البعد السیاسی للنهضه الامام الحسین علیه السلام

0

هناک من یدرس القضیه الحسینیه مجرّده عن إطارها التاریخی ، فیصدر أحکاماً مسبقه عنها ، والبعض من هؤلاء یتصوّر أن الحسین علیه‌ السلام قام بخروجه على یزید بمغامره غیر محسوبه النتائج ، وأن نهضته عباره عن عمل انتحاری ، ومن هؤلاء محمد الغزالی الذی ندد بنهضه الحسین علیه‌ السلام ووصفها بأنها « مجازفه لا أثر فیها لحسن السیاسه ، وقد کان المتعین على الحسین ـ حسب ما یراه الغزالی ـ أن یبایع لیزید ، ویخضع لقیاده هذا الخلیع الماجن الذی لا یملک أیه کفاءه لقیاده الأمه » (١).
وأحمد الشبلی ، هو الآخر وقع أسر ضیق النَّظره ، فقال : « نجیء إلى الحسین لنقر ـ مع الأسف ـ أن تصرفاته کانت فی بعض نواحی هذه المشکله غیر مقبوله ؛ هو أولاً لم یقبل نصح الناصحین وخاصه عبد الله بن عباس ، واستبد رأیه ، وثانیا نسی أو تجاهل خلق أهل الکوفه وما فعلوه مع أبیه وأخیه ، وهو ثالثا یخرج بنسائه وأطفاله کأنه ذاهب إلى نزهه خلویه أو زیاره قریب ویعرف فی الطریق غدر أهل الکوفه ، ومع هذا یواصل السیر الیهم وینقاد لرأی بنی عقیل ، ویذهب بجماعه من الأطفال والنساء وقلیل من الرجال لیأخذ بثأر مسلم ، یالله قد تکون ولایه العهد لیزید عملاً خاطئا ، ولکن هل هذا هو الطریق لمحاربه الخطأ والعوده إلى الصواب » (2).
وفات هؤلاء الذین لم یخرجوا بوعیهم من قفص النص ، أن هذه النهضه یقودها إمام معصوم ، وهی مدروسه ومخطط لها ولیس على نحو عَرَضی. صحیح أن الواقع الذی واجهه الحسین علیه‌ السلام صعب ومعقد ، ولکن الصحیح أیضا أن قوى التغییر لا تعترف بالأمر الواقع. والحسین علیه‌ السلام کان مصمما على التغییر مهما واجه من مخاطر ، قال منذ البدایه للناس وبدون أی لبس : « أیها الناس ، إنّ رسول الله صلى‌ الله‌ علیه‌ وآله قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلاًّ لحرم الله ناکثا لعهد الله مخالفا لسنه رسول الله صلى‌ الله‌ علیه‌ وآله ، یعمل فی عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم یغیّر علیه بفعل ولا قول ، کان حقا على الله أن یدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعه الشیطان ، وترکوا طاعه الرَّحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفیء ، أحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحق من غیّر .. » (3).
انطلاقا من هذه المعطیات علینا أن ندرک بأن ثوره الحسین علیه‌ السلام کانت أعظم وأقوى فی دوافعها وأسبابها من أن یؤثّر فی اندفاعها غدر الناس ، أو أن یقف فی طریقها خیانه الأعوان وانقلاب الأنصار. لقد صمّم الحسین علیه‌ السلام من البدایه على أن یمضی فی نهضته وإن بقی وحده ؛ لأنه إن کان یوجد فی عهد معاویه مایتطلّب السکوت علیه أو المهادنه معه ، فان عهد یزید لم یکن یوجد فیه شیء من هذا مطلقا. فقد بلغ السیل الزبا ، ولم یبق أمام الحسین علیه‌ السلام مع یزید إلاّ طریق الصراع المسلّح حتى النصر أو الاستشهاد.
ویکشف لنا عن هذا التصمیم قوله علیه‌ السلام لما تقدّم عمر بن سعد فرمى نحو عسکر الحسین علیه‌ السلام بسهم وقال : اشهدوا لی عند الأمیر أنی أوّل من رمى ، وأقبلت السهام من القوم کأنّها المطر ، فقال علیه‌ السلام لأصحابه : « قوموا رحمکم الله إلى الموت الذی لابدّ منه ، فإنّ هذه السهام رسل القوم إلیکم … أما والله لا أُجیبهم إلى شیء مما یریدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضّب بدمی » (4).
ویدلنا على حتمیه الصراع والکفاح ضد حکم یزید فی أی حال کان علیه ، قوله علیه‌ السلام أیضا فی مجلس والی المدینه الذی طلب منه المسالمه مع یزید وإعطائه البیعه والاعتراف له بالخلافه فقال علیه‌ السلام : « یزید رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمه ، معلن بالفسق ، ومثلی لا یبایع مثله » (5).
وهناک من وقع فی أسر ضیق النَّظره أیضا ، وتصور بأن حرکه الحسین علیه‌ السلام کانت حرکه قبلیّه عشائریه تُعبّر عن الصراع المحتدم بین قبیلتین قرشیتین ، کانتا تتصارعان على السلطه والهیمنه قبل الإسلام ، واستمرّ هذا الصراع بینهما إلى ما بعد الإسلام ، ذلک هو الصراع بین بنی هاشم وبنی أمیّه. هذا التفسیر تبنّاه أعداء الحسین علیه‌ السلام ، ولعلهم انطلقوا فی هذا التفسیر من العداء التاریخی المستحکم بین القبیلتین ، ذلک العداء الذی عبّرت عنه جویریه بنت أبی جهل التی کشفت عن الوضع النفسی لبطون قریش ، فعندما صعد بلال على ظهر الکعبه وأذَّن وسمعت الأذان ، قالت بعفویه : قد لعمری رفع لک ذکرک ، أما الصلاه فسنصلّی ، لکن والله لا نحب من قتل « الأحبه أبدا » (6).
لقد عاش البطن الأموی رهینا لسلسله من العقد ؛ لماذا یکون النبی من بنی هاشم ؟ کیف یثأرون من الهاشمیین وبالذات آل محمد وأهل بیته لقتلاهم فی بدر ؟ وقد نبّه النبی صلى‌ الله‌ علیه‌ وآله الأمه إلى حقیقه المشاعر الأمویه ، فقال : « إن أهل بیتی سیلقون من بعد أمتی قتلاً وتشریدا ، وإن أشد قومنا لنا بُغضا بنو أمیه ، وبنو المغیره ، وبنو مخزوم » (7).
ویبدو أن أصحاب هذا التفسیر انطلقوا کذلک من دوافع یزید بن معاویه التی عبّر عنها أکثر من مرّه ، حیث قال (۸) عندما سمع عویل سبایا الحسین علیه‌ السلام :
لیتَ أشیاخی ببدرٍ شهـــدوا * جزع الخَزرج من وقع الأســـل
لأهلّــوا واستهلّـــــوا فرحـــــا * ثمّ قالـــوا یـــا یزیـــد لاتُشَـــل
قد قتلنا القــرم من ساداتهم * وعدلــنـــاه بـبـــدر فــاعــتـــدل
لعبــت هاشـــم بالملک فـــلا * خـبــــرٌ جـــاء ولا وحـــیٌ نـــزل
لست من خندف إن لم أنتقم * من بنی أحمـد مـــا کـــان فعل
کان حاقدا على النبی محمّد صلى‌ الله‌ علیه‌ وآله وعلى أهل بیته خاصه وعلى الهاشمیین عامه بعد أن أدرک طبیعه الصراع الدامی الذی جرى بین رسول الله وآله والهاشمیین من جهه ، وبین أبیه وجده وآل أبی سفیان والبیت الأموی من جهه أخرى ، وبعد أن أدرک أن علیا علیه‌ السلام وحمزه والهاشمیین قتلوا أعمامه وأجداده وأقاربه ، یقول العلاّمه المجلسی : « ووجدت بخطّ بعض الأفاضل نقلاً من خطّ الشهید قدس‌ سره ، قال : لما جیء برؤوس الشهداء والسبایا من آل محمد علیهم‌ السلام أنشد یزید لعنه الله :
لما بدت تلک الرؤوس وأشـرقت * تلک الشموس على ربى جیرون
صاح الغراب فقلت قل أو لا تَقُلْ * فقد قضیت من النبی دیونی » (9)
وتبنّى هذا التفسیر مجموعه من المستشرقین حاولوا أن یفسروا القضیه على أساس الصراع بین قبیلتین ، بل وحاولوا أن یفسروا الصراع الذی احتدم بین رسول الله صلى‌ الله‌ علیه‌ وآله وبین أبی سفیان على أنه امتداد لذلک الصراع القبلی والعشائری.
وأقل ما یمکن أن یقال عن تلک التفسیرات بأنها نتائج هزیله وغیر ناضجه ، فمن یدرس ظاهره أصحاب الحسین علیه‌ السلام ـ على سبیل المثال ـ یلاحظ أن قضیه الحسین علیه‌ السلام لا یمکن أن تکون صراعا بین عشیرتین أو قبیلتین ، لأن أصحاب الحسین سواءً کانوا من حیث الانتماء القبلی أو من حیث الانتماء القومی والشعوبی ، أو من حیث الانتماء لمستوى الثقافه أو مستوى الوضع الاجتماعی ، بل وحتى من حیث الانتماء المذهبی ، یمثلون نماذج وعینات متعدده ومختلفه. حیث نلاحظ أنّ هناک اختلافا عظیما بین هؤلاء ، ولا یمکن أن تجمع کل هؤلاء أو توحّدهم قضیه الصراع القبلی. فإن قضیه الصراع القبلی لا یمکن أن توحّد بین جون العبد الأسود مولى أبی ذر ، وبین حبیب بن مظاهر الأسدی سیّد العشیره العربی ، کما أنّه لا یمکن أن توحّد بین أولئک الذین کانوا بالأمس أعداءً للحسین ، کالحر بن یزید الریاحی وزهیر بن القین وغیرهما ممّن انضمّ إلى الحسین علیه‌السلام أثناء المعرکه عندما سمعوا حدیثه أو استغاثته ، وبین من کان موالیا للحسین منذ الیوم الأول.
ثم ما هو الشیء الذی جعل زهیر بن القین یتحوّل عن عثمانیته ، وعن اعتقاده بخط العثمانیه ، الخط الذی أسّسه معاویه لتبریر موقفه المعارض لعلی علیه‌ السلام ؟ وکان زهیر بن القین إلى حین لقاء الحسین علیه‌ السلام یتبنّى هذا الخط العثمانی. وکذلک موقف الحرّ بن یزید الریاحی الذی کان إلى آخر لحظات المواجهه قائدا عسکریا کبیرا یقود جیش عمر بن سعد ، ثم تحوّل إلى جانب الحسین علیه‌ السلام لیستشهد معه ، لأنّه کان یخیّر نفسه بین الجنه والنار ، فاختار الجنّه فی اللحظه الأخیره.
وهناک تفسیر آخر یسقط أصحابه تحت حوافر الفکر السیاسی بمعناه البرغماتی ( المصلحی ) السائد ، انطلاقا من مقوله : ان السیاسه هی فن الممکن. فیذهب هؤلاء إلى أن هدف الحسین علیه‌ السلام کان هو الوصول إلى السلطه وإقامه الحکم الإلهی ، إلاّ أن هذا الإنسان الذی سعى إلى هذا الهدف لم تؤاته الظروف ولم یتمکّن من تحقیق هذا الهدف ، وکان فشله فی تحقیق هذا الهدف بسبب خذلان أهل الکوفه له ، ونتیجه لخذلان شیعته له وتردّدهم فی اتخاذ الموقف المناسب معه.
ولکن یرد على هذا الرأی أنّ الحسین علیه‌ السلام لم یکن هدفه الوصول إلى السلطه کغایه لیستخدمها من أجل الوصول إلى الرئاسه وتحصیل المکانه المرموقه له ولأسرته. صحیح أنّ الوصول إلى السلطه واستخدامها وسیله لتطبیق مبادىء الإسلام الحقَّه أمر محمود ویقرّه الشرع ، بل ویحثّ علیه ، ولکن الصحیح أیضا أنّ الحسین علیه‌ السلام کان عالما ومدرکا بأنّه لا یتمکّن من الوصول إلى دفّه الحکم بسبب وعیه لطبیعه الظروف السیاسیه والاجتماعیه والنفسیه المحیطه به والضاغطه علیه التی تحول دون ذلک. فهو مع اتّصاله بالغیب ـ کما أسلفنا ـ إنسان واقعی یدرک بأنّ الشروط الواقعیه أو العملیه لم تتهیّأ بعد ، وقد صرّح أکثر من مرّه لکلِّ من نصحه أو استشاره بأنّه مقتول لا محاله. ومع هذه القناعه الراسخه فی نفسه لا یمکن القول بأنّ هدفه السیاسی کان یتثمّل بالسعی لاستلام السلطه. لأنّ معنى ذلک أنّه علیه‌السلام کان یسعى نحو هدف غیر واقعی مع تقدیره للوضع السیاسی ویکون تحرّکه فی مثل هذه الحاله أقرب إلى عملٍ انتحاری.
ومما یعزز هذا الرأی ما ذهب إلیه الشیخ محمد مهدی شمس الدّین من أن الحسین علیه‌ السلام « کان یعلم بأن ثورته انتحاریه لا تقوده إلى نصر سیاسی آنی ، وإنما تنبِّه الأمه إلى الخطر ، وتضعها فی مواجهته ، وتفجِّر فیها طاقه الثوره وروح الرَّفض ، وتحمل الحکم على أن یحافظ على الحد الأدنى من رعایه مبادىء الإسلام فی سیاساته » (10).
إذن فأصحاب هذا التفسیر لم تتسع آفاق تفکیرهم ، فتصوّروا القضیه وکأنها نزاع وصراع على السلطه ، ولکن لا من أجل الهیمنه والسیطره فحسب ، وإنما من أجل إحقاق الحق وإقامه العدل الإلهی ، ولکن الحسین لم تؤاته الظروف رغم أن أهل الکوفه أرسلوا له آلاف الکتب ووعدوه بالنصره والوقوف إلى جانبه ، ولکنهم خذلوه فی اللحظه الأخیره.
وفات هؤلاء ضروره وضع کل فکره وکل نظریه فی إطارها التاریخی الذی صدرت فیه ؛ أی فی الظرف الزمنی. وهؤلاء لم یضعوا فکرتهم هذه لتنسجم مع الجو العام الذی کان یعیشه الحسین علیه‌ السلام ، وعلیه لا یمکن أن نفترض أن الحسین علیه‌ السلام غیر مدرک للحقیقه التی أدرکها هؤلاء المستشارون ، وهؤلاء المخلصون فی نصحهم کابن عباس وأم سلمه وعبدالله بن جعفر وغیرهم الذین أشاروا علیه بعدم الخروج ، وأکدوا له النتائج التی وقعت ، وذکروا له أنه لا یمکن فی مثل هذه الظروف السیاسیه أن یحقق الانتصار ویصل إلى الحکم.
ولم یکن الحسین علیه‌ السلام یستهدف الوصول إلى الحکم ، کان یعرف أنّه لایصل إلى الحکم ، إلاّ أنّه کان یرید أن یحرّک الناس ویهزّ ضمائرهم ویوقظ وجدانهم فیتحرکوا. کان علیه أن یقدم دمه الغالی رخیصا فی سبیل هذا الهدف ، وکان علیه أن یُقتل ویُذبح عطشانا وبهذه الطریقه المأساویه التی شملت الشیوخ والغلمان والنساء والأطفال ، حتى تتحرک هذه الضمائر والقلوب وتهتزّ المشاعر والعواطف.
إذن لم « تکن دوافعه عشائریه أو عاطفیه نابعه من بغضاء الهاشمیین للأمویین ، ولا مصلحیه ( براغماتیه ) نابعه من الصراع على الحکم بما هو تسلُّط دنیوی. فإن التاریخ الثابت لأئمه أهل البیت علیهم‌ السلام ینفی عنهم هذا الزعم ، ویثبت أن حیاتهم کانت سلسله من التضحیات فی سبیل الصالح العام ، وأنهم إنما غُلبوا أمام خصومهم الأمویین فی معارک السیاسه لأنهم کانوا یتبعون فی تعاملهم مع الأمه ومع خصومهم ومع أنصارهم مبادىء ومقاییس أخلاقیه ومبدئیه تنبع من شعورهم بمسؤولیتهم الإسلامیه فی الدرجه الأولى.
ویکفی هنا أن نذکر إضافه إلى التاریخ الثابت أن الإمام زین العابدین علی بن الحسین علیه‌ السلام الذی شهد بنفسه فاجعه کربلاء ، وعاشها ساعه بعد ساعه بکل آلامها وأحزانها ، کان یدعو لأهل الثغور ، وما ذلک الدعاء من الإمام زین العابدین إلاّ وعیا منه لدور جیوش الثغور فی حفظ المجتمع الإسلامی من أعدائه ، وإن کان هذا الجیش یحمی أیضا نظام الأمویین » (11).
إذن فهی ـ أی الثوره ـ لم تکن حرکه قبلیه أو إقلیمیه أو مذهبیه ، ومن هنا فلا یجوز اعتبارها تراثا مذهبیا للشیعه ، لأن صبغتها المذهبیه جاءت نتیجه لعوامل تاریخیه لیس هنا مجال بحثها.
هی ثوره دفعت إلى القیام بها مبادىء الإسلام وأحکامه لغایه تنبیه الأمه على واقعها السیء ، وحملها على تحسینه عن طریق إثبات شخصیتها الإسلامیه فی وجه الحاکم المنحرف ، وذلک بتصحیح نهج الحاکم.
وفی مقابل أولئک الذین وقعوا أسر ضیق النظره والتحیُّز غیر المشروع ، أو الذین لم یسلکوا سبیل الانصاف فنظروا بمنظار الحقد الأسود ، أو الذین نظروا بمنظار سیاسی نفعی ( براغماتی ) ، نجد هناک نظره منصفه تنظر للقضیه من زاویه أخرى ، فقد أدرک البعض الآخر بثاقب بصرهم أن القضیه أبعد من ذلک بکثیر ، نظروا إلیها على أنها کانت من أجل تثبیت الموقف الشرعی والحکم الإسلامی تجاه ظاهره الطغیان الیزیدی ، والحکم الکسروی الجدید الذی کان یجسده هذا الحاکم المستهتر بالقیم والشعائر الإسلامیه ، هذا من ناحیه. ومن ناحیه أخرى المحافظه على وجود الرساله الإسلامیه واستمرارها من خلال تثبیت هذا الموقف وما یمکن أن یحدث عنه من تفاعلات فی الأمه. ومن ناحیه ثالثه إیقاظ ضمیر الأمه وهزّ مشاعرها وأحاسیسها وتحریک وجدانها ، من أجل العمل على مواجهه هذه الظاهره الخطیره ـ ظاهره سیطره الحکام المنحرفین ـ فی حیاتها.
فالدوافع الحقیقیه لثوره الحسین علیه‌ السلام ـ إذن ـ کانت تتمثّل بهدف ثلاثی الأبعاد ؛ یرکّز البعد الأوّل منه على تحدید الموقف الشرعی من أُناس تسلّقوا إلى قمّه الهرم السلطوی الإسلامی بدون أهلیه أو کفاءه ولم یتّصفوا بالشرعیه ، وبعُد آخر مستقبلی یتمثّل بحرکه الإسلام المستقبلیه التی یراد لها أن ترتکز على قواعد الحقّ والعدم ، أمّا البُعد الثالث فیتعّلق بالأمّه ومسارها الحقیقی وأوضاعها المختلفه التی تدهورت بفعل سیطره وسطوه حکام الجور والطغیان.
وفی هذا الصدد یقول الاستاذ خالد محمد خالد : « إن القضیه التی خرج البطل حاملاً لواءها لم تکن قضیه شخصیه تتعلق بحق فی الخلافه .. أو ترجع إلى عداوه شخصیه یضمرها لیزید ، کما أنّها لم تکن قضیه طموح یستحوذ على صاحبه ، ویدفعه إلى المغامره التی یستوی فیها احتمال الربح والخسران. کانت القضیه أجلّ وأسمى وأعظم. کانت قضیه الإسلام ومصیره والمسلمین ومصیرهم ، واذا صمت المسلمون جمیعهم تجاه هذا الباطل الذی أنکره البعض بلسانه ، وأنکره الجمیع بقلوبهم ، فمعنى ذلک أن الإسلام قد کفّ عن إنجاب الرجال. معناه أن المسلمین قد فقدوا أهلیه الانتماء لهذا الدین العظیم. ومعناه أیضا أن مصیر الإسلام والمسلمین معا قد أمسى معلقا بالقوه الباطشه ؛ فمن غلب رکب ، ولم یعد للقرآن ولا للحقیقه سلطان ..تلک هی القضیه فی روع الحسین ، وبهذا المنطق أصر على الخروج » (12).
 
____________________________________________________
۱٫ انظر : حیاه الامام الحسین علیه‌ السلام / باقر شریف القرشی ٣ : ٣٩ ، انتشارات مدرسه الإیروانی ، عن من معالم الحق / الغزالی : ١٣١. ط ۴ ـ ١۴١٣ هـ.
۲٫ حیاه الامام الحسین علیه‌ السلام / باقر شریف القرشی ٣ : ۴٠.
۳٫ تاریخ الطبری ۶ : ٢١۵ ، حوادث سنه إحدى وستّین.
۴٫ اللهوف : ۶٠ ـ ۶١.
۵٫ اللهوف : ١٧.
۶٫ شرح نهج البلاغه / ابن أبی الحدید ١٧ : ٢٨٣ ، دار إحیاء الکتب العربیه.
۷٫ کنز العمال ١١ : ١۶٩ / ٣١٠٧۴ ، مؤسّسه الرساله ، بیروت.
۸٫ اللهوف : ١٠۵.
۹٫ بحار الأنوار ۴۵ : ١٩٩.
۱۰٫ ثوره الحسین علیه‌ السلام فی الوجدان الشعبی / محمد مهدی شمس الدّین : ٣٩ ، الدار الإسلامیه ، بیروت ، ط ١ ـ ١۴٠٠ هـ.
۱۱٫ انظر : ثوره الحسین فی الوجدان الشعبی : ٣٩.
۱۲٫ حیاه الحسین / القرشی ٣ : ٣۴ ، عن کتاب : أبناء الرسول فی کربلاء / خالد محمد خالد : ١٢٣ ـ ١٢۴.
 
مقتبس من کتاب أبعاد النهضه الحسینیه

Leave A Reply

Your email address will not be published.