أسانید علامات الظهور

0

ربّما یتخیّل البعض أنّ الروایات التی تتعلّق بالتاریخ ـ سواء کانت تتحدّث عمّا مضى من الحوادث أو تحکی عمّا فی المستقبل القریب والبعید ـ لا ینبغی الاهتمام بسندها ما لم تتضمّن حکماً شرعیاً ، ویکتفی بورودها فی الکتب المعتبره وعلى ألسنه مَن سبق وفحص ومحّص الأخبار والأحادیث ، فمثلاً یُکتفى بوجود الروایه فی الکافی ونحوه من المصادر المعتبره لدى أهل التحقیق والتمحیص ، إلا أن هذا المبدأ لا نرتضیه ، لأن الروایه مهما کان مضمونها فهی تشتمل على نسبه فعلٍ إلى شخصٍ ما أو وصفه بوصفٍ ما ونحوها من الأمور التی لا یصحّ نسبتها إلى أحد ما لم یکن هناک مسوّغ ومبرّر ، وینحصر هذا المسوّغ فی وثاقه الخبر أو وثاقه الراوی .
نعم ربّما یکون کثره الروایات فی شأن قضیهٍ معینه توجب الاطمئنان بحصولها فی ظرفها وإن لم یمکن التأکّد بالخصوصیّات المرتبطه بها والمحیطه لها ، وذلک شیء آخر بعید عن المبدأ الذی نتحدّث عنه . وینبغی أن یُعلم أنه ربّما یجد الباحث فی کلمات بعض المحقّقین ما مغزاه عدم ضروره التمحیص والبحث عن سند القضایا التاریخیه ، ولکن ذلک لیس منه التزاماً بمضمون تلک الروایات ، بل یعنی ـ فی معظم الأحیان ـ ما أشرنا إلیه ؛ أو أنه یعلم قصور الأیدی فی العصور المتأخّره عن التأکّد من صحّه الأخبار التاریخیه لانعدام العلم بالوسائط التی وصلت الأخبار إلینا عن طریقها .
وهناک مبدأ آخر قد یظهر المیل من البعض إلیه ، وهو أن الأخبار التاریخیه ـ ومنها روایات علامات الظهور ـ تندرج فی قاعده التسامح فی أدلّه السُّنن ، وهو خبط وخلط ، لأن قاعده التسامح ـ مع الشکّ فی ثبوتها ، بل نفیناها فی محله ـ مغزاها هو الالتزام بروایات <مَن بلغ> التی مفادها أنّه مَن بلغه عن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم ) ثوابٌ على عملٍ وعَمِلَ به رجاء ذلک الثواب الموعود فالله سبحانه یمنحه الثواب کرامهً للنبی ورفقاً بالعبد ومراعاه لعزمه على الطاعه ورغبته فی الثواب الإلهی ، وعمّم بعضُهم مفاد هذه الروایات لتشمل المکروهات أیضاً ، لکن هذا المعنى ـ کما ترى ـ بعید عن الروایات التاریخیه ، فإنّ تصدیق الروایات والجزم بتلک القصص المرویّه غیر داخل فی مضمون تلک الروایات ، بل التصدیق بقضیّهٍ ما من القضایا التاریخیه الماضیه أو المستقبلیه یعنی التصدیق بما لم یثبت ، وربّما تصل الحال بالمصدّق إلى الافتراء على أحد من المسلمین أو الطعن والنیل من بعضهم ، وأین هذا من ذلک ؟
والذی نتمکّن أن نقوله فی هذه العُجاله أنّ الأخبار المشتمله على العلامات صنفان :
ما یمکن إحراز مقوّمات الاعتبار والحجّیه فیه ، خصوصاً ممّن یرى کفایه وثاقه الراوی أو وثاقه الخبر بنحو العموم ویکتفی بکلّ واحد منها ، فالناظر النقّاد البصیر قد یتمکّن من إحراز وثوق الخبر من القرائن المحیطه به أو التی اشتمل الخبر علیها أو القرائن البعیده الموجوده فی بعض الروایات المعتبره ، ومغزى هذا الاتجاه الالتزام بصنف واحد من هذین الصنفَین ، والذی یتمّ من الأخبار على هذا المقیاس ، ویخرج سلیماً من الخدشه بقسطاس مستقیم قلیل جداً .
ولنا اتّجاه آخر قد ننتهجه ونرجّحه ، وهو یتمثّل فی النظر إلى مجموع روایات العلامات على أنّها بجملتها تتحدّث (ولا سیّما التی تتحدّث عن العلائم الحتمیّه مثل الخسوف فی البیداء ، والصیحه بین السماء والأرض ، وبزوغ الشمس من المغرب ، وکسوف الشمس فی وسط الشهر ، وخسوف القمر فی أوّله ، على خلاف الموازین الهندسیه والجغرافیا الفلکیه) أنّها بجملتها تتحدّث عن حدوث أمور غیر طبیعیه وعلى خلاف ما یقتضیه النظام الکونی القائم المعتاد الذی استأنست النفوس للتعایش معه منذ قرون جیلاً بعد جیل ، ومعلوم أنّه کما یصعب ـ حسب الموازین العلمیه المقرّره فی محلّها ـ الجزم بصحّه کلّ واحد من هذه الأخبار ، کذلک نجزم بصدق بعضها ونقطع بعدم کذب جمیعها لکثرتها وتشعّب خصوصیاتها واتّساع دائره رواتها ومَن رُویت عنه ، فاحتمال التواطؤ على الکذب مرفوض بحکم العاده ، فعلیه هی متواتره إجمالاً ونلتزم بما اتّفقت علیه من المعانی ، وأبرزها حدوث أمور کونیّه غیر معتاده ، وهذه الأحادیث ـ أحادیث علائم الظهور ـ تمثّل إرهاصات لظهور الحقّ على غرار ما حدث حین ولاده الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله وسلم) ، کسقوط شُرف طاق کسرى وخمود نار فارس فجأه وغَور بحیره ساوه وفیضان وادی السماوه وغیرها ، وقد سطرها أهل التحقیق فی مصادرهم . فما روی فی علامات الظهور یجری فی هذا المجرى ، فهی تتحدث عن حدوث کوارث أو آیات مقدّمه لظهور الحجّه (علیه السلام) ، فهی أشبه شیء بجلبه وهزّه نسمعها قبیل وصول الجیش العرمرم بعدّته وعدده ، وکذلک اهتمام علمائنا الأبرار بهذه الروایات بالجمع والمبالغه فی استقصائها فی کتب مستقلّه أو ضمن مؤلّفاتهم الموسّعه ، ومعلوم أن هناک ارتباطاً وثیقاً بین التشریعات الإلهیه التی تنبعث من ملاحظه المصلحه والحکمه فیها أو فی مصبّها وبین تسلسل الحرکه الکونیه والتسابق والتنافس من الحقائق التکوینیه فی الانصیاع للإراده الحقیقیه المنطلقه من عموم فیض المبدأ الاعلى والرحمه الشامله والنور الحقیقی الذی أزاح بُهم الظلمه عن الکائنات کلها ، فاستقت الأودیه وارتوت وفاضت بنور ربّها ، ودارت الممکنات فی فلکها ، کما یکشف ذلک تقیّد التکالیف الإلزامیه والاعتبارات الشرعیه أو متعلّقاتها بالأوضاع الکونیه من حیث الزمان والمکان المحیطه بالمکلّف ، مع الأخذ بعین الاعتبار مراحل تکوّنه وتدرّجه فی مراقی التکامل التکوینی ، ویوجب ذلک الارتباط الاحتزاز والتدافع والتجاذب حسب تنجّز التشریعات والاعتبارات المتشابکه والمتعلّقه بمظهر الرحمه الربانیه ومحور السعاده الکونیه ، فتظهر بوادر الصلاح بزوال العقبات والعوائق الناشئه من طول الانحرافات من المکلّفین وخروجهم الطویل عن الصراط المستقیم المانعه فی سبیل انتشار الصلاح وشموله للعالم کلّه ضمن إنذار وتحذیر لکلّ مُعادٍ ، وإتمام الحجّه على کلّ مناوئ .
وقد ورد فی التوقیعات الشریفه المرویّه عنه (سلام الله علیه) بطریق الخلّص من أصحابه انقطاع السفاره بینه وبین شیعته منذ وقوع الغیبه الکبرى ، فمن ینتحل زوراً وبهتاناً شخصیه معینه کوکیل خاص للإمام (علیه السلام) أو سفیر بینه وبین شیعته وأنه یتلقّى الأوامر والنواهی منه (علیه السلام) مباشره فهو کذّاب أشِر فاسد ومُفسد ویکذب على الإمام المعصوم ، ویجب ردعه بکلّ وسیله ممکنه وفضحه وفضح نوایاه لیأمن المسلمون شرّه ، ولو تمکّن الحاکم الشرعی لوجب تعزیره وتعزیر من یصدّقه . وأمّا انخداع بعض العوام وتصدیق مثل هؤلاء الباهتین فلا یُستغرب ، فإن الناس فی کلّ زمان هم الناس ، وقد روى القرآن الکریم قصّه عباده الیهود لعجل السامری مع وجود هارون بینهم ، ومیل الناس عن أشرف مخلوق بعد رسول الله إلى مَن لایکاد یدرک شأن علی (علیه السلام) ولا ینال غباره ، ولکن الزمان هو الزمان . یقول سید الاوصیاء (متى اعترى بی الریبُ مع الأوائل حتّى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ؟! أنزلنی الدهر ثم أنزلنی حتّى قیل : علی ومعاویه) .
کما أن الارتباط بالإمام المهدی (علیه السلام) ممکن بل مطلوب شرعاً ، إذ هو إمام زماننا ونُحشر یوم القیامه فی قیادته ، لقوله سبحانه (یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ونحن نعیش تحت رعایته ، وسلّمنا الله تعالى ویسلّم سائر المؤمنین ببرکته ودعائه ، بل بیمنه رُزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء . وعن رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) : إنّ أهل بیتی أمان لأهل الأرض ، کما أنّ النجوم أمان لأهل السماء . ولکن ینبغی أن یُعلم أن فقدان الارتباط بالإمام لا ینبغی أن یُعزى إلى انقطاع الفیض منه وانصراف عطفه عنّا ، فإن ذلک یُعاب على الکریم ، بل هو کآبائه الطاهرین مصدر کلّ خیر ومنبع کلّ رحمه ، وإنّما ینشأ للقصور أو التقصیر فینا نحن ، فإنّا نجد أنّ سید الشهداء (سلام الله علیه) صرف بعضَهم عن الخروج معه إلى القتال ودعا آخرین الالتحاق به ، ویُفسّر ذلک باختلاف مراتب الأشخاص وتفاوت الصلاحیات الذاتیه المکتسبه والموهوبه .
ومن هذا المنطق یجب على کلّ مکلّف إعداد نفسه وإصلاحها لیستعدّ لقبول الفیوض الربانیه ، وأن یطهّر عیونه لتکتحل بالنظر إلى الغُرّه الحمیده والطلعه الرشیده . وینبغی أن نعلم أنّ أول الأوائل فی هذا السبیل ترسیخ العقیده بالمبادئ الاسلامیه وضروریات الدین الحنیف ، ثمّ ترویض النفس بالأخلاق الحسنه بالابتعاد عن المعاصی والسعی فی خلع الملکات الرذیله ، والاستعانه بالمرشدین العلماء الأبرار ـ ولو من خلال مؤلّفاتهم ـ وتزیین النفس بالمستحبّات ، واللجوء إلى الله تعالى بکلّ کیانه لیُعینه على نفسه ، ویطلب منه الثقه به تعالى ، ویستجدیه التوکّل علیه ، ویستفیضه العون والهدایه والقوه والتسدید فی السلوک إلیه . وقد ورد فی غیر واحدٍ من الروایات أنّ ولایه أهل البیت لا تُدرک إلاّ بالتقوى والجهاد مع النفس ، وقد ورد أن شیعتهم هم المتّقون ، نرجوه سبحانه أن یُعیننا على أنفسنا ویهب لنا الثقه به ، ویجود علینا ـ بالتوکّل علیه ـ بالمغفره عمّا سلف والعون على ما بقی .

Leave A Reply

Your email address will not be published.