تعدد أدوار الأئمه مدعاه واضحه لتعدد القراءات
بسم الله الرحمن الرحیم، الحمد لله رب العالمین، وصلى الله وسلم على أشرف أنبیائه ورسله، حبیب إله العالمین، أبی القاسم محمد، وعلى آله الطیبین الطاهرین، ثم اللعن الدّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدین.
﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی ~ وَیَسِّرْ لِی أَمْرِی ~ وَاحْلُلْ عُقْدَهً مِن لِسَانِی ~ یَفْقَهُوا قَوْلِی ﴾ [۱] .
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نیتنا خالصه لوجهک الکریم، یا رب العالمین.
ورد فی الحدیث عنهم علیهم الصلاه والسلام: «فلعمری ما الإمام إلا الحاکم بالکتاب، القائم بالقسط، الدائن بدین الحق، الحابس نفسه على ذات الله» [2] .
معنى «الإمام»:
لفظه «إمام» تطلق ویراد منها معانی متکثّره، لکنها لا تتأبّى أن تکون قابله للبسط على مصادیق کثیره فی الخارج، غایه ما فی الأمر أن القرینه تفرز لنا ما هو المراد من هذه اللفظه من حیث الدلاله.
والقرائنُ على ضربین: قرائنُ عامه وأخرى خاصه، فالقرینه الخاصه بید اللافظ، ینصبها حیث یشاء، لیضیّق من دائره دلاله اللفظ على المعانی المتکثره لیحصرها فی المعنى المراد، وهذه القرینه قد تکون متّصله بالکلام، وقد تکون منفصله عنه، والمفارقه بینهما إنما تکون عند المتلفظ والناصب للقرینه. أما القرینه العامه فهی مناسَبهُ الحکم للموضوع، فلو کنا بصدد نقل روایه عن إمام، فإن المتناسب بین اللفظ وموضوعه أن یکون الإمام واحداً من تلک المنظومه النیّره من آل محمد (صلى الله وعلیه وآله). ولو کنا نتحدث عن إمامٍ من خلال خطبته أو کیفیه الأداء والتعاطی مع الفریضه والمصلین، فإن السیاق یساعد على أنه إمام الجماعه. بل والأکثر من ذلک، أن أهل الشرک والضلاله والکفر لهم أئمتهم أیضاً [۳] .
مواصفات الإمام:
والحدیث الشریف السابق یبین لنا حیثیات الإمام فی وسط الأمه، بأن یکون عاملاً بکتاب الله، فهذه حیثیه ورکیزه هامه یتصف بها، ولو استعرضنا قافله التاریخ فی القرون المتقضیه، وأردنا أن نضع یدنا على من جسّد الکتاب عملاً خارجیاً، مطابَقهً بین اللفظ والقول، فإن الظروف لا تساعد أن نضع یدنا إلا على من اصطفاه الله سبحانه وتعالى من البشر، وهم محمد وآل محمد (صلى الله وعلیه وآله) حصراً.
ومن صفات الإمام أیضاً أن یکون آخذاً بالقسط، فکثیر هم أولئک الذین تربعوا على عروش الأمه، وتسیّدوا الشعوب على وجه الأرض، لکن القیام بالقسط، وتجسید العداله واقعاً فی الخارج، لم نجد له مظهراً واضحاً وجلیاً من بعد الرسول الأعظم (صلى الله وعلیه وآله) إلى یومنا هذا، إلا فی عهد علی (علیه السلام) فی سنین قلیله جداً، اتصفت بحالهٍ لم یوصِلْ إلینا التاریخ إلا القلیل من عطاءاتها، أما ما دون ذلک مما تقدم أو تأخر، فإما أنه یحوم حول حمى القرآن، وهو یتمثل فی مجموعه من الأُسر التی تربعت على عروش الأمم والقبائل أو الشعوب أو المسالک المذهبیه، أو أن یکون بعضهم قد دخل فی ذلک الحمى، ومنهم من بقی خارجه.
ومن صفات الإمام أن یکون دائناً بالحق، لا یعرف ممایزه بین هذا وذاک إلا بقدر ما یکون هذا أو ذاک قریباً من الحق، وهو الله تعالى، وهی نمرقهٌ لا تأخذها فی الله لومه لائم، ودونک التاریخ فقلّب أوراقه واحده تلو الأخرى، لعلک تعثر ولن تعثر على ما هو فی حدود هذا الرقم المقدس، وهو الأربعه عشر معصوماً من آل بیت النبوه (صلى الله وعلیه وآله).
ثم الحابس نفسه على ذات الله، فمن هم أولئک الذین تسیدوا وحبسوا أنفسهم لله وفی الله؟ فلو أننا فتشنا أیضاً فسوف لن یهدینا النص إلا إلى ما تفوه به إمام النص. یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام): «ما رأیت شیئاً إلا ورأیت الله قبله».
صفات الشیعه وعلائمهم:
إن شیعه أهل البیت (علیه السلام) مرکّبٌ إضافیٌّ مقدس، لا یجاریه مرکّبٌ لفظی آخر یستدعینا أن نستنطقه قلیلاً، وهذا اللفظ هو صنیعه السماء، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِیْعَتِهِ لَإِبْرَاهِیْمْ ﴾. ثم تأتی الروایات عنهم (علیه السلام) لتوصلنا إلى هذه النتیجه. ثم تأتی السنه المطهره التی تدفعنا لبیان ما لهذه الحاله من الترکیب اللفظی من الأئمه (علیه السلام). ففی الحدیث الشریف عنهم (علیه السلام): «شیعتنا منّا، ونحن من رسول الله، ورسول الله من الله» [4] . وهذه عملیه خاصه لمن خُصّ واختُصّ بها، فهناک طرفان: الشیعه وأهل البیت (علیه السلام) وهناک ربط بین هاتین المفردتین.
ولنسأل: من هم الشیعه فی القرآن؟ إنهم الشیعه الذین عناهم الله تعالى فی قوله: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِیْعَتِهِ لَإِبْرَاهِیْمْ ﴾ [۵] . ودونک الروایات التی تبین معطیات هذه الآیه، وهی من الکثره بمکان، وقد بینت ما لهذه الآیه من دلاله، وأنها لا تقف عند حدود حرفیتها، إنما لها امتدادٌ طبیعی أیضاً.
إن السنه الطاهره المطهره تسوقنا فی هذا الاتجاه، وهو أن الشیعه منهم (علیه السلام) وأنهم خلقوا من فاضل طینتهم [۶] . إذن هنالک اصطفاء خاص، وعنایه خاصه من رب العزه والجلال لعبادٍ على وجه الأرض کُرِّمُوا، وأشرفُ وسام، وأعلى تکریم، هو أن یدخل الإنسان فی حدود ذلک الترکیب اللفظی المقدّس، وأن یکون من شیعه محمد وآل محمد (صلى الله وعلیه وآله).
أما عند الآخرین، فإن الشیعه هم من شایعوا علیاً (علیه السلام) ووقفوا إلى جانبه فی وقت العسره، وعلى هذا الکثیر مما هو مدون فی کتبهم وأسفارهم وموسوعاتهم.
مصداق التشیع:
ثم لنسأل أنفسنا: من نحن الیوم فی هذا العالم الکبیر من حولنا؟ إننا أبناء تلک الأجیال التی طواها الزمن أجساداً، لکنه لم یستطع أن یطمس معالمها وآثارها المعنویه، بدلیل أننا ننحدر من سلالات تعتَّق فیها الحب والولاء لمحمدٍ وآل محمد (صلى الله وعلیه وآله).
أما أهل البیت (علیه السلام) فهم الجزء الآخر من أجزاء المرکب، الذین یقول فیهم القرآن القرآن الکریم: ﴿ فَمَنْ حَاجَّکَ فیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَکُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَکُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَهَ اللهِ عَلَى الْکاذِبین ﴾ [۷] . ودونک أمهات الکتب فی التفسیر عند المدارس والمذاهب الشقیقه من حولنا، وانظر ما تبین من الدلاله لهذه الآیه الشریفه، فهی لا تتعدى حدود الحصر فی تلک الکوکبه، الحسن والحسین، وعلی وفاطمه، ثم الجامع بینهم نبینا محمد (صلى الله وعلیه وآله).
وفی السنه المطهره أیضاً، نجد الأحادیث الکثیره من غیرنا أکثر مما ورد عندنا، وهی تنص على أن المراد بأهل البیت (علیه السلام) هم أولئک الذین نص علیهم النبی الأکرم (صلى الله وعلیه وآله) بأسمائهم.
فقد قال النبی (صلى الله وعلیه وآله) یوماً: «ما بین منبری وبیوتی روضه من ریاض الجنه، ومنبری على ترعه من ترع الجنه، وصلاهٌ فی مسجدی تعدل ألف صلاه فیما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام». فقال أحد الصحابه المتقدمین، من أصحاب الموقع والحظوه: بیوت النبی (صلى الله وعلیه وآله) وبیت علی منها؟ قال (صلى الله وعلیه وآله): نعم، وأفضل» [8] .
وهذه الروایه لم ننفرد بها نحن، إنما رواها الحفاظ من أرباب المدارس الأخرى. فأهل البیت (علیه السلام) هم فی هذه الحدود وهذه الدائره.
ثم إن أهل البیت (علیه السلام) هم الذین شرفونا بهذا الترکیب: «ما شیعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه» [9] فملاک تحقق التشیع، وتطابق العنوان على المعنون، ینحصر بالإیمان والعمل.
فالإیمان یکون بالله والرسول (صلى الله وعلیه وآله)، ویلازم الأول العدل، ویلازم الثانی الإمامه، ثم الإیمان بالیوم الآخر، وهو الأصل الخامس من أصول الدین، اختزلها النص بهذه الثلاثه للمداخله بین أصلین فی أصلین.
وبالنتیجه یمثل الإیمان بأصول الدین الأربعه الأولى «التوحید والعدل والنبوه والإمامه» مبدأ الإیمان، فیما یتعلق الأصل الخامس بنتیجه العمل، فمن یؤمن بالیوم الآخر لا یتجاوز حدود مطابقه الأمر المأتی به لحدود التکلیف الصادر عن الجهه التی یجب على الإنسان أن یرتبط بها ویأخذ تکلیفه عنها.
وشرف عظیم للإنسان ما بعده شرف، أن یقال عنه إنه علوی أو فاطمی أو جعفری أو شیعی، لکن المسأله لا تتعلق بالمشرَّف فحسب، فقد تحقق هذا التشریف فی عالم الذر والأنوار والشهود، إنما المهم أن نتعاطى الأمر الآخر، وهو التکلیف من قبلهم (علیه السلام) فی أن لا نتخلى عن القیام بدورنا فیه.
وحینئذٍ نسأل أنفسنا: ما هی المساحه التی یشغلها هذا الترکیب الإضافی المقدس فی وجداننا وواقعنا المعاش. فالحب والولاء لأهل البیت (علیه السلام) یتجلى من خلال التفاعل التام مع ذکریات أهل البیت (علیه السلام). ومما هو جدیر بالحمد والشکر لله تعالى، أن فتیاتنا وشبابنا سجلوا فی الآونه الأخیره حضوراً ملفتاً للانتباه فی دواوین أهل البیت (علیه السلام) وهذه نعمه کبرى، فقد راهن أعداء مدرسه أهل البیت (علیه السلام) وخصوصاً الاستکبار العالمی، على فصل الأمه عن أئمتها، لکنهم أخفقوا، فیما سجل هؤلاء الأطیاب الأطهار نتائج رائعه.
لقد حاولوا أن یفصلوهم عن المسجد، فأبوا إلا أن یسجلوا حضوراً ملفتاً ومربکاً فی نفس الوقت للآخرین. وکذلک حاولوا أن یحاربوا مجالس الحسین (علیه السلام) لکن أبى هؤلاء الشباب والفتیات إلا أن یسجلوا حضوراً وأن یسقطوا المؤامره، ولو أننا لم نحظ بآباء وأمهات على درجه کافیه من الوعی والإیمان والحب الصادق لما وصلنا إلى ما وصلنا إلیه، فجزى الله الآباء والأمهات والأجداد والجدات عنا ألف خیر.
للشباب… خطوات ومناهج عمل:
أیها الشباب: إنها أمانه کبیره وثقیله وصعبه والتحدیات أکبر مما نتصور. وقد کنت وما زلت أقول وأعید وأجدد ثم أؤکد وأقول:
۱ علیکم بالحیطه والحذر، والهدوء والسکینه والتروی والوعی والصبر، فهی الأسلحه التی یمکن للإنسان أن یتخطى من خلالها الأزمات، ولنا فی أهل البیت (علیه السلام) قدوه وأسوه.
۲ مراجعه النفس وتصحیح المسار، فمن منا یدّعی العصمه لنفسه بأن لا یکون قد أخفق فی کلمهٍ یوماً من الأیام، أو فی فعلٍ ما، صدر عنه فی مرحله من المراحل؟ إنَّ محطات أهل البیت (علیه السلام) هی مساحه کبیره نراجع من خلالها الحسابات، ونجدد القراءه النصیه، ونحن فی مرحله ما عادت تتقبل منا الغث والسمین کما کان فی العهد الماضی، إنما لا بد من المراجعه الدقیقه فی هذا الجانب، فینبغی قراءه النص قراءه دقیقه بما هو متوافق مع مدرکاتنا.
۳ تجدید الخطاب الدینی، وهذا یستدعی التضحیه، ومع شدید الأسف، إن ضرائب هذه التضحیه تُدفع الیوم من الداخل إلى الداخل، فی حین أننا فی غنى أن نصرف هذه الضرائب من الداخل على الداخل، لأنّ ما یهدر من الوقت والطاقات والجهد والمال کثیر، وهناک موارد هی فی مسیس الحاجه أن یصرف فیها. فکم هم الشباب العاطلون عن العمل؟ وکم هی النساء العوانس اللاتی یجلسن فی بیوت أهلهنّ؟ وهنالک قائمه تطول وتعرض فی هذا الجانب.
۴ التماهی مع حیثیات المواقف والأدوار التی تعاطاها أئمه أهل البیت (علیه السلام) وهی کثیره، فلم یقدم لنا أئمتنا أنموذجاً واحداً کی نلتزمه ونلغی سائر النماذج، إنما قدموا لنا صوراً متعدده ونماذج متفرقه، ویمکننا أن ننهل من هذه المدرسه وفق المعطیات المضافه لأحد أنوار الإمامه، کما أن بمقدور الآخر أن یستعین بمعطیات إمام آخر وفق الظروف الزمانیه والمکانیه وما للقضایا من إسقاط على المشهد.
فأئمتنا (علیه السلام) تعددت أدوارهم، فما قام به علی (علیه السلام) لیس هو الدور المنتظر أن یقوم به الإمام الهادی (علیه السلام) کما أن ما ضحى من أجله الإمام الحسین (علیه السلام) لا یستدعی الموقف أن یضحی الإمام الثامن من أجله، لذا تعددت أدوارهم، إلا أن الهدف واحد، وهو أن تبقى کلمه الله هی العلیا، وقد بقیت کذلک إلى یومنا هذا.
قراءه المسار وتصحیح المنهج:
فالمساحه التی نحن فیها فی هذه المرحله هی عباره عن العطله الصیفیه، وقد تقضى منها الشطر الأول، وینتظرنا منها فتره لا بأس بها، إلا أن الإنسان الواعی المدرک لا بد أن یتوقف فی المحطه الأولى، ومرکز الاستراحه الأول، لیستفید مما تقدم ویعوض الخلل، أما من ینتظر المحطه الأخیره فهو ذلک الإنسان الذی حکم على مشروعه بالفشل منذ الوهله الأولى.
فهل استکشفنا المواهب الکامنه فی داخلنا من خلال هذه الفتره الزمنیه، وأعنی بالخصوص الشباب الرسالی الواعد؟ ما منا أحد إلا ولدیه مجموعه من المواهب التی یتنازعها الکثیر من الصوارف، فهل وقفنا أمام تلک المواهب، وقدمنا ما یحظى بالخصوصیه، أم أننا عطلناها وطوینا دونها کشحاً؟
ثم أین نحن من القراءه الممنهجه؟ لقد مرت بنا ذکریات أهل البیت (علیه السلام) ونحن فی تعطیل، فلنسأل، ونحن نحب أهل البیت (علیه السلام) ونتفانى بحبهم ولن نبخل بشیء فی سبیلهم: کم قرأنا عن أهل البیت (علیه السلام)؟ وکم حاولنا أن نتفهّم واقع أحد المعصومین ممن مرت بنا ذکریاتهم؟
علینا أن لا نکون اتکالیین فی بنائنا الثقافی وتنوّرنا الدینی على خطیب یتفوه هنا، أو إمام جماعه یتکلم هناک، وعلینا أن نحمل المسؤولیه بأنفسنا، فالمعلومه التی نحصل علیها بالقراءه تثبت وتستقر أکثر من المعلومه التی تأتی عن طریق السماع.
ولنسأل أیضاً: لماذا لم ننتج خطباء قادرین على تحمل المسؤولیه إلى یومنا هذا؟ ولماذا لا نرى کتّاباً یجارون غیرهم فی عالم الکتابه والمکتبه؟ ولنسأل أیضاً: أین هم الأدباء الذین نراهن علیهم؟ ولماذا تبقى الطائفه أسیره أسماء معینه؟ فهؤلاء قلائد وأوسمه شرف على صدورنا، إلا أننا نرغب فی المزید.
ثم لنسأل أیضاً: هل فتحنا لأنفسنا باب نقد؟ إننی أدعو الإخوه الأحبه أن یفتحوا هذا الباب، فمن یتعالى على نقد نفسه علیه أن ینتظر نقداً من الآخرین، وربما یکون النقد فی مرحله متقدمه، وأعنی بها «الجلْد» فمن لا یرضى أن ینقد نفسه أو یترک مساحه للآخرین أن ینتقدوا مسیرته، فعلیه أن یهیّئ نفسه لساحه جلدٍ فی یومٍ من الأیام.
أیها الأحبه: فی الحدیث الشریف عنهم (علیه السلام): «ألا وإن أبغض الناس إلى الله من یقتدی بسنه إمام ولا یقتدی بأعماله» [10] فهو یروی الروایات، ویؤمن أن ثمه روایات عنهم (علیه السلام)، لکنه لا یجسدُها تجسیداً عملیاً.
کان رُشَید الهجَری «رضوان الله علیه» نجماً تکوّن من خلال تراب هذه الأرض ومائها وهوائها، وقد أشرق وشع فی زمن المعصوم (علیه السلام) ولا زال إلى یومنا هذا یطرق أبوابنا باباً باباً، فمن منا یقترب من مساحه رشید الهجری؟ العالم بالبلایا والمنایا، وهو الرجل الأحسائی الذی عاصر أکثر من معصوم، واقترب من مساحه المعصومین الذین عایشهم حتى شکل من نفسه کتلهً من العلم والثقافه والهدی، کان بطل الإسلام المحمدی الأصیل، وقد ناضل بین یدی المعصومین (علیه السلام) وکان علماً من أعلام الجهاد المقدس. إن هذا النموذج الفذ استؤصل وخرج من هذه الدنیا بعملیه صلبٍ من قبل الأمویین، لا لشیء إلا لأنه ینهج نهج علیٍّ (علیه السلام).
أیها الأحبه: نحن أبناء منطقه ثریه بأعلامها، فهلا تصفحنا سیرتهم وأخذنا بهدیهم وسرنا وفق معطیاتهم؟ وهل رفعنا رؤوسنا شامخه برُشید وصعصعه بن صُوحان وعبد الله بن جبله ورموز کثر لهم بدایه ولا نهایه لهم کما نأمل؟ وهل ننسى أو نتناسى الشیخ الأوحد الأحسائی «قدس سره» الذی شع وما زال مشعاً إلى یومنا هذا رغم ما تکالب علیه من خصوم؟ أو ننسى ابن أبی جمهور الأحسائی «رحمه الله» الذی له ما له من أثر مباشر على مسار المکتبه فی أروقه الإسلام أو العالم؟ فهل من الصحیح أن یُقرأ ابن أبی جمهور والشیخ الأوحد من قبل مفکرین غربیین هنا وهناک ونحن لا نعرف عنهما شیئاً فی الکثیر من حالاتهما؟
إن الأحساء التی أنجبت رموزاً کهؤلاء، من أمثال ابن المقرب رحمه الله علیه، الرمز الکبیر فی مساحه الأدب، وغیره من الرموز، لیست عاجزهً أن تنجب رموزاً کما کانت، ولکن علینا أن نعتز بأنفسنا کما ینبغی.
وفقنا الله وإیاکم لکل خیر، والحمد لله رب العالمین.
ــــــــــــــــ
[۱] طه: ۲۵ ۲۸٫
[۲] الإرشاد، الشیخ المفید۲: ۳۹٫
[۳] قال تعالى: ﴿ فَقاتِلُوا أَئِمَّهَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَیْمانَ لَهُم ﴾]التوبه: ۱۲[
[۴] الکافی، الشیخ الکلینی۱: ۴۸۳٫
[۵] الصافات: ۸۳٫
[۶] فی حدیث آخر عن النبی مخاطباً أمیر المؤمنین : «وشیعتک خلقوا من فاضل طینتنا، ومن أحبهم فقد أحبنا، ومن أبغضهم فقد أبغضنا، ومن عاداهم فقد عادانا…» إرشاد القلوب، الدیلمی۲: ۴۲۳٫
[۷] آل عمران: ۶۱٫
[۸] الکافی، الشیخ الکلینی۴: ۵۵۶٫
[۹] الکافی، الشیخ الکلینی۲: ۷۴٫
[۱۰] الکافی، الشیخ الکلینی۸: ۲۳۴٫