نبذة عن حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام 02
عظمة الحياة:
أخذ النبي الإمام علي من أبيه في سنة القحط، فربَّاه في حجره المطهر، فتخلَّق بأخلاقه، وظهرت فيه آثار بركاته، ولازمه كظله في حله وترحاله منذ أن تفتحت عيناه، واستقى منه كل معاني الطُهر والنقاء والفضيلة والزهد والتقى والورع والنبل والشهامة والكرم والبذل والعطاء والشجاعة والإقدام والتضحية، ونهل منه العلوم بشتى أنواعها، فصار في فترة وجيزة “الغرة الشاذخة” في أعيان زمانه في كل فنون المعرفة، بشهادة معلمه خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم: “أعلمكم علي”، و”الغرة الشاذخة” في أعيان زمانه في الشجاعة والعدل والزهد والورع وإدارة الدولة والتكتيك العسكري.
وتشرّب سلام الله عليه من مُعلمه ومُربيه تعاليم السماء، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم فيه: “علي مع القرآن والقرآن مع علي”.
قال العلامة أحمد بن محمد الهادي في كتابه القيّم “التاريخ الإسلامي”: تولى رسول الله إعداد شخصية الإمام علي حتى صار نسخة ثانية له فكراً، وعقيدة، وسُلوكاً، عدا الرسالة وما يتعلق به.
وليس هذا بغريب على باب مدينة علم المصطفى: “والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً صادقاً ناطقاً”، “سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل”.
شارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل معاركه وفتوحاته باستثناء غزوة تبوك، أستخلفه وهو القوي الأمين على المدينة المنورة، وكان رجل المهمات الصعبة في كل تلك المعارك، والفارس الذي لا يُشقُ له غبار.
وبعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بـ 24 عاماً تمت مبايعته بالخلافة في يوم الجمعة 18 ذي القعدة 35 هـ، وفي هذا اليوم كان غدير خم – الجمعة 18 ذي الحجة 10 هـ – ولهذا الاتفاق شأن عظيم كما يذكر المولى الحُجة مجدالدين المؤيدي.
وفي سنة 36 هـ قاتل الناكثين، وهم أصحاب الجمل طلحة والزبير، وعائشة وأتباعهم، وكان عدد القتلى 30 ألفاً.
وفي سنة 37 هـ قاتل القاسطين –معاوية وأهل الشام ومن معهم– بصفين، وانقضت وقعاته عن 70 ألف قتيل،
منها: ليلة “الهرير” قتل فيها الامام علي عليه السلام 600 شخص، بـ 600 ضربة، مع كل ضربة تكبيرة.
وفي سنة 39 هـ قاتل المارقين، وهم الخوارج بالنهروان.
ووفاته عليه السلام في 21 رمضان 40 هـ، عن 64 عاماً، خاض خلالها أكثر من 60 حرباً، ولم يكن لديه أي مانع من أن يقاتل جيشاً كاملاً، إذا تعدّى هذا الجيش على مظلومٍ واحدٍ حتى يأخذ حقه منهم.
وهكذا انتقل سلام الله عليه من مرحلة الولادة بالحرم الشريف إلى مرحلة الحِراب، ذوداً عن حِياض الدين الخاتم، ليختمها بالشهادة في محراب مسجد الكوفة، فما عسانا قوله عن هذا العظيم في هذه الفسحة، وهو القائل عند مبايعته بالخلافة سنة 35 للهجرة: “والله لا يغيب عنكم رسول الله إلا عينه”، وكفاه من عظيم المجد نزول كرائم القرآن فيه، وإنزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، له في آية المباهلة بمنزلة نفسه: “قل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم”.
ومن مآثره سلام الله: نهج البلاغة، والصحيفة العلوية.
قالوا عنه:
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب.
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي، إن: احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ، دليل على أنّه إمام الكلّ.
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: اُنظر إلى الفصاحة كيف تُعطي هذا الرجل قيادها، وتُملِّكه زمامها، فسبحان مَن منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة، أن يكون غلام من أبناء عرب مكّة لم يُخالط الحُكماء، وخرج أعرف بالحكمة من أفلاطون وأرسطو، ولم يُعاشر أرباب الحِكم الخُلقية، وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط، ولم يُرَبّ بين الشجعان، لأنّ أهل مكّة كانوا ذوي تجارة، وخرج أشجع من كلّ بشرٍ مشى على الأرض.
وقال جبران خليل جبران: إنّ علي بن أبي طالب كلام الله الناطق، وقلب الله الواعي، نسبته إلى مَن عداه من الأصحاب شبه المعقول إلى المحسوس، وذاته من شدّة الاقتراب ممسوس في ذات الله.
وقال الإمام محمّد ابن إدريس الشافعي: عجبت لرجل كتم أعداؤه فضائله حسداً، وكتمها مُحِبّوه خوفاً، وخرج ما بين ذين، ما طبق الخافقين.
وقال الدكتور طه حسين: كان الفرق بين علي ومعاوية عظيماً في السيرة والسياسة، فقد كان علي مؤمناً بالخلافة، ويرى أنّ من الحقّ عليه أن يُقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، أمّا معاوية فإنّه لا يجد في ذلك بأساً ولا جُناحاً، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، وكان الزاهدون يجدون عند علي ما يُحبّون.
وقال الفخر الرازي: مَن اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
إذن لا غرابة أن تتملّك الدهشة العالم الأزهري المصري “محمود أبو ريه” في كتابه القيم “أضواء على السنة المحمدية”، مما لحق الإمام علي عليه السلام من جفاء وتجاهل وغمط في حياته، على قُرب عهدٍ من رسول الله، ومن قومٍ يُفترض أنهم الأكثرُ معرفةً بحقه ومكانته، ونكتفي هنا بإشارة عابرة لما ضمّنه هذا العالم المنصف في كتابه القيِّم، من ذلك تساؤله في صفحة 249 عن سبب تعمد المشايخ ومن تابعهم من المُحَدِّثة والرواة وكتبة التاريخ تجاهل ذكر اسم الامام علي فيمن قام بجمع القرآن رغم سابقته وأعلميته وأحجيته وإجماع الجميع على أنه أعلم الصحابة بعد رسول الله، وأكثرهم قُرباً منه ومجالسة له، وهذا مثال بسيط لما لحقه سلام الله عليه من ظلم وغمط.
حقاً إن الأمر لعجيب، وما علينا إلا أن نقول كلمة لا نملك غيرها، هي: لك الله يا علي ما أنصفوك في شيء، لا في حياتك، ولا بعد مماتك!!!
الموقع النبأ