الإشهاد على الطلاق و الطلاق ثلاثاً

0

الإشهاد على الطلاق
وممّا انفردت به الإمامیّه، القول: بأنّ شهاده عدلین شرط فی وقوع الطلاق، ومتى فُقِد لم یقع الطلاق، وخالف باقی الفقهاء فی ذلک. ( [۳])
وقال الشیخ الطوسی: کلّ طلاق لم یحضره شاهدان مسلمان عدلان وإن تکاملت سائر الشروط، فإنّه لا یقع. وخالف جمیع الفقهاء ولم یعتبر أحد منهم الشهاده. ( [۴])
قال سید سایق: ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى انّ الطلاق یقع بدون إشهاد لانّ الطلاق من حقوق الرجل ولا یحتاج إلى بیّنه کی یباشر حقّه ولم یرد عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) ولا عن الصحابه ما یدلّ على مشروعیه الإشهاد، وخالف فی ذلک فقهاء الشیعه الإمامیه… وممّن ذهب إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحته من الصحابه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب وعمر ان بن حصین ـ رضی اللّه عنهما ـ ومن التابعین الإمام محمّد الباقر والإمام جعفر الصادق، وبنوهما أئمّه أهل البیت ـ رضوان اللّه علیهم ـ ، وکذلک عطاء وابن جُریح وابن سیرین.( [۵])
ولا یخفى ما فی کلامه من التهافت فأین قوله«ولم یرد عن النبی ولا عن الصحابه ما یدلّ على مشروعیه الإشهاد»، من قوله :«وممن ذهب إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحّته من الصحابه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و عمران بن حصین» أو لیسا من الصحابه العدول.
ولا نعثر على عنوان للموضوع فی الکتب الفقهیه لأهل السنّه وانّما تقف على آرائهم فی کتب التفسیر عند تفسیر قوله سبحانه: ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَأشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْل مِنْکُمْ وَ أَقِیمُوا الشَّهَادَهَ للّهِ ) ( [۶]) . وهم بین من یجعله قیداً للطلاق والرجعه، ومن یخصّه قیداً للرجعه المستفاده من قوله: ( فَامْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوف ) .
روى الطبری عن السدّی أنّه فسّـر قوله سبحانه: ( وَأشْهِدُوا ذَوی عَدْل مِنْکُمْ ) تاره بالرجعه وقال: أشهدوا على الإمساک إن أمسکتموهنّ وذلک هو الرجعه، وأُخرى بها وبالطلاق، وقال: عند الطلاق وعند المراجعه.
ونقل عن ابن عباس: أنّه فسّرها بالطلاق والرجعه.( [۷])
وقال السیوطی: أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النکاح بالشهود، والطلاق بالشهود، والمراجعه بالشهود.
وسئل عمران بن حصین عن رجل طلّق ولم یشهد، وراجع ولم یشهد؟ قال: بئس ما صنع طلّق فی بدعه وارتجع فی غیر سنّه، فلیشهد على طلاقه ومراجعته ولیستغفر اللّه.( [۸]) قال القرطبی: قوله تعالى: ( وأشهدوا ) أمرنا بالإشهاد على الطلاق، وقیل: على الرجعه، والظاهر رجوعه إلى الرجعه لا إلى الطلاق. ثمّ الإشهاد مندوب إلیه عند أبی حنیفه کقوله: ( وَأشْهِدُوا إذا تَبَایَعْتُمْ ) وعند الشافعی واجب فی الرجعه.( [۹])
وقال الآلوسی: ( وأشهدوا ذوی عدل منکم ) عند الرجعه إن اخترتموها أو الفرقه إن اخترتموها تبرّیاً عن الریبه.( [۱۰])
تدلّ الآیه تدلّ بوضوح على لزوم الإشهاد فی صحّه الطلاق وتقریر الدلاله، انّ قوله تعالى: ( وأشهدوا ذوی عدل منکم ) إمّا أن یکون راجعاً إلى الطلاق، کأنّه قال: «إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهنّ وأشهدوا، أو أن یکون راجعاً إلى الفرقه( أو فارِقُوهن بِمعروف ) ، أو إلى الرجعه التی عبر تعالى عنها بالإمساک( فأمسکوهنّ ) .
ولا یجوز أن یرجع ذلک إلى الفرقه ] الثانی [ لأنّها لیست هاهنا شیئاً یوقع ویفعل، وإنّما هو العدول عن الرجعه، وإنّما یکون مفارقاً لها بأن لا یراجعها فتبین بالطلاق السابق، على أنّ أحداً لا یوجب فی هذه الفرقه الشهاده وظاهر الأمر یقتضی الوجوب، ولا یجوز أن یرجع الأمر بالشهاده إلى الرجعه، لأنّ أحداً لا یوجب فیها الإشهاد وإنّما هو مستحب فیها، فثبت انّ الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق.( [۱۱])
إلى غیر ذلک من الکلمات الوارده فی تفسیر الآیه.
وممّن أصحر بالحقیقه عالمان جلیلان، وهما: أحمد محمد شاکر القاضی المصری، والشیخ أبو زهره.
قال الأوّل ـ بعد ما نقل الآیتین من أوّل سوره الطلاق: «والظاهر من سیاق الآیتین أنّ قوله: ( وأشهدوا ) راجع إلى الطلاق و إلى الرجعه معاً، والأمر للوجوب، لأنّه مدلوله الحقیقی، ولا ینصرف إلى غیر الوجوب ـ کالندب ـ إلاّبقرینه، ولا قرینه هنا تصرفه عن الوجوب، بل القرائن هنا تؤیّد حمله على الوجوب ـ إلى أن قال: ـ فمن أشهد على طلاقه، فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، ومن أشهد على الرجعه فکذلک، ومن لم یفعل فقد تعدّى حدود اللّه الذی حدّه له فوقع عمله باطلاً، لا یترتّب علیه أیُّ أثر من آثاره ـ إلى أن قال: ـ وذهب الشیعه إلى وجوب الإشهاد فی الطلاق وأنّه رکن من أرکانه، ولم یوجبوه فی الرجعه والتفریق بینهما غریب لا دلیل علیه.( [۱۲])
وقال أبو زهره: قال فقهاء الشیعه الإمامیه الاثنا عشریه والإسماعیلیه: إنّ الطلاق لا یقع من غیر إشهاد عدلین، لقوله تعالى ـ فی أحکام الطلاق وإنشائه فی سوره الطلاق ـ : ( وَأشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْل مِنْکُمْ وَأَقِیمُوا الشَّهَادَهَ للّهِ ذلِکُمْ یُوعَظُ بهِ مَنْ کَانَ یُؤمِنُ بِاللّهِ والیومِ الآخرِ ومَن یَتَّقِ اللّهَ یَجعل لَهُ مَخرجاً * ویرزقه مِنْ حیثُ لا یحتَسب ) فهذا الأمر بالشهاده جاء بعد ذکر إنشاء الطلاق وجواز الرجعه، فکان المناسب أن یکون راجعاً إلیه، وإنّ تعلیل الإشهاد بأنّه یوعظ به من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر یرشّح ذلک ویقوّیه، لأنّ حضور الشهود العدول لا یخلو من موعظه حسنه یزجونها إلى الزوجین، فیکون لهما مخرج من الطلاق الذی هو أبغض الحلال إلى اللّه سبحانه وتعالى.
وأنّه لو کان لنا أن نختار للمعمول به فی مصر لاخترنا هذا الرأی، فیشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدین عدلین.( [۱۳])
وهذه النصوص تعرب عن کون القوم بین من یقول برجوع الإشهاد إلى الرجعه وحدها، وبین من یقول برجوعه إلیها وإلى الطلاق ، ولم یقل أحد من السنّه برجوعه إلى الطلاق وحده إلاّ ما عرفته من کلام أبی زهره. وعلى ذلک فاللازم علینا بعد نقل النص، التدبّر والاهتداء بکتاب اللّه إلى حکمه.
قال سبحانه: ( یا أیُّها النبیُّ إذا طلَّقتُمُ النِّساءَ فَطلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأحْصُوا العِدَّهَ واتَّقوا اللّهَ ربَّکم لا تُخرِجُوهُنَّ مِن بیُوتِهِنَّ وَلا یَخْرُجْنَ إلاَّ أن یأتِینَ بِفحِشَه مُبیِّنه وَتِلکَ حُدودُ اللّهِ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِی لَعَلَّ اللّهَ یُحدِثُ بَعْدَ ذَلِکَ أَمراً * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَو فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف وأَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْل مِنکُمْ وَأَقِیمُوا الشَّهَادَهَ للّهِ ذَلِکُمْ یُوعَظُ بِهِ مَن کَانَ یُؤْمِنُ بِاللّهِ والیومِ الآخِر وَمَن یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لهُ مَخْرَجاً ) .( [۱۴])
إنّ المراد من بلوغهنّ أجلهنّ: اقترابهنّ من آخر زمان العده وإشرافهنّ علیه. والمراد بإمساکهنّ: الرجوع على سبیل الاستعاره، کما أنّ المراد بمفارقتهنّ: ترکهنّ لیخرجن من العدّه ویبنّ.
لا شک أنّ قوله: ( وأَشْهِدُوا ذَوَی عَدْل ) ظاهر فی الوجوب کسائر الأوامر الوارده فی الشرع ولا یعدل عنه إلى غیره إلاّ بدلیل ، إنّما الکلام فی متعلّقه. فهناک احتمالات ثلاثه:
۱٫ أن یکون قیداً لقوله: ( فطلّقوهنَّ لعدّتهنَّ ) .
۲٫ أن یکون قیداً لقوله: ( فأمسکوهنّ بمعروف ) .
۳٫ أن یکون قیداً لقوله: ( أو فارقوهنّ بمعروف ) . لم یقل أحد برجوع القید إلى الأخیر فالأمر یدور بین رجوعه إلى الأوّل أو الثانی، والظاهر رجوعه إلى الأوّل، وذلک لأنّ السوره بصدد بیان أحکام الطلاق وقد افتتحت بقوله سبحانه: ( یا أیُّها النبیُّ إذا طلّقتُمُ النِّساءَ ) فذکرت للطلاق عدّه أحکام:
۱٫ أن یکون الطلاق لعدّتهنّ.
۲٫ إحصاء العدّه.
۳٫ عدم خروجهنّ من بیوتهنّ.
۴٫ خیار الزوج بین الإمساک والمفارقه عند اقتراب عدّتهنّ من الانتهاء.
۵٫ إشهاد ذوَی عدل منکم.
۶٫ عدّه المسترابه.
۷٫ عدّه من لا تحیض وهی فی سن من تحیض.
۸٫ عدّه أُولات الأحمال.
وإذا لاحظت مجموع آیات السوره من أوّلها إلى الآیه السابعه تجد أنّها بصدد بیان أحکام الطلاق، لأنّه المقصود الأصلی، لا الرجوع المستفاد من قوله: ( فأمسکوهنّ ) وقد ذکر تبعا.
وهذا هو المرویّ عن أئمتنا(علیهم السلام) . روى محمد بن مسلم قال: قدم رجل إلى أمیر المؤمنین بالکوفه فقال : إنّی طلّقت امرأتی بعد ما طهرت من محیضها قبل أن أُجامعها، فقال أمیر المؤمنین(علیه السلام) :أشهدت رجلین ذوَی عدل کما أمرک اللّه؟ فقال:لا، فقال: اذهب فانّ طلاقک لیس بشیء. ( [۱۵])
وروى بکیر بن أعین عن الصادقین(علیهما السلام) أنّهما قالا: «وإن طلّقها فی استقبال عدّتها طاهراً من غیر جماع، ولم یشهد على ذلک رجلین عدلین، فلیس طلاقه إیّاها بطلاق». ( [16])
وروى الفضلاء من أصحابب الإمام الباقر الصادق کزراره ومحمد بن مسلم، وبرید، وفضیل عنهما(علیهما السلام) فی حدیث انّهما قالا: وإن طلقها فی استقبال عدتها طاهراً من غیر جماع ولم یشهد على ذلک رجلین عدلین فلیس طلاقه إیاها بطلاق.( [۱۷])
وروى محمد بن الفضیل عن أبی الحسن(علیه السلام) أنّه قال لأبی یوسف: إنّ الدین لیس بقیاس کقیاسک وقیاس أصحابک، إنّ اللّه أمر فی کتابه بالطلاق وأکّد فیه بشاهدین ولم یرض بهما إلاّ عدلین، وأمر فی کتابه التزویج وأهمله بلا شهود، فأتیتم بشاهدین فیما أبطل اللّه، وأبطلتم شاهدین فیما أکّد اللّه عزّ وجلّ، وأجزتم طلاق المجنون والسکران، ثم ذکر حکم تظلیل المحرم. ( [۱۸])
قال الطبرسی: قال المفسرون: أُمروا أن یشهدوا عند الطلاق وعند الرجعه شاهدی عدل حتى لا تجحد المرأه المراجعه بعد انقضاء العدّه ولا الرجل الطلاق. وقیل: معناه وأشهدوا على الطلاق صیانه لدینکم، وهو المروی عن أئمتنا(علیهم السلام) وهذا ألیق بالظاهر، لأنّا إذا حملناه على الطلاق کان أمراً یقتضی الوجوب وهو من شرائط الطلاق، ومن قال: إنّ ذلک راجع إلى المراجعه، حمله على الندب.( [۱۹])
ومن عجیب الأمر حمل الأمر على الإشهاد فی الآیه على الندب قال الآلوسی: وأشهدوا ذوی عدل منکم عند الرجعه إن اخترتموها أو الفرقه( أَو فارقُوهنّ بِمعَروف ) إن اخترتموها تبریاً عن الریبه وقطعاً للنزاع، وهذا أمر ندب کما فی قوله تعالى: ( وأَشهدوا إِذا تبایعتم ) وقال الشافعی فی القدیم: إنّه للوجوب فی الرجعه. ( [۲۰])
یلاحظ علیه: بأنّ المتبادر من الأمر هو الوجوب، وقد قلنا فی محلّه: إنّ الأصل المقرر عند العقلاء الذی أنفذه الشارع هو «انّ أمر المولى لا یترک بلا جواب» والجواب إمّا العمل بالأمر أو قیام الدلیل على کونه مندوباً، وعلى ضوء ذلک فالأمر فی المقام للوجوب خصوصاً بالنسبه إلى حکمه التشریع الذی ذکره وهو قوله تبریاً عن الریبه وقطعاً للنزاع. وأمّا قوله سبحانه: ( وَاشهدوا إِذا تَبایَعْتُمْ ) فقد اتّفقت الأُمّه على کون الإشهاد عند البیع أمراً مندوباً.
ثمّ إنّ الشیخ أحمد محمد شاکر، القاضی الشرعی بمصر کتب کتاباً حول «نظـام الطلاق فی الإسلام» وأهدى نسخه منه مشفوعه برساله إلى العلامه الکبیر الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء وکتب إلیه: إنّنی ذهبت إلى اشتراط حضور شاهدین حین الطلاق، وإنّه إذا حصل الطلاق فی غیر حضره الشاهدین لم یکن طلاقاً ولم یعتد به، وهذا القول وإن کان مخالفاً للمذاهب الأربعه المعروفه إلاّ أنّه یؤیّده الدلیل ویوافق مذهب أئمّه أهل البیت والشیعه الإمامیه.
وذهبتُ أیضاً إلى اشتراط حضور شاهدین حین المراجعه، وهو یوافق أحد القولین للإمام الشافعی ویخالف مذهب أهل البیت والشیعه، واستغربت ( [۲۱]) من قولهم أن یفرقوا بینهما والدلیل له: ( وأَشْهِدُوا ذَوَی عَدْل منکُم ) واحد فیها. وبعث إلیه العلاّمه کاشف الغطاء برساله جوابیه بیّـن فیها وجه التفریق بینهما، وإلیک نص ما یهمنا من الرساله:
قال بعد کلام له : وکأنّک ـ أنار اللّه برهانک ـ لم تمعن النظر هنا فی الآیات الکریمه کما هی عادتک من الإمعان فی غیر هذا المقام، وإلاّ لما کان یخفى علیک أنّ السوره الشریفه مسوقه لبیان خصوص الطلاق وأحکامه حتى أنّها قد سمّیت بسوره الطلاق، وابتدأ الکلام فی صدرها بقوله تعالى: ( إذا طلّقتم النساء ) ثم ذکر لزوم وقوع الطلاق فی صدر العدّه أی لا یکون فی طهر المواقعه، ولا فی الحیض، ولزوم إحصاء العدّه، وعدم إخراجهنّ من البیوت، ثمّ استطرد إلى ذکر الرجعه فی خلال بیان أحکام الطلاق حیث قال عزّ شأنه: ( فإذا بلغن أجلهنّ فأمسکوهنّ بمعروف ) أی إذا أشرفن على الخروح من العدّه، فلکم إمساکهنّ بالرجعه أو ترکهنّ على المفارقه. ثمّ عاد إلى تتمه أحکام الطلاق فقال: ( وأَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْل منکُم ) أی فی الطلاق الذی سیق الکلام کلّه لبیان أحکامه ویستهجن عوده إلى الرجعه التی لم تذکر إلاّ تبعاً واستطراداً، ألا ترى لو قال القائل: إذا جاءک العالم وجب علیک احترامه واکرامه وأن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفیقه، ویجب المشایعه وحسن الموادعه، فانّک لا تفهم من هذا الکلام إلاّ وجوب المشایعه والموادعه للعالم لا له ولخادمه ورفیقه، وإن تأخّرا عنه، وهذا لعمری حسب القواعد العربیه والذوق السلیم جلی واضح لم یکن لیخفى علیک وأنت خریت العربیه لولا الغفله (وللغفلات تعرض للأریب)، هذا من حیث لفظ الدلیل وسیاق الآیه الکریمه.
وهنالک ما هو أدقّ وأحقّ بالاعتبار من حیث الحکمه الشرعیه والفلسفه الإسلامیه وشموخ مقامها وبعد نظرها فی أحکامها. وهو أنّ من المعلوم أنّه ما من حلال أبغض إلى اللّه سبحانه من الطلاق، ودین الإسلام کما تعلمون ـ جمعی اجتماعی ـ لا یرغب فی أی نوع من أنواع الفرقه لاسیما فی العائله والأُسره، وعلى الأخص فی الزیجه بعد ما أفضى کل منهما إلى الآخر بما أفضى.
فالشارع بحکمته العالیه یرید تقلیل وقوع الطلاق والفرقه، فکثّر قیوده وشروطه على القاعده المعروفه من أنّ الشیء إذا کثرت قیوده، عزّ أو قلّ وجوده، فاعتبر الشاهدین العدلین للضبط أوّلاً وللتأخیر والأناه ثانیاً، وعسى إلى أن یحضر الشاهدان أو یحضر الزوجان أو أحدهما عندهما یحصل الندم ویعودان إلى الألفه کما أُشیر إلیه بقوله تعالى: ( لا تدری لعلَّ اللّه یُحْدِثُ بَعْدَ ذلِکَ أمراً ) وهذه حکمه عمیقه فی اعتبار الشاهدین، لا شکّ أنّها ملحوظه للشارع الحکیم مضافاً إلى الفوائد الأُخر، وهذا کلّه بعکس قضیه الرجوع فإنّ الشارع یرید التعجیل به، ولعلّ للتأخیر آفات فلم یوجب فی الرجعه أیّ شرط من الشروط.
وتصح عندنا معشر الإمامیه ـ بکلّ ما دلّ علیها من قول أو فعل أو إشاره ـ ولا یشترط فیها صیغه خاصه کما یشترط فی الطلاق; کل ذلک تسهیلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحیم بعباده والرغبه الأکیده فی إلفتهم وعدم تفرّقهم، وکیف لا یکفی فی الرجعه حتى الإشاره ولمسها ووضع یده علیها بقصد الرجوع وهی ـ أی المطلّقه الرجعیه ـ عندنا معشر الإمامیه لا تزال زوجه إلى أن تخرج من العدّه، ولذا ترثه ویرثها، وتغسّله ویغسّلها، وتجب علیه نفقتها، ولا یجوز أن یتزوّج بأُختها، وبالخامسه، إلى غیر ذلک من أحکام الزوجیه. ( [۲۲])
۱۴
الطلاق ثلاثاً بصیغه أو ثلاث صیغ
فی مجلس واحد
الطلاق ثلاثاً بصیغه أو ثلاث صیغ
فی مجلس واحد
من المسائل التی أوجبت انغلاقاً وعنفاً فی الحیاه، وأدّت إلى تمزیق الأُسر وتقطیع صلات الأرحام فی کثیر من البلاد، مسأله تصحیح الطلاق ثلاثاً دفعه واحده، بأن یقول: أنت طالق ثلاثاً، أو یکرّره ثلاث دفعات ویقول فی مجلس واحد: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق. حیث تحسب ثلاث تطلیقات حقیقیه وتحرم المطلّقه على زوجها حتى تنکح زوجاً غیره.
إنّ الطلاق عند أکثر أهل السنّه غیر مشروط بشروط عائقه عن التسرّع إلى الطلاق، ککونها غیر حائض، أو فی غیر طهر المواقعه، أو لزوم حضور العدلین. فربّما یتغلّب الغیظ على الزوج ویمتلکه الغضب فیطلّقها ثلاثاً فی مجلس واحد، ثمّ یندم على عمله ندامه شدیده فتضیق علیه الأرض بما رحبت ویتطلّب المَخْلَص من أثره السیّئ، ولا یجد عند أئمّه المذاهب الأربعه و الدعاه إلیها مخلصاً فیقعد ملوماً محسوراً، ولا یزیده السؤال والفحص إلاّ نفوراً من الفقه والفتوى.
إنّ إغلاق باب الاجتهاد وإقفاله بوجه الأُمّه، ومنع المفکرین من استنباط الأحکام من الکتاب والسنّه دون التزام برأی إمام خاص، أثار مشاکل کثیره فی مسائل لها صله بالأُسره، یقول الکاتب محمد حامد الفقی رئیس جماعه أنصار السنه المحمدیه: إنّ رابطه الأُسره التی وثّقها اللّه برباط الزوجیه وهَتْ وکادت أن تنفصم عروتها، بلى قد انفصمت فی کثیر من الطبقات وکان منشأ ذلک، ما استنّه الناس فی الزواج من سنن سیئه وما شدّد الفقهاء قدیماً وحدیثاً فی الطلاق حتّى جعلوه أشبه بالعبث واللعب( [۲۳]) أو بالآصار والأغلال، وکم لمست فیما عرض لی فی حیاتی الوعظیه، شقاء کثیر من الأزواج الذین أوقعهم سوء حظهم فی مشکل من مشاکل الطلاق فیطلبون حلها عند أحد أُولئک الجامدین فلا یزیدها إلاّ تعقیداً.( [۲۴])
ولیس الفقّی هو المشتکی الوحید من إغلاق باب الاجتهاد، والتعبّد بحرفیه المذاهب الأربعه، بل هو أحد مَن ضم صوته إلى صوت أحمد محمد شاکر عضو المحکمه العلیا الشرعیه حیث لمس خطوره الموقف، التی سبّبت إحلال القوانین الوضعیه مکان الأحکام الإسلامیه.
قال: کان والدی: الشیخ محمد شاکر کاتب الفتوى لدى شیخه الشیخ محمد العباس المهدی مفتی الدیار المصریه ـ رحمه اللّه ـ فجاءت أمرأه شابه ، حُکم على زوجها بالسجن مدّه طویله، وهی تخشى الفتنه وترید عرض أمرها على المفتی یرى لها رأیاً فی الطلاق من زوجها لتتزوج من غیره، ولیس فی مذهب الإمام أبی حنیفه حلٌّ لمثل هذه المعضله إلاّ الصبر و الانتظار فصرفها الوالد معتذراً آسفاً متألِّماً.
ثمّ عرض الأمر على شیخه المفتی، واقترح علیه اقتباس بعض الأحکام من مذهب الإمام مالک فی مثل هذه المشاکل، فأبى الشیخ کلّ الإباء واستنکر هذا الرأی أشدّ استنکار، وکان بین الأُستاذ وتلمیذه جدال جادّ فی هذا الشأن لم یؤثر على ما کان بینهما من موده وعطف، ومازال الأُستاذ الوالد ـ حفظه اللّه ـ … برأیه، معتقداً صحّته وفائدته للناس.( [۲۵])
ولو کان والد الشیخ أحمد (محمد شاکر) مطلعاً على فقه أئمّه أهل البیت(علیهم السلام) وانّ لهم فی هذه المشاکل المستعصیه حلولاً واضحه مأخوذه من الکتاب والسنّه، لاقترح على أُستاذه الرجوعَ إلیه.
کیف والإمام جعفر الصادق(علیه السلام) أبو الفقهاء،وقد تتلمذ على یده الأئمّه الأربعه إمّا مباشره أو بالواسطه.
إنّ أغلب المشاکل التی واجهت الشیخ فی المحاکم هی إعسار الزوج، وإضراره بالزوجه، وغیبته الطویله وماضاهاها، ولم یکن فی فقه الإمام أبی حنیفه حلولاً لها، مع أنّ هذه المشاکل مطروحه فی الفقه الإمامی بأوضح الوجوه.
وکان الأولى بوالد الشیخ أن یقترح کسر طوق التقلید والرجوع إلى الکتاب والسنّه لاستنباط الأحکام الشرعیه من دون التزام برأی إمام دون إمام، و هذا هو الحجر الأساس لحلّ هذه المعضلات، و لم یزل الفقه الإمامی منادیاً بهذا الأصل عبر القرون.
نحن نعلم علماً قاطعاً بأنّ الإسلام دین سهل وسمح، ولیس فیه حرج وهذا یدفع الدعاه المخلصین إلى دراسه المسأله من جدید دراسه حرّه بعیده عن أبحاث الجامدین الذین أغلقوا باب الاجتهاد فی الأحکام الشرعیه أمام وجوههم، وعن أبحاث أصحاب الهوى الهدّامین الذین یریدون تجرید الأُمم من الإسلام، حتى ینظروا إلى المسأله ویتطلبوا حکمها من الکتاب والسنّه، متجرّدین عن کلّ رأی مسبق فلعلّ اللّه یحدث بعد ذلک أمراً، وربّما تفک العقده ویجد المفتی مَخلصاً من هذا المضیق الذی أوجده تقلید المذاهب. وإلیک نقل الأقوال:
قال الشیخ الطوسی: إذا طلّقها ثلاثاً بلفظ واحد، کان مبدعاً ووقعت واحده عند تکامل الشروط عند أکثر أصحابنا، وفیهم من قال: لا یقع شیء أصلاً وبه قال علی(علیه السلام) وأهل الظاهر ، وحکى الطحاوی عن محمد بن إسحاق أنّه تقع واحده کما قلناه، ورُوی أنّ ابن عباس وطاووساً کانا یذهبان إلى ما یقوله الإمامیه.
وقال الشافعی: فإن طلّقها ثنتین أو ثلاثاً فی طهر لم یجامعها فیه، دفعه أو متفرّقه کان ذلک مباحاً غیر محذور ووقع. وبه قال فی الصحابه عبد الرحمان بن عوف، ورووه عن الحسن بن علی(علیهما السلام) ، وفی التابعین ابن سیرین، وفی الفقهاء أحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال قوم: إذا طلّقها فی طهر واحد ثنتین أو ثلاثاً دفعه واحده، أو متفرقه، فعل محرّماً وعصى وأثم، ذهب إلیه فی الصحابه علی(علیه السلام) ، وعمر، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وفی الفقهاء أبو حنیفه وأصحابه ومالک، قالوا: إلاّ أنّ ذلک واقع. ( [۲۶])
قال ابن رشد: جمهور فقهاء الأمصار على أنّ الطلاق بلفظ الثلاث حکمه حکم الطلقه الثالثه، وقـال أهل الظاهـر وجماعه: حکمه حکم الواحده ولا تأثیر للفظ فی ذلک. ( [۲۷])
وقال عبد الرحمان الجزیری: یملک الرجل الحرُّ ثلاث طلقات، فإذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً دفعه واحده، بأن قال لها: أنت طالق ثلاثاً، لزمه ما نطق به من العدد فی المذاهب الأربعه وهو رأی الجمهور، وخالفهم فی ذلک بعض المجتهدین: کطاووس وعکرمه وابن إسحاق وعلى رأسهم ابن عباس ـ رضی اللّه عنهم ـ .( [۲۸])
وقد بین فتاوى الجمهور، الفقیه المعاصر «وهبه الزحیلی» وقال: اتّفق فقهاء المذاهب الأربعه والظاهریه على أنّه إذا قال الرجل لغیر المدخول بها: «أنت طالق ثلاثاً» وقع الثلاث، لأنّ الجمیع صادف الزوجیه، فوقع الجمیع، کما لو قال ذلک للمدخول بها.
واتّفقوا أیضاً على أنّه إن قال الزوج لامرأته:«أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق» وتخلل فصل بینها، وقعت الثلاث سواء أقصد التأکید أم لا، لأنّه خلاف الظاهر، وإن قال: قصدت التأکید صدق دیانه، لا قضاء.
وإن لم یتخلل فصل، فإن قصد تأکید الطلقه الأُولى بالأخیرتین، فتقع واحده، لأنّ التأکید فی الکلام معهود لغه وشرعاً، وإن قصد استئنافاً أو أطلق (بأن لم یقصد تأکیداً ولا استئنافاً) تقع الثلاث عملاً بظاهر اللفظ.
وکذا تُطلَّق ثلاثاً إن قال: أنت طالق، ثمّ طالق، ثم طالق، أو عطف بالواو أو بالفاء.( [۲۹])
هذه هی آراء جمهور فقهاء السنّه، وقد خالفهم جماعه من الصحابه والتابعین ذکر أسماء غیر واحد منهم الشوکانی فی «نیل الأوطار» وقال:
ذهبت طائفه من أهل العلم إلى أنّ الطلاق لا یتبع الطلاق بل یقع واحده فقط. وقد حکى ذلک صاحب البحر عن أبی موسى وروایه عن علی(علیه السلام) وابن عباس و طاووس و عطاء وجابر بن زید و الهادی والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عیسى، و عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه.
وروایه عن زید بن علی وإلیه ذهب جماعه من المتأخرین منهم ابن تیمیه وابن القیم وجماعه من المحقّقین ، وقد نقله ابن مغیث فی کتاب الوثائق عن محمد بن وضاح، ونُقل الفتوى بذلک عن جماعه من مشایخ قرطبه کمحمد بن بقی ومحمد بن عبد السلام وغیرهما، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس کعطاء وطاووس وعمر بن دینار وحکاه ابن مغیث أیضاً فی ذلک الکتاب عن علی (رضی اللّه عنه) وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبیر.( [۳۰]) إلى غیر ذلک من نظائر تلک الکلمات التی تعرب عن اتّفاق جمهور الفقهاء بعد عصر التابعین على نفوذ ذلک الطلاق محتجّین بما تسمع، ورائدهم فی ذلک تنفیذ عمر بن الخطاب، الطلاق الثلاث بمرأى ومسمع من الصحابه، ولکن لو دلّ الکتاب والسنّه على خلافه فالأخذ بما دلّ متعیّـن.
وتبیین الحق یتم ضمن أُمور:
دراسه الآیات الوارده فی المقام
قال سبحانه:
( والمُطلَّقاتُ یَتَربَّصنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثهَ قُروء ولا یَحلُّ لَهُنَّ أن یکتُمنَ ما خلَقَ اللّهُ فی أرحامِهنَّ إنْ کُنَّ یُؤمِنَّ باللّهِ والیومِ الآخرِ وبُعولَتُهنَّ أحقُّ بِرَدِّهنَّ فی ذلکَ إنْ أَرادُوا إصلاحاً ولَهُنَّ مثلُ الَّذِی علیهنَّ بالمعروفِ وللرجال علیهنَّ درجهٌ واللّهُ عزیزٌ حکیم ) .( [۳۱])
قوله سبحانه: ( وَلَهُنّ مِثلُ الَّذِی علیهنَّ بالمعروف ) کلمه جامعه لا یُؤدَّى حقّها إلاّ بمقال ، وهی صریحه فی أنّ الحقوق بینهما متبادله، فما من عمل تعمله المرأه للرجل إلاّ وعلى الرجل عمل یقابله، فهما ـ فی حقل المعاشره ـ متماثلان فی الحقوق والأعمال، فلا تسعد الحیاه إلاّ باحترام کل من الزوجین للآخر، وقیام کلّ منهما بواجباته، فعلى المرأه القیام بتدبیر المنزل وإنجاز الأعمال فیه، وعلى الرجل السعی والکسب خارجه، هذا هو الأصل الثابت فی حیاه الزوجین والذی تؤیدها الفطره، وقد قسّم النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) الأُمور بین ابنته فاطمه وزوجها علی(علیه السلام) على النحو الذی ذکرناه.
( الطلاقُ مَرّتان فإِمْسَاکٌ بمعروف أو تَسریحٌ بإحسان وَلاَ یحِلُّ لَکُمْ أنْ تأخذُوا مِمّا آتَیتمُوهُنَّ شیئاً إلاّ أنْ یَخَافَا ألاّ یُقِیمَا حُدودَ اللّهِ فَإنْ خِفتُمْ ألاّ یُقیما حُدودَ اللّهِ فلا جُناحَ عَلیهِما فیما افتدَتْ بهِ تِلکَ حُدودُ اللّهِ فَلا تَعتَدُوهَا وَمَن یَتَعَدَّ حُدودَ اللّهِ فَأُولئکَ هُمُ الظّالِمونَ ) .( [۳۲])
کان للعرب فی الجاهلیه طلاق وعدّه مقدره للمطلقه، ورجعه للمطلِّق أثناء العده، ولکن لم یکن للطلاق عدد معیّن، فربما طلّق الرجل امرأته مائه مره وراجعها، وتکون المرأه بذلک أُلعوبه بید الرجل یضارّها بالطلاق والرجوع متى شاء.
وجاء فی بعض الروایات : انّ رجلاً قال لامرأته: لا أقربک أبداً، ومع ذلک تبقین فی عصمتی، ولا تستطیعین الزواج من غیری، قالت له: کیف ذلک؟ قال: أُطلّقک، حتى إذا قرب انقضاء العده راجعتُکِ، ثمّ طلقتُکِ، وهکذا أبداً، فشکته إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ، فأنزل سبحانه: ( الطّلاق مرّتان ) .( [۳۳]) أی أنّ الطلاق الذی شرع اللّه فیه الرجوع هو الطلاق الأوّل والثانی فقط و أمّا الطلاق الثالث فلا یحلّ الرجوع بعده حتّى تنکح زوجاً غیر المطلق، فعندئذ لو طلّقها فیحلّ للأوّل نکاحها، هذا هو مفهوم الآیه:
( فَإن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعدُ حَتى تَنکحَ زوجاً غیرَهُ فإن طلَّقها فَلا جُناحَ عَلَیهِمَا أن یَتَراجَعا إن ظَنّا أن یُقِیما حُدودَ اللّهِ وَتِلکَ حُدودُ اللّهِ یُبَیِّنُها لِقَوم یَعلَمونَ ) . ( [۳۴])
( وإذا طَلَّقتُمُ النِساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمسِکُوهُنَّ بَمَعرُوف أَو سَـرِّحُوهُنَّ بِمَعرُوف ولا تُمسِکُوهُنَّ ضِراراً لِتَعتَدُوا وَمَن یَفعل ذَلِکَ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ … ) .( [۳۵])
جئنا بمجموع الآیات الأربع ـ مع أنّ موضع الاستدلال هو الآیه الثانیه ـ للاستشهاد بها فی ثنایا البحث وقبل الخوض فی الاستدلال نشیر إلى نکات فی الآیات:
«المرّه» بمعنى الدفعه للدلاله على الواحد فی الفعل، و «الإمساک» خلاف الإطلاق.
و«التسریح» فی قوله:( أَوْ تَسریحٌ بإِحسان ) مأخوذ من السرح وهو الإطلاق، یقال: سرّح الماشیه فی المرعى: إذا أطلقها لترعى. والمراد من الإمساک هو إرجاعها إلى عصمه الزوجیه.
تفسیر قوله: ( أو تسریح بإحسان )
أنّ المقصود من «التسریح» عدم التعرّض لها لتنقضی عدتها فی کل طلاق أو الطلاق الثالث الذی هو أیضاً نوع من التسریح . على اختلاف فی معنى الجمله . وذلک لانّ التسریح الذی هو خلاف الإمساک قابل للانطباق على الأمرین:
۱٫ عدم التعرض لها حتّى تنقضی عدّتها.
۲٫ أن یرجع إلیها ثمّ یطلقها طلقه ثالثه.
وفی ضوء ذلک للمفسّرین فی تفسیر قوله 🙁 أَو تسریحٌ بإِحسان ) رأیان:
الأوّل: انّه ناظر إلى عدم التعرض لها حتّى تنقضی عدّتها، ویمکن تقریب هذا القول بالوجوه التالیه:
أ. إنّ التسریح بالمعروف فی الآیه ۲۳۱ أُرید به ترک الرجعه، قال سبحانه: ( وإذا طَلَّقتُمُ النِساءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمسِکُوهُنَّ بَمَعرُوف أَو سَـرِّحُوهُنَّ بِمَعرُوف ) .
فالأولى حمل الثانیه أیضاً على ترک الرجعه وإن اختلفا فی التعبیر حیث إنّ التعبیر فی المقام هو ( أو تسریحٌ بإِحسان ) وفی الآیه الأُخرى:( أَو سرحوهنّ بمعروف ) ، ولعلّ المعروف والإحسان بمعنى واحد، کما عبّر عن ترک الرجعه بلفظه ( أَو فارقُوهنّ بِمَعْرُوف ) ( [۳۶]) فالأولى تفسیر الجمیع بترک الرجعه.
ب. انّ التطلیقه الثالثه مذکوره بعد هذه الجمله ( أَو تسریح بإِحسان ) ، حیث قال سبحانه: ( فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنکح زوجاً غیره ) ، وعندئذ فلا محیص من تفسیر الجمله بترک الرجعه، حتّى لا یلزم التکرار.
ج. لا یجوز أن یفسّر قوله : ( أَو تسریحٌ بإِحسان ) بالطلاق الثالث و إلاّ یلزم أن یکون قوله: ( فإن طلّقها فلا تحلّ له ) طلاقاً رابعاً ولا طلاق رابع فی الإسلام.( [۳۷])
الثانی: إنّ المراد بقوله: ( أو تسریحٌ بإِحسان ) ، هو الطلاق الثالث لا ترک الرجعه بعد الطلاق الثانی، ومعنى الآیه انّ الزوج بعد ما طلّق زوجته مرّتین یجب أن یفکر فی أمر زوجته أکثر ممّا مضى حتّى یقف على أنّه لیس له بعد الطلقتین إلاّ أحد أمرین:
أمّا الإمساک بمعروف والاستمرار معها، أو التسریح بإحسان بالتطلیقه الثالثه التی لا رجوع بعدها أبداً إلاّ فی ظرف خاص أشار إلیه فی الآیه التالیه بقوله: ( فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنکح زوجاً غیره ) .
وعندئذ یکون قوله: ( أو تسریح بإِحسان ) إشاره إلى التطلیق الثالث الذی لا رجوع فیه ویکون التسریح بالمقام متحقّقاً فی الطلاق الثالث على هذا القول لا بترک الرجعه کما على القول الآخر.
هذا ما ذکرناه هو عصاره القولین ولکلّ قائل.
وأمّا الوجوه التی ذُکرت تأییداً للقول الأوّل فالثانی والثالث قابلان للدفع، أمّا الثانی فلأنّه لا مانع من ذکر الشیء أوّلاً بالإجمال(أو تسریح بإحسان) ثمّ التفصیل ثانیاً بقوله: ( فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنکح زوجاً غیره ) ،فهو بیان تفصیلی للتسریح بعد البیان الإجمالی، والتفصیل مشتمل على ما لم یشتمل علیه الإجمال من تحریمها علیه حتّى تنکح زوجاً غیره، فلو طلّقها الزوج الثانی باختیاره فلا جناح علیهما بالعقد الجدید ان ظنّا أن یقیما حدود اللّه، فأین هذه التفاصیل من قوله( أَو تسریحٌ بإِحسان ) ؟! وبذلک یعلم دفع الوجه الثالث، لأنّ حمل قوله: ( أَو تسریح بإحسان ) على الطلقه الثالثه لا یلزم أن یکون قوله: ( فإن طلقها فلا تحل من بعد… ) طلاقاً رابعاً، بل یکون تفسیراً له.
أضف إلى ذلک انّ روایات الفریقین تؤید المعنى الثانی.
روى أبو رزین قال: جاء رجل إلى النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فقال: یا رسول اللّه، أرأیت قول اللّه تعالى: ( الطّلاق مرّتان فإِمساک بمعروف أو تسریح بإحسان ) فأین الثالثه؟ فقال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) : ( فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان ) .
ورواه الثوری و غیره عن إسماعیل بن سمیع عن أبی رزین مثله.( [۳۸])
وقد عزا الطبرسی القول الأوّل إلى أبی جعفر وأبی عبد اللّه(علیهما السلام) مع أنّه روى السید البحرانی فی تفسیر البرهان روایات ست عن أئمّه أهل البیت(علیهم السلام) تؤیّد القول الثانی.
وعلى کلّ تقدیر فالوجه الثانی والثالث قابل للإجابه، وأمّا الوجه الأوّل، فالإجابه عنه واضحه، وذلک لأنّ التسریح فی الموارد الثلاثه بمعنى الإطلاق وإنّما الاختلاف فی المصداق فلا مانع من أن یکون المحقّق له فی المقام هو الطلاق و فی الآیتین هو ترک الرجعه والاختلاف فی المصداق لا یوجب اختلافاً فی المفهوم.
إلى هنا تمّ تفسیر قوله سبحانه:( الطّلاق مرّتان فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان ) .
وإلیک تفسیر ما بقی من الآیه، أعنی قوله: ( ولا یحلُّ لکم أن تأخذوا ممّا آتیتموهنّ شیئاً إلاّ أن یخافا ألا یقیما حدود اللّه فإن خفتم ألاّ یقیما حدود اللّه فلا جناح علیهما فیما افتدت به تلک حدود اللّه فلا تعتدوها ومن یتعدّ حدود اللّه فأُولئک هم الظالمون ) .( [۳۹])
وهذه الفقره من الآیه ناظره إلى بیان أمرین:
الأوّل: انّه لا یحلّ للزوج أن یأخذ من الزوجه شیئاً ممّا آتاها إذا أراد طلاقها قال سبحانه: ( ولا یحلّ لَکم أن تأخذوا ممّا آتیتموهنّ شیئاً ) ، وفی آیه أُخرى( وإن أردتُّمْ استبدالَ زوج مَکانَ زوج وآتیتم إحداهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأخُذُوا منه شیئاً أتأخذونهُ بهتاناً وإثماً مُبیناً ) .( [۴۰])
الثانی: انّه سبحانه استثنى من عدم جواز الأخذ صوره خاصه، وهی أنّ تکون الزوجه کارهه للزوج ولا تُطیق عشرته بحیث یؤدی نفورها منه إلى معصیه اللّه فی التقصیر بحقوق الزوج وقد یخاف الزوج أیضاً أن یقابلها بالإساءه أکثر ممّا تستحقّ، ففی هذه الحال یجوز لها أن تطلب الطلاق من الزوج وتعوضه عنه بما یرضیه، کما یجوز له أن یأخذ ما افتدت به نفسها، وإلیه یشیر قوله سبحانه: ( فإن خفتم ألاّ یقیما حدود اللّه فلا جناح علیهما فیما افتدت به… ) إلى هنا تمّ تفسیر الآیه ۲۲۹، وإلیک تفسیر الآیه ۲۳۰٫
***
( فِإِنْ طَلَّقها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْکِحَ زَوجاً غَیْرُهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یَتَراجَعَا إِنْ ظَنّا أَنْ یُقِیمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْکَ حُدُودُ اللّهِ یُبَیِّنُهَا لِقَوم یَعْلَمُون ) .( [۴۱]) ومحصل الآیه انّ من طلّق زوجته ثلاث مرات فلا تحلّ له حتّى تنکح زوجاً غیره نکاحاً صحیحاً، ثمّ إذا فارقها بموت أو طلاق وانقضت عدّتها جاز للأوّل أن یعقد علیها ثانیاً.
ثمّ إنّ للمحلل شروطاً مذکوره فی کتب الفقه.
وأمّا الآیه الرابعه، أعنی قوله: ( فإِذا طلّقتم النساء فبلغن أجلهنّ ) ، فإنّها واضحه المفهوم.
هذا ما ارتأینا ذکره بشأن تفسیر الآیات، ونرجع الآن إلى صلب البحث وهو حکم الطلاق ثلاثاً، فنقول:
إذا تعرّفت على مفاد الآیه، فاعلم أنّ الکتاب والسنّه یدلاّن على بطلان الطلاق ثلاثاً، وأنّه یجب أن یکون الطلاق واحده بعد الأُخرى، یتخلّل بینهما رجوع أو نکاح، فلو طلّق ثلاثاً مرّه واحده، أو کرّر الصیغه فلا یقع الثلاث. وأمّا احتسابها طلاقاً واحداً ، فهو وإن کان حقّاً، لکنّه خارج عن موضوع بحثنا، وإلیک الاستدلال عن طریق الکتاب أوّلاً والسنّه ثانیاً:
أوّلاً: الاستدلال عن طریق الکتاب بوجوه:
۱٫ قوله سبحانه: ( الطلاق مرّتان ) .
إنّ قوله سبحانه: ( الطلاق مرّتان ) : ظاهر فی :
۱٫ إنّ هذا الحکم یشمل کافّه أقسام الطلاق وانّ التفریق بین الطلقات لیس من خصیصه طلاق دون طلاق، بل طبیعه الطلاق تلازم ذلک الطلاق، لأنّ الألف واللام إذا لم یکونا للمعهود أفاد الاستغراق، فصار تقدیر الآیه: کلّ الطلاق مرّتان، ومرّه ثالثه، ولو قال هکذا لأفاد انّ الطلاق المشروع متفرّق، لأنّ المرّات لا تکون إلاّ بعد تفرّق بالإجماع.( [۴۲])
۲٫ انّ قوله: مرّتان ظاهر فی لزوم وقوعه مرّه بعد أُخرى لا دفعه واحده وإلاّ یصیر مرّه ودفعه، ولأجل ذلک عبّـر سبحانه بلفظ «المرّه» لیدلّ على کیفیه الفعل وانّه الواحد منه، کما أنّ الدفعه والکرّه والنزله، مثل المرّه، وزناً ومعنىً واعتباراً. وعلى ما ذکرنا فلو قال المطلِّق: أنت طالق ثلاثاً، لم یطلِّق زوجته مره بعد أُخرى، ولم یطلّق مرّتین، بل هو طلاق واحد، وأمّا قوله «ثلاثاً» فلا یصیر سبباً لتکرّره، وتشهد بذلک فروع فقهیه لم یقل أحد من الفقهاء فیها بالتکرار بضم عدد فوق الواحد. مثلاً اعتبر فی اللعان شهادات أربع، فلا تجزی عنها شهاده واحده مشفوعه بقوله «أربعا». وفصول الأذان المأخذوه فیها التثنیه، لا یتأتّى التکرار فیها بقراءه واحده وإردافها بقوله «مرتین»، ولو حلف فی القسامه وقال: «أُقسم باللّه خمسین یمیناً أنّ هذا قاتله» کان هذا یمیناً واحداً، ولو قال المقرّ بالزنا: «أنا أُقرّ أربع مرّات أنّی زنیت» کان إقراراً واحداً، ویحتاج إلى إقرارات ثلاث، إلى غیر ذلک من الموارد التی لا یکفی فیها العدد عن التکرار.
هذا هو المقیاس الکلی فی کلّ مورد اعتبر فیه العدد کرمی الجمرات السبع فلا یجزی عنه رمی الحصیات مره واحده، و کتکبیرات صلاه العیدین الخمس أو السبع المتوالیه ـ عند القوم ـ قبل القراءه لا تتأتى بتکبیره واحده بعدها قول المصلی خمساً أو سبعاً، وکصلاه التسبیح( [۴۳]) وقد أخذ فی تسبیحاتها العدد عشراً وخمسه عشر فلا تجزی عنها تسبیحه واحده مردوفه بقوله عشراً أو خمسه عشر، وهذه کلّها ممّا لا خلاف فیها.
ولم أر من تردّد فی ذلک غیر ابن حزم، فزعم انّه ربما یستعمل فی غیر ذلک المعنى حیث قال: وأمّا قولهم: معنى قوله( الطلاق مرّتان ) انّ معناه مرّه بعد مرّه فخطأ، بل هذه الآیه کقوله تعالى:( نؤتها أجرها مرّتین ) أی مضاعفاً معاً، وهذه الآیه أیضاً تعلیم لما دون الثلاث من الطلاق.( [۴۴])
یلاحظ على ما ذکره، أنّ استعمال «مرّتین» فی هذه الآیه بمعنى مضاعفاً، لأجل وجود القرینه ولولاها لحمل على المعنى الحقیقی، وذلک لأنّه سبحانه یخاطب نساء النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) بخطابین:
الأوّل: قوله: ( یا نِساء النَّبیّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفاحِشه مُبیّنه یُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَین وَکانَ ذلِکَ عَلى اللّهِ یَسیراً ) .
الثانی:( وَمَنْ یَقْنُتْ مِنکُنَّ للّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرها مَرَّتینِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً کَریماً ) .( [۴۵])
فقوله فی الآیه الأُولى:( یُضاعف لَها العَذاب ضِعْفین ) قرینه على أنّ المراد من قوله: ( نُؤْتها أَجْرها مَرّتین ) إیتاء الأجر المضاعف لا الأجر بعد الأجر، فلا یکون استعماله مرّتین فی المضاعف فیها دلیلاً على سائر المقامات.
قال الجصاص: والدلیل على أنّ المقصد فی قوله: ( الطلاق مرّتان ) الأمر بتفریق الطلاق و بیان حکم ما یتعلّق بإیقاع ما دون الثلاث من الرجعه انّه قال : ( الطلاق مرّتان ) ، وذلک یقتضی التفریق لا محاله، لأنّه لو طلّق اثنتین معاً لما جاز أن یقال: طلّقها مرّتین، وکذلک لو دفع رجل إلى آخر درهمین لم یجز أن یقال: أعطاه مرتین، حتى یفرق الدفع، فحینئذ یطلق علیه، وإذا کان هذا هکذا، فلو کان الحکم المقصود باللفظ هو ما تعلّق بالتطلیقتین من بقاء الرجعه لأدّى ذلک إلى إسقاط فائده ذکر المرّتین، إذ کان هذا الحکم ثابتاً فی المره الواحده إذا طلّق اثنتین، فثبت بذلک أنّ ذکر المرتین إنّما هو أمر بإیقاعه مرتین، ونهی عن الجمع بینهما فی مرّه واحده .( [۴۶])
وقد قال (صلى الله علیه وآله وسلم) : «لا طلاق إلاّ بعد نکاح»، وقوله (صلى الله علیه وآله وسلم) : «لا طلاق قبل نکاح»، وقوله(صلى الله علیه وآله وسلم) : «لا طلاق لمن لا یملک».( [47])
فلا نکاح بعد الصیغه الأُولى حتّى یطلق.
هذا کلّه إذا عبّـر عن التطلیق ثلاثاً بصیغه واحده، أمّا إذا کرّر الصیغه کما عرفت، فربّما یغتر به البسطاء ویزعمون أنّ تکرار الصیغه ینطبق على الآیه، لکنّه مردود من جهه أُخرى وهی:
أنّ الصیغه الثانیه والثالثه تقعان باطلتین لعدم الموضوع للطلاق، فإنّ الطلاق إنّما هو لقطع علقه الزوجیه، فلا زوجیه بعد الصیغه الأُولى حتى تقطع، ولا رابطه قانونیه حتى تصرم.
وربّما یقال: إنّ المطلقه مازالت فی حباله الرجل وحکمها حکم الزوجه، فعندئذ یکون للصیغه الثانیه والثالثه تأثیر بحکم هذه الضابطه.
یلاحظ علیه: أنّه ماذا یرید من قوله: «انّها بحکم الزوجه»؟
فإن أراد به انّ للزوج حقّ الرجوع إلیها، فهو صحیح ولذلک یقال: الرجعیه بحکم الزوجه، أو هی زوجه باعتبار انّ للزوج إعاده البناء الذی هدمه بالطلاق، فلا حاجه إلى النکاح الجدید، وهذا غیر المدّعى.
وإن أراد انّها زوجه بمعنى انّ صیغه الطلاق لم تؤثر شیئاً ولم تهدم بناء الزوجیه وانّ حالها قبل الطلاق و بعده سیان، فهو على خلاف الأُصول الصحیحه، إذ کیف تکون حالها قبله و بعده سیّان، مع أنّها لو ترکت حتّى تنقضی عدّتها، تصیر أجنبیه وبائنه بالتمام.
وکونها قابله للطلاق الثانی ـ قبل الرجوع ـ مبنیّ على الوجه الثانی الذی عرفت مخالفته للأُصول، لا على الوجه الأوّل.
وبعباره واضحه: إنّ الطلاق هو أن یقطع الزوج علقه الزوجیّه بینه وبین امرأته ویطلق سراحها من قیدها، وهو لا یتحقّق بدون وجود تلک العلقه الاعتباریه الاجتماعیه، ومن المعلوم أنّ المطلّقه لا تطلق، والمسرَّحه لا تسرح.
على أنّ هناک إشکالاً یختص بهذه الصوره (إنشاء الطلاق الثلاث بلا تکریر للصیغه).
وتقریره: انّ الطلاق أمر اعتباری یتحقّق بإنشاء المطلّق، ولیس له واقع وراء الاعتبار، مقابل الأمر التکوینی الذی له واقع وراء الذهن والاعتبار.
فإذا کان الانشاء واحداً فیکون المنشأ أیضاً کذلک، فتعدّد الطلاق رهن تعدّد الإنشاء والمفروض وحدته.
نعم لا یتطرّق هذا الإشکال إلى ما إذا تعدّدت الصیغه کأن یقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
والحاصل: أنّه لا یحصل بهذا النحو من التطلیقات الثلاث، العدد الخاص الذی هو الموضوع للآیه التالیه، أعنی قوله سبحانه: ( فإن طلَّقها فلا تحلُّ له حتّى تنکح زوجاً غیره ) ، لأنّ تعدد الطلاق رهن تخلّل عقده الزواج بین الطلاقین، ولو بالرجوع، وإذا لم تتخلّل یکون التکلّم أشبه بالتکلّم بکلام لغو.
قال سماک ـ من عنده ـ: إنّما النکاح عقده تعقد، والطلاق یحلّها، وکیف تُحل عقده قبل أن تعقد؟! ( [۴۸])
والحاصل انّه إذا قال: أنت طالق، فکأنّه قال لها: حللت العقده بینی وبینک، فسخت هذا العقد، قطعت هذا الرباط الذی یربط کلاً منّا بصاحبه; فإذا فسخ العقد الذی کان بینهما، أو حلّت العقده أو قطع الرباط فمن أین یملک الرجل فسخ العقد أو حل العقده أو قطع الرباط مره أُخرى أو ثالثه؟ وفی أی عقد من العقود فی هذه الشریعه المطهره أو فی غیرها من الشرائع والقوانین، یمکن فسخ العقد الواحد مرّتین أو ثلاثاً، وهو عقد واحد، إلاّ أن یتجدد العقد فیتجدد إمکان الفسخ، ویکون فسخاً لعقد آخر.( [۴۹])
۲٫ قوله سبحانه: ( فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان )
تقدّم أنّ فی تفسیر هذه الفقره من الآیه قولین مختلفین، والمفسّـرون بین من یجعلونها ناظره إلى الفقره المتقدّمه، أعنی قوله : ( الطلاق مرّتان… ) ومن یجعلونها ناظره إلى التطلیق الثالث الذی جاء فی الآیه التالیه، وقد عرفت ما هو الحق، فتلک الفقره تدل على بطلان الطلاق الثلاث على کل التقادیر.
أمّا على التقدیر الأوّل، فواضح، لأنّ معناها أنّ کلّ مرّه من المرّتین یجب أن یتبعها أحد أمرین: إمساک بمعروف، أو تسریح بإحسان.
قال ابن کثیر: أی إذا طلّقتها واحده أو اثنتین، فأنت مخیّـر فیها ما دامت عدّتها باقیه، بین أن تردّها إلیک ناویاً الإصلاح والإحسان وبین أن تترکها حتى تنقضی عدتها، فتبین منک، وتطلق سراحها محسناً إلیها، لا تظلمها من حقّها شیئاً ولا تضارّ بها. ( [۵۰])
وأین هذا من الطلاق ثلاثاً بلا تخلّل واحد من الأمرین ـ الإمساک أو ترکها حتى ینقضی أجلها ـ سواء طلّقها بلفظ: أنت طالق ثلاثاً، أو: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
قال الشوکانی: یشترط فی وقوع الثالثه أن تکون فی حال یصح من الزوج فیها الإمساک ـ قبل الطلاق الثالث ـ وإذا لم یصحّ الإمساک إلاّ بعد المراجعه لم تصحّ الثالثه إلاّ بعدها لذلک، وإذا لزم فی الثالثه، لزم فی الثانیه.( [۵۱])
وأمّا على التقدیر الثانی، فإنّ تلک الفقره وإن کانت ناظره لحال الطلاق الثالث، وساکته عن حال الطلاقین الأوّلین، لکن قلنا: إنّ بعض الآیات، تدلّ على أنّ مضمونها من خصیصه مطلق الطلاق، من غیر فرق بین الأوّلین والثالث، فالمطلّق یجب أن یُتبعَ طلاقه بأحد أمرین: قال سبحانه: ( فإذا طلّقتم النساء فبلغنّ أجلهنّ فأمسکوهن بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف ) .( [۵۲])
۱٫ الإمساک بمعروف.
۲٫ التسریح بإحسان.
فالمحصّل من المجموع هو کون إتباع الطلاق بأحد أمرین من لوازم طبیعه الطلاق الذی یصلح للرجوع.
ویظـهر ذلک بوضوح إذا وقفنا على أنّ قوله: ( فبلغن أجلهنّ ) من القیود الغالبیه، وإلاّ فالواجب منذ أن یطلّق زوجته، هو القیام بأحد الأمرین، لکن تخصیصه بزمن خاص وهو بلوغ آجالهن، هو لأجل أنّ المطلّق الطاغی علیه غضبه وغیظه، لا تنطفئ سوره غضبه فوراً حتى تمضی علیه مدّه من الزمن تصلح فیها لأن یتفکّر فی أمر زوجته ویخاطب بأحد الأمرین، وإلاّ فطبیعه الحکم الشرعی: ( فإمساک بمعروف أو تسریح بإحسان ) تقتضی أن یکون حکماً سائداً على جمیع الأزمنه من لدن أن یتفوّه بصیغه الطلاق إلى آخر لحظه تنتهی معها العدّه.
وعلى ضوء ما ذکرنا تدلّ الفقره على بطلان الطلاق الثلاث وأنّه یخالف الکیفیه المشروعه فی الطلاق، غیر أنّ دلالتها على القول الأوّل بنفسها، وعلى القول الثانی بمعونه الآیات الأُخر.
۳٫ قوله سبحانه: ( فطلّقوهنّ لعدّتهنّ )
إنّ قوله سبحانه: ( الطلاق مرّتان ) وارد فی الطلاق الذی یجوز فیه الرجوع( [۵۳])، ومن جانب آخر دلّ قوله سبحانه: ( إذا طلّقتُمُ النِّساءَ فطلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّهَ ) ( [۵۴]) . على أنّ الواجب فی حقّ هؤلاء هو الاعتداد وإحصاء العدّه، من غیر فرق بین أن نقول أنّ «اللام» فی ( عدّتهنّ ) للظرفیه بمعنى «فی عدّتهنّ» أو بمعنى الغایه، والمراد لغایه أن یعتددن، إذ على کلّ تقدیر یدلّ على أنّ من خصائص الطلاق الذی یجوز فیه الرجوع، هو الاعتداد وإحصاء العدّه، وهو لا یتحقّق إلاّ بفصل الأوّل عن الثانی، وإلاّ یکون الطلاق الأوّل بلا عدّه وإحصاء لو طلّق اثنتین مرّه. ولو طلّق ثلاثاً یکون الأوّل والثانی کذلک.
وقد استدلّ بعض أئمّه أهل البیت بهذه الآیه على بطلان الطلاق الثلاث.
روى صفوان الجمّـال عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) : أنّ رجلاً قال له: إنّی طلّقت امرأتی ثلاثاً فی مجلس واحد؟ قال: «لیس بشیء»، ثمّ قال: «أما تقرأ کتاب اللّه : ( یاأیُّها النبیّ إذا طلّقتُمُ النِّساءَ فَطَلّقوهنّ لعدّتهنَّ ـ إلى قوله سبحانه: ـ لعلَّ اللّه یُحدثُ بعدَ ذلکَ أمراً ) ثمّ قال: کلّما خالف کتاب اللّه والسنّه فهو یرد إلى کتاب اللّه والسنّه». ( [55])
۴٫ قوله سبحانه: ( لعلّ اللّه یحدث بعد ذلک أمراً )
أنّه لو صحّ التطلیق ثلاثاً فلا یبقى لقوله سبحانه: ( لعلَّ اللّه یحدث بعد ذلک أمراً ) فائده، لأنّه یکون بائناً ویبلغ الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، ولا تحل العقده إلاّ بنکاح رجل آخر وطلاقه، مع أنّ الظاهر أنّ المقصود حلّ المشکل من طریق الرجوع أو العقد فی العدّه.
ثانیاً: الاستدلال عن طریق السنّه
قد تعرّفت على قضاء الکتاب فی المسأله، وأمّا حکم السنّه، فهی تعرب عن أنّ الرسول کان یعدّ مثل هذا الطلاق لعباً بالکتاب.
۱٫ أخرج النسائی عن محمود بن لبید قال: أُخبر رسول اللّه عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطلیقات جمیعاً، فقام غضبان ثم قال: أیلعب بکتاب اللّه وأنا بین أظهرکم؟! حتى قام رجل وقال: یا رسول اللّه ألا أقتله؟ ( [۵۶])
ومحمود بن لبید صحابی صغیر وله سماع، روى أحمد باسناد صحیح عنه قال: أتانا رسول اللّه فصلّى بنا المغرب فی مسجدنا، فلما سلّم منها، قال: ارکعوا هاتین الرکعتین فی بیوتکم، للسبحه بعد المغرب.( [۵۷])
وهذا دلیل على سماعه من الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) ، وقد نقله الحافظ ابن حجر فی «الإصابه».( [58])
ولعلّ هذا الرجل الذی طلّق امرأته ثلاث تطلیقات هو (رکانه) الذی یأتی الکلام عنه فی الحدیث الثانی.
ثمّ نرى أنّ النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) یصف هذا النوع من الطلاق: باللعب بکتاب اللّه، وتظهر آثار الغضب فی وجهه أفیمکن القول بصحّته بعد ما کان هذا منزلته؟!
ولو سلمنا عدم سماعه کما یدّعیه ابن حجر فی فتح الباری ( [۵۹]) فهو صحابی ومراسیل الصحابه حجه بلا کلام عند الفقهاء، أخذاً بعدالتهم أجمعین.
۲٫ روى ابن إسحاق، عن عکرمه، عن ابن عباس قال: طلّق رکانه زوجته ثلاثاً فی مجلس واحد، فحزن علیها حزناً شدیداً، فسأله رسول اللّه: کیف طلّقتها؟قال: طلقتها ثلاثاً فی مجلس واحد. قال: إنّما تلک طلقه واحده فارتجعها.( [۶۰])
والسائل هو رکانه بن عبد یزید. روى الإمام أحمد باسناد صحیح عن ابنعباس قال: طلّق رکانه بن عبد یزید أخو بنی مطلب امرأته ثلاثاً فی مجلس واحد، فحزن علیها حزناً شدیداً، قال: فسأله رسول اللّه: کیف طلّقتها؟ قال: طلّقتها ثلاثاً. قال، فقال: فی مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنّما تلک واحده فأرجعها إنشئت. قال: فأرجعها، فکان ابن عباس یرى إنّما الطلاق عند کلّ طهر.( [۶۱])
أدلّه القائل بصحّه الطلاق ثلاثاً
استدلّ القائل بجواز إرسال الثلاث دفعه أو مفرقه بالکتاب تاره والسنّه أُخرى والإجماع ثالثه.
أمّا الکتاب فبالآیات التالیه:
۱٫ انّ قوله سبحانه: ( أَو تسریحٌ بإِحسان ) یعمّ إیقاع الطلاق الثلاث دفعه.
۲٫ وقوله: ( وَإِنْ طلّقتُمُوهنّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسّوهُنّ ) .
۳٫ وقوله: ( لا جُناح عَلَیْکُمْ ان طلّقتم النساء ما لم تمسُوهنّ ) .
۴٫ وقوله تعالى: ( ولِلْمُطلّقات مَتاعٌ بِالْمَعرُوف ) .
ولم یفرق فی هذه الآیات بین إیقاع الواحده والثنتین والثلاث.
وقد أُجیب عن الاستدلال بأنّ هذه عمومات مخصّصه وإطلاقات مقیّده بما ثبت من الأدله الدالّه على المنع من وقوع فوق الواحده.( [۶۲])
والأولى أن یجاب بأنّ شرط التمسّک بالإطلاق کون المتکلّم فی مقام البیان لا فی مقام الإجمال والإهمال، مثلاً: لو کان المتکلّم فی مقام بیان حکم الطبیعه بما هی هی بأن یقول: الغنم حلال، والخنزیر حرام فلا یمکن أن یستدلّ بهما على حلیه الغنم وإن کان جلاّلاً أو مغصوباً تمسّکاً بإطلاقه، وقد قرر فی علم الأُصول انّ التمسّک بالإطلاق رهن شروط ثلاثه، أوّلها: کون المتکلّم فی مقام بیان الحیثیه التی نحن بصدد استنباط حکمها، فإذا سکت یتمسّک بالإطلاق، وأمّا إذا لم یکن فی مقام بیان تلک الحیثیه، فلا یصحّ التمسّک بالإطلاق، و هذه الآیات من هذا القبیل فانّها فی مقام بیان أُمور أُخرى، فالأولى منها فی مقام بیان کون المطلقه محرمه أبداً حتّى تنکح زوجاً غیره، والثانیه فی مقام بیان حکم المطلقه قبل المس ومثلها الثالثه و الرابعه فی مقام بیان انّ للمطلقه حقّاً خاصاً باسم المتاع، فأین هذه الموضوعات من تجویز الطلاق ثلاثاً.
والحقّ انّ إغلاق باب الاجتهاد من أواسط القرن السابع إلى یومنا هذا صار سبباً لتدهور الاستنباط ، وإلاّ فلا یخفى ضعف هذا النوع من الاستدلال على المستنبط الملمّ بالأُصول.
الاستدلال بالسنّه
استدلّ القائل بصحّهه الطلاق ثلاثاً فی مجلس واحد بالسنّه:
۱٫ خبر فاطمه بنت قیس
روى ابن حزم من طریق یحیى بن أبی کثیر: أخبرنی أبو سلمه بن عبد الرحمن، أنّ فاطمه بنت قیس أخبرته انّ زوجَها ابن حفص بن المغیره المخزومی طلّقها ثلاثاً، ثمّ انطلق إلى الیمن، فانطلق خالد بن الولید فی نفر فأتوا رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) فی بیت میمونه أُمّ المؤمنین فقالوا: انّ ابن حفص طلّق امرأته ثلاثاً فهل لها من نفقه؟ فقال رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) : «لیس لها نفقه، وعلیها العدّه».( [63])
فلو کانت التطلیق ثلاثاً أمراً منکراً لأنکره النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) .
یلاحظ علیه: أنّ ابن حزم نقل الروایه على غیر وجهها، فقد روى أحمد فی مسنده بسنده عن فاطمه بنت قیس، قالت: کنت عند أبی عمرو بن حفص بن المغیره، وکان قد طلّقنی تطلیقتین، ثمّ إنّه سار مع علی إلى الیمن حین بعثه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) فبعث بتطلیقتی الثالثه.( [۶۴])
وفی سنن الدارقطنی بسنده عن أبی سلمه بن عبد الرحمن عن فاطمه بنت قیس أنّها أخبرته أنّها کانت عند أبی عمرو بن حفص بن المغیره، فطلّقها آخر ثلاث تطلیقات، فزعمت أنّها جاءت رسول اللّه فاستفته فی خروجها من بیتها.( [۶۵]) وما نقله المحدثان دلیل على أنّ التطلیقات کانت متفرقه لا مجتمعه، غیر أنّ ابن حزم تغافل عن ذکر نص الحدیث.
۲٫ حدیث عائشه
روى ابن حزم عن طریق البخاری عن عائشه أُمّ المؤمنین قالت: إنّ رجلاً طلّق امرأته ثلاثاً فتزوجت فطلق( [۶۶])، فسئل رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) أتحلّ للأوّل؟ قال: «لا حتّى یذوق عسیلتها کما ذاق الأوّل»، فلم ینکر علیه الصلاه والسلام هذا السؤال، ولو کان لا یجوز لأخبر بذلک.( [۶۷])
یلاحظ علیه: أنّ الروایه غیر ظاهره فی أنّ التطلیقات کانت مجتمعه لو لم نقل انّها ظاهره فی المتفرقه، بشهاده وقوع الطلاق فی عصر رسول اللّه، وقد کان الطلاق على عهد رسول اللّه وأبی بکر وسنتین من خلافه عمر طلاق الثلاث واحده.( [۶۸])
۳٫ حدیث سهل
روى سهل بن سعد الساعدی قال: لاعن رسول اللّه بین الزبیر العجلانی وزوجته، فلمّا تلاعنا، قال الزوج: إن أمسکتها فقد کذبت علیها، فهی طالق ثلاثاً، فقال النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) : لا سبیل لک علیها .( [۶۹])
وجه الاستدلال: انّ العجلانی کان قد طلق فی وقت لم یکن له أن یطلق فیه، فطلق ثلاثاً فبین له النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) حکم الوقت، وانّه لیس له أن یطلق فیه ولم یبین له حکم العدد، ولو کان ذلک العدد محرماً وبدعه لبیّنه.
یلاحظ علیه: بأنّه من غرائب الاستدلال فانّ الزوج إذا لاعن زوجته تحرم علیه مؤبداً.( [۷۰]) فلا موضوع للنکاح والطلاق، ولمّا کان الرجل جاهلاً بحکم الإسلام وأنّها بانت عنه باللعان من دون حاجه إلى الطلاق، طلّقها ثلاثاً بزعم انّها زوجته على رسم الجاهلیه.
وأمّا النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) فلیس فی کلامه انّه انّه صحّح قوله ـ بعد اللعان ـ فهی طالق ثلاثاً، بل أشار إلى الحرمه الأبدیه وانّها صارت محرمه على الزوج، وقال: «لا سبیل لک علیها»، وأین هذا من تصحیح النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) حکم العدد.
الاستدلال بالإجماع
استدلّ القائل بالصحّه بالإجماع وانّ الطلاق الوارد فی الکتاب منسوخ، فقال العینی فی «عمده القارئ»:
فإن قلت: ما وجه هذا النسخ وعمر لا ینسخ؟ وکیف یکون النسخ بعد النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) ؟
قلت: لما خاطب عمر الصحابه بذلک فلم یقع إنکار صار إجماعاً، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشایخنا بطریق أنّ الإجماع موجب علم الیقین کالنصّ، فیجوز أن یثبت النسخ به، والإجماع فی کونه حجّه أقوى من الخبر المشهور، فإذا کان النسخ جائزاً بالخبر المشهور فجوازه بالإجماع أولى.
فإن قلت: هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم، فلا یجوز ذلک فی حقّهم.
قلت: یحتمل أن یکون ظهر لهم نصّ أوجب النسخ، ولم ینقل إلینا ذلک.( [۷۱])
یلاحظ علیه: کیف یدّعی الإجماع وقد تواتر النصّ على أنّه کان على عهد رسول اللّه وأبی بکر وسنتین من خلافه عمر طلاق الثلاث واحداً، ومع ذلک کیف یدّعی الإجماع مع تحقّق الخلاف فی المسأله وذهاب کثیر من الصحابه والتابعین إلى عدم صحّه الطلاق ثلاثاً؟!
وأمّا التمسّک بسکوت الناس، فهو لا یکشف عن وجود نصّ یدلّ على النسخ، إذ لو کان هناک نص لأظهروه، ویصل من السلف إلى الخلف قطعاً، لأنّ المسأله ممّا یعمّ بها الابتلاء.
ولو افترضنا وجود النصّ فکیف خفی فی عصر رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) وعصر الخلیفه الأوّل وسنتین من عصر الخلیفه الثانی؟!
الاجتهاد تجاه النص
التحق النبیّ الأکرم بالرفیق الأعلى وقد برز بین المسلمین اتّجاهان مختلفان، وفکران متباینان، فعلیّ وسائر أئمّه أهل البیت، کانوا یتعرّفون على الحکم الشرعی من خلال النصّ الشرعی آیه أو روایه، ولا یعملون برأیهم بتاتاً، وفی قبالهم لفیف من الصحابه یستخدمون الرأی للتوصّل إلى الحکم الشرعی من خلال التعرّف على المصلحه ووضع الحکم وفق متطلّباتها.
إنّ استخدام الرأی فیما لا نصّ فیه، ووضع الحکم وفق المصلحه أمر قابل للبحث والنقاش، إنّما الکلام فی استخدامه فیما فیه نص، فالطائفه الثانیه کانت تستخدم رأیها تجاه النص، لا فی خصوص ما لا نصّ فیه من کتاب أو سنّه بل حتى فیما کان فیه نصّ ودلاله.
یقول أحمد أمین المصری: ظهر لی أنّ عمر بن الخطاب کان یستعمل الرأی فی أوسع من المعنى الذی ذکرناه، وذلک أنّ ما ذکرناه هو استعمال الرأی حیث لا نصّ من کتاب ولا سنّه، ولکنّا نرى الخلیفه سار أبعد من ذلک، فکان یجتهد فی تعرّف المصلحه التی لأجلها نزلت الآیه أو ورد الحـدیث، ثمّ یسترشد بتلک المصلحه فی أحکامه، وهو أقرب شیء إلى ما یعبّـر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفیته. ( [۷۲])
إنّ الاسترشاد بروح القانون الذی أشار إلیه أحمد أمین أمر، ونبذ النص والعمل بالرأی أمر آخر، ولکن الطائفه الثانیه کانت تنبذ النص وتعمل بالرأی، وما روی عن الخلیفه فی هذه المسأله، من هذا القبیل. وإن کنتَ فی ریب من ذلک، فنحن نتلو علیک ما وقفنا علیه:
۱٫ روى مسلم عن طاووس عن ابن عباس، قال: کان الطلاق على عهد رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) وأبی بکر وسنتین من خلافه عمر: طلاق الثلاث واحده، فقال عمر بن الخطاب: إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر قد کانت لهم فیه أناه، فلو أمضیناه علیهم، فأمضاه علیهم. ( [۷۳])
۲٫ وروى مسلم عن ابن طاووس عن أبیه: أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم انّما کانت الثلاث تجعل واحده على عهد النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وأبی بکر وثلاثاً من (خلافه) عمر؟ فقال: نعم. ( [۷۴])
۳٫ وروى مسلم عن طاووس أیضاً: أنّ أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتک، ألم یکن الطلاق الثلاث على عهد رسول اللّه وأبی بکر واحده؟ قال: قد کان ذلک فلمّـا کان فی عهد عمر تتایع الناس فی الطلاق فأجازه علیهم. ( [۷۵])
وربما یقال: انّ هذه الروایه تخالف ما روی عن ابن عباس أنّه أفتى بوقوع الثلاث .قال أحمد بن حنبل: کلّ أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما رواه طاووس فی هذه المسأله، أعنی بهم: سعید بن جبیر و مجاهد و نافع.
قال أبو داود فی سننه: صار قول ابن عباس فیما حدثنا أحمد بن صالح ، قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهری عن أبی سلمه بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إیاس انّ ابن عباس وأبا هریره و عبد اللّه بن عمرو بن العاص سئلوا عن البکر یطلقها زوجها ثلاثاً فکلّهم، قال: لا تحلّ له حتّى تنکح زوجاً غیره.( [۷۶])
یلاحظ علیه: بأنّ المعتبر إنّما هو روایه ابن عباس و هی على بطلان الطلاق ثلاثاً، وأمّا ما نقل عنه من الرأی و هو حجّه علیه لا على غیره، ولو صحّ انّه أفتى على خلاف الروایه، فلا یکون دلیلاً على ضعف الروایه، لأنّ الاحتمالات المسوّغه لترک الروایه والعدول إلى الرأی، کثیره منها النسیان ونظائره.
ثمّ إنّ الشوکانی بعد ما ذکر هذا الجواب قال: إنّ القائلین بالتتابع (صحّه الطلاق ثلاثاً) قد استکثروا من الأجوبه على حدیث ابن عباس کلّها غیر خارجه عن دائره التعسف، والحقّ أحقّ بالاتّباع.( [۷۷]) ۴٫ روى البیهقی، قال: کان أبو الصهباء کثیر السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أنّ الرجل کان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن یدخل بها، جعلوها واحده على عهد النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) وأبی بکر ـ رضى اللّه عنه ـ وصدراً من إماره عمر ـ رضى اللّه عنه ـ فلمّـا رأى الناس قد تتابعوا فیها، قال: أجیزوهن علیهم. ( [۷۸])
۵٫ أخرج الطحاوی من طریق ابن عباس أنّه قال: لمّا کان زمن عمر ـرضى اللّه عنه ـ قال: یا أیّها الناس قد کان لکم فی الطلاق أناه وإنّه من تعجل أناه اللّه فی الطلاق ألزمناه إیاه. ( [۷۹])
۶٫ عن طاووس قال: قال عمر بن الخطاب: قد کان لکم فی الطلاق أناه فاستعجلتم أناتکم، وقد أجزنا علیکم ما استعجلتم من ذلک. ( [۸۰]) ۷٫ عن الحسن: أنّ عمر بن الخطاب کتب إلى أبی موسى الأشعری: لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً فی مجلس أن أجعلها واحده، ولکنّ أقواماً جعلوا على أنفسهم، فألزِمُ کلّ نفس ما ألزَمَ نفسه؟ من قال لامرأته: أنت علیَّ حرام، فهی حرام; ومن قال لامرأته: أنت بائنه، فهی بائنه; ومن قال: أنت طالق ثلاثاً، فهی ثلاث. ( [۸۱])
هذه النصوص تدلّ على أنّ عمل الخلیفه لم یکن من الاجتهاد فیما لا نصّ فیه، ولا أخذاً بروح القانون الذی یعبّـر عنه بتنقیح المناط وإسراء الحکم الشرعی إلیالمواضع التی تشارک النصوص فی المسأله، کما إذا قال: الخمر حرام، فیسری حکمه إلى کلّ مسکر أخذاً بروح القانون، وهو أنّ علّه التحریم هی الإسکار الموجود فی المنصوص وغیر المنصوص، وانّما کان عمله من نوع ثالث وهو الاجتهاد تجاه النص ونبذ الدلیل الشرعی، والسیر وراء رأیه وفکره وتشخیصه، وقد ذکروا هنا تبریرات لحکم الخلیفه نذکرها تباعاً:
تبریرات لحکم الخلیفه
لمّا کان الحکم الصادر عن الخلیفه یخالف نصّ القرآن أو ظاهره، حاول بعض المحقّقین تبریر عمل الخلیفه ببعض الوجوه حتّى یبرّر حکمه ویصحّحه ویخرجه عن مجال الاجتهاد تجاه النص، بل یکون صادراً عن دلیل شرعی، وإلیک بیانه:
۱٫ نسخ الکتاب بالإجماع الکاشف عن النص
إنّ الطلاق الوارد فی الکتاب منسوخ.
فان قلت: ما وجه هذا النسخ وعمر ـرضى اللّه عنه ـ لا ینسخ، وکیف یکون النسخ بعد النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) ؟
قلت: لمّا خاطب عمر الصحابه بذلک فلم یقع إنکار، صار إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشایخنا، بطریق أنّ الإجماع موجب علم الیقین کالنص فیجوز أن یثبت النسخ به، والإجماع فی کونه حجّه أقوى من الخبر المشهور.
فان قلت: هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا یجوز ذلک فی حقّهم.
قلت: یحتمل أن یکون ظهر لهم نص أوجب النسخ ولم ینقل إلینا. ( [۸۲])
یلاحظ علیه أولاً: أنّ المسأله یوم أفتى بها الخلیفه، کانت ذات قولین بین نفس الصحابه، فکیف انعقد الإجماع على قول واحد؟! وقد عرفت الأقوال فی صدر المسأله. ولأجل ذلک نرى البعض الآخر ینفی انعقاد الإجماع البته ویقول: وقد أجمع الصحابه إلى السنه الثانیه من خلافه عمر على أنّ الثلاث بلفظ واحد، واحده، ولم ینقض هذا الإجماع بخلافه، بل لا یزال فی الأُمّه من یفتی به قرناً بعد قرن إلى یومنا هذا .( [۸۳])
وثانیاً: أنّ هذا البیان یخالف ما برّر به الخلیفه عمله حیث قال: إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر کانت لهم فیه أناه، فلو أمضیناه علیهم فأمضاه علیهم ، ولو کان هناک نص عند الخلیفه، لکان التبریر به هو المتعیّـن. وفی الختام نقول: أین ما ذکره صاحب العمده ممّا ذکره الشیخ صالح بن محمد العمری (المتوفّى ۱۲۹۸هـ) حیث قال: إنّ المعروف عند الصحابه والتابعین لهم بإحسان إلى یوم الدین، وعند سائر العلماء المسلمین: أنّ حکم الحاکم المجتهد إذا خالف نصّ کتاب اللّه تعالى أو سنّه رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا یُعارض نصّ الکتاب والسنّه بالاحتمالات العقلیّه والخیالات النفسیه، والعصبیّه الشیطانیه بأن یقال: لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ وترکه لعلّه ظهرت له، أو أنّه اطّلع على دلیل آخر، ونحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبین وأطبق علیه جهله المقلّدین. ( [۸۴])
۲٫ تعزیرهم على ما تعدّوا به حدود اللّه
لم یکن الهدف من تنفیذ الطلاق ثلاثاً فی مجلس، إلاّ عقابهم من جنس عملهم، وتعزیرهم على ما تعدّوا حدود اللّه، فاستشار أُولی الرأی، وأُولی الأمر وقال: إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر کانت لهم فیه أناه فلو أمضیناه علیهم؟ فلمّـا وافقوه على ما اعتزم أمضاه علیهم وقال: أیّها الناس قد کانت لکم فی الطلاق أناه وأنّه من تعجّل أناه اللّه ألزمناه إیّاه.( [۸۵])
لم أجد نصّاً ـ فیما فحصت ـ فی مشاوره عمر أُولی الرأی والأمر، غیر ما کتبه إلى أبی موسى الأشعری بقوله: لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً فی مجلس أن أجعلها واحده …. ( [۸۶])وهو یُعرب عن عزمه وهمّه لا عن استشارته له، ولو کان بصدد الاستشاره، فالأجدر به أن یستشیر الصحابه من المهاجرین والأنصار القاطنین فی المدینه وعلى رأسهم علی بن أبی طالب، وقد کان یستشیره فی مواقف خطیره ویقتفی رأیه.
ولا یکون استعجال الناس، مبرّراً لمخالفه الکتاب والسنّه، بل کان علیه ردع الناس عن عملهم السیّئ بقوّه ومنعه، وکیف تصحّ مؤاخذتهم بموافقتهم فی عمل أسماه رسول اللّه لعباً بکتاب اللّه؟! ( [۸۷])
ثمّ إنّ أحمد محمد شاکر مؤلف کتاب «نظام الطلاق فی الإسلام» وإن أبدى شجاعه فی هذه المسأله وأفتى ببطلان الطلاق الثلاث مطلقاً واستنبط حکم المسأله من الکتاب والسنه بوجه جدیر بالاهتمام، لکنّه برّر عمل الخلیفه بوجه لا یخلو من التعسّف، وقد صدر عمّا أجاب به ابن قیم الجوزیه ـ کما سیوافیک کلامهـ یقول:
«ولم یکن هذا الإلزام من عمر تغییراً للحکم الظاهر من القرآن، والثابت عن رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) انّ الطلاق لا یلحق الطلاق، وانّ الطلقه الأُولى لیس للمطلق بعدها إلاّ الرجعه أو الفراق، وکذلک الثانیه بعد رجعه أو زواج، وإنّما کان إلزاماً بحکم السیاسه الشرعیه فی النظر إلى المصالح. ممّا جعل اللّه للحکام بعد استشاره أُولی الأمر، وهم العلماء و زعماء الناس و عرفاؤهم، فقد أراد عمر و الصحابه أن یمنعوا الناس من الاسترسال فی الطلاق، ومن التعجل إلى بت الفراق، فألزموا المطلق ثلاث مرات فی عدّه واحده ما ظنّه ـ أو ما رغب فیه ـ من أنّها بانت منه بمره، فمنعوه من رجعتها بإرادته ومن تزویجها بعقد آخر حتّى تنکح زوجاً غیره، ولذلک قال عمر: انّه من تعجل أناه اللّه فی الطلاق الزمناه إیاه، فجعله إلزاماً من الإمام و من أُولی الأمر. ولم یجعله حکماً بوقوع الطلاق الذی لم یقع، لأنّ الأحکام الثابته بالکتاب والسنّه صریحاً لا یملک أحد تغییرها أو الخیار بینها و بین غیرها، سواء أکان فرداً أم کان أُمّه مجتمعه».( [88])
یلاحظ علیه أوّلاً: أنّ للحاکم الإسلامی اتّخاذ سیاسه مناسبه من أجل دفع المجتمع إلى ما فیه صلاحه وزجره عمّا فیه فساده.
فالتعزیرات الشرعیه معظمها من هذا الباب ویشترط فیها قبل کلّ شیء أن تکون أمراً حلالاً لا حراماً، فلا یصحّ تعزیر الناس بأمر لم یشرِّعه الشارع. وعلى ضوء ذلک فلا یمکن أن یعد إمضاء عمر للتطلیقات الثلاث سیاسه شرعیه، لأنّه من قبیل دفع الناس إلى ما نهاهم الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) عنه وحذّرهم منه وعدّه لعباً بکتاب اللّه حیث قال غاضباً: «أیلعب بکتاب اللّه وأنا بین أظهرکم؟!»
وثانیاً: أنّ الصحابه والتابعین ومن تلاهم تلقوه تشریعاً قام به الخلیفه لا حکماً تأدیبیاً، ولذلک أخذوا به عبر القرون إلى یومنا هذا، و ما خالفه إلاّ النادر من أهل السنّه، کابن تیمیه فی «الفتاوى الکبرى»، وابن القیم فی «اعلام الموقعین» و«إغاثه اللهفان».
والحقّ أن یقال: انّ إمضاء هذا النوع من الطلاق من قبل الخلیفه بأیّ داع کان، قد جرّ الویل والویلات على الأُسر والعائلات، فصار سبباً لانفصام عُقَد الزوجیه فی عوائل کثیره.
وممّا ذکرنا یظهر ضعف تبریر ابن قیم الجوزیه عمل الخلیفه بقوله: إنّ هذا القول قد دلّ علیه الکتاب والسنّه والقیاس والإجماع القدیم، ولم یأت بعده إجماع یبطله، ولکن رأى أمیر المؤمنین عمر ـ رضى اللّه عنه ـ أنّ الناس قد استهانوا بأمر الطلاق وکثر منهم إیقاعه جمله واحده، فرأى من المصلحه عقوبتهم بإمضائه علیهم لیعلموا أنّ أحدهم إذا أوقعه جمله بانت منه المرأه، وحرّمت علیه، حتى تنکح زوجاً غیره نکاح رغبه، یراد للدوام لا نکاح تحلیل، فإذا علموا ذلک کفّوا عن الطلاق المحرَّم، فرأى عمر أنّ هذا مصلحه لهم فی زمانه، ورأى أنّ ما کانوا علیه فی عهد النبیّ وعهد الصدیق، وصدراً من خلافته کان الألیق بهم، لأنّهم لم یتابعوا فیه وکانوا یتّقون اللّه فی الطلاق، وقد جعل اللّه لکلّ من اتّقاه مخرجاً، فلمّـا ترکوا تقوى اللّه وتلاعبوا بکتاب اللّه وطلّقوا على غیر ما شرّعه اللّه ألزمهم بما التزموه عقوبه لهم فإنّ اللّه شرّع الطلاق مرّه بعد مرّه، ولم یشرّعه کلّه مرّه واحده .( [۸۹])
وبما ذکرنا حول کلام أحمد محمد شاکر یعلم ضعفه فلا نعید.
۳٫ تنفیذ الطلاق ثلاثاً للحد من الکذب
وربما یقال فی تبریر فعل الخلیفه الثانی هو وجود الفرق بین عصر رسول اللّه وعصر الخلیفه، ففی عصر رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) کان الناس فی صلاح وفلاح، وإذا قالوا: أردنا من قولنا: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، التکریر یؤخذ بقولهم، بخلاف عصر الخلیفه، فقد فشا فی عصره الفساد والکذب فکانوا یعتذرون بنفس ما کانت الصحابه یعتذرون به، وبما انّ قسماً کثیراً منهم یکذبون فی قولهم، بالتأکید لم یجد الخلیفه بداً من الأخذ بظاهر کلامهم وهو الطلاق ثلاثاً.
وهذا الوجه نقله الشوکانی، فقال: إنّ الناس کانوا فی عهد رسول اللّه وعهد أبی بکر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم فی الغالب الفضیله والاختیار لم یظهر فیهم خب ولا خداع، وکانوا یصدقون فی إراده التوکید، فلمّا رأى عمر فی زمانه أُموراً ظهرت وأحوالاً تغیرت وفشا إیقاع الثلاث جمله بلفظ لا یحتمل التأویل ألزمهم الثلاث فی صوره التکریر، إذ صار الغالب علیهم قصدها، وقد أشار إلیه بقوله: «إنّ الناس قد استعجلوا فی أمر کانت لهم فیه أناه».
ثمّ إنّ الشوکانی ردّه ـ بعد نقله ـ حیث قال: وقد ارتضى هذا الجواب القرطبی، وقال النووی: إنّه أصحّ الأجوبه، ولا یخفى انّ ما جاء بلفظ یحتمل التأکید وادعى انّه نواه یُصدَّق فی دعواه ولو فی آخر الدهر فکیف بزمن خیر القرون ومن یلیهم؟!
وإن جاء بلفظ لا یحتمل التأکید لم یصدق إذا ادّعى التأکید من غیر فرق بین عصر و عصر.( [۹۰])
أقول: إنّ هذا التبریر ـ بالإضافه إلى ما ذکره الشوکانیـ من قبیل دفع الفاسد بالأفسد، وقد زاد فی الطین بلّه، حیث إنّ المجیب حاول أن یبرر عمل الخلیفه ویبرّئه من الخطأ ولو على حساب کرامه قسم من الصحابه والتابعین، حیث إنّ کثیراً منهم کان یرجع إلى الخلیفه، فکیف یرمیهم بالکذب والخداع؟!
وفی الختام نأتی بکلمه قیمه للشوکانی، فانّه بعد ما ذکر أدلّه القائلین بوقوع الطلاق ثلاثاً، و تأویل روایه ابن عباس، و تبریر عمل الخلیفه، قال: فإن کانت تلک المماشاه لأجل مذاهب الأسلاف فهی أحقر وأقل من أن تُؤثَر على السنّه المطهره، وإن کانت لأجل عمر بن الخطاب فأین یقع المسکین من رسول اللّه، فأیَّ مسلم من المسلمین یستحسن عقله وعلمه ترجیح قول صحابی على قول المصطفى؟!( [۹۱])
نعم بعض علماء أهل السنّه فی هذه العصور فنّدهذا النوع من الطلاق، ولأجل ذلک تغیّـر قانون محاکم مصر الشرعیه وخالفمذهب الحنفیه بعد استقلالها وتحرّرها عن سلطنه الدوله العثمانیه. کما أنّ عدداً من مفتی أهل السنّه عمِد إلى تفنید هذا النوع من الطلاق، فی هذا الإطار یقول مؤلّف المنار بعد البحث الضافی حول المسأله: لیس المراد مجادله المقلّدین أو إرجاع القضاه والمفتین عن مذاهبهم، فإنّ أکثرهم یطّلع على هذه النصوص فی کتب الحدیث وغیرها ولا یبالی بها، لأنّ العمل عندهم على أقوال کتبهم دون کتاب اللّه وسنّه رسوله. ( [۹۲])
۴٫ تغیّـر الأحکام بالمصالح
ولابن قیم الجوزیه کلام مسهب فی تحلیل إمضاء عمر الطلاق ثلاثاً ، وهو یعتمد على تغیّـر الأحکام بالمصالح، ویخلط الصحیح بالسقیم، وإلیک ملخّص کلامه:
قال: الأحکام نوعان:
نوع لا یتغیّـر عن حاله واحده هو علیها، لا بحسب الأزمنه ولا الأمکنه ولا اجتهاد الأئمّه، کوجوب الواجبات وتحریم المحرّمات والحدود المقدره بالشرع على الجرائم.
والنوع الثانی: ما یتغیّـر بحسب اقتضاء المصلحه له زماناً ومکاناً وحالاً، کمقادیر التعزیرات وأجناسها وصفاتها ـ ثمّ أتى بأمثله کثیره فی باب التعزیراتـ وقال: ومن ذلک أنّه رضى اللّه عنه ـ یرید عمر بن الخطاب ـ لمّا رأى الناس قد أکثروا فی الطلاق، رأى أنّهم لا ینتهون عنه إلاّ بعقوبه، فرأى إلزامهم بها عقوبه لهم لیکفّوا عنها، وذلک:
إمّا من التعزیر العارض الذی یفعل عند الحاجه کما کان یضرب فی الخمر ثمانین ویحلق فیها الرأس.
وإمّا ظنّاً أنّ جعل الثلاث واحده کان مشروعاً بشرط وقد زال.
وإمّا لقیام مانع قام فی زمنه منع من جعل الثلاث واحده.
ـ إلى أن قال: ـ فلمّـا رأى أمیر المؤمنین أنّ اللّه سبحانه عاقب المطلِّق ثلاثاً، بأن حال بینه وبین زوجه وحرّمها علیه حتى تنکح زوجاً غیره، علم أنّ ذلک لکراهه الطلاق المحرّم، وبغضه له، فوافقه أمیر المؤمنین فی عقوبته لمن طلّق ثلاثاً بأن ألزمه بها وأمضاها علیه. وقال:
فإن قیل: کان أسهل من ذلک أن یمنع الناس من إیقاع الثلاث، ویحرمه علیهم ویعاقب بالضرب والتأدیب من فعله لئلاّ یقع المحذور الذی یترتّب علیه.
قیل: نعم ، لعمر اللّه کان یمکنه ذلک، ولذا ندم فی آخر أیامه وودَّ أنّه کان فعله، قال الحافظ أبو بکر الإسماعیلی فی مسند عمر: أخبرنا أبو یعلى، حدثنا صالح بن مالک، حدثنا خالد بن یزید بن أبی مالک، عن أبیه قال: قال عمر بن الخطاب: ما ندمت على شیء مثل ندامتی على ثلاث: أن لا أکون حرّمت الطلاق، وعلى أن لا أکون أنکحت الموالی، وعلى أن لا أکون قتلت النوائح.
ولیس مراده من الطلاق الذی حرّمه، الطلاق الرجعیّ الذی أباحه اللّه تعالى وعلم من دین رسول اللّه جوازه، ولا الطلاق المحرّم الذی أجمع المسلمون على تحریمه کالطلاق فی الحیض والطهر المجامع فیه، ولا الطلاق قبل الدخول، فتبیّـن قطعاً أنّه أراد تحریم الطلاق الثلاث ـ إلى أن قال: ـ ورأى عمر أنّ المفسده تندفع بإلزامهم به فلمّـا تبیّـن أنّ المفسده لم تندفع بذلک وما زاد الأمر إلاّ شدّه، أخبر أنّ الأولى کان عدوله إلى تحریم الثلاث الذی یدفع المفسده من أصلها، واندفاع هذه المفسده بما کان علیه الأمر فی زمن رسول اللّه (صلى الله علیه وآله وسلم) وأبی بکر وأوّل خلافه عمر. ( [۹۳])
یلاحظ علیه: أنّ ما ذکره من تقسیم الأحکام إلى نوعین، صحیح. ولکن من أین علم أنّ حکم الطلاق الثلاث من النوع الثانی، فأیّ فرق بین حکم الواجبات والمحرّمات وقوله سبحانه: ( الطلاق مرتان ) وکیف یتغیّـر حکم وصفَ رسول اللّه خلافه لعباً بالدین؟
وأمّا ما ذکره من الاحتمالات الثلاثه، فالاحتمال الأوّل هو المتعیّـن وهو الموافق لکلام الخلیفه نفسه، وأمّا الاحتمالان الأخیران ـ أی جعل الثلاث واحده کان مشروعاً بشرط وقد زال، أو قام مانع عن إمضائه ـ فلا یعتمد علیهما، ویبدو أن الدافع إلى تصوّر هذین الاحتمالین هو الخضوع للعاطفه وتبریر عمل الخلیفه بأی نحو کان.
۵٫ تغیّـر الأحکام حسب مقتضیات الزمان
إنّ الأحکام التی تتغیّـر بتغیّـر الزمان وتبدّل الظروف، عباره عن الأحکام التی حُدّد جوهرها برعایه المصالح، وترکت خصوصیاتها وأشکالها إلى رأی الحاکم الإسلامی، فهذا النوع من الأحکام یتعرّض للتغیّـر دون ما قام الشارع بتحدید جوهره وشکله وکیفیته، ولم یترک للحاکم الإسلامی أیّ تدخّل فیه، والأحکام الوارده فی الأحوال الشخصیه من هذا القبیل، فلیس للحاکم التدخل فی أحکام النسب والمصاهره والرضاع والعدد، فلیس له أن یحرّم ما أحلّ اللّه عقوبه للخاطئ وبالعکس، وإنّما هی أحکام ثابته لا تخضع لرأی حاکم وغیره.
وأمّا ما یجوز للحاکم التدخل فیه فهو عباره عن الأحکام التی ترکت خصوصیاتها وأشکالها إلى الحاکم، لیصون مصالح الإسلام والمسلمین، بما تقتضیه الظروف السائده، وإلیک نزراً یسیراً منها، لئلاّ یخلط أحدهما بالآخر:
۱٫ فی مجال العلاقات الدولیه الدبلوماسیه: یجب على الدوله الإسلامیه أن تراعی مصالح الإسلام والمسلمین، فهذا أصل ثابت وقاعده عامه، وأمّا کیفیه تلک الرعایه، فتختلف باختلاف الظروف الزمانیه والمکانیه، فتاره تقتضی المصلحه ، السلام والمهادنه والصلح مع العدو، وأُخرى تقتضی ضد ذلک.
وهکذا تختلف المقررات والأحکام الخاصّه فی هذا المجال، باختلاف الظروف، ولکنّها لا تخرج عن نطاق القانون العام الذی هو رعایه مصالح المسلمین، کقوله سبحانه:
( ولَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلکـافِرینَ على المؤمِنینَ سبیلا ) .( [۹۴])
وقوله سبحانه: ( لا ینهاکُمُ اللّهُ عن الَّذِین لم یقاتِلوکُمْ فی الدِّینِ ولَمْ یُخرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطوا إلیهمْ إنَّ اللّهَ یُحِبُّ المُقْسِطین ) .
( إنَّما ینهاکُمُ اللّهُ عنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُم فِی الدِّینِ وأخرَجُوکُم من دیارِکُمْ وظاهرُوا على إخراجِکُمْ أن تَولَّوهُمْ وَمَن یَتَولَّهُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمون ) .( [۹۵])
۲٫العلاقات الدولیه التجاریه: فقد تقتضی المصلحه عقد اتّفاقیات اقتصادیه وإنشاء شرکات تجاریه أو مؤسّسات صناعیه، مشترکه بین المسلمین وغیرهم، وقد تقتضی المصلحه غیر ذلک. ومن هذا الباب حکم الإمام المغفور له، الفقیه المجدّد السید الشیرازی بتحریم التدخین لیمنع من تنفیذ الاتّفاقیه الاقتصادیه التی عقدت فی زمانه بین إیران وانجلترا، إذ کانت مجحفه بحقوق الأُمّه المسلمه الإیرانیه، لأنّها خوّلت لانجلترا حقّ احتکار التنباک الإیرانی.
۳٫ الدفاع عن بیضه الإسلام وحفظ استقلال البلاد وصیانه حدودها من الأعداء، قانون ثابت لا یتغیّـر، فالمقصد الأسنى لمشرّع الإسلام، إنّما هو صیانه السیاده من خطر الأعداء وأضرارهم، ولأجل ذلک أوجب تحصیل قوه ضاربه، وإعداد جیش عارم جرّار، ضدّ الأعداء کما یقول سبحانه: ( وَأَعدُّوا لَهُمْ ما استطعتُمْ مِنْ قوَّه ) ( [۹۶]) ، فهذا هو الأصل الثابت فی الإسلام الذی یؤیده العقل والفطره، أمّا کیفیّه الدفاع وتکتیکه ونوع السلاح، أو لزوم الخدمه العسکریه وعدمه، فکلّها موکوله إلى مقتضیات الزمان، تتغیّـر بتغیّـره، ولکن فی إطار القوانین العامه، فلیس هناک فی الإسلام أصل ثابت، حتى مسأله لزوم التجنید الإجباری، الذی أصبح من الأُمور الأصلیه فی غالب البلاد.
وما نرى فی الکتب الفقهیه من تبویب باب أو وضع کتاب خاص، لأحکام السبق والرمایه، وغیرها من أنواع الفروسیه التی کانت متعارفه فی الأزمنه الغابره، ونقل أحادیث فی ذلک الباب عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم) وأئمّه الإسلام فلیست أحکامها أصلیه ثابته فی الإسلام، دعا إلیها الشارع بصوره أساسیه ثابته، بل کانت نوعاً من أنواع التطبیق لذلک الحکم، الغرض منه تحصیل القوّه الکافیه تجاه العدو فی تلک العصور، وأمّا الأحکام التی ینبغی أن تطبّق فی العصر الحاضر، فإنّها تخضع تفرضها لمقتضیات العصر نفسه. ( [۹۷])
فعلى الحاکم الإسلامی تقویه جیشه وقواته المسلحه بالطرق التی یقدر معها على صیانه الإسلام و معتنقیه عن الخطر، ویصدّ کلّ مؤامره علیه من جانب الأعداء حسب إمکانیات الوقت.
والمقنّن الذی یتوخّى ثبات قانونه ودوامه وسیاده نظامه الذی جاء به، لا یجب علیه التعرّض إلى تفاصیل الأُمور وجزئیاتها، بل الذی یجب علیه هو وضع الکلیات والأُصول لیسایر قانونه جمیع الأزمنه بأشکالها وصورها المختلفه، ولو سلک غیر هذا السبیل لصار حظّه من البقاء قلیلاً جدّاً.
۴٫ نشر العلم والثقافه واستکمال المعارف التی تضمن سیاده المجتمع مادیاً ومعنویاً یعتبر من الفرائض الإسلامیه، أمّا تحقیق ذلک وتعیین نوعه ونوع وسائله فلا یتحدّد بحدّ خاص، بل یوکل إلى نظر الحاکم الإسلامی، واللّجان المقرره لذلک من جانبه حسب الإمکانیات الراهنه فی ضوء القوانین الثابته.
وبالجمله: فقد ألزم الإسلام، رعاه المسلمین، وولاه الأمر نشر العلم بین أبناء الإنسان واجتثاث ماده الجهل من بینهم ومکافحه أیّ لون من الأُمیّه، وأمّا نوع العلم وخصوصیاته، فکل ذلک موکول إلى نظر الحاکم الإسلامی وهو أعلم بحوائج عصره.
فربّ علم، لم یکن لازماً، لعدم الحاجه إلیه، فی العصور السابقه، ولکنّه أصبح الیوم فی طلیعه العلوم اللازمه، التی فیها صلاح المجتمع، کالاقتصاد والسیاسه.
۵٫حفظ النظام وتأمین السبل والطرق، وتنظیم الأُمور الداخلیه ورفع المستوى الاقتصادی و… من الضروریات، فیتبع فیه وأمثاله، مقتضیات الظروف ولیس فیه للإسلام حکم خاص یتبع، بل الذی یتوخّاه الإسلام، هو الوصول إلى هذه الغایات، وتحقیقها بالوسائل الممکنه، دون تحدید وتعیین لنوع هذه الوسائل وإنّما ذلک متروک إلى إمکانیات الزمان الذی یعیش فیه البشر، وکلّها فی ضوء القوانین العامه.
۶٫ قد جاء الإسلام بأصل ثابت فی مجال الأموال، وهو قوله سبحانه: ( ولا تَأکُلوا أَموالَکُمْ بَینَکُمْ بِالباطِلِ ) ، وقد فرع الفقهاء على هذا الأصل شرطاً فی صحّه عقد البیع أو المعامله فقالوا: یشترط فی صحّه المعامله وجود فائده مشروعه وإلاّ فلا تصح المعامله، ومن هنا حرّموا بیع (الدم) وشراءه.
إلاّ أنّ تحریم بیع الدم وشرائه لیس حکماً ثابتاً فی الإسلام، بل التحریم کان فی الزمان السابق صوره إجرائیه لما أفادته الآیه من حرمه أکل المال بالباطل، وکان بیع الدم فی ذلک الزمان مصداقاً له، فالحکم یدور مدار وجود الفائده (التی تخرج المعامله عن کونها أکل المال بالباطل) وعدم تحقّق الفائده (التی تخرج المعامله عن کونها أکل المال بالباطل) فلو ترتّبت فائده معقوله على بیع الدم أو شرائه فسوف یتبدّل حکم الحرمه إلى الحلّیه، والحکم الثابت هنا هو قوله تعالى: ( لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل ) .
وفی هذا المضمار ورد أنّ علیاً (علیه السلام) سئل عن قول الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) : غیّـروا الشیب ولا تشبّهوا بالیهود؟ فقال(علیه السلام) : «إنّما قال (صلى الله علیه وآله وسلم) ذلک والدین قُلٌّ، فأمّا الآن فقد اتّسع نطاقه وضرب بجرانه فامْرؤٌ وما اختار». ( [98])
هذا ولمّا کان الحکم بصحه الطلاق ثلاثاً، مثیراً للفساد، عبر التاریخ، قام ابن قیم ـ مع تبریره عمل الخلیفه بما ذکر ـ ببیان ما ترتّب علیه من شماته أعداء الدین به، وها نحن ننقل نصّ کلامه:
جزاء الانحراف عن الطریق المهیع
إنّ ابن القیم ـ کما عرفت ـ کان من المدافعین المتحمّسین عن فتیا الخلیفه، وقد برّر حکمه بأنّ المصلحه یومذاک کانت تقتضی الأخذ بما التزم به المطلّق على نفسه، وقد عرفت ض آله دفاعه ووهن کلامه، ولکنّه ذکر فی آخر کلامه بأنّ المصلحه فی زماننا هذا على عکس ما کان علیه زمن الخلیفه، وأنّ تصحیح التطلیق الثلاث، جرّ الویلات على المسلمین فی أجوائنا وبیئاتنا، وصار سبباً لاستهزاء الأعداء، بالدین وأهله، وأنّه یجب فی زماننا هذا الأخذ بمُرّ الکتاب والسنّه، وهو أنّه لا یقع منه إلاّ واحد.
ولکنّه غفل عمّـا هو الحق فی المقام وأنّ المصلحه فی جمیع الأزمنه کانت على وتیره واحده، وأنّ ما حدّه سبحانه من الحدود، هو المطابق لمصالح العباد ومصائرهم، وأنّ الشناعه والاستهزاء اللَّتین یذکرهما ابن قیم الجوزیه إنّما نجمتا من الانحراف عن الطریق المهیَع والاجتهاد تجاه النص بلا ضروره مفضیه إلى العدول ومن دون أن یکون هناک حرج أو کلفه، ولأجل ذلک نأتی بکلامه حتى یکون عبره لمن یرید فی زماننا هذا أن یتلاعب بالأحکام الشرعیه بهذه المصالح المزعومه، وإلیک نصّ کلامه:
هذه المسأله ممّا تغیّـرت الفتوى بها بحسب الأزمنه وأمّا فی هذه الأزمان التی قد شکت الفروج فیها إلى ربّها من مفسده التحلیل، وقبح ما یرتکبه المحلّلون ممّا هو رمد بل عمىً فی عین الدین، وشجىً فی حلوق المؤمنین، من قبائح تشمّت أعداء الدین بها، وتمنع کثیراً ممّن یرید الدخول فیه بسببه، بحیث لا یحیط بتفاصیلها خطاب، ولا یحصرها کتاب، یراها المؤمنون کلّهم من أقبح القبائح ویعدّونها من أعظم الفضائح، قد قلبت من الدین رسمه، وغیّـرت منه اسمه، وضمخ التیس المستعار فیها المطلّقهَ بنجاسه التحلیل، وقد زعم أنّه قد طیّبها للحلیل، فیا للّه العجب ! أیّ طیب أعارها هذا التیس الملعون؟! وأیّ مصلحه حصلت لها ولمطلِّقها بهذا الفعل الدون؟!
أترى وقوف الزوج المطلِّق أو الولی على الباب، والتیس الملعون قد حلّ أزارها وکشف النقاب، وأخذ فی ذلک المرتع، والزوج أو الولی ینادیه: لم یُقدَّم إلیک هذا الطعام لتشبع، فقد علمت أنت والزوجه ونحن والشهود والحاضرون والملائکه الکاتبون، وربّ العالمین، أنّک لست معدوداً من الأزواج، ولا للمرأه أو أولیائها بک رضاً ولا فرح ولا ابتهاج، وإنّما أنت بمنزله التیس المستعار للضراب، الذی لولا هذه البلوى لما رضینا وقوفک على الباب، فالناس یُظهرون النکاح ویُعلنونه فرحاً وسروراً ، ونحن نتواصى بکتمان هذا الداء العضال، ونجعله أمراً مستوراً بلا نثار ولا دف ، ولا خوان ولا اعلان، بل التواصی بهس ومس والاخفاء والکتمان، فالمرأه تنکح لدینها وحسبها ومالها وجمالها.
والتیس المستعار لا یسأل عن شیء من ذلک، فانّه لا یُمسک بعصمتها، بل قد دخل على زوالها، واللّه تعالى قد جعل کل واحد من الزوجین سکناً لصاحبه، وجعل بینهما موده ورحمه لیحصل بذلک مقصود هذا العقد العظیم، وتتم بذلک المصلحه التی شرّعه لأجلها العزیز الحکیم.
فسل التیس المستعار: هل له من ذلک نصیب، أو هو من حکمه هذا العقد ومقصوده ومصلحته أجنبی غریب؟! وسله: هل اتّخذ هذه المصابه حلیله وفراشاً یأوى إلیه؟ هل رضیت به قط زوجاًوبعلاً تعول فی نوائبها علیه؟! وسل أُولی التمییز والعقول: هل تزوّجت فلانه بفلان؟! وهل یعد هذا نکاحاً فی شرع أو عقل أو فطره إنسان؟ وکیف یلعن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم) رجلاً من أُمّته نکح نکاحاً شرعیاً صحیحاً، ولم یرتکب فی عقده محرماً ولا قبیحاً؟! وکیف یشبهه بالتیس المستعار، وهو من جمله المحسنین الأبرار؟! وکیف تعیّـر به المرأه طول دهرها بین أهلها والجیران، وتظل ناکسه رأسها إذا ذکر ذلک التیس بین النسوان؟! وسل التیس المستعار: هل حدّث نفسه وقت هذا العقد الذی هو شقیق النفاق، بنفقه أو کسوه أو وزن صداق؟! وهل طمعت المصابه منه فی شیء من ذلک، أو حدّثت نفسها به هنالک؟! وهل طلب منها ولداً نجیباً واتّخذته عشیراً وحبیباً؟!
وسل عقول العالمین وفطرهم: هل کان خیر هذه الأُمّه أکثرهم تحلیلاً، وکان المحلّل الذی لعنه اللّه ورسوله أهداهم سبیلاً؟ وسل التیس المستعار ومن ابتلیت به: هل تجمّل أحد منهما لصاحبه کما یتجمّل الرجال بالنساء والنساء بالرجال، أو کان لأحدهما رغبه فی صاحبه بحسب أو مال أو جمال؟ وسل المرأه: هل تکره أن یتزوّج علیها هذا التیس المستعار أو یتسرّى، أو تکره أن تکون تحته امرأه غیرها أُخرى، أو تسأله عن ماله وصنعته أو حسن عشیرته وسعه نفقته؟! وسل التیس المستعار: هل سأل قط عمّـا یسأله عنه مَن قصد حقیقه النکاح، أو یتوسل إلى بیت أحمائه بالهدیه والحموله، والنقد الذی یتوسّل به خاطب الملاح؟ وسله: هل هو «أبو یأخذ» أو «أبو یعطی»؟ وهل قوله عند قراءه أبی جاد هذا العقد: خذی نفقه هذا العرس أو حطی؟ وسله: هل تحمّل من کلفه هذا العقد خذی نفقه هذا العرس أو حطی؟
وسله عن ولیمه عرسه، هل أولم ولو بشاه؟ وهل دعا إلیها أحداً من أصحابه فقضى حقّه وأتاه؟ وسله: هل تحمّل من کلفه هذا العقد ما یتحمّله المتزوّجون، أم جاءه ـ کما جرت به عاده الناس ـ الأصحاب والمهنئون؟ وهل قیل له بارک الله لکما وعلیکما وجمع بینکما فی خیر وعافیه، أم لعن الله المحلِّل والمحلَّل له لعنه تامه وافیه؟ ( [۹۹])
یلاحظ علیه: أنّ العار الّذی ـ على زعمه ـ دخل الإسلام رهن تصحیح الطلاق ثلاثاً، وأنّ الطلاق الواحد حقیقه یعد ثلاثاً، وأمّا ما شرّعه الذکر الحکیم من توقّف صحّه النکاح بعد التطلیقات الثلاث على المحلّل فهو من أفضل قوانینه المشرقه، وأرسخها وأتقنها فلا یدخل العار من جانبه على الإسلام أبداً، وذلک:
أوّلاً: أنّه یصد الزوج عن الطلاق الثالث لما یعلم أنّ النکاح بعده یتوقّف على التحلیل الّذی لا یتحمّله أکثر الرجال.
وثانیاً: أنّه لا یقوم به إلاّ إذا یئس من التزویج المجدّد، لأنّ التجارب المتکرّره، أثبتت أنّ الزوجین لیسا على شاکله واحده من جانب الأخلاق والروحیات فلا یُقدِم على الطلاق إلاّ إذا کان آیساً من الزواج المجدّد وقلّما یتّفق تجدد الجنوح إلى بناء البیت بالزوجه الّتی طلّقها ثلاثاً لو لم نقل إنّه یندر جداً ـ فعند ذاک تقل الحاجه إلى المحلّل جداً، وهذا بخلاف تصحیح الطلاق الواحد، ثلاثاً، فکثیراً ما یندم الزوج من الطلاق ویرید إعاده بناء البیت الّذی هدمه بالطلاق ـ وهو حسب الفرض یتوقّف على المحلّل الّذی یلصق العار بهما ویترتّب علیه ما ذکره ابن قیم الجوزیه فی کلامه المسهب.
وفی کلامه ملاحظات أُخرى ترکناها خصوصاً فی تصویره المحلّل کأنّه الأجیر للتحلیل، ویتزوّج لتلک الغایه، وهو تصویر خاطئ جداً، بل یتزوج بنفس الغایه الّتی یتزوّج لأجلها سائر النساء، غیر أنّه لو طلّق الزوجه عن اختیار یصیر حلالاً للزوج السابق، وأین ذلک ممّا جاء فی کلامه؟!
__________________________________
[۱] -المائده: ۳ .
[۲] -آل عمران: ۱۰۳ .
[۳] – الانتصار : ۱۲۷ ـ ۱۲۸٫
[۴] – الخلاف: ۲، کتاب الطلاق المسأله ۵٫
[۵] – فقه السنه:۲/ ۲۳۰٫
[۶] – الطلاق: ۲٫
[۷] – جامع البیان: ۲۸ / ۸۸٫
[۸] – الدر المنثور: ۶/۲۳۲، وعمران بن حصین من کبار أصحاب الإمام علیّ (علیه السلام) .
[۹] – الجامع لأحکام القرآن: ۱۸/ ۱۵۷٫
[۱۰] – روح المعانی: ۲۸/ ۱۳۴٫
[۱۱] – الانتصار: ۳۰۰٫
[۱۲] – نظام الطلاق فی الإسلام: ۱۱۸ـ ۱۱۹٫
[۱۳] – الأحوال الشخصیه: ۳۶۵، کما فی الفقه على المذاهب الخمسه: ۱۳۱(والآیه: ۲ـ۳ من سوره الطلاق).
[۱۴] – الطلاق:۱ـ ۲٫
[۱۵] – الوسائل: ج۱۵ الباب ۱۰ من أبواب مقدّمات الطلاق، الحدیث ۷ و۳ ولاحظ بقیه أحادیث الباب.
[۱۶] – الوسائل: ج۱۵ الباب ۱۰ من أبواب مقدّمات الطلاق، الحدیث ۷ و۳ ولاحظ بقیه أحادیث الباب.
[۱۷] – الوسائل:۱۵، الباب۱۰ من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه، الحدیث ۳٫
[۱۸] – الوسائل: ج۱۵ الباب ۱۰ من أبواب مقدّمات الطلاق، الحدیث ۱۲ ولاحظ بقیه أحادیث الباب.
[۱۹] – مجمع البیان : ۵/ ۳۰۶٫
[۲۰] – روح المعانی: ۲۸/ ۱۳۴٫
[۲۱] – مرّ نصّ کلامه حیث قال: والتفریق بینهما غریب.
[۲۲] – أصل الشیعه وأُصولها: ۱۶۳ـ ۱۶۵ ، الطبعه الثانیه.
[۲۳] – یقف على صدق هذا، من طالع مبحث الحلف بالطلاق فی الکتب الفقهیه التی تعبر عنه بالطلاق غیر المعتبر، حیث أصبح الطلاق أُلعوبه بید الزوج.
[۲۴] – مقدّمه « نظام الطلاق فی الإسلام » : 6.
[۲۵] – نظام الطلاق فی الإسلام: ۹ـ ۱۰٫
[۲۶] – الخلاف: ۲ کتاب الطلاق ، المسأله ۳٫ وعلى ما ذکره، نقل عن الإمام علیّ رأیان متناقضان: عدم الوقوع والوقوع مع الإثم.
[۲۷] – بدایه المجتهد: ۲/۶۱ ، ط بیروت.
[۲۸] – الفقه على المذاهب الأربعه: ۴/ ۳۴۱٫
[۲۹] – الفقه الإسلامی وأدلّته:۷/۳۹۱ ـ ۳۹۲٫
[۳۰] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۱٫
[۳۱] – البقره: ۲۲۸٫
[۳۲] – البقره: ۲۲۹٫
[۳۳] – مجمع البیان:۱/۳۲۸; تفسیر البغوی: ۱/۳۲۸; تفسیر البغوی:۱/۳۰۴; روح المعانی:۲/۱۳۵; الکاشف:۱/ ۳۴۶٫
[۳۴] – البقره: ۲۳۰٫
[۳۵] – البقره: ۲۳۱٫
[۳۶] – الطلاق: ۲٫
[۳۷] – هذه الوجوه ذکرها الجصّاص فی تفسیره:۱/ ۳۸۹٫
[۳۸] – تفسیر القرطبی:۳/ ۱۲۸٫
[۳۹] – البقره: ۲۲۹٫
[۴۰] – النساء: ۲۰٫
[۴۱] – البقره: ۲۳۰٫
[۴۲] – التفسیر الکبیر:۶/ ۱۰۳٫
[۴۳] – المراد صلاه جعفر الطیّار.
[۴۴] – المحلى: ۱۰/ ۱۶۸٫
[۴۵] – الأحزاب:۳۰ـ ۳۱٫
[۴۶] – أحکام القرآن: ۱/۳۷۸ـ ۳۷۹٫
[۴۷] – السنن الکبرى:۷/۳۱۸ـ ۳۲۱; المستدرک للحاکم:۲/۲۴، وغیرهما من المصادر المتوفره.
[۴۸] – السنن الکبرى:۷/ ۳۲۱٫
[۴۹] – نظام الطلاق فی الإسلام: ۷۲٫
[۵۰] – تفسیر ابن کثیر:۱/ ۵۳٫
[۵۱] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۴٫
[۵۲] – البقره: ۲۳۱٫
[۵۳] – فخرج الطلاق البائن کطلاق غیر المدخوله، وطلاق الیائسه من المحیض الطاعنه فی السن وغیرهما.
[۵۴] – الطلاق: ۱٫
[۵۵] – قرب الاسناد : ۳۰; ورواه الحر العاملی فی وسائل الشیعه ج۱۵، الباب ۲۹ من أبواب مقدّمات الطلاق، الحدیث ۲۵٫
[۵۶] – سنن النسائی: ۶/۱۴۲; الدر المنثور: ۱/ ۲۸۳٫
[۵۷] – مسند أحمد:۵/ ۴۲۷٫
[۵۸] – لاحظ :۶/ ۶۷٫
[۵۹] – فتح الباری: ۹/ ۳۱۵٫ ومع ذلک قال: رجاله ثقات، وقال فی کتابه الآخر « بلوغ المرام » : 224 : رواته موثّقون; ونقل الشوکانی فی نیل الأوطار: ۶/۲۲۷، عن ابن کثیر أنّه قال: اسناده جید.
[۶۰] – بدایه المجتهد: ۲/ ۶۱٫ ورواه آخرون کابن قیم فی إغاثه اللهفان: ۱۵۶، والسیوطی فی الدر المنثور: ۱/۲۷۹ وغیرهم.
[۶۱] – مسند أحمد : ۱/ ۲۶۵٫
[۶۲] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۲٫
[۶۳] – المحلى: ۱۰/ ۱۷۲٫
[۶۴] – مسند أحمد:۷/۵۶۳، حدیث ۲۶۷۸۹٫
[۶۵] – سنن الدارقطنی:۴/۲۹، کتاب الطلاق، الحدیث ۸۰٫
[۶۶] – أی طلّقها الزوج الثانی.
[۶۷] – المحلى:۱۰/ ۱۷۱٫
[۶۸] – صحیح مسلم:۲، باب الطلاق الثلاث، الحدیث ۱۵٫
[۶۹] – سنن البیهقی:۷/ ۳۲۸٫
[۷۰] – اتّفقت فقهاء المذاهب الأربع على أنّ اللعان یحرم مؤبداً فلا تحلّ له أبداً حتّى وإن أکذب نفسه، نعم قالت الحنفیه بالحرمه المؤبده إلاّ إذا أکذب نفسه.( الفقه الإسلامی وأدلّته:۷/۱۷۷).
[۷۱] – عمده القارئ:۲۰/ ۲۲۲٫
[۷۲] – فجر الإسلام : ۲۳۸، نشر دار الکتاب.
[۷۳] – صحیح مسلم: ۴/۱۸۴ باب الطلاق الثلاث، الحدیث ۱ـ ۳٫ التتایع: بمعنى التتابع فی الشر.
[۷۴] – صحیح مسلم: ۴/۱۸۴ باب الطلاق الثلاث، الحدیث ۱ـ ۳٫ التتایع: بمعنى التتابع فی الشر.
[۷۵] – صحیح مسلم: ۴/۱۸۴ باب الطلاق الثلاث، الحدیث ۱ـ ۳٫ التتایع: بمعنى التتابع فی الشر.
[۷۶] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۳٫
[۷۷] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۴٫
[۷۸] – سنن البیهقی: ۷/۳۳۹; الدر المنثور: ۱/ ۲۷۹٫
[۷۹] – عمده القارئ: ۹/۵۳۷، وقال: اسناده صحیح.
[۸۰] – کنز العمال: ۹/۶۷۶، برقم ۲۷۹۴۳٫
[۸۱] – کنز العمال: ۹/۶۷۶، برقم ۲۷۹۴۳٫
[۸۲] – العینی: عمده القارئ: ۹/ ۵۳۷٫
[۸۳] – تیسیر الوصول: ۳/ ۱۶۲٫
[۸۴] – إیقاظ همم أُولی الأبصار : ۹٫
[۸۵] – مسند أحمد : ۱/۳۱۴، برقم ۲۸۷۷٫
[۸۶] – کنز العمال : ۹/۶۷۶، برقم ۲۷۹۴۴٫
[۸۷] – الدر المنثور : ۱/ ۲۸۳٫
[۸۸] – نظام الطلاق فی الإسلام: ۸۰٫
[۸۹] – اعلام الموقعین : ۳/ ۳۶٫
[۹۰] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۳٫
[۹۱] – نیل الأوطار:۶/ ۲۳۴٫
[۹۲] – تفسیر المنار: ۲/۳۸۶، الطبعه الثالثه ـ ۱۳۷۶هـ.
[۹۳] – إعلام الموقعین : ۳/۳۶، وأشار إلیه أیضاً فی کتابه « إغاثه اللهفان من مصاید الشیطان » : 1/ 336.
[۹۴] – النساء: ۱۴۱٫
[۹۵] – الممتحنه:۸ـ ۹٫
[۹۶] – الأنفال: ۶۰٫
[۹۷] – قال المحقق فی « الشرائع » : 152: وفائده السبق والرمایه: بعث النفس على الاستعداد للقتال والهدایه لممارسه النضال وهی معامله صحیحه.
وقال الشهید الثانی: فی « المسالک » فی شرح عباره المحقّق: لا خلاف بین المسلمین فی شرعیه هذا العقد، بل أمر به النبی فی عدّه مواطن لما فیه من الفائده المذکوره وهی من أهم الفوائد الدینیه لما یحصل بها من غلبه العدو فی الجهاد لأعداء اللّه تعالى. الذی هو أعظم أرکان الإسلام ولهذه الفائده یخرج عن اللهو واللعب المنهى عن المعامله علیهما.
فإذا کانت الغایه من تشریعها الاستعداد للقتال والتدرّب للجهاد، فلا یفرق عندئذ بین الدارج فی زمن النبیّ (صلى الله علیه وآله وسلم) وغیره أخذاً بالملاک المتیقّن.
[۹۸] – نهج البلاغه، الحکمه رقم ۱۶٫ لاحظ کتابنا مفاهیم القرآن : ۳/۲۶۵ ـ ۲۷۵٫
[۹۹] – اعلام الموقّعین: ۳/۴۱ـ ۴۳٫ ولاحظ إغاثه اللهفان له أیضاً: ۱/ ۳۱۲٫

Leave A Reply

Your email address will not be published.