⭕️ الرحلة الروحية والمراحل السلوكية عند الإمام علي (علیه السلام)

0

[الليلة هي ليلة استشهاد الامام أميرالمؤمنين علي (ع)؛ الإمام الذي من سماته أنه يتمتع بأفكار عالية وعميقة لدرجة أنه أكثر من المجتمع الإسلامي، يمكن أن يكون محل اهتمام البشرية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والعرفانية والثقافية.
وبهذه المناسبة اخترت موضوعًا مهمًا، وهو الرحلة السلوكية وفق تفسير الإمام (ع)].

▪️مقدمة
لقد قيل الكثير عن الرحلة الروحية والمراحل السلوكية؛ ذلك السير الذي يقول: من أين نبدأ؟ وكيف نتحرك؟ وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها وأين يجب الترقية؟
وقد تحدث الإمام علي (ع) في هذا المجال الحساس والمهم، وقدم مراحل الرحلة بشكل لم يسبق له مثيل.
وهذا المسار الذي يقدمه الإمام (ع) عميق وواع ومتوافق مع روح الإنسان وطبيعته، ومع التعقيدات والأشواك والمشاكل التي أمامه في السير الى الله.
أذكر هذه المراحل مع التحليل، وبالطبع، يتجلى هذا التحليل في شكل إعطاء العناوين للمراحل التدرجية التي قدمها الإمام (ع)، وبعض التوضيحات حول هذه المراحل:

⬅️ المرحلة الأولى: مرحلة العون:
المقصود هو عون الله لعبده كي ينجح في مكافحة نفسه والسيطرة عليها. يقول الإمام (ع):
“إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه”.
وهذه الإعانة متوقفة على أن يريد الإنسان مجاهدة نفسها والسيطرة عليها، فيعينه الله في هذا الصراع. وببيان آخر، إن “عون الله للانسان ضد هوى نفسه” يكون عندما يريد ذلك الإنسان أن يكافح نفسه حتى يصله عون الله، وإلا تفقد كلمة العون معناها.
وهذا يستفاد من الآية أيضا:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ}
⬅️ المرحلة الثانية: مرحلة ظهور الحزن والخوف:
هذه المرحلة مهمة، وما يحدث فيها ظاهرة داخلية تكون من جنس الحالة النفسانية، وهي مهمة جدا وتعبير الامام (ع) بالاستشعار والتجلبب حاك عن التصاق هاتين الحالتين بنفس الانسان واستقرارهما فيها.
⬅️ المرحلة الثالثة: مرحلة ظهور النور في القلب:
هذه مرحلة كبيرة جدًا، في هذه المرحلة يخرج الإنسان من الظلام الذي يحيط به، ويرى فجأة أنه في نور يضيء ويبلغ لمعانًا ينتشر في قلبه، وبهذا النور يستشعر الوعي المستمر ويكسر الظلام بشكل متزايد.
يقول الإمام (ع):
“فزهر مصباح الهدى في قلبه”.
⬅️ المرحلة الرابعة: ظهور الرؤية الضيافتية المتعلقة بالعمر ومابعد العمر:
هذه الرؤية محتواها أن “الإنسان سيصبح بعد العمر ضيف نفسه”.
هذه المرحلة مهمة للغاية، وإذا حدثت، فإنها ستحدث تغييرًا في العلاقة بين عمرنا وبين مابعد عمرنا، وستخلق نوعًا من العمل المتماسك والمتمركز في الإنسان، بمعنى أن العارف يضع عمره كله ضمن خطة متماسكة للدخول في مرحلة ما بعد العمر:
يقول الإمام (ع): “وأعدّ القرى ليومه النازل به”.
يعتبر الإمام (ع) يومين، أحدهما، يوم العمر الذي له في الدنيا والآخر هو يوم البرزخ، وطبعا هناك يوم ثالث وهو يوم القيامة.
فيوم البرزخ هو اليوم الذي ينزل بنا، فيصبح في ذلك اليوم كل منا ضيفا لنفسه.
وفقا لهذا البيان يصبح يوم الدنيا عند العارف يوما واحدا متماسكًا تمامًا يجهد فيه إعداد مائدة الضيافة لضيفه الذي هو نفسه، وهذه الضيافة تحدث في يومه الثاني.
هذه هي “الرؤية الضيافتية”، ينبغي ان تلقي بظلالها على عمر الإنسان وما يتلوه من مرحلة البرزخ.
إذا لم تتحقق هذه الرؤية للإنسان، سيكون عمره خاليا من التماسك والوحدة وخاليا من الوعي والذكاء، وسيتجه هذا العمر نحو الانحلال واللاهدفية.
⬅️ المرحلة الخامسة: تنظيم الزمان النفسي:
المشكلة التي يعاني منها الانسان هي أنه لا يتعامل مع الأمور بما يعادل مصيره ويناسب مآله.
إنه لا يعرف أن النفس البشرية هي التي تنظم الوقت، أي إذا كان المصير كبيرا جدًا، فيجب أن يكون الوقت المنتهي اليه صغيرًا كقاعدة عامة.
فالإنسان حيث يتجاهل مصيره ولا يرى المستقبل، فإن نظرته إلى الزمن تصبح خاطئة، أما إذا كان عارفا فإنه يقصر الوقت ويقرب الآخرة، ويرى الموت ياتي بعد خطوات قليلة.
يقول الامام (ع): “فقرّب البعيد”.
هذه الحالة من تنظيم الوقت النفسي يجب حتما أن تنشأ في الإنسان، حتى يكون عمله عقلانيا.
فائدة هذا التنظيم النفسي للزمان، هو أن وجهة نظره في العمل تجد أيضًا معنى أفضل، أي أن العمل وزنه من حيث الصعوبة يعتبر متناسبا مع تقارب الوقت وخطورة المآل والأهداف وكثرة المخاطر، يقول الإمام (ع): “وهون الشديد”.
ولذا فهو يرى أن صعوبات العمل، صغيرة جدًا ويفعله بسهولة.
⬅️ المرحلة السادسة: صيرورة العالم كله له كمجموعة من المواد والفرص للتذكير والذكر والاتصال بالله بشكل مكثف ومتزايد:
إن الإنسان قبل هذه المرحلة، كان شأنه بحيث كان يذكر الله في بعض المراحل، وبعض اللحظات، في مسجد أو في مكان ما فقط، وتجاه بعض الحوادث فقط، ولكن في هذه المرحلة، تحدث له فجأة، حالة عظيمة فيظهر له كل أحداث الكون وكل الكائنات وكل الأشياء -بشكل خارق للعادة- كمواد وسياقات وفرص تجعله

ينتبه بسرعة ويتواصل مع الله بكثرة، يقول الإمام (ع) “نظر فأبصر وذكر فاستكثر”.
ببيان آخر، يستفاد من عبارة “نَظَرَ فأَبصَر”، هو أن العارف في أي لحظة، عندما يفتح عينيه على الطبيعة والعالم، وينظر إلى أي حدث، وإلى أي تجربة، وإلى أي شيء يواجهه على أساس يومي، وإلى كل زاوية من الحياة، وإلى وإلى …، تنشأ فيه رؤية، ويتم له تأسيس وعي في نفسه.
ويستفاد من عبارة “ذَكَرَ فاسْتَكثَر”، هو أن هذا العارف
لأن ذكره لله بات واسعًا وفقا لما يراه من الأحداث والحياة، فإنه يسعى إلى الاستكثار من العمل بعد كل ذكر؛ أي أن عدد أعماله وحجمها يزدادان لأن حجم ذكره يزداد، وهكذا يتشكل لعمله حجم واسع مع اتساع الحياة.

⏮ الكلام له تتمة وستأتي في المنشور القادم ان شاء الله

Leave A Reply

Your email address will not be published.