الإمامة تنصيب إلهي أم انتخاب بشري؟ (04)
ونحن لسنا في صدد الدفاع عن الشيعة، لأننا نبغي الحقيقة أينما كانت فالعصمة التي يشترطونها في إمام المسلمين، لا تخرج به عن مصاف البشر، ولا تلحقه بعداد الآلهة كما يتقول المتقولون! ثم هل العصمة في ذاتها جزء الهي حتى إذا اشترطناها نكون قد قلنا في الخليفة بالحلول؟!ولا يخفى على أحد من العلماء أن العصمة رصيد نفساني كبير يتكون من تعادل جميع القوى النفسانية، وبلوغ كل واحدة منها أقصى درجة يمكن أن يبلغها الإنسان، ثم سيطرة القوى العقلية على جميع هذه القوى والغرائز سيطرة كاملة حتى لا تشذ في أمر ولا تستغل دونها في عمل(01). ثم يزيد فيقول:هذه الحصانة الذاتية التي يرتفع بها الإنسان الأعلى عن الاتضاع في طبيعته، ويمتنع بها عن الانزلاق في إرادته وعن الانحرافات التي تترسب في منطقة اللاشعوري، وتتحول عقداً نفسية تتحكم في دوافع المرء وفي سلوكه وفي اتجاهاته وملكاته وتسوقه من حيث لا يريد إلى النشوز عن الحق والشرود عن العدل.
هذه الحصانة الذاتية التي توقظ مشاعر الإنسان الكامل فلا يغفل، ويعتلي بملكاته واشراقه فلا ينزلق، ولا يكبو، والتي تحفظ له صحته النفسية من كل وجه، هذه هي العصمة التي يشترطها مذهب أهل البيت في الرئيس الأعلى لحكومة الإسلام، وفي ظني أنه شرط بمنتهى الجلاء كما أنه بمنتهى الحكمة..)(02).
إن المنطق العلمي بجميع أبعاده يقضي بصحة ما تذهب إليه الشيعة من اعتبار العصمة في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أما القول المعاكس فلا يستند إلى منطق عقلي ودليل علمي.
وصفة أخرى هامة جداً يقول بها الشيعة وهي: العلم
يعتقد الشيعة بأن الإمام لابدّ أن يكون أعلم الناس في عصره وأفضلهم في مقدراته العلمية. وقد أوضح هذه الجهة توضيحاً دقيقاً سماحة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر فقال: (أما علمه، فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية، وجميع المعلومات من طريق النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) قبله، وإذا استجد شيء لابدّ أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنّ توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه من طريق على وجهه الحقيقي لا يخطئ فيه، كل ذلك مستنداً إلى البراهين العقلية، ولا يستند إلى تلقينات المعلمين، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).
وأضاف يقول بعد الاستدلال على ذلك: ويبدو واضحاً هذا الأمر في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) كالنبي محمد (صلّى الله عليه وآله) فإنهم لم يتربوا على أحد، ولم يتعلّموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء مع مالهم من منزله علمية لا تجارى. وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري) ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الإسلام ورواته وعلمائه إلا ذكرت في ترجمته وتربيته وتلمذته على غيره وخذ الرواية أو العلم على المعروفين وتوقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر ومصر)(03).
تتمة هذا البحث في الحلقة التالية إن شاء الله تعالی
………………….
01- حياة الإمام موسى بن جعفر، ج1، ص112.
02- المصدر نفسه، ص113.
03- عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر، ص51-54.