أصح الصحاح حسب هذه الموازین والمقاییس

0

وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاری نحو ثمانین وفی الواقع هذه مشکله فالوقوف على أسرار الرجال محال . . . ولکن ماذا یصنع بمستور الحال (۲) وقال رشید رضا عن صحیح البخاری ومسلم . . . إنه یوجد فی غیرهما من دواوین السنه أحادیث أصح من بعض ما فیهما (۳) . وقال أیضا ما کلف الله مسلما أن یقرأ صحیح البخاری ویؤمن بکل ما فیه (۴) .
ــــــــــــــــــ
(۱) مقدمه فتح الباری ص ۴ ، وهدى الساری ج ۲ ص ۲۰۱ وص ۹۴ وص ۱۱ وج ۱ ص ۱۸۶ من فتح الباری ، وأضواء على السنه المحمدیه ص ۳۰۰ .
(۲) ضمن الإسلام ج ۲ ص ۱۱۷ – ۱۱۸ وص ۳۰۳ من الأضواء .
(۳) المنار ج ۲۹ ص ۱۰۴ و ۱۰۵ ، والأضواء ص ۳۰۵ .
(۴) المراجع السابقه ، والأضواء ص ۳۰۵  . ( * )
ثم إن البخاری ومسلم قد ذکرا أحادیث فی صحیحیهما ، أسانیدها صحیحه ورجالها ثقات حسب رأیهما ، ومع هذا فإنها تخالف نصوصا محکمه فی القرآن الکریم وتخالف ما هو معلوم من الدین بالضروره ! ! ، فقد ذکر البخاری ومسلم فی صحیحیهما أحادیث تتعلق بسلوک الرسول منها على سبیل المثال الحدیث الذی یصور الرسول بصوره الرجل الذی یفقد السیطره على أعصابه فیسب بعض الناس ویشتمهم ویلعنهم ویؤذیهم بغیر سبب ولا خطأ صدر منهم ! ! فالشخص العادی من الناس یترفع عن فعل هذا فکیف بصفوه بنی الإنسان ، وکیف یوحد البخاری ومسلم بین هذا الحدیث وأمثاله وبین قوله تعالى عن الرسول الکریم ( وَإِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِیمٍ ) فهل من الخلق العظیم أن یسبب الرسول ویشتم ویلعن ویؤذی بعض الناس بدون ذنب ولا سبب ! لقد سقنا فی البحوث السابقه عده نماذج من طراز هذا الحدیث ! !
لکن البخاری ومسلم یعلمان بأن رسول الله قد لعن الکثیر من الخلفاء ، ومن کبار أعوانهم ، لیکون هذا اللعن بمثابه میسم یعرفهم المسلمون به ، فعز على البخاری ومسلم أن یتولى منصب الخلافه رجال لعنهم الله على لسان رسوله ، لذلک فضلا أن یتحمل رسول الله المسؤولیه ، وأن تبرأ ساحه الخلفاء ! !
وکان بإمکان البخاری ومسلم أن یفعلا ما فعل الطبری ، فبدلا من أن یروی الطبری الحدیث على الوجه التالی " إن الرسول قد قال لعلی بن أبی طالب : أنت أخی وخلیفتی ووصیی فیهم " رواه کما یلی " قال الرسول لعلی : أنت أخی وکذا وکذا . . . " وکان بإمکانهما أن یعتذرا بما اعتذر به الطبری عندما أعرض عن رساله محمد ابن أبی بکر وبرر ذلک بقوله : فیها أمور لا تحتمل العامه سماعها ! ! فلو اعتذر البخاری ومسلم بعذر مشابه ، لکن أقرب للمنطق من تصویر الرسول بتلک الصور التی لا تلیق بجنابه الأقدس ، ولا بمکانته السامیه الرفیعه ! !
تقییم الموازین والمقاییس التی أوجدها علماء دوله الخلافه لفرز ما قاله الرسول عما تقوله الرواه علیه
الجهود العظیمه والمضنیه التی بذلها علماء دوله الخلفاء فی روایه وجمع وکتابه سنه الرسول ، والمحاولات الصادقه التی قاموا بها لتمییز ما قاله الرسول فعلا عما تقوله الرواه علیه تستحق کل الشکر والعرفان بغض النظر عن النتائج المتواضعه التی أسفرت عنها تلک الجهود والمحاولات !
 1 – والعمل العظیم الذی قاموا به ، أقل بکثیر مما کان مأمولا منهم ، وواجبا علیهم ! لأن العلماء هم أعمده المجتمع ، والحکام الفعلیون للناس ، وهم الأبعد نظرا والذین یتحملون مسؤولیه خاصه .
لقد منعت دوله الخلافه کتابه وروایه سنه رسول الله ، وأحرقت المکتوب منها ، ودام المنع مائه عام ونیف، فهل روى التاریخ لنا أن وفدا من العلماء ، قد قابل أی خلیفه من خلفاء بنی أمیه وشرح له المخاطر التی تترتب على الاستمرار بمنع کتابه وروایه أحادیث رسول الله ؟ ! !
کانت هذه الخطوه أبسط واجبات العلماء ، وأقل مظاهر ممارستهم لمسؤولیاتهم الخاصه ! ! لم یرو التاریخ شیئا عن مثل هذا الوفد ! ! نحن لا نطالب بأن یمتنع العلماء عن موالاه الخلیفه القائم ، بل طالبنا بأن ینصحوه ویبینوا له الدرب باعتبار أن الدین هو النصیحه ! !
لقد کان علماء دوله الخلافه فصیلا من الجیش ، یأمره الخلیفه فیطیع ، وینهاه فینتهی ! !
إن قرار السماح بکتابه قرار حکومی من کل الوجوه اتخذه الخلیفه بمحض اختیاره ونال شرفه وحده وتابع الخلفاء تنفیذه ، ولا بد لعلماء دوله الخلافه فیه ولا فضل لهم علیه ، بل الثابت أنهم قد قاوموه فی البدایه ، ومضت مده ثلاثین عاما قبل أن یعقلوه بحجه تعارضه مع سنه الخلفاء الراشدین ، ولما أصر الخلفاء على قرارهم نفذه علماء دوله الخلافه وهم کارهون ، لا قناعه بوجاهته ، ولکن خوفا من سلطان الدوله ! ! وتلک أمور تسجل على علماء دوله الخلافه لا لهم .
 2 – لقد کلف العلماء أنفسهم بما لا قبل لهم به ، ولا طاقه لهم علیهم : فطوال مائه عام ونیف دوله عظمى تقف بکل قوتها ونفوذها ومواردها ضد کتابه وروایه سنه الرسول ، وفی الوقت نفسه تضع وتطبق سننا واجتهادات بدیله لسنه الرسول ، ولما قرر عمر بن عبد العزیز السماح بکتابه وروایه سنه الرسول ، کانت السنن والاجتهادات البدیله تشکل منظومه حقوقیه کامله ، ونافذه المفعول ، أو کانت هذه السنن والاجتهادات بمثابه القانون الوحید النافذ فی المجتمع کله ، کان دور سنه الرسول مقتصرا على العبادات ، أو على بعض الأمور التی لا تتعارض مع السنن الوضعیه والاجتهادات التی قبلت بها الأغلبیه الساحقه من المسلمین طوعا أو کرها ، ثم اعتادت علیها ، فمن یتوقع من هذه الأغلبیه أن تتنازل عن قوانینها النافذه ! ! ومن یتوقع منها أن تقر وتعترف بأنها قد ترکت النص وأخذت بالاجتهاد ، وأنها قد ترکت سنه رسول الله وأخذت بسنه الخلفاء ! ! وهذا یستدعی إضفاء الشرعیه الإسلامیه أیه شرعیه ولو على السنن والاجتهادات التی حلت محل سنه الرسول ! ! وهذا یستدعی أن توحد الأغلبیه جهودها ، وأن تعیق إظهار سنه الرسول التی ستدینها .
لقد کانت الأغلبیه الساحقه من المجتمع ضد فکره تدوین السنه وروایتها ، لأنها قد اعتادت طوال مائه عام على مبدأ عدم کتابه وتدوین سنه الرسول ! ! ! لذلک فإن للأغلبیه مصلحه بإجهاض أو إفشال فکره تدوین وروایه سنه الرسول ، ولها مصلحه بخلط الأوراق ، بحیث لا یعرف على وجه الیقین ما هی سنه الرسول وما هی سنه الخلفاء ! ! ولها مصلحه بأن لا یعرف على وجه الیقین أین هی مواقع التعارض والتصادم والتناقض بین سنه الرسول وسنن الخلفاء ! !
ثم إن العلماء أنفسهم کان لهم تفکیر الأکثریه ، وثقافه الأکثریه ، وکانوا یعتبرون أنفسهم والأکثریه صفا واحدا أو فریقا واحدا ، لأنهم قد أشربوا القناعات نفسها ! ! فعملیه فرز ما قاله الرسول ، عما تقولته الأکثریه أو الرواه علیه بهذا المناخ وعلى أیدی أولئک العلماء کانت عملیه مستحیله ، لأنها ضد الطبیعه .
 3 – إن علماء دوله الخلافه کانوا یعلمون علم الیقین بأن رسول الله قد قال " لقد ترکت فیکم الثقلین ، ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا کتاب الله وعترتی أهل بیتی وقد أنبأنی اللطیف الخبیر أنهما لن یفترقا ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما ! وحتى بعد عملیات الفرز أکد مسلم فی صحیحه حتمیه صدور حدیث الثقلین عن رسول الله ، ثم إن القرآن الکریم قد ذکر أهل البیت الذین أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا ، وذکر آیه الموده فی القربى ، وکیف ینسى علماء دوله الخلافه قیمه آل محمد ، وقد أمرهم الله أن یصلوا على محمد وآله فی کل صلاه .
لنفترض أن علماء دوله الخلافه حیادیین وموضوعیین ، فطالما أنهم یواجهون مشکله کبرى بهذا التعقید ، ولهم الرغبه الصادقه بحلها ، فما الذی یمنعهم من الاستعانه بأهل الخبره وبالقادرین على المساهمه بالحل ! !
فهل ذکر لنا التاریخ أن مجموعه أو وفدا من العلماء قد ذهب لمقابله عمید آل محمد وسأله کیف نمیز ما قاله الرسول عما تقوله الرواه علیه ! ! ! فی کل وقت من الأوقات کان لآل محمد عمید أو إمام یعترف المسلمون به کشیخ لآل محمد ، فهل قابل علماء دوله الخلافه الإمام الباقر ، أو الصادق ، أو الکاظم ، فالثلاثه أحفاد النبی ، والثلاثه عمداء لأهل بیت النبوه – کل فی زمانه – والدوله والرعیه یعترفون بأنهم أحفاد النبی ، وعمدا أو شیوخ آل محمد ! ! فماذا یغیر العلماء ، لو وجهوا لأی واحد منهم السؤال الآنف الذکر ! ! ألا یستطیع وفد العلماء أن یقول لعمید أهل البیت : عندک سنه الرسول مکتوبه ، فدعنا نحضر لک ما کتبناه ، لتمیز لنا منه ما قاله الرسول ، مما تقوله الناس علیه ! !
إن التاریخ لم یذکر لنا مثل هذا الوفد ، ولم یذکر لنا أن مثل هذا السؤال قد طرح أصلا ! ! ! إذا لم یلجأ لأحد ثقلی الإسلام لحل هذه المشکله الخطیره فمتى یلجؤون ! ! ! ما هی العداوه بین علماء دوله الخلافه وبین عمداء أهل بیت النبوه ! ! ! وما هو المانع من اللجوء إلیهم ، ومن سؤالهم ! ! ! إن الإنسان یلجأ لعدوه فی أمور أقل خطوره من ذلک ، فلو کان أحدهم مریضا ، واکتشف أن العلاج لا یتوفر إلا فی صیدلیه نصرانی، أو یهودی ، أو مجوسی . . . الخ فما هو وجه الغلط إن أخذ العلاج من تلک الصیدلیه ! ! !
لقد سمع العلماء ممن هم أقل مرتبه من أهل بیت النبوه ، لقد سألوا کعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وتمیم الدارمی وغیرهم وهم لا یصلحون خداما لأهل بیت النبوه ولعمدائهم فما هو الغلط فی رجوع علماء دوله الخلافه لآل محمد وسؤالهم ! ! !
ولکن ثقیل على نفوس علماء دوله الخلافه أن یسألوا عمید أهل بیت النبوه ، أو أن یلجؤوا إلى أهل البیت ، أو أن یعترفوا بمنزله أهل بیت النبوه عند الله ورسوله أو بدورهم الممیز فی المسلمین بعد وفاه رسول الله ، لأن ذلک یخالف سنه الخلفاء ، وما تعارفت علیه الأغلبیه الساحقه من الأمه طوال مائه عام ونیف ، ویتعارض مع ثقافه التاریخ التی تربى علیها العلماء والأغلبیه ، وأشربتها قلوبهم ، لقد تعود علماء دوله الخلافه على طاعه الخلفاء ، والالتزام التام بتوجههم العام ، وقلوب الخلفاء مسکونه بالحساسیه من أهل بیت النبوه ، وملیئه بالحذر والخوف منهم لأن الخلفاء موقنون بأنهم قد أخذوا ما لیس لهم ، وجلسوا فی مقعد مخصص لغیرهم وهم یتوقعون دائما أن یطالب مالک الحاجه بملکه ، وصاحب المقعد بمقعده ، لذلک انحصر هم الخلفاء وأعوانهم ، بوضع العوائق والعراقیل التی تحول بین المالک وملکه وصاحب المقعد ومقعده ، وحملوا الناس على ذلک ، وشارک العلماء المجتمع فی ذلک ! ! !
هذه هی الأسباب التی حالت بین العلماء وبین الاستعانه بأهل بیت النبوه أحد ثقلی الإسلام لمعرفه الحق من الباطل ، وما قاله الرسول مما تقوله الرواه علیه ! ! لقد قلد علماء دوله الخلفاء ، ولم یبدعوا ، وألزموا أنفسهم بأن یکونوا تبعا لدوله الخلافه ، لا روادا لها ، وفصیلا من جیشها مهمته الطاعه ، لا حکماء مهمتهم أن یستکشفوا معالم المستقبل ! ! !
 4 – ثم أوقع علماء دوله الخلافه أنفسهم ، بمطب جدید ، یوم تبنوا حرفیا نظریه عداله کل الصحابه ، التی وضعها معاویه بن أبی سفیان ، ووضعوا أنفسهم والأغلبیه الساحقه التی اتبعتهم ، بحاله صدام ومواجهه وتناقض دائم مع القرآن الکریم ، والثابت من سنه الرسول ، وما هو معلوم من الدین بالضروره ، عندما أوجدوا حکما مفاده " بأن کل الصحابه بلا استثناء عدول " وأن هذا الحکم ینطبق على کل من لقی الرسول مؤمنا به أو متظاهرا بالإیمان ، وعلى کل من شاهد الرسول ، أو شاهده الرسول . . . لا فرق بین سابق ومتأخر وقاعد ومجاهد ، وخامل ومجتهد ، ومصیب ومخطئ ، ولا بین من قاتل مع رسول الله فی کل مواقع ، ومن قاتله فی کل المواقع حتى أحیط به فاضطر مکرها للتلفظ بالشهادتین ولا فرق بین مؤمن صادق الإیمان ، ومنافق یظهر الإسلام ویبطن النفاق ! ! کل واحد من مواطنی دوله الرسول حسب هذا المعیار الفضفاض صحابی ، لأن کل مواطن من مواطنی دولته (صلّى الله علیه وآله)إما أن یکون قد رأى الرسول أو أن الرسول قد رآه ، فهل یعقل أن یکون شعب دوله الرسول وکل مواطنی دولته عدولا بالمعنى الذی یقصده علماء دوله الخلافه ! ! فإن کانوا عدولا فعلى من کانت تقام الحدود وهل الذین سرقوا وزنوا وقذفوا المحصنات الغافلات ، والذین آذوا رسول الله ، ونادوه من وراء الحجرات . . . الخ کانوا أشباحا أم من عداد أفراد الشعب ومواطنی دوله النبی ! ! فکیف یکون السارق والزانی وقاذف المحصنات من العدول وقد ارتکبوا جرائم فی شرع الله ! ! الله سبحانه وتعالى یشهد بأن الذین ینادون رسول الله من وراء الحجرات أکثرهم لا یعقلون ، وعلماء دوله الخلفاء یصفونهم بأنهم عدول ولا یجوز علیهم الخطأ ! !
الله سبحانه وتعالى یشهد على فئه من مواطنی دوله النبی بقوله : ( وَمَا هُم بِمُؤْمِنِینَ . . . یُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِینَ آمَنُوا . . . وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَیَاطِینِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَکْمْ . . . وَلاَ یَأْتُونَ الصَّلاَهَ إِلاَّ وَهُمْ کُسَالَى وَلاَ یُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ کَارِهُونَ . . . وَیَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنکُمْ وَمَا هُم مِّنکُمْ وَلَـکِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ ( ۵۶ ) . . . وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ . . . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ( ۷۶ ) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِی قُلُوبِهِمْ إِلَى یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ . . . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ وَهُوَ یُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ ( ۷ ) )
فهل عنى الله سبحانه وتعالى أشباحا أم عنى مسلمین وکائنات حیه ، وأعضاء فی المجتمع الإسلامی ! ! ! سیقول علماء دوله الخلافه إن الله قد عنى المنافقین .
فی وقت من الأوقات الرسول نفسه لم یعرف المنافقین ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ابن أبی هو المنافق الوحید المعروف للجمیع ، لقد کان المنافقون شریعه کبرى من شرائع المجتمع ، فهل وضع رسول الله " یافطه " لکل واحد منهم ، هل منعهم من دخول المسجد ، وهل منعهم من الخروج معه ، هل کان یقول لکل منافق أنت منافق ، ! ! لقد کانوا مندسین فی المجتمع کالمرض الوبیل ، وکانوا یتظاهرون بالإسلام ، ویبطنون الکفر والفسوق والعصیان ، ومع هذا کانوا یحملون الهویه أو الجواز الإسلامی ، ومات الرسول وهم على هذه الحاله ، لست أدری من الذی أعطى علماء دوله الخلافه صلاحیه إعطاء هذه الشریحه صفه العدول ! ! ومن الذی خولهم بأن یعلنوا بلسان الحق أن هذه الشریحه من أهل الجنه ! ! ومن الذی أهل العلماء لیجعلوا لکل فرد من أفراد هذه الشریحه سنته الخاصه به وعلى أی أساس استندوا عندما فوضوا المسلمین بأن یأخذوا دینهم عن أی فرد من أفراد تلک الشریحه ! !
ثم من الذی أعطاهم صلاحیه هدم الفوارق بین الصادقین والکاذبین ، لو أن علماء دوله الخلافه قد قالوا بأن صحابه رسول الله المخلصین هم أفضل من سار على وجه الأرض فی زمانهم لکان العلماء على الحق فی ما قالوا ، ولو أنهم کلفوا المسلمین بالدعاء فی کل الأوقات لأصحاب الرسول الصادقین لکانوا على الحق أیضا ، أما أن یعدلوا شعبا کاملا ومواطنی دوله ، ویدخلوهم الجنه بسبب رؤیتهم للرسول فهذا ما لا نرضاه لعلماء دوله الخلافه ، ولا نرضاه لدیننا الحنیف ، ولا یقره عقل سلیم نتمنى على علماء دوله الخلاه أن یعبدوا النظر بأحکامهم المتعلقه بهذه النظریه ، فإن أبوا ، فإن حکمهم شئ ، وحکم الله ورسوله شئ آخر ، والمسلم ملزم باتباع الله ورسوله وغیر ملزم باتباع أی عالم أو مجموعه من العلماء فی رأی یرونه !
ولم یقف علماء دوله الخلافه عند الحدود السابقه ، بل أصدروا أحکاما أخرى مفادها ، أن الصحابه کلهم قد کانوا على الحق بحروبهم الدامیه التی جرت بینهم ، وأنهم جمیعا فی الجنه ، وأنهم جمیعا مأجورون!!
فالإمام علی بن أبی طالب الخلیفه الشرعی مأجور وفی الجنه ، ومعاویه بن أبی سفیان الخارج عن طاعته مأجور وفی الجنه أیضا ! !
والإمام الحسین وأحفاد النبی وحفیداته ، وأبناء عمومته الذین ذبحوا فی کربلاء کما تذبح الأضاحی مأجورون وفی الجنه ، ویزید بن معاویه وقاده جیشه الذین ارتکبوا المذبحه مأجورون أیضا وفی الجنه بحجه أنهم صحابه ومجتهدون ( ۱ ) لقد دخل علماء دوله الخلافه فی مواجهه مکشوفه مع الفطره والعقل .
ــــــــــــــــ
( ۱ ) راجع کتابنا الاجتهاد بین الحقائق الشرعیه والمهازل التاریخیه . ( * )
 وفی صدام واضح مع روح الدین ! ! لقد ترکوا قواعد الدین ومبادئه کلها ، واختصروا الإسلام فی جمله واحده " المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ " وهل فی قتل النفس التی حرم الله قتلها إلا بالحق اجتهاد ! ! وهل فی الإسلام إلا حق واحد ؟ وهل فیه غیر صراط واحد وهو صراط الله المستقیم ! ! وهل له غیر شرع واحد ! ! وهل سمعتم فی حیاتکم أن شریعه من الشرائع السماویه أو الوضعیه قد ساوت بین الجانی والضحیه ! !
لقد جانب علماء دوله الخلافه الصواب یوم أفتوا بأخذ سنه الرسول من کل واحد من مواطنی دوله الرسول بحجه أنهم جمیعا قد تشرفوا بمشاهده رسول الله فصاروا صحابه ! ! کما جانبوا الصواب یوم هدموا الفوارق بین طبقات الصحابه وساووا بین الأول والأخیر ، والعالم والجاهل ، والقاعد والمجاهد ، ومن وقف مع الرسول کمن وقف ضده ! ! لقد فتحوا على الإسلام وعلى رسول الله أبوابا کانت مغلقه ، لقد أتاحوا الفرصه أمام الجانی ینکل بضحیته ، ویسخر منها ، وأعطوا المبطل والمعتدی الحق لیجنی ثمره عدوانه وباطله .
 5 – کان بإمکان علماء دوله الخلافه أن یستفیدوا من سیره الرسول العملیه وأن یستخرجوا منها موازین دقیقه ، لکن أغلبیه أولئک العلماء قد تجاهلوا سیره الرسول تجاهلا تاما ، وتجاهلوا واقعتی : بناء دوله النبی ، ومسیره الدعوه ، کما تجاهلوا إسهامات الصحابه الکرام فی بناء الدوله ، ومسیره الدعوه ، ومواقف الناس من هاتین الواقعتین ، فالإسهامات والمواقف معاییر موضوعیه ، فالذین لازموا الرسول ، وبنوا الدوله على أکتافهم ، وفدوا الدعوه بأرواحهم ، وعرفوا الإسلام نصا نصا بطول ملازمتهم للرسول هم وحدهم الذین یعرفون سنه الرسول ، وهم وحدهم المؤتمنون علیها باستثناء القلیل ، فإن علماء دوله الخلافه لم یبذلوا أی جهد یذکر للاستفاده من علوم وخبره ذلک النفر الصادق من الصحابه الذین أسهموا إسهامات عظیمه فی بناء الدوله ومسیره الدعوه أین سعد بن عباده ! ! أین المقداد بن عمرو ، أین الحباب بن المنذر ، أین عمار بن یاسر ، أین أبو ذر الغفاری ! ! ما لهم قد اختفوا بعد موت الرسول ! ! ما لو سائل أعلام الدوله قد تجاهلت وجودهم تماما ! ! لماذا طاردتهم الدوله ! ! ! ولماذا تجاهل العلماء وجودهم وشهاداتهم ، وخبرتهم بسنه الرسول .
 6 – إن المشکله ما زالت قائمه وأن علماء دوله الخلفاء لا یعلمون على وجه الیقین ما قاله الرسول مما تقوله الرواه علیه ، وهم یعلنون بکل صراحه لحد الآن بأنهم یتبعون " ما یغلب الظن على صدقه " وأن الظن لا یغنی من الحق شیئا ، وکل ما جمعه العلماء موجود ، ومحفوظ فی الکتب ، الصحیح منه برأیهم وغیر الصحیح حسب رأیهم ! !
لقد فشلت الموازین التی أوجدها علماء دوله الخلافه ، فحدیث خلق الله السموات والأرض فی سبعه أیام صحیح حسب کل موازین علماء دوله الخلافه فقد قال أبو هریره بأن الرسول قد أخذ بیده وقاله له ! وإسناده من أوله إلى آخره صحیح حسب موازینهم ، ورجاله کلهم ثقات حسب موازینهم ، وأبو هریره صحابی ومن العدول حسب تلک الموازین ، ومن المحال عقلا أن یکذب على رسول الله ؟ حسب الموازین الله سبحانه وتعالى یؤکد فی أکثر من آیه محکمه أنه قد خلق السموات والأرض فی سته أیام والرسول لا ینطق عن الهوى ، بل یتبع ما یوحى إلیه من ربه ، فمن نصدق حسب رأیکم هل نصدق القرآن أن نصدق موازینکم ! ! وهل یعقل أن یناقض الوحی نفسه ! ! ومعنى ذلک أن الخلل یکمن فی الموازین لا فی الدین ! ! وأن الخلل ما زال موجودا ماذا یغیر علماء دوله الخلفاء الیوم لو حملوا مشکلتهم ، وطرحوا سؤالهم من جدید على أهل بیت النبوه ! ! أیها الساده لا داعی للخوف إن معاویه میت فلن یعاقبکم ولن یقطع عنکم العطاء ! !
أیها الساده إن الخلفاء فی ذمه الله ، أنتم أحرار الآن ! ! نبیکم یذکرکم بحدیث الثقلین الذی لا تنکرونه ، وأهل بیت النبوه کبار لهم القدره على أن یسامحوکم ، وعندهم الاستعداد لیجیبوا على کل أسئلتکم ، فهم وحدهم الذین یملکون سنه الرسول الصحیحه وهم وحدهم الذین یمیزون على وجه الیقین بین ما قاله الرسول وما تقوله الناس علیه وهم وحدهم المؤهلون لبیان القرآن بیانا قائما على الجزم والیقین ( لَّا یَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) إنکم تعتقدون أن المس یعنی الملامسه والمسک ! ! بإمکان مشرک نجس أن یشتری نسخه من القرآن وأن یحملها فی شوارع المدینه ، بإمکان یهودی أو نصرانی أن یفعل ذلک ! ! المس المقصود فی الآیه هو البیان ، والمطهرون هم أهل بیت النبوه ، وهی تعنی أنه لا یفهم بیان القرآن فهما یقینیا إلا أهل بیت النبوه الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا ! !
أیها الساده ما هی العداوه بینکم وبین أهل بیت النبوه ! ! نحن نتبع محمد بن عبد الوهاب ، والبناء ، والنبهانی والعلماء الأفذاذ ، وهم یتبعون رسول الله وسیره السلف الصالح ! ! لا بأس أیها الساده ، إنها لا تعمى الأبصار ، لکنها تعمى القلوب التی فی الصدور ، انتظروا إنا منتظرون ! ! !

Leave A Reply

Your email address will not be published.