تاريخ حياة الإمام الهادي عليه السلام (03)

0

دعوة الإمام الى سامراء:

كان الخلفاء الظّالمون يشعرون بالخوف من نفوذ الأئمة(عليهم السلام) في المجتمع واهتمام وحبّ النّاس لهم، ومن البديهيّ عندئذ ان لا يكفّوا أيديهم عن الأئمة الكرام وان لا يتركوهم لحالهم، وبالنسبة للمتوكّل فانّه علاوة على هذا الخوف المستبدّ بجميع المتقدّمين عليه كان يشعر بحقد مرير وعداوة مضاعفة لأهل بيت أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ممّا كان يدفعه للمزيد من التشّدد والتضييق عليهم، ومن هنا فقد عقد العزم على نقل الإمام الهادي (عليه السلام) من المدينة الى مكان قريب منه حتّى يراقبه عن كثب.

وهكذا أبعد المتوكلُ الإمام في عام «234» هجرية من المدينة الى سامرّاء بصورة محترمة، وأسكنه في بيت مجاور لمعسكره، وأقام الإمام في هذا البيت حتّى آخر عمره الشّريف، اي الى سنة «254»، هجرّية وقد احتفظ بالإمام دائماً تحت مراقبته الشّديدة، وسار على منهجه هذا الخلفاء الّذين جاّءوا من بعده، فكلّ واحد منهم كان يراقب الإمام بصورة شديدة حتّى استشهاده (عليه السلام)(1).

وكان سبب شخوص أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة الى سرّ من رأى ان عبد الله بن محمّد كان يتولّى الحرب والصّلاة في مدينة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسعى بأبي الحسن الى المتوكّل، وكان يقصده بالأذى، وبلغ أبا الحسن (عليه السلام) سعايته به فكتب الى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمّد عليه وكذبه فيما سعى به، فتقدّم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه الى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول فخرجت نسخة الكتاب وهي:

«بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد، فانّ أمير المؤمنين ! عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقّك، مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم ويثبت به عزّك وعزّهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربّه واداء ما فرض عليه فيك وفيهم.

فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمّد عمّا كان يتولّى من الحرب والصّلاة بمدينة الرّسول، اذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذيّ قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيّتك في برّك وقولك وأنّك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، وقد ولّى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمّد بن الفضل وأمره با كرامك وتبجيلك والانتهاء الى أمرك ورأيك، والتقرّب الى الله والى أمير المؤمنين بذلك، وأمير المؤمنين مشتاق اليك، يحبّ احداث العهد بك والنّظر الى وجهك.

فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما احببت، شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل اذا شئت وتنزل اذا شئت وتسير كيف شئت، فان أحببت ان يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ! ومن معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون بمسيرك، فالأمر في ذلك اليك وقد تقدّمنا اليه بطاعتك.

فاستخر الله حتّى توافي أمير المؤمنين ! فما احد من اخوته وولده وأهل بيته وخاصّته الطف منه منزلة ولا أحمد له اثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم اشفق وبهم أبرّ واليهم اسكن منه اليك والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» (2).

ولا شكّ في انّ الإمام (عليه السلام) كان مطلّعاً على سوء نيّة المتوكّل ولكنّه لم يكن له بدّ من الرّحيل الى سامرّاء، وذلك لانّ امتناعه عن تلبية دعوة المتوكّل يغدو وثيقة بيد السّاعين يثيرون المتوكّل بها ويصبح ذريعة مناسبة له، والشّاهد على انّ الإمام (عليه السلام) كان عالماً بنيّة المتوكّل وقد اضّطر للسّفر هو ما كان يقوله (عليه السلام) فيما بعد في سامّراء:

«أخرجت الى سرّ من رأى كُرهاً»(3).

فلمّا وصل الكتاب الى أبي الحسن (عليه السلام) تجهّز للّرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتّى وصل سرّ من رأى، فلمّا وصل اليها تقدّم المتوكّل بان يُحجب عنه في يومه، فنزل في خان يقال له خان الصّعاليك (وهو مكان معدّ للمستجدين والفقراء) وأقام به يومه، ثمّ تقدّم المتوكّل بافراد دار له فانتقل إليها. واحترمه في الظّاهر ولكنّه في الخفاء حاول تشويه سمعة الإمام اِلاّ انّه لم ينجح في ذلك(4).

…………………………

(1) ـ الفصول المّهمّة لابن صبّاغ المالكي: ص 283.

(2) ـ البحار: ج 50 ص 200.

(3) ـ بحار الأنوار: ج 50، ص 129.

(4) ـ الإرشاد للمفيد: ص 313 ـ 314، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي: ص 279 ـ 281، نور الأبصارللشبلنجي: ص 182.

Leave A Reply

Your email address will not be published.