یوم المباهلة
المباهلة، وتعني الملاعنة أي الدعاء بإنزال لعنة الله على الكاذب من الطرفَين المتلاعنين, ويعنى بها ما وقع بين الرسول الأكرم ونصارى نجران في يوم 24 ذي الحجة سنة 9 هـ، وهناك من ذهب إلى وقوعها في 25 ذي الحجة. ونزلت آية 61 من سورة آل عمران بهذا الشأن، كما اصطحب النبي (ص) معه أمير المؤمنين وفاطمةوالحسنين، يوم المباهلة.
المباهلة لغة
«المُباهَلة» في الأصل من مادة «بَهْل» (على وزن اَهل) بمعنى إطلاق وفكّ القيد عن الشيء وبذلك يقال للحيوان الطلق حيث لا توضع محالبها في كيس كي يستطيع وليدها أن يرضع بسهولة، يقال له: «باهِلٌ». و تستعمل بمعنی اللعن أيضا؛ قال أهل اللغة: المُباهَلة المُلاعَنة، مفاعَلةٌ من البُهْلة وهي اللَعنة، و«بهله الله» لعنه وأبعده من رحمته.
آية المباهلة
- مقالة مفصلة: آية المباهلة
وهي الآية 61 من سورة آل عمران والتي جاء فيها: ﴿فَمَنْ حَاجَّك فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَك مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ﴾
وقد أجمع المفسرون من الفريقين على أن الآيات نزلت في وفد نجران العاقب والسيد ومن معهما حينما قالوا لرسول الله: هل رأيت ولداً من غير ذكر غير عيسى (ع) فهو أحد الأقانيم الثلاثة، فنزلت: (إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم…) الآيات فقرأها عليهم ولمّا أصروا على عنادهم بأنّ عيسى (ع) أحد الأقانيم الثلاثة دعاهم رسول الله إلى المباهلة.
وذهب كبار مفسري السنّة كالزمخشري والفخر الرازي والبيضاويوغيرهم إلى أن المراد من أبنائنا الحسن والحسين (ع)ومن نسائنا فاطمة (ع) ومن أنفسنا الإمام علي بن أبي طالب (ع) وهم أصحاب الكساء أو آل العباء بالاضافة إلى شخص النبي الأكرم (ص). وذهب كل من الزمخشري والفخر الرازي إلى نزول الآية 33 من سورة الأحزاب والمعروفة بآية التطهير عقيب ذلك وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع).
فلمّا كان الغد جاء النّبي (ص) ومعه علي (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) وفاطمة (ع)، وخرج النصارى يتقدمهم اسقفهم. فلمّا رأوا صدق النّبي (ص) وأنّه قد أقبل بخاصّة أهله أحجموا عن المباهلة، وقالوا: إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم.
يوم المباهلة
ذكر الشيخ المفيد أنّ المباهلة وقعت قبل حجة الوداع (السنة التاسعة للهجرة).
واختلف الباحثون أنّ المباهلة وقعت في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة أم وقعت في الحادي والعشرين من نفس الشهر، وذهب الشيخ الأنصاري – وهو المشهور – أنها حدثت في يوم الرابع والعشرون من ذي الحجة،ويؤيده الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان حيث ذكر مستحبات وأعمال ذلك اليوم منها غسل يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة؛ علماً أن الاختلاف في تاريخ وقوعها لايضر مع التسالم على أًصل حدوث الواقعة.
شخصيات المباهلة
من المسلّم به بين المؤرخين والمفسرين أن النبي (ص) خرج للمباهلة يستصحب معه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع)، وأمّا بالنسبة إلى تفاصيل الواقعة وما دار بين الطرفين ومن هم الحاضرون من النصارى، فقد اختلفت كلمة الباحثين، فيمكن الرجوع فيها إلى المصادر التي فصّلت البحث في هذه الواقعة، وكذلك الرجوع إلى ما يأتي من أبحاث.
واقعة المباهلة
لمّا كان اليوم التالي للمحاورة التي وقعت بين النبي الأكرم وبين النصارى، جاء النبي (ص) آخذاً بيد علي بن أبي طالب والحسن والحسين بين يديه يمشيان وفاطمة تمشي خلفه، وخرج النصارى يتقدمهم أسقفهم، فلمّا رأى النّبيَّ (ص) قد أقبل بمَن معه سأل عنهم، فقيل له:
هذا ابن عمّه وزوج ابنته، وأحب الخلق إليه، وهذان ابنا بنته من علي، وهذه الجارية ابنته فاطمة وهي أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه، وتقدّم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه.
قال أبو حارثة الأسقف: جثا – والله – كما جثا الأنبياء للمباهلة. فرجع، ولم يقدم على المباهلة، فقال السيد: ادنُ يا أبا حارثة للمباهلة! فقال: لا. إنّي لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقاً ولئن كان صادقاً لم يحل – والله – علينا حول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء. فقال الأسقف: يا أبا القاسم! إنا لا نباهلك، ولكن نصالحك، فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول الله (ص) على ألفي حلّة من حلل الأواقي قيمة كلّ حلة أربعون درهماً فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك، و على عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً إن كان باليمن كيد (أي حرب)، ورسول الله ضامن حتّى يؤديها، وكتب لهم بذلك كتاباً.
وروي أن الأسقف قال لهم:
- يا معشر النصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا؛ فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيراً حتى رجعا إلى النبي (ص)، وأهدى العاقب له حلّة وعصا وقدحا ونعلين، وأسلما.
الاحتجاج بالمباهلة على مر التأريخ
سجل التأريخ الكثير من المحاججات في كلمات أمير المؤمنين والحسن والحسين وسائر الأئمة، بل في كلمات سائر المسلمين والتي كان المستند فيها واقعة المباهلة، منها:
احتجاج سعد بن أبي وقاص
قال العلامة الطباطبائي جاء في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب، قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله (ص) فلن أسبه، لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم،…ثالثها لمّا نزلت هذه الآية: «قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل»، دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي.وأردف العلامة الطباطبائي قائلا: ورواه الترمذي في صحيحه، ورواه أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل علي، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية، عن عامر بن سعد عن أبيه، ورواه الحمويني في كتاب فرائد السمطين.
احتجاج الإمام الكاظم (ع)
روى صاحب العيون بإسناده إلى موسى بن جعفر: في حديث له مع هارون الرشيد، قال الرشيد له: كيف قلتم إنا ذرية النبي (ص) والنبي (ص) لم يعقب، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب؟.
فقلت: أسأله بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة.
فقال: تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي (ع) أنه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو إلا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: «ما فرّطنا في الكتاب من شيء» (الأنعام، 38)، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت: تأذن لي في الجواب؟
فقال: هات.
قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم «ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس» (الانعام، 84-85)، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟
فقال: ليس له أب.
فقلت: إنما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم، وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبي من أمّنا فاطمة (ع)، أزيدك يا أمير المؤمنين؟
قال: هات.
قلت: قول الله عز وجل «فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين»، ولم يدع أحد أنّه أدخل النبي (ع) تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، فكان تأويل قوله أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب
احتجاج الإمام الرضا (ع)
قال المأمون يوما للرضا (ع) أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (ع) يدل عليها القرآن.
فقال له الرضا (ع): فضيلته في المباهلة «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ…»، فدعا رسول الله (ص) الحسن (ع) والحسين (ع)، فكانا ابنيه، ودعا فاطمة (ع)، فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أميرالمؤمنين (ع)، فكان نفسه بحكم الله عزّ وجل، وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله (ص) وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (ص) بحكم الله عزّ وجل.
فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع، وإنما دعا رسول الله (ص) ابنيه خاصّة، وذكر النساء بلفظ الجمع وإنّما دعا رسول الله (ص) ابنته وحدها، فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه، ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره، فلا يكون لأمير المؤمنين (ع) ما ذكرت من الفضل؟
فقال له الرضا (ع) ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين؛ وذلك أن الداعي إنّما يكون داعيا لغيره كما يكون الآمر آمراً لغيره، ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله (ص) رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (ع) فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.
فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1376 هـ/ 1956 م.
- الأنصاري، مرتضى، كتاب الطهارة، قم، المؤتمر العالمي للشيخ الأعظم الأنصاري، د.ت.
- البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1418 هـ.
- الثعلبي، أحمد بن محمد، تفسير الثعلبي، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1422 هـ/ 2002 م.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، ط 4، 1407 هـ.
- الزمخشري، محمود، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، قم، نشر البلاغة، ط 2، 1415 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، اسماعيليان، ط 3، 1391 ش.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، بيروت – لبنان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1415 هـ/ 1995 م.
- القمي، عباس، منتهى الآمال، قم، هجرة، 1374 ش.
- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الفصول المختارة، تحقيق: السيد مير علي شريفي، بيروت: دار المفيد، ط 2، 1414 هـ.
- الميبدي، أحمد بن محمد، كشف الاسرار وعدة الابرار، طهران، أمير كبير، 1371 ش.
- فخر الدين الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1420 هـ.
المصدر:ویکی شیعه