ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
الجواب الإجمالي
القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات الحياة و الابتعاد عن الإسراف و التبذير في المصرف و الرضا بنعم الله و إن كانت قليلة، في حين أن البخل مرتبط بالأخلاق الاجتماعية، و ذلك عندما ينبغي للإنسان أن يساعد الآخرين و يبذل أمواله و جاهه في سبيل خدمة المجتمع، و لكنه يبخل و يمتنع.
الجواب التفصيلي
قبل أن ندرس موضوع القناعة، نحاول أن ندرس معناها في اللغة و الاصطلاح، و بعد ذلك نعمد إلى البحث في قيمتها و آثارها:
معنى القناعة و فرقها مع البخل
أ. القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالقليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه.[۱] و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. قال أمير المؤمنين (ع) في كتابه إلى عثمان بن حنيف: أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ و لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْر.[۲]
في علم الأخلاق تستعمل القناعة في مقابل الحرص. القناعة تجعل الإنسان يكتفي بما يحتاجه و ما هو ضروري و لا يطلب المزيد على ذلك.[۳] إذن يمكن أن يقال إن القانع هو الذي يكتفي بالقليل و لا ينزعج منه و يرضى بما قسم له.
ب. الفرق بين القناعة و البخل: بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية و هي ترتبط بالاستخدام المقتصد لإمكانات الحياة و الابتعاد عن الإسراف و التبذير في المصرف و الرضا بنعم الله و إن كانت قليلة، في حين أن البخل مرتبط بالأخلاق الاجتماعية، و ذلك عندما ينبغي للإنسان أن يساعد الآخرين و يبذل أمواله و جاهه في سبيل خدمة الفقراء و المحتاجين، و لكنه يبخل و يمتنع. القناعة تجسيد لصفة الفضل و الإبا و الزهد و الصبر عند الإنسان، في حين أن البخل من رذائل النفس و هي ناجمة عن حقارة النفس و أنانية الإنسان.
في هذا المجال ينقسم الناس إلى أربعة أقسام:
۱٫ المنفقين و هم الذين يأكلون و ينفقون على الآخرين.
۲٫ المؤْثرين و هم الذين يحرمون أنفسهم عن النعم و ينفقونها على الآخرين.
۳٫ البخلاء و هم الذين يأكلون و يتنعمون و لا ينفقون.
۴٫ الحقراء اللئام و هم الذين لا يأكلون و لا يتنعمون و كذلك لا ينفقون.
يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة بحيث لا ينتفع بأمواله هو و لا ينفق على الآخرين، و لكن هذه هي غاية الدناءة و اللؤم و هي أمرّ من البخل، إذ أن البخيل يبخل على الآخرين فقط و ينتفع بأمواله. الحالة المثلى هي أن ينتفع الإنسان بماله بمقتضى القناعة و الاقتصاد، ثم يؤثر و ينفق الباقي على غيره من الضعفاء و المحتاجين و يواسيهم و يشاركهم في منافعه.
إن العقل عامل مهم في اختيار القناعة. يقول أمير المؤمنين (ع): “من عقل قنع”[۴]. إن العقل يختار القناعة لما تحظى من آثار قيمة و يعتبرها لصالح الإنسان. من جملة الآثار التي تؤدي إليها القناعة غنى الإنسان عن غيره و قوته على تحمل النواقص و الصبر عليها. فبالرغم من أن الإنسان بقناعته سوف يقل انتفاعه بالإمكانات الظاهرية بحسب الظاهر، يؤيد العقل هذا السلوك لما فيه من نتائج إيجابية. كلما ازداد الإنسان معرفة بنفسه و بالعالم الذي يعيشه، و ازداد في عمق نظره في القضايا الإنسانية، يزداد استعدادا لقبول الصفات الإنسانية الحميدة كالقناعة.
من خلال ما ذكر يتضح أن القناعة تمثل ملكة الزهد التي تتبلور في سلوك الإنسان و مستوى حياته و معيشته، و في الواقع إن حياة الزهد هي حياة القناعة و الحياة البعيدة عن الحرص و الترف و البطر.
كما أن أمير المؤمنين (ع) قد فسر القناعة بالحياة البسيطة و الخفيفة و البعيدة عن الزخارف و الكماليات: ” اقنعوا بالقليل من دنياكم لسلامة دينكم فإن المؤمن البلغة اليسيرة من الدنيا تقنعه.”[۵]
لابد أن نعلم أن القناعة ليست ببخل أو عدم مصرف، القناعة هي أن ينتفع الإنسان بإمكاناته بالشكل الصحيح و المناسب مع مراعاة أصول المصرف المؤكد عليها في المجتمع و المطابقة مع تعاليم الإسلام و أن يجتنب من الإسراف و التبذير في هذه الأمور. [۶]
آثار القناعة
إن للقناعة آثار عديدة على المستوى البعد الإيجابي و السلبي فنشير إلى بعضها فيما يلي:
الآثار الإيجابية
أ) المجد و العزة: يقول القرآن بصراحة: (وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ و لِرَسُولِهِ و لِلْمُؤْمِنين)[۷] و إن هذه العزة و الرفعة بقدر بحيث لم يسمح للإنسان المؤمن أن يذلّ نفسه أمام الآخرين قط.
يقول الإمام الصادق: َ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ و جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا و لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ و جَلَّ يَقُولُ و لِلَّهِ الْعِزَّةُ و لِرَسُولِهِ و لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ عَزِيزاً و لَا يَكُونُ ذَلِيلًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعَزُّ مِنَ الْجَبَلِ إِنَّ الْجَبَلَ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالْمَعَاوِلِ و الْمُؤْمِنَ لَا يُسْتَقَلُّ مِنْ دِينِهِ شَيْءٌ.[۸] و قال الرسول الأعظم (ص): “لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه”.[۹] و مما لا شك فيه أحد أسباب عزّ الإنسان و مجده التي تعصمه عن الذل و الهوان، القناعة. فقد قال أمير المؤمنين (ع): لا أعز من قانع.[۱۰] القناعة تؤدي إلى العز.[۱۱] القناعة عز و غناء.[۱۲] القناعة أبقى عزّ.[۱۳]
ب) كنز لا يفنى: قال رسول الله (ص): القناعة كنز لا يفنى.[۱۴] و قال (ص): َ الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَد.[۱۵] و قال أمير المؤمنين (ع): لَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَة.[۱۶]
ج) القناعة و الغنى: قال رسول الله (ص): ليس الغنى عن كثرة العرض و لكن الغنى غنى النفس.[۱۷] و قال الإمام الصادق (ع): َ مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاس.[۱۸] و قال كذلك: أغنى الغنى القناعة.[۱۹] و قال أمير المؤمنين (ع): القناعة رأس الغنى.[۲۰]
الآثار السلبية المترتبة على عدم القناعة
أ) الذل و الهوان: من لم يرض بما قدّر الله له، سيطمع بأموال الغير شاء أم أبى، و بالنتيجة سيمدّ يديه إليهم بالطلب و السؤال و هذا ما يؤدي إلى ذلّه و هوانه.
قال الإمام الصادق (ع): مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّه.[۲۱]
يقول العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث: المراد الرغبة إلى الناس بالسؤال عنهم و هي التي تصير سببا للمذلة و أما الرغبة إلى الله فهي عين العزة.[۲۲]
ب) الحزن و القلق الدائم: من آثار الحرص و الطمع، الحزن و التشويش.
قال الإمام الباقر (ع): لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ و لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ ص جَالِساً ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا و مَنِ اتَّبَعَ بَصَرُهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ طَالَ هَمُّهُ و لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ و مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ قَصَرَ عِلْمُهُ و دَنَا عَذَابُهُ.[۲۳]
إذن ينبغي للإنسان أن لا يترك الاعتدال و الاقتصاد في حياته و أن يقنع و إلا فلن يرى السعادة قطّ.
[۱] الطريحي، فخر الدین، مجمع البحرین، ج ۴، ص ۳۸۴، مکتبة مرتضوي، طهران، ۱۳۷۵ش.
[۲] نهج البلاغة، ص ۴۱۸، انتشارات هجرت، قم.
[۳] راجع: النراقي، ملا مهدى، جامع السعادات، ج ۲، ص ۱۰۴، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
[۴] الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحکم و درر الکلم، ص ۳۹۱، دار نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، ۱۳۶۶ ق.
[۵] المصدر نفسه ص ۳۹۳٫
[۶] مقتبس من موقع http://amoozeh.ir/Archive (مع تصرف).
[۷] المنافقون، ۸٫
[۸] الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، ج ۵، ص ۶۳، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ۱۳۶۵ق.
[۹] السید بن طاوس، الیقین، ص ۳۳۶، مؤسسة دار الکتب، قم، ۱۴۱۳ ق.
[۱۰] غرر الحکم و درر الکلم، ص ۳۹۲٫
[۱۱] المصدر نفسه، ص ۳۹۱٫
[۱۲] المصدر نفسه.
[۱۳] المصدر نفسه.
[۱۴] فتال النيسابوري، محمد بن حسن، روضة الواعظین، ص ۴۵۶، انتشارات الرضي، قم.
[۱۵] المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج ۱۵، ص ۲۲۶، نشر مؤسسة آل البيت، ۱۴۰۸ق.
[۱۶] نهج البلاغة، ص ۵۴۰، انتشارات دار الهجرة، قم.
[۱۷]الحراني، حسن بن شعبة، تحف العقول، ص ۵۷، دار نشر جماعة المدرسين، قم، ۱۴۰۴ ق.
[۱۸]الكافي، ج ۲، ص ۱۳۹٫
[۱۹] الطبرسي، ابوالفضل على بن حسن، مشكاة الأنوار، ص ۱۳۰، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، ۱۳۸۵ ق.
[۲۰] غرر الحکم و درر الکلم، ص ۳۹۲٫
[۲۱] الكافي، ج ۲، ص ۳۲۰٫
[۲۲] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج ۷۰، ص ۱۷۱،ح ۲۵، مؤسسة الوفاء، بیروت، ۱۴۰۴ ق.
[۲۳] المصدر نفسه ، ج ۶۷، ص ۳۱۷، ح ۲۵٫