هل تصح رواية “حبّ الوطن من الإيمان” سنداً؟ و ما هي دلالتها؟
هل تصح رواية “حبّ الوطن من الإيمان” سنداً؟ و ما هي دلالتها؟
السؤال
من هم رواة حديث “حبّ الوطن من الإيمان”؟ و ما هي المصادر التي ذكرته؟ و ما هي القيمة السندية للحديث؟ و ما هي مضعفاته على فرض القول بضعفه؟
الجواب الإجمالي
روي عن النبي الأكرم (ص) أنّه قال في حديث مشيراً إلى قيمة الأوطان “حبّ الوطن من الإيمان”؛ الإ أنّه لم يرد في المصادر الحديثية الأولى لدى الفريقين الشيعة و السنة، و إنما ورد في بعض المصادر الثانوية، من دون الاشارة إلى سند الحديث و من هم الرواة الذين نقلوه عن النبي (ص). و عليه لا يمكن الجزم بنسبة الحديث إليه (ص) أو للأئمة الأطهار عليهم السلام.
إلا أنّ ذلك لا يعني بحال من الأحوال الخدشة في متن الحديث و رفض مفاده؛ إذ لا تلازم بين ضعف سند الحديث و وهن متنه.
و حينما نستعرض الروايات نجدها تؤكد على حبّ الوطن حتى بمعنى المكان الذي يقطنه الآباء و الأجداد، مشيرةً إلى ضرورة الإهتمام بتلك المواطن و إعمارها و الميل إليها؛ و ذلك بسبب العلاقة الكبيرة و الآصرة العاطفية و الروحية الكبيرة بين الإنسان و بين مسقط رأسه و التربة التي نشأ و ترعرع فيها، تلك العلاقة التي تجعله يميل إلى تلك البقاع و ملاعب الصبا و التعاطف معها و مع كلّ شيء ينتمي إليها، و هذا أمر طبيعي لاغبار عليه، بل العقل و المنطق يدعمانه؛ و ذلك لأن ّحبّ الوطن معلول لحبّ الذات و مساوق للدفاع عن الحياة و قيمها.
ثم إنّ الباحثون في الشأن الديني و السياسي لم يروا علاقة تلازمية جازمة بين حبّ الوطن و الإيمان بالله تعالى على المستوى العقلي؛ فلا ترابط بين كون الرجل محبّاً لمواطن آبائه و مرابع صباه و بين كونه مؤمناً بالله تعالى.
فالمتحصل أنّه لا يمكن الجزم و بسهولة بأنّ حبّ الوطن من الإيمان و أنّه علامة الاعتقاد الراسخ بوجود الله.
نعم، رغم عدم التلازم العقلي الجازم بين المفردتين، لكن يمكن القول: بما أن الإنسان المؤمن يتوفر على مجموعة من الخصال الإيمانية و التربوية الحميدة و أنّه في حركة مثابرة لتربية الذات و الأخذ بيدها نحو التكامل باعتماد شتى السبل المساعدة في تحقيق تلك الغاية العظمى و منها عامل حبّ الوطن و الإخلاص له.
و من الممكن أيضا حمل كلام الشيخ البهائي (ره) الذي فسّر فيه الوطن بالوطن الاخروي، على هذا المعنى باعتبار كون الآخرة هي الموطن السامي و الحقيقي للإنسان و أنها الموطن الحقيقي الذي ينبغي حبّه و اعتبار ذلك الحبّ علامة على الإيمان و القول بالملازمة بين حبّ الوطن و بين الإيمان؛ لأن المحبّ مؤمن بالآخرة و لاريب أنّ الإيمان بالآخرة يستوجب الإيمان بمالك يوم الدين و البعث و النشور و الثواب و العقاب.
[1] النمازي الشاهرودي، علي، مستدرك سفينه البحار، ج 10، ص 375، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1418ق.
[2] الأمين، السيّد محسن، أعيان الشيعة، ج 1، ص 301، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1406ق.
[3] النراقي، الملا أحمد، الخزائن، تحقيق و تصحيح: حسن زاده آملي، حسن، ص 487 و 528، مؤسسة انتشارات قيام، طتهران، الطبعة الأولى، 1380ش.
[4] العجلوني، إسماعيل بن محمد، کشف الخفاء، ج 1، ص 345، دار الکتب العلمیة، بیروت، الطبعة الثالثة، 1408ق.
[5] الملاحويش آل غازي، عبدالقادر، بيان المعاني، ج 2، ص 404، مطبعة الترقي، دمشق، الطبعة الأولى، 1382ق.
[6] مرزبان بن رستم (المتوفی 302ق)، مرزبان نامه، تعريب: عرب شاه، شهاب الدين أحمد بن محمد، ص 178، مؤسسة الإنتشارات العربية، بیروت، الطبعة الأولى، 1997م.
[7] انظر: مواضیع: «مفهوم الإيمان»، السؤال رقم 120؛ «إوليات عقائد المسلم»، السؤال رقم 148.
[8] انظر: عميد زنجاني، وطن و سرزمين اسلامي= الوطن والبقاع الاسلامية، دفتر نشر فرهنگ اسلامي، طهران.
[9] کشف الخفاء، ج 1، ص 346.
[10] العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبی الأعظم (ص)، ج 3، ص 333 – 334، دار الحديث، قم، الطبعة الأولى، 1426ق.
[11] انظر: موضوع القومية في فكر الإمام الخميني، السؤال رقم 12364.
[12] الشيخ البهائي، كليات أشعار و آثار فارسي، ص 10، انتشارات محمودي، طهران، الطبعة الأولى، 1352ش.
[13] البقرة:84.
[14] جعفري، محمد تقي، ترجمة و تفسیر نهج البلاغة، ج 6، ص 201 – 202، دفتر نشر فرهنگ اسلامي، طهران، الطبعة السابعة، 1376ش.
[15] الممتحنه: 8-9.
[16] ترجمة و تفسیر نهج البلاغة، ج 6، ص 202 – 203.
[17] نفس المصدر، ص 202.
[18] المائدة، 33.
[19] ترجمة و تفسیر نهج البلاغة، ج 6، ص 203.
[20] القصص، 85.
[21] عبد الجبار، القاضي، تثبيت دلائل النبوّة، ج 2، ص 371 – 372، دار المصطفى، شبرا، القاهرة، بدون تاريخ؛ الفتال النيسابوري، محمد بن أحمد، روضة الواعظين و بصيرة المتعظين، ج 2، ص 406، انتشارات الرضي، قم، الطبعة الأولى، 1375 ش؛ الراوندى، قطب الدين سعيد بن هبة الله، الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 910، مؤسسه الإمام المهدى (عج)، قم، الطبعة الأولى، 1409ق.
[22] الكراجكي، محمد بن على، معدن الجواهر و رياضة الخواطر، تحقيق و تصحيح الحسيني، أحمد، ص 50، المكتبة المرتضوية، طهران، الطبعة الثانية، 1394ق؛ ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبه الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق و تصحيح إبراهيم، محمد أبو الفضل، ج 20، ص 274، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولى، 1404ق.
[23] الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، تحقيق و تصحيح صبحي الصالح، ص 73، هجرة، قم، الطبعة الأولى، 1414ق.
[24] ابن شعبه الحراني، حسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تحقيق و تصحيح: الغفاري، على أكبر، ص 207، مكتب الإعلام والتبليغ الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1404ق.
[25] النساء، 97.
[26] ترجمة و تفسیر نهج البلاغة، ج 6، ص 204.
[27] النساء،66.
[28] کشف الخفاء، ج 1، ص 346.