سبب تقدّم صفة الغفور على صفة الرحیم في آیات القرآن الکریم إلا في سورة سبأ!؟

0

تتقدم صفة الغفور على صفة الرحیم في آیات القرآن الکریم إلا في سورة سبأ حیث قال عزّ وجل في الآیة الثانیة: ” یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ مَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا یَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا یَعْرُجُ فِیهَا وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ”؟

الجواب::: قال تعالى في الآیة المبارکة ” یَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ مَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا یَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا یَعْرُجُ فِیهَا وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ”. (1) و جاء في تفسیر المیزان للعلامة الطباطبائي في معرض تفسیره للآیة: الولوج مقابل الخروج و العروج مقابل النزول و کان العلم بالولوج و الخروج و النزول و العروج کنایة عن علمه بحرکة کل متحرک و فعله و اختتام الآیة بقوله: «وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ» کان فیه إشارة إلى أن له رحمة ثابتة و مغفرة ستصیب قوما بإیمانهم.(2)
فیما تعرض صاحب تفسیر الامثل للسبب وراء وصف الباري نفسه بالرحیم الغفور هنا قائلا: لقد وصف اللّه تعإلى نفسه بهاتین الصفتین إمّا لأجل أنّه من جملة الأمور التي تعرج إلى السماء أعمال العباد و أرواحهم فیشملها برحمته …
أو لأنّ نزول البرکات و العطایا السماویة تترشّح من رحمته، و الأعمال الصالحة المتصاعدة من العباد مشمولة بغفرانه بمقتضى وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ.
أو لکون «الرحمة» تشمل من یشکر هذه النعم، و «الغفران» یشمل المقصّرین في ذلک.
و الخلاصة: أنّ الآیة أعلاه، لها معان واسعة من جمیع الوجوه، و لا یجب حصر مؤدّاها في معنى واحد.(3)
انطلاقا من ذلک یمکن القول:
1.  إن کلمتي یَلِجُ و یَخْرُجُ أوضح ما یعبّر به عن أحوال جمیع الموجودات الأرضیة بالنسبة إلى اتصالها بالأرض، و أن کلمتي یَنْزِلُ و یَعْرُجُ أوضح ما یعبّر به عن أحوال الموجودات السماویة بالنسبة إلى اتصالها بالسماء، من کلمات اللغة التي تدل على المعاني الموضوعة للدلالة علیها دلالة مطابقیة على الحقیقة دون المجاز و دون الکنایة، و لذلک لم یعطف السماء على الأرض في الآیة فلم یقل: یعلم ما یلج في الأرض و السماء، و ما یخرج منهما، و لم یکتف بإحدى الجملتین عن الأخرى. و قد لاح لي أن هذه الآیة ینبغي أن تجعل من الإنشاء مثل ما اصطلح على تسمیته بصراحة اللفظ.(4)
2. تحدثت کتب علوم القرآن الکریم للحدیث عن اسباب تقدم و تأخر الجمل و المفردات في المصحف الشریف مرجعین ذلک إلى طبیعة نسق الآیات و السیاق الذي وردت فیها الکلمات فقد یقتضي السیاق التقدیم احیاناً و التأخیر أخرى.(5) و لو تألمنا في الآیة المبارکة نجد أن سیاقها یقتضي التقدیم و التأخیر المذکور لان صفة الرحیمیة تنسجم مع الخصوصیات الاولى التي ذکرتها الآیة فیما تنسجم صفة الغفور مع الصنف الثاني من الامور التي اشارت الیها الآیة، و من هنا قال بعض المفسرین: «وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ» – إشارة إلى أن ما یلج في الأرض و ما یخرج منها، هو هذه الرحمة التي تنزل ماء من السماء، فتلج في الأرض، فتخرج منها حبّا و نباتا و جنات ألفافا .. و في هذا حیاة کل حىّ، طعاما و شرابا .. ثم إشارة أخرى إلى ما ینزل من السماء من آیات اللّه و کلماته، یحملها أمین الوحى إلى المصطفین من عباد اللّه لرسالته، فیکون فیها حیاة الأرواح، و تزکیة النفوس .. ثم إشارة ثالثة إلى ما یعرج في السماء، و یصعد إلیها من أعمال النّاس .. و قلیل منها طیب، و کثیر هو الخبیث .. و مع هذا، فإن اللّه سبحانه لا یمسک رحمته عن النّاس، و لا یعجل لهم الجزاء، بل یوسع لهم من مغفرته و رحمته، فیغفر للمذنبین التائبین، و یرحم العصاة الفارّین بذنوبهم إلى اللّه: «وَ هُوَ الرَّحِیمُ الْغَفُورُ.(6)

………………………………………….

(1) سبأ، 2.
(2) العلامة الطباطبائی، المیزان في تفسیر القرآن، ج16، ص 357، انتشارات جامعة مدرسي الحوزة العلمیة في قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
(3) مکارم الشیرازی، الأمثل في تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏13، ص: 385، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، الطبعة الأولى، 1421ق.
(4) ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحریر والتنویر، ج22 ،ص 9، بدون تاریخ و مکان طبع .
(5) مستل من السؤال رقم 20155 تحت عنوان التقدیم و التأخیر في القرآن الکریم؛ و انظر: اوصاف القرآن وعلل التعدد، السؤال رقم 21409.
(5) خطیب عبدالکریم، التفسیر القرآني للقرآن، ج 11، ص 775، بلا تاریخ ؛ وانظر: المدرسی، السید محمد تقی، من هدى القرآن، ج 10، ص 421، دار محبي الحسین، طهران، الطبعة الأولى، 1419ق.

Leave A Reply

Your email address will not be published.