الاستقلال أساس التقدم
یشکل الاستقلال عن القوى الخارجیه حصانه المجتمع ودعامه بنائه وأساس کیانه الحضاری وکل المصائب التی حلّت بأمتنا کانت نتیجه الاستعمار الذی تغلغل فی صمیم بنیاننا الاجتماعی وراح ینفذ مخططاته المحبطه بین صفوفنا، لیسطر صفحات من القهر والعذاب کتبت بآلام شعوبنا، ولا یمکن لنا أن نتغلب على حاله التخلف والرجعیه التی وصلنا إلیها إلا فی ظلّ الاستقلال عن قوى الاستعمار، لقد تعرضت بلادنا منذ زمن بعید لأبشع أشکال الجشع الغربی والشرقی لتکون ضحیه هزیله أمام تصارع القوى العظمى على بسط النفوذ فی العالم، وقد تقاسمت هذه القوى المستکبره بلادنا فیما بینها حسب معطیات وضعتها لذلک، ولکن جمیع هذه القوى مع تفرقها وتناحرها قد اجتمعت على حربنا واستعمارنا وجعلنا فی الدرک الأسفل من الدنیا وفی غایه التخلف والضیاع حتى لا تقوم لنا قائمه ولا تسمع لنا صرخه فنبقى فی حیز العبودیه لأرباب التقدم.
ولا زال الاستعمار جاثما على صدورنا وإن تبدلت العناوین وتغیرت الأشکال فإننا نواجه الیوم عملیه استعمار منظمه ومدروسه تؤتی أکلها للغرب بأفضل وجوه العطاء لأن الغرب لم یعد یکلف نفسه بالدخول العسکری الى بلادنا المباشر لأنه وجد طرق أنجع تموه على الشعوب القضیه وتضلل على المجتمع جوهر المسأله، فبدلا من الدخول العسکری المباشر الذی یشیر الى الاحتلال مما یستدعی تحرک الشعب ضد القوات المحتله صارت القوات الغربیه الغازیه تدخل تحت أسماء مثل تقدیم المساعده الزراعیه أو ترشید المجتمع لبناء أسسه الحضاریه والمدنیه أو المساعده الأمنیه والاقتصادیه والتنمیه والتحدیث وغیر ذلک من أسماء ظاهرها فیه الرحمه وباطنها فیه العذاب.
فإن جمیع بلدان العالم الثالث التی تعرضت للتخلف والرجعیه وعدم مواکبه حرکه التقدم العالمی قد کانت مستعمرات للدول الاروبیه والغربیه ولازالت مرتبطه بتلک الدول مما یحول دون تسجیل أی تقدم ملموس فی بنیتها الإجتماعیه والاقتصادیه..
وقد عملت الدول المستعمره على تکریس حاله التخلف فی بلادنا على جمیع الأصعده. وهنا نسجل عده أمور اتبعتها الدول المستعمره فی عملیه تحطیم مجتمعنا:
عندما دخلت الدول المستعمره الى بلادنا فإنها بدأت بتحطیم البنى الاجتماعیه القائمه عندنا لتحول المجتمع الى مجموعه من الأفراد المبعثرین لا تجمعهم قضیه محوریه یناضلون لأجلها. فمثلا نرى أن الاستعمار عمل على تحطیم الرابطه الإسلامیه فی بلادنا فشن هجمه إعلامیه مبنیه على الشبهات والتضلیل لیزعزع النزعه الإسلامیه فی صدور أبناء المجتمع، لأنها تشکل رابطه قویه بین الأفراد وتشکل حجر الزاویه للبناء الاجتماعی فی المجتمع الإسلامی، وهذه کانت أوجع الضربات التی وجهت الى شعوبنا، لأن الإسلام کان یشکل المحرک القوی فی نفوس الأفراد وکانت رحى الحرکه الاجتماعیه تدور مداره فعمل الاستعمار على بثّ الشبهات التی أفقدت الإسلام جزء کبیرا من قیمته الاجتماعیه وجعلته خاویا لا یستطیع الحرکه وأحدثت فیه شقوقا لم یتمکن العلماء من رتقها مما أدى الى إضعاف حرکته فی نفوس الجماهیر، وأیضا عمل الاستعمار على بثّ التفرقه بین الفرق الإسلامیه مما أدى الى إشعال حرب طائفیه لازلنا نکتوی بنارها الى یومنا هذا. وهذه الأمور جعلت المجتمع الإسلامی تابعا للنظم الاجتماعیه الغربیه.
لم یکتف الاستعمار بتخریب البنى الاجتماعیه بل عمل على هدم الأسس الاقتصادیه فی المجتمع حتى یکرس التبعیه ویدخل المجتمع فی حاله من عدم الإنتاج والحرکه تمهد الطریق أمام حب الراحه والخضوع لرب النعمه وتجعل المجتمع مرتبطا بالمستعمر اقتصادیا، مما یؤدی الى توطین النفوس وتأصیلها على التبعیه الاقتصادیه.
وقد عمل الاستعمار على تسلیط فئه من المجتمع على الحکم لا تمت الى البشریه بصله بل کانت من أراذل المجتمع فجعلها متکئه على العرش من دون أی میزه لها سوى ولائها المطلق للمستعمر. وطبعا فإن هذه الفئه لم تزید البلاد إلا رجعیه. وستؤمن للمستعمر کل أطماعه من دون أن یتعب نفسه بالطلب، لأن هذه الفئه ستلبی له کل حاجته وطلباته.
فإن التبعیه هی أساس التخلف وهی سمه مشترکه بین الدول المتخلفه لأننا لم نجد الى الآن دوله مستقله متخلفه وکذلک لم نجد دوله متقدمه وهی ترزح تحت نیر الاستعمار. ولأجل ذلک لأبد لشعوبنا أن تعی خطر التدخل الأجنبی فی بلادها ولابد لها أن تبذل کل وسعها فی سبیل تحریر الأمه من التبعیه للغرب بکل أشکالها فإنها سلسله مترابطه لا یمکن أن نقبل منها شیء ونرفض أخر فإما أن نقبل بالتبعیه أو نرفضها سواء کانت أمنیه أم صناعیه أم علمیه…