عالَمُ ما بَعد الموتِ
عالَمُ ما بَعد الموتِ
یوم القیامه
تَتّفِقُ جمیعُ الشَرائعُ السَّماویّه فی لزوم الإیمان بالآخره ووجوب الإعتقاد بالقیامه، فقد تحدّث الأنبیاءُ جمیعاً ـ إلى جانب التوحید ـ عن المَعاد، وعالم ما بعد الموت أَیضاً. وجَعَلُوا الإیمانَ بالیوم الآخر فی طلیعه ما دَعَوا إلیه.
وعلى هذا الأساس یکونُ الإعتقاد بالقیامه من أرکانِ الإیمان فی الإسلام.
إنّ مسألهَ المعاد وإن طُرحَت فی کتاب العهدین (التوراه والإنجیل معاً) إلاّ أنّها طُرحت فی العَهد الجدیدِ بشکل أوضح، ولکنّ القرآنَ الکریمَ إهتمّ بهذه المسأله أکثر من جمیع الکتب السماویه الأُخرى، حتى أنَّهُ اختص قسمٌ عظیمٌ من الآیات القرآنیه بهذا الموضوع.
وقد أُطلق على المعاد فی القرآن الکریم أسماءٌ کثیره مثل: یومِ القیامه، یوم الحِساب، الیوم الآخر، یوم البعث وغیر ذلک.
وعلّه کلّ هذا الإهتمام والعِنایه بمسأله القیامه هی أن الإیمان والتدیّن من دون الإعتقاد بیوم القیامه غیر مثمر.
ضروره المعاد
لقد أقام الحکماء والمتکلّمون المُسلمون أدلّه عدیده ومتنوعه على ضروره المعاد، وحیاه ما بعد الموت، وفی الحقیقه کان القرآن الکریم هو مصدر الإلْهام فی جمیع هذه الأدلَّه.
من هنا فإننا نذکر بعضَ الدلائل القرآنیه على هذه المسأله:
ألف : إنّ الله تعالى حقٌ مطلقٌ، وفعلُهُ کذلک حقٌ، منزَّهٌ عن أی باطل ولغو. وخَلق الإنسانِ من دونِ وجودِ حیاه خالده سیکون لغواً وعبثاً کما قال:
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناکُم عَبَثاً وأنّکُمْ إِلَیْنَا لاَ تُرْجَعُونَ) ([۱] ) .
ب : إنّ العدلَ الإلهیَّ یوجبُ أن لا یعامَل المحسنون والمسیئون فی مقام الجزاءِ على شکل واحد.
ومن جانِبِ آخر انّه لا یمکن تحقّقُ العدالهِ الکاملهِ بالنسبه إلى الثَّوابِ والعِقاب فی الحیاه الدنیویه، لأنّ مصیرَ کلا الفریقین فی هذا العالم متداخِلَین وغیر قابلَین للتفکِیک والفَصل.
ومن جهه ثالثه فإنّ لِبعض الأعمال الصالِحه، والطالحه جزاءً لا یسع له نطاقُ هذا العالم.
فَمَثَلاً هناک من ضَحّى بنفِسِه فی سَبِیل الحق، وهناک من خضّب الأرض بدماء المؤمنین.
ولهذا لا بُدَّ مِن وجود عالم آخر یتحقَّق فیه العدلُ الإلهیّ الکاملُ فی ضوءِ الإمکانات غیر المتناهیه. کما قال: ( أَم نَجْعَلُ الَّذِینَ ءامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فی الأَرضِ أَم نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجَّارِ) ([۲] ) .
ویقولُ أیضاً: ( إِلَیْهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِینَ کَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِیم وَعَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْفُرُونَ) ([۳] ) .
ج : إن خلقَ البشَر بَدَأَ فی هذا العالمَ من ذَرّه حقیره ثم ترقّى فی مدارج الکمال الجسمی شیئاً فشَیئاً، حتى بَلغَ مرحلهً نُفِخَت فیها الرُّوح فی جسمه.
وَقدْ وَصَفَ القرآنُ الکریمُ، خالقَ الکون بکونه «أحسنَ الخالقین» نظراً إلى تکمیل خلقِ هذا الموجودِ المتمیّز.
ثم إنّه ینتَقل بالمَوْت من مَنْزله الدنیویّ إلى عالم آخر، یُعتَبَر کمالاً للمرحله المتقدّمه وقد أشار القرآن الکریم إلى هذا المعنى إذ قال: ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقِینَ * ثُمَّ إِنَّکُم بَعْدَ ذَلِکَ لَمَیِّتُونَ * ثُمَّ إنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامهِ تُبْعَثُونَ) ([۴] ) .
جواب الشبهات المثاره حول المعاد
لقد طَرَحَ مُنکروا القیامه والمعاد فی عصر نزول القرآن، شُبُهات ردّ علیها القرآن، ضمن توضیحه لأدلّه وجود المعاد.
وفیما یلی بعضُ هذه الموارد:
ألف : تارهً یؤکّدُ القرآنُ الکریم على قدره اللهِ المطلقه فیقول:
( إِلى اللهِ مَرْجِعُکُمْ وَهُوَ عَلَى کُلِ شَیء قَدِیرٌ) ([۵] ) .
ب : وتارهً یُذکّر بأنّ الذی یقدرُ على خَلق الإنسان ابتداءً قادرٌ على إعادته، ولملمه رفاته، وإرجاع الروح إلیه ثانیه.
فهو مَثَلاً ینتقدُ قولَ المنکرین للمعاد قائلاً: ( فَسَیَقولونَ مَن یُعیدُنا) ؟
ثم یقول: ( قلِ الّذی فَطرکم أوَّلَ مَرَّه) ([۶] ) .
ج : وفی بَعضِ الموارد یُشَبِّهُ إحْیاءَ الإنسان بعدَ مَوْته بإعادهِ الحَیاه إلى الأرض فی فَصْل الرَّبیع بعد رقده شتائیّه من جدید وولوج الحیاه فی الطبیعه وعلى هذا یقیسُ المعادَ وعودهَ الرُّوح إلى الموتى قال تعالى: ( وَتَرى الأرضَ هامِدَهً فَإذا أنْزَلْنا عَلَیها الماءَ اهتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ من کلّ زَوْج بَهِیج * ذلِکَ بأنّ اللهَ هُوَ الحقُّ وأنّه یُحیی الموَتى وأنّه على کلّ شَیء قَدیرٌ * وأنّ الساعهَ آتِیهٌ لا رَیبَ فِیها وأنّ اللهَ یَبْعَثُ مَن فِی القبُوُر) ([۷] ) . د : فی الإجابه على هذه الشُّبهه التی تقول «من یُحیی العِظام» وقد أصبحت رمیماً، وَکَیف یَجمعُها وقد ضاعَت فی الأرض ویخلق منها جَسَداً کالجسد الأول؟ یقولُ سبحانه: ( … بَلى وَهُو الخَلاّقُ العَلِیمُ) ([۸] ) .
وفی موضع آخَر یُخبرُ عَن ذلک العلم الواسع قائلاً: ( قدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأَرضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا کِتابٌ حَفِیْظٌ) ([۹] ) .
هـ : ربّما یتصوّر أنّ الإنسان یتألف من أجزاء جسمانیه، وأعضاء مادّیه تنحل بموته وتستحیل إلى تراب. فکیف یکون الإنسان یوم القیامه هو عینه فی الحیاه الدنیا، وبعباره أُخرى ما هی الصله بین البدن الدنیوی والأُخروی کی یحکم بوحدتهما؟
والقرآن ینقل تلک الشبهه عن لسان الکافرین ویقول: ( أَءِذَا ضَلَلنَا فی الأَرضِ أَءِنَّا لفی خلق جَدید) ([۱۰] ) .
ثُمّ یعود ویجیب علیها بقوله: ( قُلْ یَتَوّفاکُم مّلَکُ المَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُم ثُمَّ إِلى رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ) ([۱۱] ) .
ویکمن حاصل الجواب فی الوقوف على معنى «التوفّی» المأخوذ فی الآیه. الذی هو «الأَخذ»، وهو یعرب انّ للإنسان وراء البدن الذی یبلى حین موته شیئاً آخر یأخذه ملک الموت وهی الروح، فحینها تتضح إجابه القرآن عن الشبهه. وهی انّ ملاک وحده البدنین والحکم بأنّ البدن الأُخروی هو عین البدن الدنیوی ـ مضافاً إلى وحده الأجزاء ـ هی الروح المأخوذه من قبل ملک الموت، فإذا ولجت نفس الأجزاء یکون المعاد عین المبتدأ.
فیستفاد من هذه الآیه ونظائرها انّ الإنسان المحشور یوم البعث هو عینه الموجود فی نشأه الدنیا، قال سبحانه: ( قُلْ یُحْیِیها الَّذِی أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّه وُهَو بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ) ([۱۲] ) .
معاد الإنسان هو جسمانی وروحانی
صرّحت الآیات القرآنیه والأحادیث على أنّ معاد الإنسان: جسمانی وروحانی، ویراد من الأوّل هو حشر الإنسان ببدنه فی النشأه الأُخرى، وأنّ النفس الإنسانیه تتعلّق بذلک البدن فی تلک النشأه فیثاب أو یعاقب بأُمور لا غنى فی تحقّقها عن البدن والقوى الحسیه.
ویراد من الثانی أنّ للإنسان وراء الثواب والعقاب الحسیّین لذّات والآم روحیّه ینالها الإنسان دون حاجه إلى البدن، وقد أُشیر إلى هذا النوع من الجزاء فی قوله سبحانه: ( وَرِضَوانٌ مِنَ اللهِ أَکَبرُ ذَلِکَ هُوَ الفَوْزُ العَظِیمُ) ([۱۳] ) ، وقال سبحانه: ( وأَنذِرْهُمْ یَوْمَ الحَسْرَهِ إِذْ قُضِیَ الأمْرُ وَهُمْ فی غَفْلَه وَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ) ([۱۴] ) .
فرضوانه سبحانه من أکبر اللذائذ للصالحین، کما أنّ الحسره من أکبر الآلام للمجرمین.
البرزخ
لیس الموت نهایه للحیاه وانعدامها، بل انتقال من نشأه إلى أُخرى، وفی الحقیقه إلى حیاه خالده نعبّر عنها بالقیامه، بید أنّ بین النشأتین نشأه ثالثه متوسطه تدعى بالبرزخ، والإنسان بموته ینتقل إلى تلک النشأه حتى قیام الساعه، إلاّ أنّنا لا نعلم عن حقیقتها شیئاً، سوى ما جاء فی القرآن والأحادیث، ولنذکر طائفه من الآیات القرآنیه بغیه التعرّف على ملامح تلک النشأه.
ألف: انّ المحتضر إذا وقف على سوء مصیره یتمنّى عوده إلى الدنیا لیتدارک ما فات منه، یقول سبحانه: ( حَتَّى إِذا جَاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلی أَعْمَلُ صَالِحاً فِیَما تَرَکْتُ) ([۱۵] ) .
ولکن یخیب سعیه، ویُردُّ طلبه، ویقال له: ( کَلاَّ إِنَّها کَلِمَهٌ هُوَ قائلُها ومِنْ وَرَائهِم بَرْزَخٌ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ) ([۱۶] ) .
والآیه تحکی عن وجود حیاه برزَخیه مخفیه للمشرکین.
ب : ویصف حیاه المجرمین، لاسیما آل فرعون، بقوله: ( النَّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوَّاً وعَشِیَّاً وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَهُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ) ([۱۷] ) . فالآیه تحکی عن أنّ آل فرعون یعرضون على النار صباحاً ومساءً، قبل القیامه. وأمّا بعدها فیقحمون فی النار.
ج : ویصف سبحانه حیاه الشهداء فی تلک النشأه، بقوله: ( ولا تَقُولُوا لِمنْ یُقْتَلُ فی سَبیلِ اللهِ أَمْواَتٌ بَلْ أَحْیَاءٌ وَلِکنْ لا تَشْعُرُونَ) ([۱۸] ) .
ویصف فی آیه أُخرى حیاه الشهداء بقوله: ( فَرِحِینَ بِمَا آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ویَسْتَبشرُونَ بالَّذینَ لَمْ یَلْحَقوا بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ ألاَّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ ولاهُمْ یَحْزَنُونَ) ([۱۹]).
السؤال فی القبر
تبتدأ الحیاه البرزَخیه بقبض الروح عن البدن، وعندما یودع بدن الإنسان فی القبر، یأتی إلیه ملائکه الربّ فیسألونه عن التوحید والنبوُه وأُمور عقائدیه أُخرى، ومن الواضح أنّ إجابه المؤمن ستختلف عن إجابه الکافر وبالتالی یکون عالم البرزخ مظهراً من مظاهر الرحمه للمؤمن، أو مصدراً من مصادر النقمه والعذاب للکافر.
إنّ السؤال فی القبر وما یستتبع من الرحمه أو العذاب من الأُمور المسلّمه عند أئمه أهل البیت، وفی الحقیقه أنّ القبر یُعدّ أُولى المراحل للحیاه البرزخیه التی تدوم إلى أنْ تقوم الساعه. ولقد صَرَّحَ علماءُ الإمامیّه فی کتُب العقائد التی ألّفُوها بما قُلناه .
فقد قال الشیخُ الصدوق ـ رحمه الله ـ : إعتقادُنا فی المساءلهِ فی القَبرِ، انَّه حقٌ لابدَّ منها، فمن أجابَ بالصواب فازَ برَوح ورَیحان فی قَبرهِ، وبِجَنّهِ النعیمِ فی الآخره، ومَن لم یُجِبْ بِالصَّوابِ فَلهُ نُزُلٌ من حمیم فی قبره، وتَصْلِیهُ جَحیم فی الآخرهِ.([۲۰] )
وقال الشیخُ المفید فی کتابه «تصحیحُ الإعتقاد»: جاءَت الآثارُ الصحیحه عن النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ أنّ الملائکه تنزل على المقبُورین فتسألُهم عن أدْیانهم، وألفاظُ الأخبارِ بذلک متقاربه فمِنها أنّ مَلکَینِ لله تعالى یُقالُ لهما ناکر ونکیر ینزلان على المیّتِ فَیَسألانِهِ عن رّبِهِ ونبیِّهِ ودینِهِ وإمامِهِ، فإنْ أجابَ بالحق سَلَّموهُ إلى ملائکهِ النَعیم، وإن ارتجَّ علیه سَلَّموهُ إلى ملائکهِ العَذاب([۲۱] ).
وقال المحقّق نصیرُ الدین الطوسی فی کتابه: «تجرید الاعتقاد» أیضاً: وعذابُ القبر واقعٌ لإمکانِهِ، وتواتُرِ السَمعِ بِوقوعِهِ.([۲۲] )
ومن راجَعَ کتب العقائد لدى سائر المذاهب الإسلامیه اتّضح له أنّ هذه العقیده هی موضع إتفاق بین جمیع المسلمین، ولم یُنسَب إنکار عذابِ القبر إلاّ إلى شخص واحِد هو «ضرار بن عمرو»([23] ).
تفسیر المعاد بالتناسخ وردّه
لقَد اتّضحَ مّما سبق أَنّ حقیقهَ المَعاد هی أنّ الرُّوح بعد مفارَقَتها للجَسَد تعودُ مره أُخرى ـ وبإذن الله ومشیئته ـ إلى نفسِ البدنِ الذی عاشت به لیلقى الإنسانُ جزاءَ ما عَمِلَهُ فی الدنیا، فی العالم الآخر، إنْ خیراً فخیرٌ، وإنْ شراً فشرّ.
ولکن ثمَّتَ من یُنکر «المعاد» الذی دَعَت الشرائعُ السماویهُ إلى الإیمان بهِ، وإن أقرّوا بمسألهِ الثوابِ والعقابِ، الذی یلحق أعمال البَشَر، إلاّ أنّهم فسروه عن طریقِ «التناسخ».
إنّهم ادّعَوا أنّ الرُّوح تعودُ مرّهً أُخرى إلى العالم الدنیوی عن طریق تعلّقِها بالجنین، وعبْر طیّ مراحلِ الرُشد والنموّ، ویطوی دورات الطفوله، والشباب، والشیخوخه، غایه ما فی الأمر، یحظى أصحاب الأعمال الصالحه بحیاه لذیذه جمیله، بینما یعانی أصحاب الأعمال الفاسده من حیاه مُرّه وقاسیه. فهی إذن ولادهٌ جدیدهٌ، تتبعُها حیاهٌ سعیدهٌ أو تعیسهٌ.
ولقد کانَ لعقیده التناسخ هذه على طول التاریخ البشریّ أنصار ومؤیّدون، وتُعَدُّ إحدى أُصول الدیانه الهندوسیه.
ویجب أن نَنتبه إلى هذه النقطه، وهی أنّ النفوسَ والأرواح البشریه إذا سَلکتْ طریقَ التناسخ بصوره دائمیه لم یبق مجالٌ للمعاد والقیامه، والحال أنّ الاعتقاد بالمعاد أمرٌ ضروریٌ وبدیهیٌ فی ضوءِ أدلّته وبراهینه العقلیه والنقلیه.
وفی الحقیقه لابدّ أن یُقال: إنّ القائلین بالتناسخ حیث إنّهم لم یتمکّنوا مِن تصوّر «المعاد» بصورته الصحیحه أَحلُّوا «التناسخَ» محلَّه، واعتقدوا به، بَدَلَ الاعتقاد بالمعاد.
إنّ التناسخَ فی المنطق الإسلامیّ یستلزم الکفرَ، ولقد بُحِثَ فی کتبنا الاعتقادیه وأُثبِتَ بطلانه، وعدم انسجامه مع العقائد الإسلامیّه بشکل مفصَّل، ونحن نشیر هنا إلى ذلک باختصار:
۱٫ إنّ النَفس والرّوحَ البشریه تکون قد بلغت عند الموت مرتبه من الکمال.
وعلى هذا الأساس فإنّ تعلُّق الروح المجدّد بالجنین بحکمِ لُزُوم التناسقِ والانسجامِ بین «النَفْسِ» و «البَدَن» یستلزمُ تنزُّل النَفْسِ من مرحله الکمال إلى مرحله النقص، والفعلیَّه إلى القُوّهِ، وهو یتنافى مع السُنّه الحاکمه على عالم الخَلقِ (المتمثّله فی السَیر التکاملیّ للموجوداتِ من القوّه إلى الفعل).
۲٫ إذا قَبلنا بأن النفس تتعلّق بعد الإنفصال من البَدَن، ببدنِ حیّ آخر، فإنَّ هذا یستلزمُ تعلّق نفسین ببدن واحد، ونتیجته هی الازدواجیّه فی الشخصیّه، ومثلُ هذا المطلبِ یتنافى مع الإدراک الوجدانی للإنسان عن نفسه التی لا تمتلک إلاّ شخصیّهً واحدهً لا شخصیّتین.([۲۴] ) ۳٫ الإعتقاد بالتناسُخ مع أنّه یتنافى مع السُنّه الحاکمه على نظام الخلق یعتبر بنفسه ذریعه للظالمین والنفعیّین الذین یرون أنَّ عزَّتَهم ورفاههم الفِعلِیّین نتیجهٌ لطهاره أعمالهم فی حیاتهم المتقدمه، ویرونَ أن شقاء الأشقیاء کذلک نتیجهٌ لِسوءِ أعمالهم فی المرحله السابقه، وبهذا یبرِّر هؤلاء الظَلَمه أعمالَهم القبیحه، ووجود الظُلم والجور فی المجتمعات التی تخضع لسلطانِهِم.
الفرق بین التناسخ والمسخ
فی ختام البحث حول التناسخ من الضروریّ أن نجیبَ على سؤالین:
السؤال الأوّل: لقد صَرَّح القرآنُ الکریم بوقوع حالات من المَسخ فی الأُمم السابقه، حیث تحوّل البعضُ إلى قِرده، والبعض الآخر إلى خنازیر کما یقول تعالى:
( وَجَعَل مِنهُمُ القِرَدَهَ والخنازِیر) ([۲۵] ) .
فکیفَ تحقّق المسخُ إذا کان التناسخ باطلاً؟
الجواب: إنّ «المسخ» یختلف عن «التناسخ» الاصطلاحیّ، لأنّ فی التناسخ تتعلَّق الروحُ بعد انفصالها من بَدَنِها بجنین أو ببدن آخر.
ولکن فی المسخ لا تنفصلُ الروحُ عن البَدن بل یتغیر شکلُ البدَن وصورتُه، لیرى العاصی والمجرم نفسَه فی صوره القِرد والخنزیر، فیتألّم من ذلک.
وبعباره أُخرى: إنّ نفسَ الإنسان لا تتنزّل من المقام الإنسانی إلى المقام الحیوانی، لأنّه إذا کان کذلک لما کان أُولئک الذین مُسِخوا من البشر یدُرِکون العذاب، ولما لَمَسوا عقاب عَمَلهم، فی حین یعتبر القرآنُ الکریمُ «المسخَ» «نکالاً» وعقوبه للعصاه([۲۶] ).
یقول التفتازانی: إنّ النفوس بعد مفارقتها للأبدان تتعلّقُ فی الدنیا بأبدان أُخرى للتصرّف والاکتساب، لا أن تتبدّل صُوَرُ الأبدان کما فی المسخ.([۲۷] )
ویقول العلامه الطباطبائی: الممسوخ من الإنسان إنسانٌ ممسوخٌ لا أنّه ممسوخٌ فاقدٌ للإنسانیه.([۲۸] )
السؤالُ الثانی: یذهبُ بعض المؤلّفین إلى أنّ القول بالرجعه ناشئ من القول بالتناسخ.([۲۹] )
فهل یستلزمُ الاعتقادُ بالرجعه القولَ بالتناسخ؟
الجواب: إنّ الرجعه ـ کما سنتحدّث عنها فی محلّها ـ حسب إعتقاد أکثر علماء الشیعه الإمامیه تعنی أنّ طائفهً من أهلِ الإیمان، وأهل الکفر سیعودُون إلى هذه الحیاه (أی العالم الدنیویّ) فی آخر الزمان مرهً أُخرى، وتکون عودتهم إلى الحیاه مثل إحیاءِ الموتى على ید السید المسیح، ومثل عوده «عزیر» للحیاه بعد مائه سنه.([۳۰] )
وعلى هذا الأساس لا یکون للإعتقاد بالرجعه أیّ ارتباط وعلاقه بمسأله التناسخ قط، وسنعطی المزید من التوضیحات فی هذه المسأله فی مبحث «الرجعه» مستقبلاً.([۳۱] )
اشراط الساعه
لقد ورَدَت فی کلمات العلماء تبعاً للقرآن مسأله باسم «أشراط الساعه» وتعنی علامات القیامه.
إنّ علاماتِ یومِ القیامه على قسمین:
ألف: حوادث تقع قبل وقوع القیامه وانهدام النظام الکونی وعند وقوع ذلک یکونُ البشر لا یزالون یعیشون على وجه الأرض، ولفظه «أشراط الساعه»تُطلَق فی الأغلب على هذا النَمَط من الحوادث والوقائع.
ب :الحوادث التی توجب تخلخل النظام الکونیّ، وقد جاء أکثرها فی سور: التکویر، والإنفطار، والإنشقاق والزلزال.
والعلائم من القسم الأوّل عباره عن: ۱٫ بعثه النبی الخاتم محمد ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ ([۳۲] ) .
۲٫ اندکاک السدّ وخروج یأجوج ومأجوج([۳۳] ).
۳٫ إتیان السماء بدخان مبین ([۳۴] ).
۴٫ نزول السید المسیح ـ علیه السَّلام ـ ([۳۵] ) .
۵٫ خروج دابّه من الأرض ([۳۶] ).
ولابُدَّ من مراجعه کتُبِ التفسیر والحدیث للحصول على تفاصیل هذه العلائم.
ولقد تحدّث القرآنُ الکریمُ بإسهاب حولَ العلائم والأشراط من النوع الثانی مثل: إنهدام النظام الکونیّ وتلاشیه وتکویر الشمس والقمر، وانکدار النجوم، وتناثرها، وتفجیر البحار وتسجیرها، وتسییر الجبال([۳۷] )، وغیرها من الحوادث التی ملخّصُها هو اندثار النظام السائد فعلاً، وظهور نظام جدید، وهو فی حقیقته تجلّ للقدرهِ الإلهیّهِ التامّه، کما قال تعالى: ( یَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَیْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاواتُ وَبَرَزُواْ للهِ الواحِدِ الْقَهَّار) ([۳۸] ) .
النَفخُ فی الصُّور
إنّ القرآنَ الکریم یتحدَّث عن حادثه باسم «النَفخُ فی الصُّور» والذی یتم مرتین:
ألف ـ النَفْخُ فی الصُّور، الذی یوجبُ موتَ کلّ الأحیاء فی السَّماوات والأرضین.
ب ـ النَّفخُ فی الصُّور، الذی یوجبُ إحیاءَ الموتى کما یقول :
( وَنُفِخَ فی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنِ فی السَّمَوَتِ وَمَن فی الأَرْضِ إلاّ مَن شَآءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنظُرُونَ) ([۳۹] ) .
إنّ القرآنَ الکریم یتحدَّث عن خصوص حَشر البَشَر ونشْرهم یومَ القیامه قائلاً: ( یَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ کَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) ([۴۰] ) .
الأصلُ الثالثُ عشر بعد المائه: مراحل الحساب والقیامه
بعد عَوده الموتى إلى الحَیاه، وحَشْرِهمْ ونَشْرِهِمْ، تتحقَّق عدهُ أُمور قبلَ دُخولِ الجنه أو النار، أخبر بها القرآنُ الکریمُ، والأحادیثُ الشریفه:
۱٫ محاسَبه النّاس على أعْمالهم بشکل خاصّ، أو بصور معیّنه إحداها إعطاءُ صحیفهِ عملِ کل أحد بیده.([۴۱] ) ۲٫ مضافاً إلى ما هو مُدرَجٌ فی صحیفه کل واحد من الصغائر والکبائر، ثمّتَ شهُودٌ من داخلِ الإنسان وخارجه تشهدُ یومَ القیامه بأعمالهِ التی عَمِلَها فی العالمِ الدُّنْیویّ.
والشُهود الّذین من الخارج هم عبارهٌ عن الله ([۴۲] ) ونبی کلّ أُمّه([۴۳] ) ونبیّ الإسلام([۴۴] ) ، والصَفوه الأخیار من الأُمّه([۴۵] )، والملائکه([۴۶] ) ، والأرض([۴۷] ) .
وأمّا الشهودُ من داخل الکیانِ البشریّ فهم عباره عن الأعضاء والجوارح([۴۸] )، وتجسّم الأعما([۴۹] )ل نفسِها.
۳٫ هناکَ لمحاسبه الإنسان على أعماله ـ مضافاً إلى ما قلناه ـ ما یُسمّى بـ «موازین العَدل» التی تُقامُ یومَ القیامه، وتضمِن وصولَ کلّ إنسان إلى ما یستحقه من الجزاء على وجهِ الدِقّه کما یقول تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ القیامه فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شیْئاً وإِن کَانَ مِثْقَالَ حَبَّه مِنْ خَرْدَل أَتَیْنَا بِها وَکَفَى بِنَا حاسِبین) ([۵۰] ) .
۴٫ ویُستفاد من الأحادیث الشریفه أنّ هناک ـ یومَ القیامه ـ ممرّاً یجبُ أن یعبر منه الجمیعُ بلا استثناء . وهذا الممرّ یُعبّر عنهُ فی الروایات بالصراط، وقد ذهبَ المفسرون إلى أنّ الآیات ۷۱ ـ ۷۲ من سوره مریم ناظره إلیه.([۵۱] )
۵٫ هناکَ حائلٌ بین أهل الجنّه وأهل النار أسماه القرآنُ الکریم بـ (الحجاب) کما أنّه یقف شخصیاتٌ رفیعهُ المستوى على مکان مرتفع یعرفون کلاًّ مِن أهلِ الجنّه وأهلِ النارِ بسیماهُم کما یقولُ سبحانه:
( وَبَیْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعراَفِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلاًَّ بِسِیماهُمْ) ([۵۲] ) .
وهؤلاءُ الشخصیّات العالِیه المستوى هم ـ کما تُصرّح روایاتُنا ـ الأنبیاءُ وأوصیاؤهم الکرام البرَرَه.
۶٫ عندما تَنْتهِی عملیّهُ الحساب ویَتّضح مصیرُ الأشخاص یومَ القیامه یعطی اللهُ سبحانه لواءً بید النبیّ الأکرمِ محمّد ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ یُدعى «لواء الحمد» فیتحرّکُ أمامَ أهلِ الجنه، إلى الجنّه.([۵۳] )
۷٫ أخبَرَتِ الروایاتُ العدیدهُ بوجود حوض کبیر فی المحشر یُعرَف بحوض «الکوثر»، یحضر عنده رسولُ الله ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ ویسقى الصالحون من الأُمّه من ماء ذلک الحوض بأیدی النبیّ وأهلِ بیته ـ علیهم السَّلام ـ .
الشفاعه
تُعتبر شفاعه الشافعین یوم القیامه بإذن الله تعالى إحدى العقائد الإسلامیّه المُسَلَّمه الضروریّه.
إنّ الشفاعهَ تشملُ أُولئک الذین لم یقطعوا صِلتهم بالله، وبالدین بصوره کامله، فصاروا صالحین لشمولِ الرحمهِ الإلهیّهِ لهم بواسطه شفاعهِ الشافعین، رغم تورُّطِهم فی بعض المعاصی والذنوب.
والإعتقادُ بالشَفاعه مأخوذٌ من القرآن الکریم والسُّنه ونشیر إلى بعض تلک النصوص فیما یأتی:
ألف : الشَفاعه فی القرآن
إنَّ الآیاتِ القرآنیّه تحکی عن أصل وجودِ الشفاعه یومَ القیامه، وتصرّح بأصل وجودِ الشفاعه وأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى.
ویقول:
( وَلاَ یَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَن ارْتَضَى) ([۵۴] ) .
فمَنْ هُم الشُفَعاء؟
یُستَفادُ من بعض الآیات أنّ الملائکه من الشُفعاء یومَ القیامه کما یقولُ: ( وَکَم مِن مَّلَک فی السَّماواتِ لاَ تُغْنِی شَفاعتُهُم شَیْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن یَأْذَنَ اللهُ لِمَن یَشاءُ وَیَرْضى) ([۵۵] ) . ویذهبُ المفسِّرون فی تفسیر قولِهِ تعالى: ( عَسَى أَن یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوداً) ([۵۶] ) ، إلى أنّ المقصود مِنَ «المقام المحمود» هو مقامُ الشّفاعه الثابتُ للنبیّ الأکرم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ .
ب : الشَفاعه فی الروایات
لقد تحدّثت روایات کثیره ورَدَت فی کتبِ الحدیث عن الشفاعه مضافاً إلى القُرآنِ الکریم. ونشیرُ إلى بعضِ هذه الأحادیث:
۱٫ یقولُ النبیُّ الأکرمُ: «إنَّما شَفاعَتی لأَهلِ الکَبائِر مِن أُمَّتِی»([57] ).
والظاهر أنّ عِلّه اختصاص الشفاعه بمرتکبی الکبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصه، هو: أنّ اللهَ وَعَد فی القرآنِ بصراحه بأن یغفرَ للناسِ السیئات الصغیره إذا ما هم اجتنبوا الکبائرَ([۵۸] )فبقیّه الذنوب ما عدا الکبائر تشمُلُها المغفره، فی الدنیا ومع المغفره لا موضوع للشفاعه.
۲٫ «أُعْطِیْتُ خَمْساً… وأُعطِیتُ الشَفاعَه، فَادّخَرْتُها لأُمَّتی فهیَ لِمَن لا یُشْرک بِاللهِ»([59] ).
وعلى من أراد التعرّف على غیره من شفعاء یوم القیامه کالأئِمه المعصومین، والعلماء، وکذا المشفوع لهُمْ، أن یُراجِعَ کتبَ العقائد، والکلام، والحدیث.
کما أنّه لابُدّ أن نَعلَمَ بأنّ الإعتقاد بالشَفاعه، مثل الإعتقاد بقبُول التوبه، یجب أن لا یوجبَ تجرُّؤَ الأشخاص على ارتکاب الذنوب، بل یجب أن یُعَدَّ هذا الأمر «نافذهَ أمَل» تعیدُ الإنسانَ إلى الطریقِ الصحیحِ، لکونه یرجو العفو، فلا یکونُ کالآیسین الّذین لا یفکّرون فی العوده إلى الصِراط المستقیم قط.
ومِن هذا یتضح أنّ الأثر البارز للشفاعه هو مغفره ذنوب بعض العُصاه والمذنبین ولا ینحصر أثَرُها فی رفع درجه المؤمنین کما ذهبَ إلى ذلک بعض الفِرقُ الإسلامیه (کالمعتزله).([۶۰] )
طلب الشفاعه فی الدنیا
إنّ الاعتقادَ بأصلِ الشَفاعه فی یَوم القیامه (فی إطار الإذن الإلهیّ) ـ کما أسلَفنا ـ من العقائِد الإسلامیّه الضروریه ولم یخدش فیها أحدٌ.
یبقى أنْ نرى هل یجوز أن نطلب الشفاعهَ فی هذه الدنیا من الشافعین المأذون لهم فی الشفاعه یوم الحساب، کالنبیّ الأکرم ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ أم لا؟
وبعباره أُخرى، هل یصحُ أن یقول الإنسانُ: یا رسولَ الله یا وجیهاً عند الله إشفع لی عند الله؟
الجواب هو: أنّ هذا الموضوعَ کان محلَّ اتفاق وإجماع بین جمیع المسلمین إلى القرن الثامن، ولم ینکرْه إلاّ أشخاصٌ معدودُون من منتصف القرنِ الثامن، حیث خالَفوا طلبَ الشفاعه من الشفعاء المأذون لهم، ولَم یجوّزوه فی حین أنّ الآیات القرآنیّه والأحادیث النبویّه المعتبره، وسیره المسلمین المستمره تشهَدُ جمیعُها بجوازه، وذلک لأنَّ الشَفاعه هو دُعاؤهم للأشخاص ومن الواضح أن طلبَ الدعاء من المؤمن العادیّ (فضلاً عن النبیّ ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ ) أمرٌ جائز ومستحسَن، بلا ریب.
ولقد رَوى ابنُ عباس عن رسول الله ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ ما یُستفاد منه بوضوح بأنّ شفاعه المؤمن هو دعاؤه فی حق الآخرین فقد قال ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ : «ما مِن رَجُل مُسْلِم یَموتُ فَیَقومُ على جَنازَتِهِ أربَعون رَجُلاً لا یُشرکُونَ بالله شیئاً إلاّ شفَّعهُم اللهُ فِیه»([61] ).
ومِنَ البدیهیّ والواضح أنّ شفاعه أربعین مؤمن عند الصلاه على المیّت لیس سوى دعاؤهم لذلک المیت.
ولو تَصَفَّحْنا التاریخَ الإسلامیَّ لوَجَدنا أنّ الصَحابه کانوا یطلبون الشفاعه من النبی ـ صلَّى الله علیه وآله وسلم ـ .
فها هو الترمذیّ یروی عن أنَس بن مالک أنّه قال: سألتُ النبیَّ أنْ یَشْفَعَ لی یومَ القِیامه فقال: أنا فاعل. قلتُ: فأَینَ أطلبُک؟
فقالَ: عَلى الصّرِاطِ ([۶۲] ).
ومع الأخذ بِنَظَر الإعتبار أن حقیقه الإستشفاع لیست سوى طلب الدعاءِ من الشَفیع، یمکنُ الإشارهُ إلى نماذج مِن هذا الأمر فی القرآن الکریم نفسِه:
۱٫ طلبَ أبناءُ یعقوب من أبیهِم أن یستغفرَ لهم، وقد وَعَدَهم بذلک ووفى بوعده، یقول تعالى: ( قَالُواْ یا أبانا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا کُنَّا خاطِئِینَ * قَال سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی) ([۶۳] ) .
۲٫ یَقولُ القرآنُ الکریمُ: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِیماً) ([۶۴] ) .
۳٫ یقولُ فی شأن المنافقین: ( وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ تَعَالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ وَرَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَکْبِروُنَ) ([۶۵] ) .
فإذا کانَ الإعراضُ عن طَلَب الإستغفار من النَبیّ ـ الذی یَتّحدِ فی حقیقته مع الإستشفاع ـ علامهَ النِفاق، والإستکبار، فإنّ الإتیان بهذا الطَلَب وممارسته یُعدّ بلاشکّ علامهُ الإیمانِ. وحیثُ إنّ مقصودَنا ـ هنا ـ هو إثبات جواز طلب الشفاعه، ومشروعیّتهِ، لذلک لا یَضرُّ موتُ الشفیعِ فی هذه الآیات بالمقصود، حتى لو فُرض أنّ هذه الآیات وَرَدَت فی شأنِ الأحیاء من الشُفَعاءِ لا الأموات، لأن طَلَبَ الشَفاعه مِنَ الأحیاء إذا لم یکن شرکاً فإنّ من الطبیعی أن لا یکونَ طلبُها من الأموات کذلک شرکاً لأنّ حیاه الشَفیع وموته لیس ملاکاً للتوحید والشرک أبداً، والأمرُ الوحیدُ الذی هو ضروریٌ ومطلوبٌ عندَ الإستشفاعِ بالأرواح المقدَّسه هو قدرتُها على سماع نداءاتنا، وهو أمرٌ قد أثبتْناه فی مبحث التوسُّل حیث أثبتنا ـ هناک ـ([۶۶] ) وجود مثل هذا الإرتباط.
وهنا لابدّ أن نلتفتَ إلى نقطه هامّه وهی أن استشفاعَ المؤمنین والموَحّدین من الأنبیاء والأولیاء الإلهیّین یختلفُ اختلافاً جَوهریاً عن استشفاع الوثنیّین من أصنامهم وأوثانهم.
فالفریقُ الأوّل یطلبُ الشَّفاعهَ من أولیاءِ الله، وهو مذعِنٌ بحقیقتین أساسیّتین:
۱٫ إنَّ مقامَ الشفاعه مقامٌ خاصٌّ بالله، وحقٌ محضٌ له سبحانه کما قال:
( قُل للهِ الشَّفاعَهُ جَمِیعاً) ([۶۷] ) .
أی قل: إنّ أمر الشَفاعه کلَّه بِیَدِ اللهِ ولا یحقّ لأحد أن یشفَعَ مِن دون إذنِهِ ولن تکونَ شفاعهٌ مؤثرهً بغیره. ۲٫ إنّ الشُّفعاء الذین یَستشفِعُ بهم الموحِّدون عبادٌ صالحون مخلصُون لله سبحانه یستجیب الله دعاءَهم لِمکانَتِهِم عندهَ وَلِقُربِ مَنزِلَتهِم منه سبحانه.
وبهذین الشرطین یفترقُ الموحِّدُون عن الوثنییّن فی مسأله الاستشفاع افتراقاً أساسیاً.
أوّلاً : انّ المشرکین لا یرون لنفوذ شفاعتهم وتأثیرها أیَّ قید أو شرط، وکأنّ اللهَ فَوَّضَ أمرَ الشَفاعه إلى تلک الأصنام العَمیاء الصَمّاء. فی حین أنّ الموحّدین یعتبرون الشفاعه کلّها حقاً مختصاً بالله، تبعاً لما جاء فی القرآن الکریم، ویُقیِّدون قبولَ شفاعه الشافعین وتأثیرها بإذن الله ورضاه وإجازته.
ثانیاً : إنّ مشرکی عصر الرساله کانوا یَعتبرون أوثانهم وأصنامَهم ومعبوداتهم المختلفه أرباباً وآلههً، وکانوا یظنّونَ سفهاً أنّ لِهذهِ الموجودات المیّته، والجمادات سَهْماً فی الرّبوبیّه، والأُلُوهیّه، بینما لا یرى الموحّدون، الأنبیاءَ والأئمهَ إلاّ عباداً صالحین، وهم یردّدُون فی صلواتهم وتحیاتهم دائماً عباره: «عَبْدُه ورسوله» و «عباد الله الصالحین».
فانظرْ إلى الفرق الشاسِعِ، والتفاوت الواسِع بین الرؤیتین والمنطِقَین.
بِناءً على هذا فإنّ الاستدلالَ بالآیات التی تَنفی وتندّدُ باستشفاعِ المشرکین من الأصنام، على نَفی أصل طلب الشفاعه فی الإسلام، إستدلالٌ مرفُوضٌ وباطلٌ وهو من باب القیاس مع الفارق.
التوبه
إنّ انفتاح بابِ التوبهِ فی وجهِ العُصاه والمُذنبین والدعوه إلیها من التَعالیمِ الإسلامیّه بل مِن مقرّرات جمیعِ الشرائع السَّماویّه.
فعندما یندَمُ الإنسانُ المذنبُ من عَمَلِهِ القبیحِ نَدَماً حقیقیّاً ویملأُ التوجّهُ إلى الله، والتضرُّع إلیه فضاءَ رُوحه، فیقرّر من صمیمِ قَلبه أن لا یرتکبَ ما ارتکبَ ثانیهً، قَبِل اللهُ الرحیمُ أوبتَه وتَوبته، بشروط مَذکوره فی کتُبُ العقیده والتفسیر. یقول القرآنُ الکریمُ فی هذا الصَدَد:
( وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَمِیعاً أیّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) ([۶۸] ) .
إنّ الّذین لا یَعرفونَ الآثار التربویّه الإیجابیّه للتوبه یتصوَّرُون أنّ فتح هذین البابین (بابِ الشفاعه وباب التوبه) فی وجه العُصاه والمذنبین یشجّعهم ـ بشکل مّا ـ على المعصیه، فی حین یغفل هؤلاء عن أنّ کثیراً من النّاس متورّطونَ فی بعض المعاصی، وقلّما یوجَد من لم یرتکبْ ذَنباً فی حیاته طوال عمره.
وعلى هذا الأساس، إذا لم یکن بابُ التوبه مفتوحاً فی وَجه هؤلاء لقالَ الذین یریدون أن یغیّروا مسیرهم ویقضوا بقیَّهَ أیّام حیاتِهِمْ فی الطُّهْر والنَقاء مع أنفسهم: إننَّا سنَلقى ـ على کلّ حال ـ جزاءَ ذُنوبنا، وندخل جهنّم فلِمَ لا نستجیبُ لِرَغباتنا؟ ولمَ لا نحقّق شهواتِنا فیما تبقّى من عُمُرنا ما دام هذا هو مصیرُنا، وهو مصیرٌ لا یَتَغیَّر قطّ ولا مفرّ منه أبداً؟. وهکذا نکونُ بإغلاقنا بابَ التَّوبه قد فَتَحْنا فی وجه النّاس بابَ الیأس والقنوط، ومَهَّدْنا للَمزید من المعصیه وللتمادی فی ارتکاب القبائِح والذنوب..
إنَّ الآثار الإیجابیّه لأصل التوبه تتّضحُ أکثر فأکثر عندما نعلم بأن الإسلام یقیِّد قبولَ التوبه بشروط خاصّه ذکرَها ـ بتفصیل ـ أئمهُ الدّین، والمحقّقون من علماءِ الإسلام.
إنَّ القرآن الکریم یتحدّث عن التوبه بصراحه تامه إذ یقول :
( کَتَبَ رَبُّکُم عَلى نَفسهِ الرَّحمهَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنکُمْ سُوءاً بجهالَه ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَّحِیمٌ) ([۶۹] ) .
ثم إنّه قد ذُکرَ الأشخاصُ الذین لا تُقبَلُ توبتهم عندَ الله سبحانه فی کُتب الفِقه، والتفسیر، والعقیده فمنَ شاء راجَعَها.
الإنسان ینال جزاء أعماله
یَشهدُ العقلُ والنقلُ بأنّ کلَّ إنسان یَرى جزاءَ عملِهِ، إنْ خیراً فخیرٌ، وإن شرّاً فشرّ.
یقول القرآنُ فی هذا الصَّدد: ( فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّه خیْراً یَرَهُ) ([۷۰] ) .
ویقول أیضاً: ( وأنَّ سَعْیَهُ سَوفَ یُرى * ثُمَّ یُجزاهُ الجزاءَ الأوفى) ([۷۱] ) . ویُستفاد من الآیات السابقه أنَّ أعمالَ الإنسان القبیحه، لا تُزیل أعمالهُ الصالحه ولا تقضی علیها، ولکن یجب أنْ نعلم فی نفس الوقت أنّ الذین یرتکبون بعضَ الذنوب الخاصّه کالکُفر والشرک، أو یَسلکون سبیلَ الإرتداد سیُصابون بالحَبط، أیْ أنّ أعمالَهم الصّالِحه تُحبط وتهلَکَ، ویَلقون فی الآخره عَذاباً أبدیّاً کما یَقول سبحانه:
( وَمَن یَرْتَدِدْ مِنکُمْ عَن دِینِهِ فَیَمُتْ وَهُوَ کَافرٌ فَأُوْلَئکَ حَبِطتْ أَعْمالُهُمْ فی الدُّنْیا وَالآخِرهِ وَأُوْلئکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فیهَا خالدونَ) ([۷۲] ) .
ونظراً إلى ما قلناه فإنّ کلَّ إنسان مؤمن سیَرى ثوابَ أعماله الصّالِحَه فی الآخره خیراً کانت أو شراً، إلاّ إذا ارتدّ، أو کَفَرَ، أو أشرَکَ، فإنّ ذلک سیأتی على أعماله الصالِحَه ویقضی علیها ـ کما دَلّ على ذلکَ الکتابُ والسُنّهُ ـ.
وفی الختام لابُدَّ من التذکیر بالنقطه التالیه وهی: أَنّ اللهَ سبحانه وتعالى وإنْ وَعَدَ المؤمِنین بالثواب على أعمالِهم الصالِحه، وفی المقابل أوعد على الأعمال السیئه، ولکن «الوعدَ» و «الوَعید» هذین یختلف أحدُهما عن الآخر ـ فی نظر العقل ـ لأنّ العَملَ بالوعد أصلٌ عقلیٌ، والتخلّفَ عنه قبیح، لأنّ فی التخلّف عنه تضییعاً لِحقّ الآخرین، وإن کانَ هذا الحقُ مما أوجبَهُ الواعدُ، نفسُه على نفسه، وهذا بخلاف الوعید فهو حق للمُوعِد وله الصفح عن حقه والإعراض عنه ولهذا لا مانعَ مِن أن تستر بعضُ الأعمالِ الصالِحه الحسنه قباحهَ بعض الأعمال السیئه وهو ما یُسمّى بالتکفیر([۷۳] ).
وقد صَرَّحَ القرآنُ الکریمُ بکونِ بعضِ الأعمال الصّالحه الحَسَنه مکفّرهً للأعمال السَّیئه، وأحَد هذه الأعمال هو اجتناب الشخص للذنوب الکبیره:
( إِن تَجْتَنِبُوا کَبَائرَ ما تُنْهَونَ عَنْهُ نُکَفّرْ عَنکُمْ سَیِئَاتِکُمْ وَنُدْخِلْکُم مُّدْخَلاً کَرِیماً) ([۷۴] ) .
وکذا یکونُ لأعمال أُخرى مثل التوبه([۷۵] )، وصدقه السر([۷۶] ) وغیر ذلکَ مِثل هذا الأثر.
الخلود فی الجحیم خاصّ بالکفّار
إنّ الخُلودَ فی عذاب جهنّم خاصّ بِالکفّار، وأمّا المؤمنون العُصاه الذین أشرقت أرواحهم بنورِ التوحید، فطریقُ المغفره والخروج من النار غیر مسدوده علیهم کما یقولُ اللهُ تعالى:
( إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمنَ یَشَاءُ وَمَن یُشْرِک بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِیماً) ([۷۷] ) .
إنّ الآیهَ المذکورهَ الّتی تخبرُ بِصراحه عَن إمکان المغفره والعفو عن جمیع الذنوب (ما عدا الشرک) ناظره ـ من دون شَکٍّ ـ إلى أُولئک الّذین ماتُوا من دون توبه، لأنّ جمیعَ الذنوب والمعاصی ـ حتى الشرک ـ یشملُها العفوُ والغفرانُ إذا تابَ عنها الإنسانُ.
وحیث إنّ هذه الآیه فَرَّقت بین المشرک وغیر المشرک، وَجَب أن نقول: إنّها تحکی عن إمکان مغفرهِ من ماتوا من دونِ توبه.
ومن الواضح أنّ مثلَ هذا الإنسان إذا کان مشرکاً لم یغفرِ اللهُ له، وأمّا إذا لم یکنْ مُشرکاً فیمکنهُ أن یأمَل فی عَفو اللهِ ویَطمع فی غفرانه ولکن لا بشکل قَطعیّ وحتمیّ، إنما یحظى بالعفو والغفران من تعلَّقت الإرادهُ والمشیئهُ الإلهیّهُ بمغفرته.
فإنّ قَیْد «لِمنْ یَشاءُ» فی الآیه تضعُ العُصاه والمُذنبین بین حالَتی «الخَوْف» و «الرَّجاءِ» وتحثهم على التوقّی من الخطر وهو التوبه قبلَ الموت.
ولهذا فإنّ الوَعدَ المذکور یدفع بالإنسان على طریق التربیه المستقیم، بإبعاده عن منزلَق «الیَأس» و «التجرّی».
الجنه والنار مخلوقتان
نحن نعتقد أنّ الجنّه والنّار مخلوقتان موجودتان الآن.
قال الشیخ المفید: «إنَّ الجنّه والنّارَ فی هذا الوَقتِ مخلوقَتان وبذلک جاءتِ الأخبارُ، وعلیه إجماعُ أَهل الشّرعِ والآثار»([78] ). وإنّ الآیات القرآنیّه هی الأُخرى تشهد بالوجودِ الفِعلیّ لِلجنَّه والنار إذ یقول:
( وَلَقدْ رَءَاهُ نَزْلَهً أُخْرى * عِندَ سِدْرَهِ المنُتَهى * عِندَها جَنَّهُ المأْوى) ([۷۹] ) .
ویصرّح فی موضعِ آخر: بأنَّ الجنّه مهیَّئَهٌ للمؤمنین، وإن النّار للکافِرین، إذ یقول حولَ الجنّهِ:
( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ) ([۸۰] ) .
ویقولُ حَولَ النّار:
( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتی أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ) ([۸۱] ) .
ومَعَ ذلک فلا نعرِفُ مکانَ الجَنَّهِ والنّار على وَجهِ الدّقهِ والیقینِ، وإن کان المُستفاد من بعض الآیات هو أن الجَنّه موجودهٌ فی القِسم الأعلى کما یقولُ سبحانه:
( وَفی السَّماءِ رِزْقُکُم وَمَا تُوعَدُونَ) ([۸۲] ) .
[۱] . المؤمنون / ۱۱۵ .
[۲] . ص / ۲۸ .
[۳] . یونس / ۴ .
[۴] . المؤمنون / ۱۴ ـ ۱۶ .
[۵] . هود / ۴ .
[۶] . الإسراء / ۵۱ .
[۷] . الحج / ۵ ـ ۷ .
[۸] . یس / ۸۱ .
[۹] . ق / ۴ .
[۱۰] . السجده / ۱۰ .
[۱۱] . السجده / ۱۱ .
[۱۲] . یس / ۷۹ .
[۱۳] . التوبه / ۷۲ .
[۱۴] . مریم / ۳۹ .
[۱۵] . المؤمنون / ۹۹ ـ ۱۰۰ .
[۱۶] . المؤمنون / ۱۰۰ .
[۱۷] . غافر / ۴۶ .
[۱۸] . البقره / ۱۵۴ .
[۱۹] . آل عمران / ۱۷۰ .
[۲۰] . اعتقادات الصدوق، الباب ۱۷، ص ۳۷ .
[۲۱] . تصحیح الاعتقاد للمفید: ص ۴۵ ـ ۴۶ .
[۲۲] . کشف المراد: المقصد ۶، المسأله ۱۴٫
[۲۳] . راجع کتاب «السنه» لأحمد بن حنبل; و «الإبانه» لأبی الحسن الأشعری; وشرح الأُصول الخمسه للقاضی عبد الجبار المعتزلی.
[۲۴] . کشف المراد للعلامه الحلّی المقصد الثانی، الفصل الرابع المسأله الثامنه، والأسفار صدر المتألّهین: ۹ / ۱۰٫
[۲۵] . المائده / ۶۰٫ لاحظ سوره الأعراف: الآیه ۱۶۶ .
[۲۶] . ( فجَعَلْناها نکالاً لِما بَیْنَ یَدَیْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَهً لِلْمُتَّقِینَ) (البقره / ۶۶).
[۲۷] . شرح المقاصد، للتفتازانی: ۳ / ۳۳۷ .
[۲۸] . المیزان، للطباطبائی، ۱ / ۲۰۹ .
[۲۹] . فجر الإسلام، لأحمد أمین المصری ص ۳۷۷٫
[۳۰] . لاحظ آل عمران / ۴۹ ، والبقره / ۲۵۹ .
[۳۱] . لاحظ الأصل التاسع والعشرین بعد المائه ص ۲۸۶ .
[۳۲] . لاحظ محمد / ۱۸ .
[۳۳] . لاحظ الکهف / ۹۸ ـ ۹۹ .
[۳۴] . لاحظ الدخان / ۱۰ ـ ۱۶ .
[۳۵] . لاحظ الزخرف / ۵۷ ـ ۶۱ .
[۳۶] . لاحظ النمل / ۸۲ .
[۳۷] . لاحظ سور: التکویر، والانفطار، والانشقاق، والقارعه.
[۳۸] . إبراهیم / ۴۸ .
[۳۹] . الزمر / ۸ ۶ .
[۴۰] . القمر / ۷ .
[۴۱] . لاحظ الإسراء / ۱۳ ـ ۱۴ .
[۴۲] . لاحظ آل عمران / ۹۸ .
[۴۳] . لاحظ النحل / ۸۹ .
[۴۴] . لاحظ النساء / ۴۱٫
[۴۵] . لاحظ البقره / ۱۴۳ .
[۴۶] . لاحظ ق / ۱۸ .
[۴۷] . لاحظ الزلزله / ۴ ـ ۵٫
[۴۸] . لاحظ النور / ۲۴، فُصّلت / ۲۰ ـ ۲۱ .
[۴۹] . لاحظ التوبه/۳۴ ـ ۳۵٫
[۵۰] . الأنبیاء / ۴۷ .
[۵۱] .( وَإِن مِنکُمْ إِلاَّ وارِدُهَا کَانَ عَلى رَبّکَ حَتْماً مَّقْضِیّاً * ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَواْ وَنَذَرُ الظَّالِمینَ فِیهَا جِثیّاً) (مریم / ۷۱ ـ ۷۲).
[۵۲] . الأعراف / ۴۶ .
[۵۳] . بحار الأنوار، ج ۸ ، الباب ۱۸، الأحادیث ۱ ـ ۱۲; ومسند أحمد ۱ / ۲۸۱، ۲۹۵ و ۳ / ۱۴۴ .
[۵۴] . الأنبیاء / ۲۸ .
[۵۵] . النجم / ۲۶ .
[۵۶] . الإسراء / ۷۹ .
[۵۷] . الشیخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ۳ / ۳۷۶ .
[۵۸] . لاحظ النساء / ۳۱ .
[۵۹] . الخصال للشیخ الصدوق، باب «الخمسهُ» ; صحیح البخاری، ۱ / ۴۲; مسند أحمد، ۱ / ۳۰۱٫
[۶۰] . أوائل المقالات للشیخ المفید ص ۵۴ وکتب أُخرى.
[۶۱] . صحیح مسلم: ۳ / ۵۴ .
[۶۲] . صحیح الترمذی: ۴ / ۴۲، باب ما جاء فی شأن الصراط.
[۶۳] . یوسف / ۹۷ ـ ۹۸ .
[۶۴] . النساء / ۶۴ .
[۶۵] . المنافقون / ۵ .
[۶۶] . لاحظ الأصل ۱۲۶ و ۱۲۷ و ص ۲۷۹ ـ ۲۸۶ .
[۶۷] . الزمر / ۴۴ .
[۶۸] . النور / ۳۱ .
[۶۹] . الأنعام / ۵۴ .
[۷۰] . الزلزله / ۷ .
[۷۱] . النجم / ۴۰ ـ ۴۱ .
[۷۲] . البقره / ۲۱۷ .
[۷۳] . کشف المراد، ص ۴۱۳، المقصد ۶، المسأله ۷٫
[۷۴] . النساء / ۳۱ .
[۷۵] . لاحظ التحریم / ۸ .
[۷۶] . لاحظ البقره / ۲۷۱ .
[۷۷] . النساء / ۴۸ .
[۷۸] . أوائل المقالات ص ۱۴۱ .
[۷۹] . النجم / ۱۳ ـ ۱۵ .
[۸۰] . آل عمران / ۱۳۳ .
[۸۱] . آل عمران / ۱۳۱ .
[۸۲] . الذاریات / ۲۲ .