استغفار الائمه والعصمه

0

نجد کثیراً ما یستغفر الأئمّه ربّهم ویطلبون منه العفو، فکیف ینسجم ذلک مع القول بعصمتهم (علیهم السلام) ؟وبعباره أُخرى مع أنّنا نذهب إلى عصمه الأئمّه (علیهم السلام) وانّهم منزّهون من الذنب والعصیان والخطأ والخلاف فی نفس الوقت نجد فی بعض الأدعیه الصادره ع
والجواب: لقد لفت هذا الإشکال انتباه المفکّرین والمسلمین منذ القدیم، وأجابوا عنه بإجابات متعدّده، ولعلّ حقیقه هذه الإجابات تعود إلى أمر واحد وهو: أنّ الذنب والمعصیه أُمور نسبیه لا أنّها من قبیل الذنوب المطلقه.
وتوضیح ذلک: فی الأُمور الاجتماعیه والأخلاقیه والعلمیه والتربویه والدینیه لا یمکن أن یکون المرتقب والمرجو من جمیع الناس باختلاف أنواعهم وطبقاتهم أمراً واحداً.
ونحن نکتفی من بین المئات من الأمثله لبیان تلک الحقیقه بذکر مثال واحد وهو:
لو فرضنا انّ مجموعه من الناس سعت إلى القیام بعمل فیه خدمه اجتماعیه کأن أرادوا بناء مستشفى لمعالجه الفقراء والمعوزین،فلو تبرع لمساعده هذا المشروع أحد العمال ـ الذین هم الطبقات المتدنّیه من ناحیه الدخل الیومی ـ بمقدار قلیل من المال فلا ریب أنّ هذا العمل یکون جدیراً بالاحترام والثناء والتقدیر والاعتزاز.
ولکن لو فرضنا أنّ الذی تبرع بهذا المقدار القلیل أحد الأغنیاء المترفین،فلا ریب حینئذ أنّ عمله هذا لیس فقط لا یستحقّ التقدیر والثناء والاحترام، بل یعتبر فی نظر العرف وصمه عار وسبباً لنفره الناس وعدم رضاهم من ذلک العمل.
یعنی أنّ نفس هذا العمل الذی اعتبر ـ بالنسبه إلى العامل ـ عملاً مستحسناً وجدیراً بالتقدیر یعتبر فی نفس الوقت ـ بالنسبه إلى الغنی ـ عملاً قبیحاً یستحق اللوم والتحقیر من قبل العرف، وإن کان هذا الشخص الغنی لم یرتکب من الناحیه القانونیه أی ذنب أو عمل محرم.
والدلیل على هذین الموقفین هو ما قلناه فی أوّل الصفحه من أنّ المتوقّع والمرجو من الناس فی العلاقات الاجتماعیه لم یکن بنسبه واحده، أی أنّ المتوقّع من کلّ إنسان یرتبط بإمکاناته وقدراته العقلیه والعلمیه والإیمانیه وباقی قدراته واستعداداته، إذ من الممکن أن یکون عمل ما بالنسبه إلى شخص یعدّ عین الأدب والخدمه والمحبه والعباده، ولکن نفس ذلک العمل یعدّ بالنسبه إلى إنسان آخر خلافاً للأدب، ومصداقاً للخیانه ومخالفه للموده والحب وتقصیراً فی العبودیه والطاعه.
إذا عرفنا هذه الحقیقه لابدّ من البحث عن مکانه ومنزله النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) وأهل بیته (علیهم السلام) وأن ننظر إلى أعمالهم مقارنه بالنسبه إلى المقام السامی والإمکانات والاستعدادات العالیه التی یتحلّون بها.
إنّهم (علیهم السلام) یرتبطون ارتباطاً مباشراً بخالق العالم وموجده، وانّه یفیض علیهم العلم الإلهی وتشع على قلوبهم أنوار المعرفه بدرجه عالیه جداً بحیث إنّهم یعلمون حقائق الکثیر من الأشیاء ممّا یخفى على غیرهم من الناس، وکذلک القول فی إیمانهم وتقواهم وورعهم فإنّهم (علیهم السلام) بدرجه من الإیمان لا یمکن أن نتصوّرها فی غیرهم، أی انّهم فی المرتبه القصوى من الإیمان والتقوى.
والخلاصه: انّ هؤلاء الأئمّه (علیهم السلام) یتمتّعون بدرجه من القرب الإلهی و الاتّصال به سبحانه بحیث تُعد اللحظه الیسیره من الغفله عنه سبحانه بالنسبه إلیهم نوعاً من الزلل والانحراف عنه سبحانه، فعلى هذا الأساس لا عجب إذا کانت بعض الأعمال مباحه لغیرهم أو مکروهه ، ولکنّها بالنسبه إلیهم تُعدّ ذنباً لا ینبغی ارتکابه.
وعلى هذا تکون الذنوب ـ التی نسبت إلى أئمّه الدین (علیهم السلام) فی بعض الآیات، أو أنّهم ذکروها فی أدعیتهم ومناجاتهم التی طلبوا من اللّه سبحانه فیها أن یمنّ علیهم بالمغفره والتوبه ـ من هذا القبیل، بمعنى أنّ مقامهم المعنوی والعلمی والإیمانی بدرجه من السمو والرفعه بحیث تعدّ الغفله منهم ـ ولو کانت جزئیه وفی بعض الأُمور الاعتیادیه والطبیعیه ـ ذنباً، وهذا ما عبّرت عنه الجمله المعروفه «حسنات الأبرار سیّئات المقربین».
إنّ فیلسوف الشیعه الکبیر الخواجه نصیر الدین الطوسی قد أوضح فی أحد کتبه الإجابه السابقه بالطریقه التالیه:
«کلّما اقترف الإنسان عملاً محرماً أو ترک أمراً واجباً فانّه یُعدّ عاصیاً ولابدّ له من التوبه والاستغفار، وبالطبع هذا بالنسبه إلى الناس العادیّین، ولکن لو ترک أمراً مستحباً أو ارتکب فعلاً مکروهاً فهذا أیضاً یُعدّ مذنباً لابدّ له من التوبه والاستغفار، ولکن هذا النوع من الذنب والتوبه یتعلّق بالأفراد الذین یکونون معصومین من الذنب من النوع الأوّل. ولهذا فإنّ الذنب الذی نسب فی القرآن الکریم إلى بعض الأنبیاء السابقین مثل: آدم، موسى، یونس و… هو من الذنب من القسم الثانی لا الأوّل.
وکذلک کلّما التفت الإنسان إلى غیر اللّه سبحانه واشتغل بالأُمور الدنیویه وغفل عنه سبحانه، فإنّ عمله هذا یُعدّ لدى أهل الحقیقه نوعاً من الذنب لابدّ لصاحبه من التوبه وطلب المغفره منه تعالى.
وبهذا یتّضح أنّ ما یرد عن الرسول الأکرم وأئمّه الهدى من الأدعیه التی یطلبون منها المغفره ویعلنون فیها التوبه من الذنب، یُعدّ من الذنب من النوع الثالث لا النوعین الأوّل و الثانی».( [1])
ولا بأس بإتمام الجواب من الإشاره إلى کلام العالم الشیعی الکبیر المرحوم «علی بن عیسى الأربلی» فی المجلد الثالث من کتابه القیم «کشف الغمه فی معرفه الأئمّه» عند الحدیث عن حیاه الإمام موسى بن جعفرعلیمها السَّلام حیث قال:
فائده سنیه: کنت أرى الدعاء الذی کان یقوله (علیه السلام) فی سجده الشکر وهو «ربّ عصیتک بلسانی…».
فکنت أفکر فی معناه وأقول کیف یتنزل على ما تعتقده الشیعه من القول بالعصمه؟! وما اتّضح لی ما یدفع التردد الذی یوجبه فاجتمعت بالسید السعید النقیب رضی الدین أبی الحسن علی بن موسى بن طاووس العلوی رحمه اللّه، فذکرت له ذلک، فقال: إنّ الوزیر السعید مؤید الدین العلقمی ـ رحمه اللّه تعالى ـ سألنی عنه، فقلت: کان یقول هذا لیعلّم الناس.
ثمّ إنّی فکرت بعد ذلک فقلت هذا کان یقوله فی سجدته فی اللیل ولیس عنده من یعلّمه.
ثمّ إنّه سألنی عنه السعید الوزیر مؤید الدین محمد بن العلقمی رحمه اللّه فأخبرته بالسؤال الأوّل والذی قلت والذی أوردته علیه، وقلت: ما بقی إلاّ أن یکون یقوله على سبیل التواضع وما هذا معناه، فلم تقع منّی هذه الأقوال بموقع ولاحلّت من قلبی فی موضع، ومات السید رضی الدینرحمه اللّه فهدانی اللّه إلى معناه ووفّقنی على فحواه، فکان الوقوف علیه والعلم به وکشف حجابه بعد السنین المتطاوله والأحوال المحرمه والأدوار المکرره من کرامات الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) .
وتقریره: انّ الأنبیاء والأئمّه (علیهم السلام) تکون أوقاتهم مشغوله باللّه تعالى وقلوبهم مملوءه به وخواطرهم متعلّقه بالملأ الأعلى وهم أبداً فی المراقبه، کما قال (علیه السلام) :«اعبد اللّه کأنّک تراه، فإن لم تره فإنّه یراک» فهم أبداً متوجّهون إلیه ومقبلون بکلّهم علیه، فمتى انحطّوا عن تلک الرتبه العالیه والمنزله الرفیعه إلى الاشتغال بالمأکل والمشرب والتفرغ إلى النکاح وغیره من المباحات عدوّه ذنباً واعتقدوه خطیئه واستغفروا منه.
وإلى هذا أشار (علیه السلام) بقوله:«إنّه لیران (لیغان) على قلبی وإنّی لاستغفر بالنهار سبعین مره».
ولفظه السبعین إنّما هی لعدّ الاستغفار لا إلى الرین، وقوله: «حسنات الأبرار سیّئات المقرّبین» و نظیره إیضاحاً من لفظه لیکون أبلغ من التأویل، وعلى هذا فقس البواقی وکلّما یرد علیک من أمثالها( [۲]). ( [۳])
____________________________
[۱] . أوصاف الأشراف:۱۷، باللغه الفارسیه.
[۲] . کشف الغمه:۳/۴۶ـ ۴۸٫
[۳] . منشور جاوید:۷/۲۸۷ـ ۲۹۱٫

Leave A Reply

Your email address will not be published.