اغتیال الإمام محمّد الجواد علیه السلام
ولم یمت الإمام محمد الجواد حتف أنفه ، وإنّما اغتاله المعتصم العباسی (۱) فقد قدّم الطاغیه على اقتراف هذه الجریمه النکراء.
وقد اختلف المؤرّخون فی الشخص الذی أوعز إلیه المعتصم للقیام بسمّ الإمام علیه السلام وفیما یلی بعض الأقوال:
۱ ـ ذکر بعض الرواه أنّ المعتصم أوعز إلى بعض کتّاب وزرائه بأن یدعو الإمام إلى منزله ، ویدسّ إلیه السمّ ، فدعاه إلاّ أنّ الإمام علیه السلام اعتذر من الحضور فی مجلسه ، وأصرّ علیه الکتّاب بالحضور لأجل التبرّک بزیاره الإمام له ، وأضاف أنّ أحد الوزراء أحبّ لقاءه ولم یجد علیه السلام بدّاً من إجابته ، فصار إلیه ، ولمّا تناول الطعام أحسّ بالسمّ فدعا بدابته للخروج من المنزل فسأله صاحب المنزل أن یقیم عنده فقال علیه السلام : خروجی من دارک خیر لک(۲).
۲ ـ صرّحت بعض الروایات أنّ المعتصم أغرى بنت أخیه زوجه الإمام أمّ الفضل بالأموال ، فدسّت إلیه السمّ (۳).
وعلى أی حال فقد قطع المعتصم بسمّه للإمام أواصر القربى ولم یرع حرمه النبی فی أبنائه.
دوافع اغتیاله
أمّا دافع اغتیال المعتصم للإمام فهی ـ فیما نحسب ـ تتلخّص بما یلی:
أولاً : وشایه أبی داود فقد دفعت المعتصم إلى اغتیال الإمام.
ثانیاً : حسد المعتصم للإمام علیه السلام على ما ظفر به من الإکبار والتعظیم عند عامّه المسلمین فقد تحدّثوا مجمعین عن مواهبه وعبقریاته وهو فی سنّه المبکّر ، کما تحدّثوا عن معالی أخلاقه من الحلم وکظمه للغیظ ، وبرّه بالفقراء وإحسانه إلى المحرومین إلى غیر ذلک من صفاته التی عجّت بذکرها الأندیه والمحافل ، ممّا دفع المعتصم على فرض الإقامه الجبریه علیه فی بغداد ثمّ القیام باغتیاله.
هذه بعض الأسباب التی دفعت المعتصم إلى اقتراف هذه الجریمه النکراء.
إلى جنّه المأوى
وأثّر السمّ فی الإمام تأثیراً شدیداً ، فقد تفاعل مع جمیع أجزاء بدنه وأخذ یعانی منه آلاماً مرهقه ، فقد تقطّعت أمعاؤه من شدّه الألم ، وقد عهدت الحکومه العباسیه إلى أحمد بن عیسى أن یأتیه فی السحر لیتعرّف خبر علّته (۴) وقد أخبر الإمام علیه السلام بوفاته من کان عنده فی اللیله التی توفّی فیها فقال لهم : نحن معشر إذا لم یرض الله لأحدنا الدنیا نقلنا إلیه (۵) وأخذت الآلام من الإمام مأخذاً عظیماً.
فقد کان فی ریعان الشباب وغضاره العمر ولمّا أحسّ بدنو الأجل المحتوم منه أخذ یقرأ سوراً من القرآن الکریم ، وقد لفظ أنفاسه الأخیره ولسانه یلهج بذکر الله تعالى وتوحیده ، وقد انطفت بموته شعله مشرقه من الإمامه والقیاده الواعیه المفکّره فی الإسلام.
لقد استشهد الإمام علیه السلام على ید طاغیه زمانه المعتصم العباسی وقد انطوت بموته صفحه من صفات الرساله الإسلامیه التی أضاءت الفکر ورفعت منار العلم والفضیله فی الأرض.
____________________________________________________
۱٫ بحر الأنساب : ص ۲۸٫ سبک الذهب فی سبک النسب. مرآه الجنان : ج ۲ ص ۸۱ ، نزهه الجلیس : ج ۲ ص ۱۱۱٫
۲٫ تفسیر العیّاشی : ج ۱ ص ۳۲۰٫ بحار الأنوار : ج ۱۲ ص ۹۹٫ البرهان : ج ۱ ص ۴۷۱٫
۳٫ نزهه الجلیس : ج ۲ ص ۱۱۱٫ المناقب : ج ۴ ص ۳۹۱٫
۴٫ الإرشاد : ص ۳۶۹٫
۵٫ بحار الأنوار : ج ۱۲ ص ۹۹٫