المهدىّ علیه السلام فى الکتاب و السنّه موجزاً

0

المقدمه
ولعلّ من ضروره المذهب الاسلامى الحنیف، و التى وردت فى الکتاب العزیز فى عدّه آیات، و جاءت فى السنه الشریفه فى متواتر الروایات، هى: مسأله «المهدىّ الموعود»(عج) و بذلک اتفقت کلمه الأمّه على مختلف المذاهب و الآراء فى الاعتقاد بظهور المهدىّ(عج) من آل محمّد (ص) فى آخر الزمان، لیملأ الارض قسطاً و عداً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً.
الأمر الذى یبدو ضروریّاً فى عامه معتقدات أهل الملّه، لم یشذّ منها إلاّ مکابر أو معاند.
والمصنَّفات و التآلیف فى اثبات ظهوره (عج) وانه من ولد فاطمه(س) کثیره و متنوّعه، جادت بها قرائح ارباب القلم النزیه من علماء الفریقین.
المهدىّ فى القرآن
جلّ ما ورد بشأن المهدىّ (عج) فى القرآن الکریم، هى من دلاله باطن الآیه الذى هو تأویلها دون تنزیلها.
قال رسول الله (ص): «ما فى القرآن آیه إلاّ و لها ظهر و بطن»
سُئل الإمام ابوجعفر محمد بن على الباقر (ع) عن ذلک، فقال: «ظهرُها تنزیلها و بطنها تأویلها».
والبطن و التأویل، عباره عن المفهوم العام المنتزع عن الآیه، بعد إلغاء الخصوصیّات المکتنفه، لتصبح الآیه صالحه للإنطباق على موارد مشابهه لمورد النزول، على مرّ الأیّام. الأمر الذى ضمن للقرآن بقاءه و شموله مع الخلود.
نعم ان للقرآن دلاله بحسب ظاهره، مما یرتبط و شأن نزول الآیه. و دلاله اخرى عامه صالحه للانطباق على الموارد المشابهه حسبما یأتى من زمان. و بذلک أصبح القرآن حیّاً مع الأبد، و کان شفاء للناس و دواءً لأدوائهم فى مختلف الازمان و العصور.
 
* * *
فمن الآیات التى ورد تأویلا بشأن المهدى ـ (عج) ـ قوله تعالى: (و نرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمَّه و نجعلهم الوارثین و نمکّن لهم فى الأرض)
هذه الآیه نزلت بشأن قصّه فرعون و موسى و بنى اسرائیل.
ولکنّها عامه، إنها سنه الله جرت فى الخلق، أنّ الله تعالى سوف یأخذ بید المستضعفین لیرفعهم على المستکبرین، و یورثهم ارضهم و دیارهم.
ففى حدیث مفضَّل بن عُمَر، قال: سمعت ابا عبدالله (ع) یقول: انّ رسول الله (ص)نظر الى علىّ و الحسن و الحسین (ع) فبکى، و قال: أنتم المستضعفون بعدى.
قال المفضَّل: قلت: ما معنى ذلک؟ قال: معناه أنکم الأئمه بعدى ، انّ الله عزّوجلّ یقول: (و نرید ان نمنّ على الذین استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمه و نجعلهم الوارثین)قال (ع): فهذه الآیه جاریه فینا الى یوم القیامه.
وفى نهج البلاغه: «لتعطفنّ الدنیا علینا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها.
و تلا عقیب ذلک: (و نرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمه و نجعلهم الوارثین)
الشماس: مصدر شمس الفرس، اذا منع من ظهره.
والضروس: الناقه السیّئه الخلق تعضّ حالبها، عطفا على ولدها.
قال ابن ابى الحدید: و الأمامیه تزعم أن ذلک وعد منه بالإمام الغائب الذى یملک الارض فى آخر الزمان. و اصحابنا یقولون: إنه وعد بإمام یملک الأرض و یستولى على الممالک، و لا یلزم ان یکون موجوداً. بل یکفى فى صحه هذا الکلام أنه یخلق فى آخر الوقت.
قلت، فقد اتفقت الکلمه بأن فى الآیه وعداً بإمام یملک الارض و یستولى على البلاد، قبل ان تقوم الساعه. إنما الإختلاف فى أنه موجود الآن أم سوف یولد لوقته. لکنه من ولد على (ع) على أىّ حال.
 
* * *
 
وفى سوره الأنبیاء (۲۱: ۱۰۵):
(ولقد کتبنا فى الزبور من بعد الذکر أنّ الأرض یرثها عبادى الصالحون)
والمراد من الزبور: زبور داود، جاء فى سوره النساء (۴: ۱۶۳) و الإسراء (۱۷: ۵۵): (و آتینا داود زبوراً).
وهو: کتاب المزامیر، الوارد ضمن کتاب العهد القدیم. جاء فیه: «کُفّ عن الغضب و اترک السُّخط، و لا تَفَرْ لفعل الشّر، لان عاملى الشرّ یُقطعون».
«و الذین ینتظرون الربّ هم یرثون الأرض».
«اما الوُدَعاء فیرثون الأرض و یتلذّذون فى کثره السلامه».
«لان المبارکین منه یرثون الارض، و الملعونین منه یُقطعون».
* «الصدّیقون یرثون الأرض و یسکنونها الى الأبد».
و هکذا جاء فى سوره النور (۲۴: ۵۵):
(وعد الله الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات لیستخلفنّهم فى الارض کما استخلف الذین من قبلهم و لیمکّننّ لهم دینهم الذى ارتضى لهم و لیبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً یعبدوننى لا یشرکون بى شیئاً) وهذا الوعد بالتمکین فى الأرض بصوره مستوعبه و مستمره مع الأبد، لم یتحقق للامّه المسلمه فى اى وقت، سوى أنه وعد حتم یتحقق بظهور المهدى المنتظر(عج).
 
* * *
وجاء بشأن عیسى بن مریم و رجوعه الى الدنیا فى آخر الزمان و اتباعه للامام المهدى(عج) قوله تعالى: (و لما ضُرِب ابن مریم مثلاً اذا قومُکَ منه یصدّون. و قالوا ءَآلهتنا خیر أم هو ما ضربُوه لک إلاّ جَدلاً بل هم قوم خَصِمون.
إن هو إلاّ عبد أنعمنا علیه و جعلناه مثلاً لبنى اسرائیل) ـ الى قوله : (و إنّه لعِلْمٌ للسّاعه، فلا تمترُنّ بها و اتّبعونِ هذا صراط مستقیم) قال ابن حجر الهیثمى: قال مقاتل بن سلیمان و من تبعه من المفسّرین: انّ هذه الآیه نزلت فى المهدى (عج).
قال: و ستأتى الأحادیث المصرّحه بأنه من اهل بیت النبوى. ففى الآیه دلاله على البرکه فى نسل فاطمه و على (ع) و ان الله لیخرج منهما کثیراً طیّباً، و ان یجعل نسلهما مفاتیح الحکمه و معادن الرحمه. و سرّ ذلک انه (ص) اعاذها و ذرّیتها من الشیطان الرجیم، و دعا لعلى بمثل ذلک…
قال رسول الله (ص): «کیف أنتم إذا نزل ابن مریم و امامکم منکم» قوله تعالى: (و انه لَعِلْمٌ للساعه…) اى من علائم الساعه، حیث نزوله فى آخرالزمان.
 
* *
المهدىّ فى الحدیث
جاء فى مسند الامام احمد بن حنبل (ج ۱، ص ۳۷۶) بالاسناد الى الصحابى الکبیر عبدالله بن مسعود عن رسول الله (ص) قال: «لا تقوم الساعه حتى یلى رجل من اهل بیتى، یواطئ إسمه إسمى».
وهکذا رواه ابو داود فى السنن (کتاب المهدى، ج ۴، ص ۱۰۶) برقم (۴۲۸۲).
والترمذى فى جامعه (ج ۴، ص ۵۰۵) برقم (۲۲۳۱).
وروى ابوداود فى السنن (ج ۴، ص ۱۰۶) عن امّ المؤمنین امّ سلمه، قالت: قال رسول الله (ص): «المهدىّ من عترتى من ولد فاطمه».
و روى ابن ماجه فى سننه (ج ۲، ص ۵۱۹): قال رسول الله (ص): «المهدى منّا اهل البیت».
وقال: «المهدى من ولد فاطمه».
وهکذا روى الحاکم فى المستدرک (ج ۴، ص ۵۵۷) و قال: هذا حدیث صحیح على شرط مسلم. و حدیث «من اهل بیتى» صحیح على شرط الشیخین. قال: و روى: «رجل من عترتى» ص ۵۵۸٫
واخرج ابو نعیم الأصبهانى ـ فى صفه المهدى(عج) ـ باسناده الى حذیفه بن الیمان، قال: خطبنا رسول الله (ص) بما هو کائن، ثم قال، «لو لم یبق من الدنیا الایوم واحد لطوّل الله ـ عزوجل ـ ذلک الیوم حتى یبعث فیه رجلاً من ولدى اسمه اسمى. فقام سلمان الفارسى، فقال: یا رسول الله، من اى ولدک؟ قال: هو من وَلَدى هذا، و ضرب بیده على الحسین (ع)».
 
* * *
روى الصدوق ـ فى عیون اخبار الرضا ـ بإسناده الى التمیمى عن الإمام على بن موسى الرضا (ع) عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): «لا تقوم السّاعه حتى یقوم القائم الحق منّا، و ذلک حین یأذن الله ـ عزّوجل ـ له.. و من تبعه نجا، و من تخلّف عنه هلک.. أللهَ اللهَ عبادَ الله، فأتوه و لو على الثلج، فانه خلیفه الله عزوجل و خلیفتى».
وایضاً بنفس الإسناد عن الرضا عن آبائه عن على (ع) قال: قال رسول الله (ص): «لاتذهب الدنیا حتى یقوم بأمر أمتى رجل من ولد الحسین، یملأها عدلاً کما ملئت ظلماً و جوراً»
وروى فى الإکمال باسناده الى هشام بن سالم عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص) قال: «القائم من ولدى اسمه اسمى، و کنیته کنیتى، و شمائله شمائلى، و سنته سنتى، یقیم الناس على ملّتى و شریعتى، و یدعوهم الى کتاب الله ـ عزّوجلّ ـ. من أطاعه أطاعنى، و من عصاه عصانى، و من أنکره فى غیبته فقد أنکرنى، و من کذّبه فقد کذّبنى، و من صدّقه فقد صدّقنى».
* المهدى(عج) هو الإمام الثانى عشر*
قد ورد متواتراً عن النبى (ص):«انّ الأئمه اثنا عشر على عدد نقباء بنى اسرائیل کلهم من قریش».
فقد أخرج الترمذى فى جامعه (ج ۴، ص ۵۰۱) و ابوداود فى سننه (ج ۴ ، ص ۱۰۶) عن جابر بن سمره، قال: قال رسول الله (ص):«لا یزال هذا الدین قائماً ـ او عزیزاً ـ حتى یکون علیکم اثنا عشر خلیفه، کلهم من قریش»
وفى صحیح البخارى ـ کتاب الاحکام ـ (ج ۹، ص ۱۰۱)، باسناده الى جابر بن سَمُرَه قال: سمعت النبى (ص) یقول: «یکون اثنا عشر امیراً… فقال کلمه لم أسمعها، فقال أبى: انه قال، کلهم من قریش».
وفى صحیح مسلم ـ کتاب الاماره ـ (ج ۶، ص ۳) باسناده الى جابر بن سمره، قال: دخلت مع ابى على النبى (ص) فسمعته یقول: «إنّ هذا الأمر لا ینقضى حتى یمضى فیهم اثنا عشر خلیفه. ثم تکلم بکلام خَفِى عَلىَّ، فقلت لابى، ما قال؟ قال: قال: کلهم من قریش».
وهکذا رواه احمد فى سنده (ج ۵، ص ۹۰ و ۹۲) و (ص ۸۹)، و (ص ۹۴) و (ص ۹۹ و ۱۰۸) و الترمذى فى صحیحه (ج ۲، ص ۳۵) و فى الصواعق المحرقه لابن حجر، (ص ۱۱۳).
وفى المستدرک على الصحیحین (ج ۴، ص ۵۰۱) باسناده الى مسروق بن الأجدع قال: کنا جلوساً لیله عند عبدالله بن مسعود یقرئنا القرآن، فسأله رجل، فقال: یا اباعبد الرحمن، هل سألتم رسول الله (ص) کم یملک هذه الأمّه من خلیفه؟
فقال عبدالله: ما سألنى عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلک. قال: سألناه فقال (ص): اثناعشر، عدّه نقباء بنى اسرائیل.
ورواه احمد فى المسند (ج ۱، ص ۳۸۹ و ۴۰۶) و مثله المتقى الهندى فى کنز العمال (ج ۳، ص ۲۰۵).
 
* * *
ثم، من هؤلاء الأئمه الاثنا عشر، الذین هم خلفاء الرسول مَن بعده؟
وللاجابه على هذا السؤال، نجد حدیثاً رواه ابو نعیم فى حلیته، یوضّح انهم من عترته: روى باسناده الى ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): «من سرّه ان یحیى حیاتى، و یموت مماتى، و یسکن جنّه عدن غرسها ربى، فلیوال علیّاً من بعدى ولیوال ولیّه، و لیقتد بالأئمّه من بعدى، فإنّهم عترتى، خلقوا من طینتى،
رزقوا فهماً و علماً، و ویل للمکذّبین بفضلهم من أمّتى، القاطعین فیهم صلتى، لا أنا لهم الله شفاعتى» قال ابونعیم ـ تعقیباً على ذلک ـ : «فالمحققون بموالاه العتره الطیّبه، هم الذبل الشفاه، المفترشو الجباه، الأذلاّء فى نفوسهم الفُناه، المفارقون لمؤثرى الدنیا من الطغاه، هم الذین خلعوا الراحات، و زهدوا فى لذید الشهوات، انواع الأطعمه و الوان الأشربه، فدرجوا على منهاج المرسلین و الأولیاء من الصّدیقین، و رفضوا الزائل الفانى، ورغبوا فى الزائد الباقى، فى جوار المنعم المفضال، و مولى الأیادى و النوال».
وروى باسناده الى مجاهد قال: «شیعه علىّ الحُلَماء العُلَماء الذبل الشفاه الأخیار الذین یعرفون بالرهبانیه من اثر العباده».
وعن على بن الحسین (ع) قال: «شیعتنا الزبل الشفاه، و الإمام منا من دعا الى طاعه الله».
 
* * *
واذا کانت الأئمه من بعده (ص) من عترته، فهم الأئمه من ولد فاطمه الذین اعترفت الأمه بامامتهم، و علمهم و فضلهم.
اولهم بعد الامام امیرالمؤمنین (ع) الامام الحسن ثم الامام الحسین، ثم على بن الحسین، ثم محمد بن على الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الکاظم، ثم على بن موسى الرضا، ثم محمد بن على الجواد، ثم على بن محمد الهادى ثم الحسن بن على العسکرى. و آخرهم. و هو الامام المنتظر، هو المهدى القائم (عج). و التعبیر بالعتره، تغلیب، حیث احد عشر منهم من ذریه رسول الله (ص) و کلهم من ولد على (ع) فکان هو اولهم و آخرهم المهدى المنتظر (عج).
 
* * *
ولا سبیل الى معرفه الأئمه الاثنى عشر، الذین نوّه عنهم الرسول الاعظم، سوى الأئمه الذین انتسبت الیهم الأمامیه الإثنا عشریه.
فلا تزال هذه العقیده (الاعتقاد بالائمه الاثنى عشر) هى العقیده الثابته، المعتمده على نصّ الرسول الکریم (ص).
ولولا أنّ المهدى هو الامام الثانى عشر، لم یکن للأحادیث المأثوره بهذا الشأن مفهوم معقول.
فالعقیده التى رسمتها الشیعه الاثنا عشریه ـ نظراً لوجود المهدى(عج) و بقائه طول الغیبه ـ هى العقیده المنطبقه على صحیح الروایات المأثوره عن الرسول الاکرم (ص).
 
* * *
وهکذا ذکر الامام محیى الدین ابن العربى نسب الامام المهدى(عج) و انه ابن الامام الحسن العسکرى و ذکر آباءه الى على و فاطمه واحداً بعد واحد.
قال الشیخ العارف عبدالوهاب الشعرانى: «انّ المهدى(عج) من اولاد الامام الحسن العسکرى (ع)، و مولده لیله النصف من شعبان سنه خمس و خمسین و مأتین ـ و هو باق الى ان یجتمع بعیسى بن مریم (ع)فیکون عمره الى وقتنا هذا ـ (و هو سنه ۹۵۸)، ۷۰۶ سنین».
قال: هکذا اخبرنى الشیخ حسن العراقى المدفون فوق کدم الریش المطلّ على بِرکه الرطل بمصر المحروسه على الامام المهدى(عج)، حین اجتمع به. و وافقه على ذلک شیخنا سیدى على الخواص ـ رحمهما الله تعالى.
قال: و عباره الشیخ محیى الدین: «و اعلموا انه لابدّ من خروج المهدى(ع) لکن لایخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً و ظلماً، فیملؤها قسطاً و عدلاً، و لو لم یکن من الدنیا الا یوم واحد لطوّل الله تعالى ذلک الیوم حتى یلى ذلک لخلیفه، و هو من عتره رسول الله (ص) من ولد فاطمه، جدّه الحسین بن على بن ابى طالب، و والده الحسن العسکرى ابن الامام على النقى ابن الامام محمد التقى ابن الامام على الرضا ابن الامام موسى الکاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زین العابدین على ابن الامام الحسین ابن الامام على بن ابى طالب (ع).
یواطئ اسمه اسم رسول الله (ص) یبایعه المسلمون بین الرکن و المقام یشبه رسول الله (ص) فى الخَلْق و ینزل عنه فى الخُلق. ثم یذکر او صافه و عدله بین الناس»
هذا. و لکن ید الخیانه حرفت من نصّ الفتوحات هنا فشوهت الکلام أردأ تشویه. راجع.
 
* * *
والمتلخص من هذه الاحادیث: أن الأئمه الذین یحکمون الأمه بإمامتهم العادله، سواء أکانوا ظاهرین ام مستورین، اثنا عشر إماماً من ولد على و فاطمه، هم عتره رسول الله (ص).
واذ قد عرفنا احد عشر منهم، باعیانهم و اشخاصهم کانوا بین اظهر المسلمین، ساده علماء یأتم بهم المسلمون عبر حیاتهم المجیده. و قد تواصلت حیاتهم لمده قرنین و نصفاً.
اذن بقى علینا ان نعرف الامام الثانى عشر، الذى هو آخر الائمه الاثنى عشر.
ولیس سوى المهدى المنتظر(عج)، و لابدّ أن تستمر إمامته منذ فارق الإمام الحادى عشر الحیاه، و هو سنه (۲۶۰ هـ) الى ما بقى من الزمان.
«اذ لا تخلو الأرض من حجّه».
وقد صرّح النبى الکریم، بان الائمه اثنا عشر، فلابد من طول امامه الامام الثانى عشر. و قد قال (ص): «بنا فتح الله دینه و بنایختم».
اخرج ابونعیم و غیره من الحفاظ باسنادهم الى الامام امیرالمؤمنین (ع) قال: قلت یا رسول الله (ص)، أمنّا المهدىّ أم من غیرنا؟
فقال (ص): «بل منّا، یختم الله به الدین، کما فتحه بنا»
وقد ولد (عج): عام ۲۵۵، و هو حى لایزال فى ستار الغیب.
فقد تحصّل من مقدمات ثلاث: الاولى: أنّ الأئمه من عتره النبى (ص) اثنا عشر اماماً.
الثانیه: أنّ امامتهم متواصله، حسب ظاهر التعبیر.
الثالثه: أنّ البدء بالنبى (ص) و الختم بالمهدى(عج) .
تحصّل من هذه المقدمات الثلاث، انه لابدّ من وجود الامام الثانى عشر حین وفاه الامام الحادى عشر، و لابدّ من بقائه و استمرار وجوده عبر الزمان، لئلا تبقى الأرض بلاحجه.
إذن فوجوده(عج) فى هذا الزمان، و بقاؤه مع طول العهد مما دلّت علیه الاثار النبویّه، و اقتضته ضروره الدین.
ولاده المهدى(عج) و مبدأ إمامته
ولد المهدى الحجه من الحسن العسکرى بسامراء ـ العراق ـ لیله الجمعه، الخامس عشر من شهر شعبان المعظم سنه ماتین و خمسه و خمسین من الهجره. و هو حىّ لا یزال. فکان عمره الشریف لحد الآن (وهو سنه ۱۴۲۱ هـ .ق) قد بلغ الفاً و مائه و اثنین و تسعین عاماً.
أما إمامته فکانت بعد وفاه ابیه عام ۲۶۰ هـ حیث بلغ عمره الشریف خمس سنین.
 
* * *
وللامام محیى الدین ابن العربى، بشأن ولاده المهدى(عج)، کلام غریب: قال: «و للولایه المحمدیّه المخصوصه بهذا الشرع المنزل على محمد (ص) ختم خاص… و قد ولد فى زماننا و رأیته ایضاً و اجتمعت به، و رایت العلامه الختمیّه التى فیه، فلا ولىّ بعده الاّ و هو راجع الیه، کما لا نبىّ بعد محمد (ص) الا و هو راجع الیه».
قال: «و أما ختم الولایه المحمدیّه فهى لرجل من العرب من أکرمها أصلاً و یداً، و هو فى زماننا الیوم موجود عرّفت به سنه خمس و تسعین و خمسمأه. و رأیت العلامه التى له، قد اخفاها الحقّ فیه عن عیون عباده و کشفها لى بمدینه «فاس» حتى رأیت خاتم الولایه منه، و هو خاتم النبوّه المطلقه لا یسلمها کثیر من الناس».
*ابن العربى یرى عصمه المهدى(عج)*
یقول : المهدى حجه الله على اهل زمانه، و هى درجه الأنبیاء، التى تقع بها المشارکه، قال تعالى: (قل هذه سبیلى ادعوا الى الله على بصیره انا و من اتبعنى)(۳) اخبر بذلک عن نبیّه (ص).
فالمهدى ممّن اتبعه، و هو (ص) لا یُخطئ فى دعائه، فمتّبعه لا یُخطئ، فانه یقفو اثره، کما قال (ص): یقفو اثرى لا یُخطئ. و هذه هى العصمه فى الدعاء الى الله.
قال: المهدى رحمه، کما کان رسول الله (ص) رحمه. قال تعالى: (و ما ارسلناک الا رحمه للعالمین). ـ
قال: و انه (ص) ما نصّ على امام من أئمه الدین یکون بعده و یقفو اثره لا یخطئ، إلاّ المهدى خاصّه، فقد شهد بعصمته فى احکامه، کما شهد الدلیل العقلى بعصمه رسول الله (ص) فیما یبلّغه عن ربّه.
 
* * *
وروى الصدوق فى اکمال الدین باسناده الى جابر عن الامام ابى جعفر الباقر (ع) قال: «إنّ العلم بکتاب الله ـ عزوجل ـ و سنه نبیّه (ص) ینبت فى قلب مهدیّنا کما ینبت الزرع عن احسن نباته، فمن بقى منکم حتى یلقاه فلیقل حین یراه: السلام علیکم یا اهل بیت الرحمه و النبوّه و معدن العلم و موضع الرساله».
 
* * *
هنا سؤالان، اعترض بهما المخالفون
السؤال الاول: کیف یستطیع الانسان أن یُعمَّر فى هذا الطول من العمر؟
السؤال الثانى: کیف تصّح الامامه الصّبى و هو طفل لم یبلغ اشدّه؟
أما طول العمر: فهو امر ممکن الوقوع، حسبما جاء فى القرآن الکریم بشأن نوح (ع) و فى الناس من المعمَّرین کثیر.
قال تعالى: (فلبث فیهم الف سنه الا خمسین عاماً فاخذهم الطوفان و هم ظالمون) وقد عاش بعد ذلک سنین طویله.
وکان بامکان الإنسان اذا کان عاشاً بعیداً عن ضوضاء البلاد، مجتنباً غوغاءها، ان یعمّر مآت من السنین قویّاً سلیماً عن الأمراض و الأدواء الموجبه لقصر العمر. فان النوع الانسانى اذا لم یحمل هموماً و لم تعتوره الأمراض المختلفه و لم تنهک قواه الأطعمه التى لا یقدر على هضمها، فکان من المعقول ان یعیش طویلاً.
وعند العلماء بالطب و الأحوال الإحتماعیه أنّ الإنسان قواه محدوده، و الحیاه العریضه نستنفدها بسرعه، بخلاف الحیاه الساذجه و لا سیما البدائیه البسیطه، فانها تکون طویله، لقله ما یستنفد من قوى الأجسام بتلک الحیاه.
یقول الأطباء: سبب تعجیل الموت فى الانسان العائش وسط الاجتماعات المتحضّره، هو عروض امراض طارئه مفاجئه، و لا سیّما الباطنه، و لا یحسّ بها الانسان الابعد فتره طویله، اوجبت رسوخ المرض و رسوب جذوره بما لم یدع مجالاً للعلاج.
ومن ثم فلو عاش انسان فى مراقبه تامه عن احواله و المواظبه على طوارئ الجسد و لا سیّما الداخلیه ـ الامر الذى عجزت عنه الوقایه العامه ـ لامکنه ان یعیش مآت من السنین.
وان ظاهره الإحراق و التعویض، فى خلایا جسد الانسان، لتومنّ علیه امکان تداوم حیاته قویاً منیعاً احقاباً من الزمان، لولا عروض طوارئ و هجوم الأمراض التى یجلب الانسان على نفسه على اثر سوء تصرّفه فى الحیاه.
أمّا النابهون، المنعمون بعنایه الله، و الذین حرستهم رعایته الکریمه، فبامکانهم التعیش الى آماد طویله.
* * *
وهذا یونس النبى (ع) جاء بشأنه: (فالتقمُه الحوت و هو مُلیم. فلولا انه کان من المُسبّحین. للَبِثَ فى بطنه الى یوم یبعثون. فنبذناه بالعراء و هو سقیم. و انبتنا علیه شجره من یَقطین. وارسلناه الى مائه الف او یزویدن. فآمنوا فمتعناهم الى حین)
* * *
وهکذا ورد بشأن عیسى المسیح (ع): (وقولهم انا قتلنا المسیح عیسى بن مریم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه ولکن شُبّه لهم و انّ الذین اختلفوا فیه لفى شک منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن و ما قتلوه یقیناً. بل رفعه الله الیه و کان الله عزیزاً حکیماً. وان من اهل الکتاب الا لیؤمننّ به قبل موته و یوم القیامه یکون علیهم شهیداً)
قوله: (لیؤمنَنَّ به قبل موته). یدل على انه لم یمت موته الطبیعى. و انما یموت بعد نزوله من السماء عند ظهور المهدى الموعود (عج).
وعن النبى (ص): «ان عیسى بن مریم لم یمت و انه راجع الیکم قبل یوم القیامه».
قال الطبرسى: و قد صحّ عن النبى (ص) انه قال: «کیف انتم اذا نزل ابن مریم فیکم و امامکم منکم ـ یعنى المهدى(عج) ـ»
قال، رواه النجارى و مسلم فى الصحیح.
* * *
وأمّا الإمامه قبل بلوغ الأشدّ. فلا غرو بعد وقوع مثله فى انبیاء عظام: متمثلا بقوله الشاعر ـ متّبعاً غوایته ـ : ما آن للسرداب ان یلد الذى کلمتموه بجهلکم ما آنا فعلى عقولکم العفاءُ فإنّکم ثلثتم الضقاء و الغیلانا
(الصواعق المحرقه لابن حجر، ص ۱۰۰)
قال تعالى بشأن یحیى (ع): (یا یحیى خذ الکتاب بقوّه و آتیناه الحکم صبیّاً) وقال بشأن عیسى بن مریم (ع): (فاشارت الیه قالوا کیف نکلم من کان فى المهد صبیّاً. قال انى عبدالله آتانى الکتاب و جعلنى نبیّاً. و جعلنى مبارکاً اینما کنت و اوصانى بالصلاه و الزکاه ما دمت حیّاً)
(ختامُه مسک و فى ذلک فلیتنافس المتنافسون)
هنا نکته دقیقه لابدّ من التنبّه لها: هى ضروره وجود الحجه فى الأرض لیکون إماماً للناس و اسوه فى کافّه شؤونهم. «من مات و لم یعرف امام زمانه مات میته جاهلیّه».
او«من مات و لا إمام له مات میته جاهلیّه». او «من مات و لیس علیه طاعه امام فمیتته میته جاهلیه». و امثالها من تعابیر، صحت عن رسول الله (ص).
فیجب على مسلم صالح أن یعتقد بطاعه امام زمانه اماماً معصوماً من الخطأ والخطل، کما کان رسول الله معصوماً. لانه اسوه، و لا ینبغى للأسوه أن یخطأ او یزلّ.
وهذا ما ذهب الیه الإمامیه فى معتقدهم بضروره وجود الامام المنتظر(عج).
ونکته أدقّ: هى ضروره وجود واسطه الفیض، و إلاّ لساخت الارض بأهلها. انهم (ع) ابواب رحمته تعالى و منابع برکاته الى الخلایق.
(یا ایها الذین آمنوا اتقوا الله و ابتغوا الیه الوسیله)
(اولئک الذین یدعون یبتغون الى ربّهم الوسیله)
روى الصدوق باسناده الى سلیمان بن جعفر قال: سألت الرضا (ع) فقلت: تخلو الارض من حجه؟ فقال:«لو خلت الارض طرفه عین من حجه لساخت بأهلها».
وعن الامام ابى جعفر الباقر(ع):«لو بقیت الأرض یوماً بلا إمام منّا لساخت باهلها، و لعذبهم الله بأشد عذابه. ان الله تبارک و تعالى جعلنا حجه فى أرضه، و أماناً فى الأرض لاهلها، لن یزالوا فى أمان من ان تسیخ بهم الارض مادمنا بین أظهرهم».
اذن فکما أنهم (ع) وسائط رحمته تعالى فى إفاضه شریعه الحق، کذلک هم وسائط برکات السماء و الأرض.
وهذا باب عریض لا یدخله الا ذو حظّ عظیم.
هذا، و الحمدلله رب العالمین و صلى الله على سیدنا محمد و على آله الطیّبین.
 
____________________
ـ القرآن الکریم.
ـ نهج البلاغه.
ـ بحارالانوار للمجلسى.
ـ تفسیر العیاشى.
ـ حلیه الاولیاء لابى نعیم الاصبهانى.
ـ ذخائر العقبى للفیروز آبادى.
ـ سنن البیهقى.
ـ شرح نهج البلاغه لابن أبى الحدید.
ـ صحیح البخارى.
ـ صحیح مسلم.
ـ الصواعق المحرّقه لابن حجر.
ـ عقد الدرر فى أخبار المنتظر، المقدس الشافعى.
ـ علل الشرایع.
ـ عیون الاخبار.
ـ الغدیر للامینى.
ـ الفتوحات المکیّه لابن العربى.
ـ فضائل الخمسه.
ـ قصص الانبیاء، عبدالوهاب النجار.

Leave A Reply

Your email address will not be published.