من سيرة الإمام الهادي عليه السلام (02)

0

3- الأسس الفكريّة للتشيّع‌

يحدّد الإمام الهادي عليه السلام الأسس الفكريّّة الّتي تقوم عليها دعوة أهل البيتعليهم السلام والّتي يجب أن تسير الحركة الشيعية عليها وتلتزم حدودها من خلال قوله: ” السلام على الأئمّة الدعاة والقادة الهداة والسادة الولاة والذادة الحُماة وأهل الذكر وأولي الأمر وبقيّة الله وخيرته وحزبه وعيبة علمه وحجّته على صراطه ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته”.

ومن المفاهيم الّتي أكّدت عليها الزيارة:

1- الإيمان بإيابهم (إشارة لأهل البيت) وقيام دولتهم.
2- أهميّة زيارة قبورهم.
3- أهميّة الإيمان بسرّهم وعلانتيهم.
4- أهميّة الاستعداد لنصرة دولتهم لحدّ التمكين في الأرض.
5- أهميّة البراءة من عدوّهم.
6- أهميّة الإيمان بالرجعة.
7- فرح المؤمن بما رزقه الله على يد أهل البيت واعتقاده لهذا المعنى.
8- وحدة المسلمين السليمة لا تتمّ إلّا تحت لوائهم عليهم السلام .
9- الإيمان بهم لا يكون عاطفياً بل يكون عن وعي وإدراك وبحث وتمحيص.

الإمام الهادي عليه السلام والتمهيد لظهور المهديّ عليه السلام

تمثّل هذا الأمر بقيام الإمام الهادي عليه السلام ومن بعده ولده الإمام العسكريّ عليه السلام بالحدّ من الاتّصال المباشر بالشيعة، والاحتجاب عن اللقاء بهم شيئاً فشيئاً لتمهيد الأرضيّة اللازمة لغيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. هذه الحقيقة تتّضح بجلاء من ثنايا كلمات المؤرّخ المسعوديّ في “إثبات الوصيّة” حيث يقول:
“إنّ أبا الحسن الهادي صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلّا عن عدد يسير من خواصّه، فلّما أفضى الأمر إلى أبي محمّد عليه السلام ، كان يكلّم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر إلّا في الأوقات الّتي يركب فيها إلى دار السلطان”(01) .
فهذان الإمامان عليهما السلام ظلّا محتجبين عن الشيعة قسراً أو طوعاً نظراً لتعرّضهما لمراقبة شديدة في سرّ من رأى، ولقرب عصريهما من عصر الغيبة. وقد اقتصر اتصالهما بالشيعة على طريق المكاتبات والتوقيعات والوكلاء، الأمر الّذي يفسّر لنا كثرة المكاتبات، قال أحمد بن إسحاق القميّ: “دخلت على أبي محمّد عليه السلام فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد”(02).
من هنا كانت جماعة من الشيعة تغتنم الفرصة وتلتقي بالإمام عليه السلام عند مسيره إلى دار الخلافة كلّ أسبوع. ومن جملة ما قام به الإمام الهادي عليه السلام وكذلك الإمام العسكريّ عليه السلام في تلك المرحلة لتمهيد الأرضيّة الفكريّّة المناسبة للشيعة للدخول في عصر الغيبة إصدار الأحاديث العديدة بشأن الغيبة وولادة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإرجاع الشيعة إلى الوكلاء، وتأييد بعض الكتب الفقهيّة والروائيّة. وبهذه الصورة مهّدوا الأرضيّة لتحمّل ظروف وشرائط ما بعد الغيبة، والاتّصال غير المباشر بالإمام عليه السلام . وهذا الأسلوب ذاته قد اتّبعه الإمام الثاني عشر – كما يتّضح لنا لاحقاً – في زمن الغيبة الصغرى ليهيّئ الشيعة لعصر الغيبة الكبرى بالتدريج. ومن هنا تميّزت النصوص الواردة عن الإمام الهادي عليه السلام في ذلك الظرف العصيب والّتي جاءت لتؤكّد الإمامة من بعده لولده الحسن العسكريّ عليه السلام ، منعاً من محاولات السلطة لجعلها في ولده محمّد المعروف بأبي جعفر، وكذلك لحفيده المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ويمكن لنا تصنيف النصوص الّتي وصلتنا عن الإمام الهادي عليه السلام من الناحية التاريخيّة حول الإمام من بعده إلى عدّة طوائف:
1- النصوص الّتي صدرت قبل وفاة ابنه محمّد المعروف بأبي جعفر، والّتي تضمّنت نفي الإمامة عنه، والنصّ على إمامة ولده الحسن عليه السلام ، والوصيّة له بالصلاة عليه.
2- النصوص الّتي صدرت حين وفاة ابنه محمّد، والّتي تشير إلى وفاته قبيل استشهاد الإمام الهادي عليه السلام بقليل (قبل سنة أو سنتين).
3- النصوص الّتي صدرت بعد وفاة أبي جعفر والّتي ليس فيها دلالة على إمامته.
4- النصوص الّتي صدرت قبيل استشهاد الإمام الهادي عليه السلام ، والّتي فيها ينصّ الإمام عليه السلام على الوصيّة بالإمامة لولده العسكريّ عليه السلام .

خلاصة البحث

• اصطدم الإمام الهادي عليه السلام بالغلاة. وكان من بين أصحابه من يدّعي هذه الادّعاءات وكان يصدر عنه اللعن تجاههم، والبراءة منهم.
• من الانحرافات الفكريّة الّتي شاعت في عصر الإمام عليه السلام وأساءت إلى المذهب الإماميّ اتّهامهم بالقول بانحراف القرآن الكريم. وقد تصدّى الإمام الهادي عليه السلام لهذه التهمة بحزم شديد.
• من المسائل الّتي عصفت بالأمّة الإسلاميّة قضية “خلق القرآن” حيث اختلفت الأمّة اختلافاً شديداً فيها. وكان موقف الإمام عليه السلام هو الحياد. وبهذا أمر أصحابه. وكان أحمد بن حنبل على رأس أهل الحديث الّذين يعتقدون بعدم خلق القرآن وتعرّض للتنكيل بسبب رأيه إلى أن جاء المتوكّل وعاضده في هذا الرأي.
• من الثقافات الّتي أرسى جذورها الإمام الهادي عليه السلام ثقافة الزيارة. ونُقل عنه العديد من الزيارات والّتي كان من أهمها الزيارة الجامعة الّتي حازت على درجة عالية من الصحّة، وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، وزيارات متعدّدة للأئمّة عليهم السلام .
• انطوت الزيارة الجامعة على مفاهيم عالية مثل: اصطفاء أهل البيت عليهم السلام وحركتهم، والأسس الفكريّة للتشيّع.
• من الأدوار المهمّة الّتي قام بها الإمام عليه السلام مسألة التمهيد لظهور الإمام المهديّّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

…………………..

01- إثبات الوصية، م.س: 231
02- المناقب، م.س: 3/533

Leave A Reply

Your email address will not be published.