السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي رحمه الله دراسة في سيرته 05
دوره في كسب ودّ مخالفيه:
كان الحسين بن روح (رحمه الله) محل احترام وتقدير عند العامة والخاصة وحتى من قبل كبار رجال الدولة وخصوصاً في عهد وزارة بني فرات وابن مقلة.
والسبب في ذلك يعود إلى التزامه بمسلك التقية لكسب قلوبهم ولحفظ مصالحه الدينية والدنيوية، ولعل هذا المسلك كان بتوجيه من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتقية عقيدة قرآنية أصّلت لها العديد من النصوص الشرعية كقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾ (النحل: ١٠٦). وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً﴾ (آل عمران: ٢٨) وقال تعالى: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ (غافر: ٢٨). وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: “التقية ديني ودين أجدادي ومن لا تقية له لا دين له” [85].
وتجب في موارد وتحرم في موارد أخرى ليس محلها هنا ويمكن أن تراجع في مظانها. وليست التقية خاصة بالشيعة غاية الأمر أن الشيعة تعرضوا للظلم والاضطهاد على مر الزمان وتعاقب الحكومات فتوجب عليهم أن يتقوا من أعدائهم حفظاً لأرواحهم وأموالهم، ولما كان الحسين بن روح سفير الإمام (عجّل الله فرجه) والسلطات تراقب تحركات خواص الشيعة وأعيانهم لكشف علاقتهم بالإمام (عجّل الله فرجه) توجّب عليه أن يمارس التقية لدفع الشبهات عنه وعدم إعطاء أي مبرر للوشاية به عند الحكام فهو لم يصرّح بمذهبه، ولم يسيء إلى أي مذهب أو شخصية، الأمر الذي جعل له مكانة عند كبار رجال الدولة والحكام ويمكن تتبع دوره في كسب ود أعدائه بما يلي:
روى الطوسي عن أبي نصر هبة الله أنه قال: (وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال: قال لي: إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) نعامله، قال: وكانوا باعة، ونحن مثلاً عشرة تسعة نلعنه وواحد يشكّك، فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف، لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه، فنكتبه لحسنه عنه (رضي الله عنه)[86].
وروى أيضاً عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: (حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ أبا القاسم (رضي الله عنه) أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما ردّه إلى خدمته، وأخذه بعض الأهل فشغّله معه كل ذلك للتقية)[87].
روى أبو نصر هبة الله بن محمد، قال: (حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً. وعهدي به وقد تناظر اثنان، فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما.
فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك، وهو الصحيح عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول، وكان العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض.
فوقع عليّ الضحك فلم أزل أتصبّر وأمنع نفسي وأدسُّ كمي في فمي، فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق، فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره.
فقال لي: يا أبا عبد الله أيّدك الله لم ضحكت؟ فأردت أن تهتف بي كأنّ الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت: كذاك هو عندي. فقال لي: اتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا القول مني، فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام (عجّل الله فرجه) ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه و[لا] يضحك من قوله هذا؟ فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنّك وودّعني وانصرف)[88].
وفي ذلك تورية تنطلي على الكثيرين فإذا دققنا النظر في الرواية نجد أنه كلامه يحتمل معنيين معنى قريباً وهو تقديم غير الإمام علي (عليه السلام) عليه وهذا المعنى لا يريده الشيخ ومعنى بعيداً وهو تقديم الإمام علي (عليه السلام) لأنه نص على أنه الوصي بقوله: ثم علي الوصي.
الخاتمة:
وفي الختام تحصل البحث على عدة نتائج:
لا شك في انتساب الحسين بن روح إلى أسرة آل النوبختي فهناك الكثير من القرائن تشير إلى ذلك.
كان وزراء السلطة العباسية متغيري المواقف اتجاه أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فبعضهم يشدّد النكير ويكيل التهم، وبعضهم يتعامل معهم بشيء من الإيجابية وهذا ما لاحظناه في حياة الحسين بن روح فتارة يُقرّب، وتارة يُتّهم ويُطارد ويسجن.
لم يكن الحسين بن روح من البارزين جداً لتسلّم منصب السفارة بعد السفير الثاني وإن كان مقرباً عنده، الأمر الذي جعل السفير الثاني يمارس مجموعة من الأساليب لترسيخ فكرة السفارة بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم.
كثر مدّعوا السفارة في عهد الحسين بن روح مما تطلّب منه جهداً كبيراً للوقوف بوجههم حتى أسفر ذلك عن اندحارهم وخلاص الشيعة منهم.
تميّز الحسين بن روح بسلوكه مسلك التقية، والذي جعل منه غطاءً لممارسة دوره الديني والقيام بمهام السفارة، فحظي بمكانه مرموقة عند العامة والخاصة وكان محل احترام من قبل جميع المسلمين.
بقلم ساجد صباح ميّس العسكري / العتبة الحسينية المقدسة
………………………
[85] أوائل المقالات:٢١٦.
[86] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.
[87] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.
[88] الغيبة للطوسي: ٢٤٤-٢٤٥