نقض فتاوى الوهابیه ورد کلیه مذهبهم

0

بسم الله الرحمن الرحیم : هذا ما ألقاه علینا أستاذنا الأکبر ، وشیخنا الأعظم ، حجه الإسلام ، آیه الله فی الأنام ، علاَّمه الدهر ، مولانا الشیخ محمد حسین (دامت برکاته) ، فی شأن الوهابیه واستفتاء علماء المدینه ، المتضمِّن تهدیم القبور وغیر ذلک ، فی عده مجالس ضممنا بعضها إلى بعض وجلوناها مجموعه علیک .
قال دامت أیام إفاداته : وقفنا من جریده "العراق" فی العدد الموافق منها : ۱۳ / ذی القعده / سنه ۱۳۴۴ ، على سؤال قاضی الوهابیین ابن بلیهد مستفتیاً علماء المدینه عن البناء على القبور ، واتخاذها مساجد ، وإیقاد السرج علیها وما یفعل عند الضرائح ، من التمسّح والتقرّب إلیها بالذبائح والنذور وتقبیلها ، وعن التکبیر والترحیم والتسلیم فی أوقات مخصوصه … هذا ملخَّص السؤال ، وکان الجواب من علماء المدینه بالمنع مطلقاً ووجوب الهدم ؛ مستدلِّین على المنع فی بعضها ، ومرسلین الفتوى بغیر دلیل فی الباقی .
وقد رغب إلینا الکثیر من الأعلام والأفاضل فی إبداء ملاحظتنا على تلک الفتوى ، ووضعها فی معیار الاختبار ومیزان الصحه والسقم ، وعرضها على محک النقد ، ومطرقه القبول أو الرد ؛ إیضاحاً للحقیقه وطلباً للصواب ، کی لا تعرض الأوهام والشکوک وتعلق الشبهه بأذهان البسطاء من المسلمین ، فإنّ البلیه عامه ، والمصیبه شامله ، والرزیه على الجمیع عظیمه ؛ وعلیه فنذکر نص الفتوى جمله جمله حسبما ذکر فی تلک الجریده ، ثم نعقب کل جمله منها بما یحق لها من البیان ، وبالله المستعان .
قالوا فی الجواب : أمّا البناء على القبور ، فهو ممنوع إجماعاً ؛ لصحه الأحادیث الوارده فی منعه ، وبهذا أفتى کثیر من العلماء بوجوب هدمه ؛ مستندین على ذلک بحدیث علی (رضی الله عنه) أنّه قال لابن الهیاج : ( ألا أبعثک على ما بعثنی علیه رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) ألاَّ ادع تمثالاً إلاَّ طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّیته ) (۱) رواه مسلم . انتهى .
فتراهم قد تمسَّکوا : تاره بالإجماع ، وأخرى بالحدیث ، أو بالإجماع المستند إلى الحدیث .
أمَّا دعوى الإجماع ، فهی مدحوضه مرفوضه ، ولکن لا تتّسع أعمده الصحف والمجلاّت لنقل کلمات العلماء فی جوازه ، بل رجحانه ، وفساد توهّم الإجماع وبطلانه من أول الإسلام وإلى هذه الأیام ، وأی حاجه بک إلى أن أسرد لک أو أملی علیک ما یوجب الملل ( قال فلان وقال فلان ) ، وهذا عمل المسلمین وسیرتهم القطعیه فی جمیع الأقطار والأمصار ملء المسامع والأبصار ، على اختلاف طبقاتهم وتباین نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى هذه الغایه من العلماء وغیرهم ، من الشیعه والسنه وغیرهم ، وأی بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو سوریا أو العراق أو الحجاز وهلم جراً ، لیس لها جبانه شاسعه الأطراف ، واسعه الأکناف ، وفیها القبور المشیده والضرائح المنجده؟!
وهؤلاء أئمه المذاهب: الشافعی فی مصر ، وأبو حنیفه فی بغداد ، ومالک بالمدینه وتلک قبورهم من عصرهم إلى الیوم سامقه المبانی شاهقه القباب ، وأحمد بن حنبل ، مَبَاءَه الوهابیه ومرجعهم فی الفروع ، کان له قبر مشیّد فی بغداد جرفه شط دجله حتى قیل: (أطبق البحر على البحر) . وکل تلک القبور قد شُیِّدت وبُنیت فی الأزمنه التی کانت حافله بالعلماء وأرباب الفتوى وزعماء المذاهب ، فما أنکر منهم ناکر ، بل کل منهم محبِّذ وشاکر .
ولیس هذا من خواصِّ الإسلام ، بل هو جارٍ فی جمیع الملل والأدیان ، من الیهود والنصارى وغیرهم ، بل هو ـ لعَمْر الحق ـ من غرائز البشر ومقتضیات الحضاره والعمران وشارات التمدُّن والرُّقی . والدین القویم المتکفّل بسعاده الدارین ، إذا کان لا یُؤکِّده ویحکمه ، فما هو بالذی ینقضه ویهدمه ، وإذا کان کل هذا لا یکفی شاهداً قاطعاً ودلیلاً بیّناً على فساد دعوى الإجماع ، فخیر أن تُکسر الأقلام ویبطُل الحِجَاج والخِصام ، ولا یقوم على شیء دلیل ولا بینه ولا حجه ولا برهان:
ولیس یصح فی الأذهان شیء      إذا احتاج النهار إلى دلیل
هذا حال الإجماع .
أمَّا حدیث مسلم: ( لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوَّیته ) فها هی نسخه من صحیح مسلم بین یدیَّ ، طبع بولاق القدیمه سنه ۱۲۹۰ ، وقد روى الحدیث المزبور " صفحه ۲۵۶ ـ ج ۱ " فی باب الأمر بتسویه القبر ، ولکن بعد هذا بقلیل " صفحه ۲۶۵ " قال: ( باب ما یقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها ) وروى فیه بسنده إلى عائشه : أنَّ النبی کان یخرج إلى البقیع فیقول: (السلام علیکم دار قوم مؤمنین) (۲) إلى الآخر فی حدیثین طویلین .
وروى بعدهما بسنده إلى سلیمان بن بریده عن أبیه ، قال: کان رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) یعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فکان قائلهم یقول فی روایه أبی بکر : السلام على أهل الدیار (۳) . وفی روایه زهیر: السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین والمسلمین والمسلمات وإنّا إنْ شاء الله للاحقون ، أسأل الله لنا ولکم العاقبه (۴) .
ثم بعد أن فرغ من هذا الباب ، قال تلوه : ( باب استئذان النبی (صلَّى الله علیه وآله) ربَّه عزَّ وجلَّ فی زیاره قبر أُمه) ، وروى فیه أربعه أحادیث صریحه فی الأمر بزیاره القبور :
أولها : بسنده إلى أبی هریره قال : قال رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) : استأذنت ربی أن أستغفر لأُمی فلم یأذن لی ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لی (۵) .
ثانیها : بسند آخر إلى أبی هریره ، قال : زار النبی (صلَّى الله علیه وآله) قبر أُمه فبکى وأبکى مَن حوله ، فقال : استأذنت ربی أن أستغفر لها فلم یأذن لی ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لی ، فزوروا القبور فإنّها تذکر الموت (۶) .
ثالثها : بسنده عن ابن بریده ، عن أبیه ، قال : قال رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) : نهیتکم عن زیاره القبور فزوروها ، ونهیتکم عن لحوم الأضاحی فوق ثلاث فأمسکوا ما بدا (۷) لکم ، إلى آخر الحدیث .
رابعها : بسند آخر بالمعنى المتقدم أیضاً (۸) .
وبین یدیَّ کذلک کتابان جلیلان لعالمین جلیلین من کبار مشاهیر علماء السنه والجماعه : أحدهما کتاب (شفاء السقام فی زیاره خیر الأنام) للإمام الحافظ ، قاضی قضاه المسلمین فی القرن الثامن ، الشهیر بتقی الدین أبی الحسن السبکی ، ویسمى أیضاً بـ : (شنِّ الغاره على مَن أنکر فضل الزیاره) ، وقد نشر هذا الکتاب ومثله للطبع سنه ۱۳۱۸ فی مطبعه بولاق لعالم الفن ، العلاَّمه الجلیل أحد أکابر علماء مصر والقاهره ، الشیخ محمد بخیت المطبعی ، رئیس المحکمه الشرعیه العلیا بمصر ، وقد حضرنا دروسه بمصر سنه ۱۳۳۰ فوجدناه فی أکثر العلوم بحراً موَّاجاً ، وسراجاً وهَّاجاً ، شعله ذکاء وفهْم ، وإحاطه وحزْم ؛ ودفع إلینا جمله من مؤلَّفاته ، منها ذلک الکتاب الذی نَشَر فی صدره مقدمه فی بعض أحوال ابن تیمیَّه مؤسِّس مذاهب الوهابیه ، وبعض بدعه فی الدین وتکفیره من جمهور علماء المسلمین ، وقد أجاد فی تلک المقدِّمه ، وأحسن النظر فی الموضوع وعلله وأسبابه .
أمَّا ذات کتاب الإمام السبکی ، فقد رتَّبه على عشره أبواب :
الأول : فی الأحادیث الوارده فی الزیاره .
الثانی : فی الأحادیث الداله على ذلک وإن لم یکن فیها لفظ الزیاره .
الثالث : فیما ورد فی السفر إلیها .
الرابع: فی نصوص العلماء على استحبابها .
الخامس : فی کونها قربه .
السادس : فی کون السفر لها قُربه .
السابع : فی دفع شُبه الخصم وتتبُّع کلماته .
الثامن : فی التوسُّل والاستغاثه .
التاسع : فی حیاه الأنبیاء .
العاشر : فی الشفاعه .
وذکر فی الباب الأول من الأحادیث الوارده فی زیاره قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) وفضلها والحث علیها ، خمسه عشر حدیثاً ، وأطنب فی تصحیح سند کل واحد منها ، عن رجال السند وعِلِله ، فصحَّح أسانید أکثرها ، مثل: (مَن زار قبری وجبت له شفاعتی‎) (9) ، وقد أفاض فی البحث عن سند هذا الحدیث فی خمس أوراق ، وبمضمونه حدیثان آخران .
ومثل : ‎(مَن حج فزار قبری بعد وفاتی فکأنَّما زارنی فی حیاتی) (۱۰) ، وأفاض فی النظر والبحث عن سنده فی أربع أوراق . ومثل : ( مَن حج البیت ولم یزرنی فقد جفانی ) (۱۱) ، إلى أمثال ذلک من الأحادیث التی أخَّّرها فی هذا الباب : ( من أتى المدینه زائراً لی وجبت له شفاعتی یوم القیامه) ، و ( مَن مات فی أحد الحرمین بُعث آمنا‎ً )(۱۲) ، ثم استوفى القول والحدیث فی الباب الثانی ، ودخل بعده فی الباب الثالث وذکر مفصَّلاً زیاره بلال من الشام التی هاجر إلیها بعد وفاه النبی (صلَّى الله علیه وآله) وأنّه رأى فی المنام وهو یقول له : ( ما هذه الجفوه یا بلال ، أما آن لک أن تزورنی ؟!) فانتبه حزیناً وجلاً ، فرکب راحلته وقصد المدینه ، فأتى قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) إلى آخر الحدیث . وکان ذلک فی زمن أکابر الصحابه کالشیخین وغیرهما ، وعقّبه بذکر زیاره جماعه من الصحابه والتابعین لقبره وشدِّ الرحال إلیه .
الکتاب الثانی بین أیدینا کتاب : (الجوهر المنظَّم فی زیاره قبر النبی المکرم) تألیف العالم الشهیر ، صاحب المؤلَّفات الطائره الصیت : أحمد بن حجر الشافعی ، المطبوع ذلک الکتاب بمطبعه بولاق أیضاً فی مصر ، القاهره سنه ۱۲۷۹ ، ورتَّبه ـ کسابقه ـ على فصول :
الأول : فی مشروعیه زیاره قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) . واستدل علیها من الکتاب بآیات ، ومن السنه بأحادیث کثیره صحَّح أسانیدها من الطُرق المتَّفق علیها عند جمهور المسلمین ، ثم استدلّ بإجماع علماء المسلمین ، وزاد على ما ذکره الحافظ السبکی لتأخُّر زمانه عنه .
قال ابن حجر ـ بعد أن استوفى الکلام فی سرد الحدیث والإجماع على فضل الزیاره ، فضلاً عن مشروعیتها ، صفحه ۱۳ ـ ما نصه:
فإنْ قلت : کیف تحکی الإجماع السابق على مشروعیه الزیاره والسفر إلیها وطلبها ، وابن تیمیَّه ـ من متأخری الحنابله ـ منکر لمشروعیّه ذلک کله کما رآه السبکی فی خطه ، وقد أطال ابن تیمیه فی الاستدلال لذلک بما تمجُّه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمه السفر لها إجماعاً وأنّه لا تُقصر فیه الصلاه ، وأنّ جمیع الأحادیث الوارده فیها موضوعه ، وتبعه بعض مَن تأخَّر عنه من أهل مذهبه ‎؟!
قلت : مَن هو ابن تیمیه حتى ینظر إلیه أو یعوَّل فی شیء من أمور الدین علیه ؟! وهل هو إلاَّ کما قال جماعه من الأئمه الذین تعقَّبوا کلماته الفاسده ، وحججه الکاسده ، حتى أظهروا عِوار سقطاته ، وقبائح أوهامه وغلطاته ، کالعز بن جماعه : عبدٌ أضله الله تعالى وأغواه ، وألبسه رداء الخزی وأرداه ، وبوّأه من قوه الافتراء والکذب ما أعقبه الهوان ، وأوجب له الحرمان . ولقد تصدى شیخ الإسلام ، وعالم الأنام ، المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته ، التقی السبکی (قدَّس الله روحه ونوَّر ضریحه) للرد علیه فی تصنیف مستقل ، أفاد فیه (۱۳) وأجاد وأصاب ، وأوضح بباهر حججه طریق الصواب .
ثم قال :
هذا ما وقع من ابن تیمیه ممَّا ذکر ، وإن کان عثره لا تقال أبداً ، ومصیبه یستمر شؤمها ، لیس بعجیب ، فإنّه سوَّلت له نفسه وهواه وشیطانه ، أنَّه ضَرَبَ مع المجتهدین بسهم صائب ؛ وما درى المحروم أنّه أتى بأقبح المعائب ؛ إذ خالف إجماعهم فی مسائل کثیره‎ ، وتدارک على أئمتهم ـ سیَّما الخلفاء الراشدین ـ باعتراضات سخیفه شهیره ، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزه سبحانه عن کل نقص ، والمستحق لکل کمال أنفس ، فنسب إلیه الکبائر والعظام ، وخرق سیاج عظمته بما أظهره للعامه على المنابر من دعوى الجهه والتجسیم ، وتضلیل مَن لم یعتقد ذلک من المتقدِّمین والمتأخِّرین ، حتى قام علیه علماء عصره ؛ وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات وخمدت تلک البدع ، وزالت تلک الضلالات ، ثم انتصر له أتباعٌ لم یرفع الله لهم رأساً ، ولم یُظهر لهم جاهاً‎ ولا بأساً ، بل (ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّهُ وَالْمَسْکَنَهُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ … ذَلِکَ بِمَا عَصَوْا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ) انتهى .
هذا بعض کلام ابن حجر العالم الذی لیس له فی علماء السنه مدافع ؛ ولا ینازع فی جلاله شأنه وعظیم فضله منازع ، ولسنا الآن فی صدد تعداد مثالب ابن تیمیه وبدعه فی الدین ، وما أدخله من البلیه على الإسلام والمسلمین ، فإنَّ ذلک خارج عمَّا نحن بشأنه من مواقف الحجه والبرهان ، والنظر فی الأدله على نهج علمی لا یخرج عن دائره آداب المناظره .
وأمَّا حال ابن تیمیه … فقد کفانا مؤونه إشاعه فضائعه ووقائعه علماءُ الجمهور من أهل السنه والجماعه شُکرت مساعیهم الجمیله .
أما کلمتنا التی لا بد لنا من إبدائها فی الجمع بین تلک الأخبار ، ونظریتنا فی استجلاء الحقیقه من خلال تلک الحُجب والأستار ، فسوف نبدیها فی تلو هذا السجل ناصعهً بیضاءَ مستقره ، وعلیه التکلان ، وبه المستعان .
ها نحن أولاء ، وبعد أن سردنا علیک ذرواً من الأحادیث ، وشذوراً من الروایات ، نرید أن نأتی على الخلاصه ، ونوقفک على الفذلکه ، ونمنحک الحقیقه المکنونه والجوهره الثمینه ، فنتوصّل إلى الحقیقه من أقرب طُرقها ، ونتوسَّل إلى البغیه المنشوده بأقوى أسبابها ، وأوثق عراها ، وأمتن أواخیها ، فنقول :
نقدر على الفرض أنّ رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) ها هو أمام کل مسلم من أُمته ، یراه بعینه ویسمعه بأذنه ، قائلاً له : ( لا تدع تمثالاً إلاَّ طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّیته ) بناءً على صحّه کل ما ورد فی الصحیحین (البخاری ومسلم) ، إذ هذا الفرض وإن کنا لا نقول به ، ولکن نجعله من الأصول الموضوعه بیننا ، أعنی به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومه ، ومعلوم أنّ المتخاصمین إذا لم یکن فیما بینهما أصول موضوعه ینتهون إلیها ، ویقفون عندها ، لا تکاد تنتهی سلسله النزاع بینهما والتخاصم طول الأبد ، وعمر الدهر .
 إذاً فنحن على سبیل المجاراه والمساهمه مع الخصم ؛ نقول بصحه ذلک الحدیث‎ ، کما یلزمنا معاً أن نقول بصحه غیره من أحادیث الصحیحین ، فها هو النبی (صلَّى الله علیه وآله) یقول: ( لا تدع قبراً مشرفاً إلاّ سوَّیته) کما رواه مسلم ، ولکنَّه یقول حسب روایته أیضاً : ( فزوروا القبور فإنَّها تذکر الموت … ) ، و( استأذنت ربی فی زیاره أُمی فأذن لی ) … وقد زار هو قبور البقیع … وفی البخاری عقد باباً لزیاره القبور ، وحینئذٍ فهل هذه الأحادیث متعارضه متناقضه ؟ النبی الذی لا ینطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحی یوحى یأمر بهدم القبور … ویأمر بزیارتها … یأمر بهدمها ، ثمَّ هو یزورها …
فإنّ کان المقام من باب تعارض الأحادیث واختلاف الروایات ، وجب الجمع بینهما لا محاله على ما تقتضیه صناعه الاجتهاد ، وطریقه الاستنباط ، وقواعد الفن المقرَّره فی الأصول ، بحمل الظاهر على الأظهر ، وتأویل الضعیف من المتعارضین وصرفه إلى المعنى الموافق للقوی ، فیکون القوی قرینه على التصرُّف فی الضعیف ، وإراده خلاف ظاهره منه کما یعرفه أرباب هذه الصناعه ، فهل المقام من هذا القبیل ؟!
کلاّ ثمَّ کلاّ ، ومهلاً مهلاً ، إنّ هذه الساقیه لیست من ذلک النبع ، وتلک القافیه ما هی من ذلک السجع ؛ ولیس المقام من باب التعارض کی یحتاج إلى التأویل والجمع . ما کنت أحسب أنّ أدنى مَن له حظ من فهم التراکیب العربیه والتصاریف اللغویه ، یخفى علیه الفَرق بین ( التسویه) و ( المساواه) .
إنَّ الذین یصرفون قوله (علیه السلام) : (ولا تدع قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّیته ) إلى معنى ساویته بالأرض أی (هدمته) ، أولئک قوم إیفت أفهامهم ، وسخفت أذهانهم ، وضلت ألبابهم ، ولم یکن من العربیه لهم ولا قلامه ظفر فکیف بعلمائهم ؟!
ولا یخفى على عوام العرب أنّ تسویه الشیء عباره عن تعدیل سطحه أو سطوحه ، وتسطیحه فی قبال تقعیره أو تحدیبه أو تسنیمه وما أشبه ذلک من المعانی المتقاربه (۱۴) والألفاظ المترادفه ، فمعنى قوله (صلَّى الله علیه وآله) : ( لا تدع قبراً مشرفاً (أی : مسنَّماً) إلاَّ سوَّیته (أی : سطَّحته وعدَّلته) ) ولیس معناه : إلاَّ هدمته وساویته بالأرض کی یعارض ما ورد من الحث على زیاره القبور واستحباب إتیانها ، والترغیب فی تشییدها ، والتنویه بها ، وذلک المعنى ـ أعنی : أن المراد من تسویه القبر تسطیحه وعدم تسنیمه ـ کان هو الذی فهمتُه من الحدیث أول ما سمعته بادئ بدء وعند أول وهله ، ثمَّ راجعت الکتاب ـ أعنی : صحیح مسلم ـ ونظرت الباب فوجدت صاحب الصحیح (مسلم) قد فهم فیه ما فهمناه من الحدیث ، حیث عنون الباب قائلاً : ( باب تسویه القبور ) وأورد فیه أولاً بسنده إلى تمامه قال : کنا مع فضاله بن عبید بأرض الروم برودس ، فتوفِّی صاحب لنا ، فأمر فضاله بقبره فسوِّی ، ثمَّ قال : سمعت رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) یأمر بتسویتها (۱۵) ، ثم أورد بعده فی نفس هذا الباب حدیث أبی الهیاج المتقدم : ( ولا قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّیته ) .
وکذلک فهم شارحوا صحیح مسلم وإمامهم النووی الشهیر ، وها هو بین أیدینا یقول فی شرح تلک الجمله النبویه ما نصه :
فیه : أنَّ السُّنه أنَّ القبر لا یُرفع عن الأرض رفعاً کثیراً ، ولا یُسنَّم ، بل یرفع نحو شبر ، وهذا مذهب الشافعی ومَن وافقه ، ونقل القاضی عیاض عن أکثر العلماء أنَّ الأفضل عندهم تسنیمها (۱۶) . انتهى کلام النووی .
ویشهد لأفضلیه التسنیم ما رواه البخاری فی صحیحه فی باب صفه قبر النبی وأبی بکر وعمر بسنده إلى سفیان التمار أنّه رأى قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) مسنَّماً (۱۷) … ولکن القسطلانی أحد المشاهیر من شارحی البخاری ، شرحه فی عشر مجلدات طبعت فی مصر القاهره ، قال ما نصه : ( مُسنَّم) ـ بضم المیم وتشدید النون المفتوحه ـ أی : مرتفعاً ، زاد أبو نعیم فی مستخرجه : وقبر أبی بکر وعمر کذلک ، واستدل به على أنَّ المستحب تسنیم القبور ، وهو قول أبی حنیفه (۱۸) ومالک (۱۹) وأحمد (۲۰) والمزنی وکثیر من الشافعیه . وقال أکثر الشافعیه (۲۱) ونص علیه الشافعی : التسطیح أفضل من التسنیم ؛ لأنَّه (صلَّى الله علیه وآله) سطَّح قبر إبراهیم ، وفعله حجه لا فعل غیره (۲۲) . وقول سفیان التمار لا حجه فیه ـ کما قال البیهقی ـ لاحتمال أنّ قبره (صلَّى الله علیه وآله) وقبری صاحبیه لم تکن فی الأزمنه الماضیه مسنَّمه (۲۳) .
وقد روى أبو داود بإسناد صحیح ، أنّ القاسم بن محمد بن أبی بکر قال : دخلت على عائشه فقلت لها : اکشفی لی عن قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) وصاحبیه ، فکشفت عن ثلاثه قبور ، لا مشرفه ولا لاطئه ، مبطوحه ببطحاء العرصه الحمراء ، أی لا مرتفعه کثیراً ولا لاصقه بالأرض (۲۴) .
إلى أن قال القسطلانی الشارح : ولا یؤثِّر فی أفضلیه التسطیح کونه صار شعار الروافض ؛ لأنَّ السُّنه لا تُترک بموافقه أهل البدع فیها ! ولا یخالف ذلک قول علی (رضی الله عنه) : (أمرنی رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) أن لا أدع قبراً مشرفاً إلاّ سوَّیته) ؛ لأنَّه لم یرد تسویته بالأرض ، وإنّما أراد تسطیحه ؛ جمعاً بین الأخبار‎ ، ونقله فی المجموع عن الأصحاب (۲۵) .
انتهى ما أردنا نقله من شرح البخاری .
وأنت ترى من جمیع ما أحضرناه لدیک وتَلَوْناه علیک من کلمات أعاظم المسلمین وأساطین الدین ، من مراجع الحدیث کالبخاری ومسلم ، وأئمه المذاهب کأبی حنیفه والشافعی ومالک وأحمد ، وأعلام العلماء وأهل الاجتهاد کالنووی وأمثاله ، کلهم متفقون على مشروعیه بناء القبور فی زمن الوحی والرساله ، بل النبی (صلَّى الله علیه وآله) بذاته بنى قبر ولده إبراهیم ، إنّما الخلاف والنزاع فیما بینهم فی أنَّ الأفضل والأرجح تسطیح القبر أو تسنیمه ؟
فالذاهبون إلى التسنیم یحتجُّون بحدیث البخاری عن سفیان التمار أنَّه رأى قبر النبی (صلَّى الله علیه وآله) مسنَّماً ، والعادلون إلى التسطیح یحتجون بتسطیح النبی قبر ولده إبراهیم ، وصحیح القاسم بن محمد بن أبی بکر شاهد له ، ولعل هذا الدلیل هو الأرجح فی میزان الترجیح والتعدیل ، ولا یقدح فیه أنَّه صار من شعار الروافض وأهل البدع کما قال شارح البخاری ، فیما مر علیک نقله .
ولا یعنینا الآن الخوض فی حدیث الروافض وأنَّهم من أهل البدع أم لا ، إنّما الشأن فی حدیث ( لا تدع قبراً مشرفاً إلاَّ سوَّیته ) وأحسب أنَّه قد تجلَّى لک بحیث یُوشک أن یُلمس بالأنامل ، ویرى بباصره العین أنَّ معنى ‎( سوَّیته ) عدَّلته وسطَّحته ، فی قبال سنَّمته وحدَّبته ، ویناسب هذا المعنى کل المناسبه التقیید بقوله ( مشرفاً ) ، فإنّ أصل الشرف لغه هو العلو بتسنیم ، مأخوذ من سنام البعیر ، وعلیه فیحسن ذلک القید ، بل یلزم ویکون بلسان أهل العلم ( قیداً احترازیاً ) . أما على معنى ساویته ، فالقید لغو صرف ، بل مُخل بالغرض المقصود.
وبعد هذا کله فهل من قائل لذلک المفتی ـ مفتی علماء المدینه ، الذی أفتى بجواز هدم القبور أو وجوبه استناداً إلى ذلک الحدیث ـ : یا هذا ! من أین جئت بتلک النظریه الحمقاء ، والحجه العوجاء ، والبرهنه المعکوسه ، والمزعمه المقلوبه التی ما همَّها واهمٌ ، ولا خطرت على ذهن جاهل فکیف بالعالم ؟!
اللُهُم إلاّ أن یکون (ابن تیمیه) أو بعض ذناباته ، فإنّ الرجل ترویجاً لأباطیله وتمشیه لأضالیله ، حیث تعوزه الحجه والسند ، قمین بتحویر الحقائق ، وقلب الأدله ، والتلاعب بالحجج والبراهین تلاعبه بالدین ( کما تلاعبت الصبیان بالاُکر) . لا یا هذا ، إن الشمس لا تستر بالأکمام ، وإنّ الحق لا یسحق بزخارف الکلام وسفائف الأوهام … إنّ الحدیث ( لا تدع قبراً إلاَّ سوَّیته ) دلیل علیک لا لک ، وحجه قاطعه لأضالیلک وقالعه لجذور أباطیلک ؛ فإنّ معناه الذی لا یشک فیه إنسان من أهل اللسان ( سوَّیته أی : عدَّلته وسطَّحته ، لا ساویته وهدمته ) ، وبهذا المعنى لا یکون معارضاً لشیء من الأحادیث حتى یحوج مَن له حظ من صناعه الاستنباط إلى الجمع والتأویل ، وهذا هو معناه بذاته وظاهر من نفس مفرداته وترکیبه ، لا الذی یحصل بعد الجمع کما یظهر من عباره شارح البخاری المتقدّمه.
نعم ، لو أبیت إلاّ عن حمل ( سوَّیته ) على معنى ساویته بالأرض ، وجاملناک على الفرض والتقدیر ، حینئذٍ تجیء نوبه المعارضه ویلزم الصرف والتأویل ، وحیث إنّ هذا الخبر بانفراده لا یکافئ الأخبار الصحیحه الصریحه الوارده فی فضل زیاره القبور ومشروعیه بنائها ، حتى إنّ النبی (صلَّى الله علیه وآله) سطّح قبر إبراهیم ، فاللازم صرفه إلى أنّ المراد : لا تدع قبراً مشرفاً قد اتخذوه للعباده إلاّ سوَّیته وهدمته.
ویدل على هذا المعنى الأخبار الکثیره الوارده فی الصحیحین ـ البخاری (۲۶) ومسلم ـ من ذم الیهود والنصارى والحبشه ، حیث کانوا یتّخذون على قبور صلحائهم تمثالاً لصاحب القبر فعبدونه من دون الله ، ولعله إشاره إلى بعض طوائف الیهود والنصارى والحبشه حیث کانوا کذلک فی القدیم فعَدَلُوا واعتدلوا .
أمّا المسلمون من عهد النبی (صلَّى الله علیه وآله) إلى الیوم ، فلیس منهم مَن یعید صاحب القبر ، وإنّما یعبدون الله وحده لا شریک له فی تلک البقاع الکریمه المتضمّنه لتلک الأجساد الشریفه ، وبکل فرض وتقدیر فالحدیث یتملّص ویتبرّأ أشد البراءه من الدلاله على جواز هدم القبور فکیف بالوجوب ، والأخبار التی ما علیها غبار ، وممّا لم نذکره ، ناطقه بمشروعیه بنائها وإشادتها وأنّها من تعظیم شعائر الله ( وَمَنْ یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (۲۷) .
  تتمَّه :
فی العام الماضی طبعت فی النجف الأشرف رساله موسومه بـ‌( منهج الرشاد) لأسطوانه من أساطین الدین : (الشیخ الأکبر کاشف الغطاء) الذی یعرف کل عارف أنَّه کان فاتحه السور من فرقان العزائم ، وکوکب السحر فی سماء العظائم ، هو من أفذاذ الأعاظم الذین لا تنفلق بیضه الدهر إلاَّ عن واحد منهم ، ثم تعقم عن الإتیان بثانیه إلاّ بعد مخض طویل من الأحقاب ، من غر أیادیه ـ وکم له فی العلم من أیادٍ غُرر ‎ـ تلک الرساله التی رتّبها على مقدمه وفصول ، عقد کل فصل منها لدفع شبهه من شبهات الوهابیه ودحضها بالأدله القطعیه ، والأحادیث النبویه الثابته من الطرق الصحیحه عند أهل السُّنه . على أنّ المقدمه وحدها کافیه فی قمع شبهاتهم ، وقلع جذوم مذهبهم ، وهدم أساس طریقتهم ، وقد أبدع فیها غایه الإبداع . ومن بعض أبواب الرساله : ( الباب الرابع : فی بناء قبور الأنبیاء والأولیاء ) وأفاض فی البیان إلى أن قال:
والأصل فی بناء القباب وتعمیرها ما رواه التبانی ـ واعظ أهل الحجاز ـ عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جده الحسین ، عن أبیه علی (علیه السلام) أنّ رسول الله (صلَّى الله علیه وآله) قال له: ( لتُقتلنَّ فی أرض العراق وتُدفن بها ، فقلت : یا رسول الله ، ما لمَن زار قبورنا وعمَّرها وتعاهدها ؟ فقال: یا أبا الحسن ، إنّ الله جعل قبرک وقبر ولَدَیک بقاعاً من بقاع الجنه ، وإنّ الله جعل قلوبَ نجباءِ مَن خَلَقه ، وصفوهً من عباده تحنُّ إلیکم ، وتعمر قبورکم ؛ ویکثرون زیارتها تقرُّباً إلى الله تعالى وموده منهم لرسوله) (۲۸) .
ثم قال (قدُّس سرُّه) بعد إیراد تمام الحدیث : ونقل نحو ذلک أیضاً فی حدیثین معتبرین ، نقل أحدهما الوزیر السعید بسند ، وثانیهما بسند آخر غیر ذلک السند ، ورواه أیضاً محمد بن علی بن الفضل ، انتهى.
والقصارى أنَّ النزاع بیننا معاشر المسلمین أجمع ، وبین سلطان نجد وأتباعه الذین یحکمون بضلاله سائر المسلمین أو بتکفیرهم ، لو کان ینحسم وینتهی بإقامه الحجج والبراهین لجئنا بالقول المقنع المفید! ولکان عندنا زیاده للمستزید ، بل لو کنّا نعلم أنّهم یقنعون بالحجه البالغه ، ویخضعون للأدله القاطعه ، لملأنا الطوامیر من الحجج الباهره التی تترک الحق أضحى من ذکاء ، وأجلى من صفحه السماء ، ولکن سلطان نجد له حجتان قاطعتان علیهما یعتمد ، وإلیهما یستند ، ولا فائده إلاّ بمقابلتهما بمثلهما أو بأقوى منها ، وهما: الحسام البتَّار ، والدرهم والدینار ، السیف والسنان ، والأحمر الرنان ، هذا لقوم وذاک لآخرین :
أحدهما لأهل الصحف والمجلاّت فی مصر وسوریا ونحوهما ؛ لیحبّذوا أعماله الوحشیه ، ویحسّنوا همجیته التی تضعضع أرکان کل مدنیه .
والآخر لأعراب البوادی ولشرفاء الحجاز وأمثالهم من أمراء العرب حیث تساعده الظروف لا قدَّر الله .
إذن فأیُّ فائده فی إطاله الکلام ، وسرد الأحادیث ونضد الأدله . نعم ، فیها تبصره وتبیان لطالب الحقیقه المجرده عن کل خوف ورجاء ، وتحامل وتزلّف ، ولکن أین هو ذلک الرجل الطالب للحق المجرّد عن کل غرض ؟! ولئن کان لوح الوجود غیر خال منه ففیما ذکرناه غنى له وکفایه.
أمّا أمیر نجد وأجناده وقضاته ومَن لف لفهم ، الذین اتخذوا لتلک الدعوى والدیانه وسیله لامتداد سلطتهم ، واتساع سطوتهم ، وضخامه ملکهم ، فلسنا معهم فی الخصام وإقامه الحجج إلاّّ کإشراق الشمس على المستنقعات العمیقه ، فی الأودیه السحیقه ، لا تزیدها تلک الأشعه إلاّ سخونه وعفونه وانتشار وباء فی الهواء . لیت قائلاً یقول لقاضی القضاه ـ ابن بلیهد ـ ولمفتی علماء المدینه : أتراکم تعتقدون وتعتمدون على کل ما فی صحیح مسلم ، وتعملون بکل ما ورد من النصوص فیه ؟ فإن کنتم کذلک ، فقد عقد مسلم فی صحیحه باباً وأورد عده أحادیث فی أنّ الخلافه لا تکون إلاّ فی قریش ، وأن الأئمه من قریش (۲۹) ، بأسالیب من البیان ، وأفانین من التعبیر ، وکلها صریحه فی أنّ الخلافه الحقّه المشروعه مخصوصه بتلک القبیله .. ومثله ـ بل وأکثر منه ـ فی صحیح البخاری ، وعلیه فأین تکون خلافه أمیرکم ابن سعود ؟ وکیف حال إمامته ؟أهی من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّهً) (۳۰) ؟! أمْ من قوله تعالى ‎لإبراهیم : ( إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قَالَ لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ )(۳۱) ؟! وحسبنا هذا القدر . إنّ اللبیب من الإشاره یفهم !
وأمّا حدیث لعن رسول الله زائرات القبور والمتّخذین علیها المساجد والسرج (۳۲) ، فهو نهی للنساء عن التبرّج والخروج إلى المجتمعات وعن السجود على القبر ، وهو ممّا لا یصدر من أحد من المسلمین ، وعن إیقاد السرج عبثاً وتعظیماً لذات القبر . أمّا الإسراج لقراءه القرآن والدعاء ، فلا منع ولا نهی ، بل فی بعض الأحادیث جوازه (۳۳) .
هذا کله فی الجواب عن حدیث مسلم فی شأن هدم القبور وزیارتها والإسراج علیها . أمّا فتاوى مفتی علماء المدینه الأخرى المتعلقه بشأن التبرّک بالقبور ، والتمسیح بها ، وزیارتها ونحو ذلک ، فقد أفتى ذلک المفتی بالمنع منها مطلقاً ، ولکن أرسل أکثر الفتاوى إرسالاً من غیر أن یسندها إلى حجه أو یعمدها على دلیل حتى نتصدّى للجواب عنه.
نعم ، قال فی آخرها ـ وما أصدق ما قال ـ : (هذا ما أدّى إلیه نظری السقیم ) انتهى.
والسقیم ـ لا محاله ـ إنّما جاء من إحدى العلتین اللتین مرّ ذکرهما أو من کلیهما ، نسأله تعالى العافیه لنا ولجمیع المسلمین.
وفی الرساله ـ المنوَّه بذکرها مَن أَمم ـ لکل واحده من تلک المسائل فصل مستقل أثبت فیه من الطرق الصحیحه المعتبره عند القوم مشروعیتها ورجحانها وعمل الصحابه والتابعین بها ، فمَن أراد فلیراجع.
وعلى هذا الحد فلتقف الأقلام ، وینتهی الکلام ، فقد تجلّى الصبح لذی عینین ، والسلام ‎.
تمّت بحمد الله تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــ

(۱) صحیح مسلم ۲/ ۶۶۶ باب ۳۱ ح ۹۳ ، مسند أحمد ۱/ ۹۶ و ۱۲۹ ، سنن النسائی ۴/ ۸۸ وفیه : ولا صوره فی بیت إلاّ طمستها‎
 

، سنن أبی داود ۳/ ۲۱۵ح ۳۲۱۸ ، الجامع الصحیح للترمذی ۳/ ۳۶۶ باب ۵۶ ح ۱۰۴۱٫

 

(۲) صحیح مسلم ۲ / ۶۶۹ ‎

 

باب ۳۵ ح ۱۰۲ و ۱۰۳ .

 

(۳) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۵ ح ۱۰۴٫

 

(۴) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۵ ح ۱۰۴٫

 

(۵) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۵ ح ۱۰۵٫

 

(۶) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۵ ح ۱۰۵٫

 

(۷) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۶ ح ۱۰۶٫

 

(۸) صحیح مسلم ۲/ ۶۷۱ باب ۳۶ ح ۱۰۶٫

 

(۹) سنن الدارقطنی ۲/ ۲۷۸ ح ۱۹۴ ، الجامع الصغیر للسیوطی ـ نقلاً عن البیهقی ـ ۲/ ۶۰۵ ح ۸۷۱۵ ، کنز العمال ۱۵/ ۶۱۵ ح ۴۲۵۸۳ ، وفاء الوفاء ۴/ ۱۳۳۶ ، الکامل لأبی أحمد بن عدی ۶/ ۲۳۵۰ ، وأورد العلاَّمه الأمینی فی الغدیر ۵/ ۹۳ـ ۹۶ (۴۱) مصدراً ، فراجع.

 

(۱۰) سنن الدارقطنی ۲/ ۲۷۸ ح ۱۹۲ ، سنن البیهقی ۵/ ۲۴۶ ، کنز العمال ۵/ ۱۳۵ ح ۱۲۳۶۸ و ۱۵/ ۶۵۱ ح ۴۲۵۸۲ ، وفاء الوفاء ۴/ ۱۳۴۰ وفیه: (کان کمَن زارنی) ، الکامل لأبی أحمد بن عدی ۲/ ۷۹۰ ، الجامع الصغیر للسیوطی ـ نقلاً عن الطبرانی ـ ۲/ ۵۹۴ ح ۸۶۲۸ ، وأورد العلامه الأمینی فی الغدیر ۵/ ۹۹ـ ۱۰۰(۹) مصادر ، فراجع .

 

(۱۱) کنز العمال ۵/ ۱۳۵ ح ۱۲۳۶۹ ، وفاء الوفاء ۴/ ۱۳۴۲ ، شفاء السقام: ۲۳ ، وأورد الأمینی (۹) مصادر فی الغدیر ۵/ ۱۰۰٫

 

(۱۲) وفاء الوفاء ۴/ ۱۳۴۸ ، شفاء السقاء: ۳۴ ، وقد أورد السبکی فی شفاء السقام کل الأحادیث السابقه فی الفصل الأول .

 

(۱۳) وکذا ناقشه فی شفاء السقام فی باب شبهه الخصم ۹۸ ـ ۱۱۵٫

 

(۱۴) معجم مقایس اللغه ۳/ ۱۱۲ (سوى ) .

 

(۱۵) صحیح مسلم ۲/ ۶۶۶ باب ۳۱ / ۹۲٫

 

(۱۶) إرشاد الساری لشرح صحیح البخاری ۴/ ۳۰۱٫

 

(۱۷) صحیح البخاری ۲ / ۱۲۸٫

 

(۱۸) المبسوط للسرخسی ۲/ ۶۲٫

 

(۱۹) المنتقى ۲/ ۲۲٫

 

(۲۰) المغنی لابن قدامه ۲/ ۳۸۰٫

 

(۲۱) المجموع ۵/ ۲۹۵٫

 

(۲۲) الأُم ۱/ ۲۷۳٫

 

(۲۳) سنن البیهقی ۴/ ۴ وفیه ـ بعد أن نقل حدیث التمار ـ : وحدیث القاسم أصح وأولى أن یکون محفوظاً .

 

(۲۴) سنن أبی داود ۳/ ۲۱۵ ح ۳۲۲۰٫

 

(۲۵) إرشاد الساری ۲/ ۴۷۷٫

 

(۲۶) صحیح البخاری ۲/ ۱۱۴٫

 

(۲۷) الحج: ۳۲٫

 

(۲۸) فرحه الغری: ۷۷٫

 

(۲۹) صحیح البخاری ۹/ ۷۷ باب (۱) کتاب الأحکام ، صحیح مسلم ۳/ ۱۴۵۱ـ ۱۴۵۴ باب

 

(۳۰) السجده: ۲۴٫

 

(۳۱) البقره: ۱۲۴٫

 

(۳۲) سنن أبی داود ۳/ ۲۱۸ ح ۳۲۳۶ .

 

(۳۳) مستدرک الحاکم ۱/ ۳۷۴ .

Leave A Reply

Your email address will not be published.