يحيط به ، ليؤثِّر أخيراً في بناء شخصية أبنائه ، ومن ثم في حياتهم ، فيرسمُ لهم الأطر التي ضمنها يتحركون .

وقد ثبت علمياً بأنَّ الأسر التي يطغى على تربيتها عوامل التشتت والتفكك تؤدي بالأبناء بمرور الزمن إلى اللامبالاة ، أو عدم الاهتمام ، أو النقيض التام ممَّا تعلموه في طفولتهم ، وهو التقيد والتمسك بالتقاليد ، ودقَّة المواعيد ، وإِتْقان الواجبات الحياتية بأدقِّ الصور .

وهناك بعض السمات التي تبدو واضحة على شخصية الأبناء الذين تلقوا التربية في ظِلِّ ظروف غير اعتيادية ، مثل الأسر التي يتعاطى فيها أحد الأبوين الكحول .

حيث من المحتمل أن تعصف المشكلات الخطيرة بكيان الأسرة ، وتهزُّ أركان تماسكها ، فهو مرض اجتماعي خطير ، يؤثر بشكل سلبي على نسيج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع .

ولكن تبقى المكونات الفردية التي ينشأ عليها الأطفال أثناء تلقيهم التربية بأنواعها ، ومدى تقبُّلهم أو رفضهم لتلك العوامل المؤثرة مباشرة ، فهي التي تحدد سلوكهم ، فضلاً عن التنشئة الاجتماعية خارج الأسرة التي تصقل الخبرات الأولى التي تعلمها من الأسرة ، وكذلك تأثير الأقران في ذلك الصقل .

وعند تحليل المكوِّنات الفردية والعوامل الخارجية المؤثِّرة نجد أن الأولى تسمى المكونات الذاتية ، والثانية العوامل الخارجية الموضوعية ، فالشخصية في تصرفها تسلك على وفق هذين المؤثرين الذاتي والموضوعي .

ولكن يبقى العامل الآخر الأهم – والذي يعد المؤثر الأكبر في التكوين في مجتمعاتنا – الذي هو توكيد النزعة الأخلاقية ، التي يلعب الدين فيها دوراً مهماً ، ومنهج القرآن الدور الأكبر .

والقرآن دقيق الوصف لنفوس الأفراد والجماعات ، ووصفه ينطبق على نفوس الناس في كل زمان ومكان ، لأنَّه يتماشى مع وصف خصائص النفس وصفاتها الموروثة والمكتسبة .

فالقرآن يحض على تهذيب النفس ، حيث قال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد : 11 .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( النَّاسُ صِنْفَان : إمَّا أخٌ لَكَ في الدِّينِ أوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ ) .

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.