الإمامة الالهية عند مدرسة اهل البيت عليهم السلام 01
يقول الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في تعريفه للإمامة والإمام: “إن الإمام زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أسُّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمامة تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة، المجلّلة بنورها العالم، وهي في الأفق، بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار”[1] .
وأنطلاقاً مما تقدم، يمكن القول أن الإمامة هي الرئاسة العامّة الالهية ونيابة النبي الاكرم في كل شؤون الدين والدنيا .
وقد وردت كلمة “إمام” في القرآن الكريم لتعبِّر عن عدّة معانٍ، منها على سبيل المثال لا الحصر:المعنى الاول: اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ )[2] . اما المعنى الثاني : قادة الهداية ، كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ)[3]، وكذلك وصفت الإمامة في آيات أخرى بـ “عهد الله” الذي لا يناله سوى المتقين، وأستحالته على الظالمين كما في قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وبذلك تكون دلالة الإمامة بمعناها القرآني الخاص وصفاً لأعلى درجات الخلافة[4].
وترى مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) أن النبوة لطف، وأن الإمامة لطف أيضاً، فلذلك كل ما دلّ على وجوب النبوة، فهو دال على وجوب الإمامة، خلافة عن النبوة، قائمة مقامها، إلا من تلقي الوحي الالهي بلا واسطة[5] . وكذلك ترى أيضاً أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمة، وتستدل على ذلك بقول الإمام جعفر بن محمد الصادق:“أترون أن الوصي منا، يوصي إلى من يريد؟ لا، ولكنه عهد من الله ورسوله لرجلٍ فرجل، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه” [6].
وهكذا ترى أن الإمامة بالنص من الله ورسوله، وأن الائمة منصوص عليهم .وأن الإمامة إنما أنحصرت في أبناء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب) عليهم السلام)، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وأنها لا تعود في عمٍّ أو أخ، ولا في غيرها من القرابات بعد الحسنين (سلام الله عليهما)[7]
وقد وردت روايات كثيرة عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، تدل على أنحصار الإمامة في ذرية الامام الحسين، قال المفضّل: “قلت للصادق (عليه السلام)، أخبرني عن قول الله تعإلى: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)، قال (عليه السلام): يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة، فقلت له: يا ابن رسول الله، فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين، دون ولد الحسن، وهما جميعاً، ولدا رسول الله، وسبطاه، وسيدا شباب أهل الجنة؟
فقال: إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل الله في صلب هارون، دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك؟ فإن الإمامة خلافة الله عز وجل، ليس لأحد أن يقول لم جعلهما الله في صلب الحسين، دون صلب الحسن، لأن الله هو الحكيم في أفعاله، لا يسأل عن فعله، وهم يُسألون” [8] .
ولعل من الأهمية بمكان الأشارة إلى أن علماء مدرسة اهل البيت إنما يذهبون إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جاز عليه الخطأ لأفتقر إلى إمام آخر يسدده، كما أنه لو جاز عليه فعل الخطيئة، فإن وجب الأنكار عليه سقط محله من القلوب.هذا فضلاً عن أن الإمام حافظ للشرع، فلو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان .
وكما تعتقد مدرسة اهل البيت أن الإمام يجب أن يكون أفضل رعيته في جميع صفات الكمال من العلم والكرامة والشجاعة والفقه والرأفة والرحمة وحسن الخلق والسياسة، ولابد من تمييزه بالكمالات النفسية والكرامات الروحانية، بحيث لا يشاركه في ذلك أحد من الرعية.
وكذلك ترى مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) أن الإمام يجب أن يكون عالماً بما آل إليه الحكم فيه، وهذا يدل على : أن الإمام إمامٌ في سائر أمور الدين، ومتولي الحكم في جميعه- جليله ودقيقه، ظاهره وغامضه- كما يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام السياسة والشريعة، هذا فضلاً عن أن يكون الإمام أشجع من في رعيته، ويدل على ذلك: أنه ثبت أنه رئيس عليهم، فيما يتعلق بجهاد الأعداء، وحرب أهل البغي، وذلك متعلق بالشجاعة، فيجب أن يكون أقواهم حالاً .وإلى جانب ذلك أن يكون أعقل قومه، وأن لا يكون قبيح الصورة، ينفر الناس منه، هذا إلى جانب أن يكون منصوصاً عليه[9].
ولما كانت هذه الشروط جميعها لابد من توافرها في الإمام، وأنها غير متوفرة، إلا في آل بيت النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله)، فلذلك كانت الإمامة لهم، وفيهم دون غيرهم.
…………………………
[1] محمد بن أبي زينب ابراهيم النعماني ، كتاب الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم، (قم: منشورات أنوار الهدى، 2002م)، ص ص218-219 ؛ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، عيون أخبار الرضا، (قم: أنتشارات الشريف الرضي، 1958م) ، ص ص 195-200.
[2] محمد بن احمد بن ابي بكر بن فرح القرطبي، تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، (القاهرة: دار الشعب، 1952م)، ج15، ص 13؛ اسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي ،تفسير ابن كثير، (بيروت: دار المعرفة، 1992م)، ج 3، ص 567؛ ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، (بيروت: دار الفكر، 1993م)، جـ 7، ص 48.
[3] شهاب الدين السيد محمود البغدادي الآلوسي ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، (بيروت: دار احياء التراث العربي، د.ت)، ج21، ص 142
[4] عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الجزائري الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، د.ت)، ج 2، ص 351؛ هاشم بن سليمان بن اسماعيل بن عبد الجواد الموسوي البحراني، غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، تحقيق: علي عاشور، (طهران: المكتبة المرتضوية، 1964م)، ج2، ص 18.
[5] أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد، تحقيق: الشيخ حسن سعيد، (طهران: مكتبة جامع جهلستون، 1980م)، ص ص 84-85؛ عرفان عبد الحميد ، دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية، (بغداد: مطبعة الأرشاد، 1967م)، ص 33.
[6] محمد بن محمد بن النعمان المفيد، تصحيح إعتقادات الإمامية، (بيروت: دار المفيد، 1994م)، ص 128؛ نبيلة عبد المنعم داود، ، نشأه الشيعة الإمامية، (بغداد: مطبعة الأرشاد،1968م)، ص 312 .
[7] تقي الدين ابن نجم الدين ابن عبد الله الحلبي، الكافي في الفقه، تحقيق: رضا أستادي، (إصفهان: مكتبة أمير المؤمنين،1983م)، ص 92
[8] علي بن محمد بن علي الرازي القمي الخزاز، كفاية الأثر في النص على الأئمة الأثني عشر، تحقيق: عبد اللطيف الحسيني، (قم: أنتشارات بيدار، 1990م)، ص 246 .
[9] الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر العلامة الحلي، الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، (الكويت: مكتبة الألفين، 1985م)، ص 50 .