كيف نصدق دعوى المهدوية؟ 01

0
لقد كثر في زماننا كما هو الحال في الأزمان السابقة ادعاء المهدوية، ونرى جماعة من الناس في كل زمان تسير خلفهم وتصدق مدعاهم بلا أدنى تأمل أو تفكير، فقد اعتمدت تلك الحركات على الخداع والكذب والتضليل والسحر والشعوذة، واستخدام الجهلاء والبسطاء في ترويج مدعاهم، فينبغي علينا إيضاح طريقة تصديق الادعاء، حتى لا نكون ضحية لإحدى تلك الدعوات المنتحلة الباطلة الكاذبة، ونؤمن بالدعوى الحقيقية الحقة الصادقة.
قبل بيان الطريقة أو الضابطة لتصديق الادعاء نبين مقدمة في أمور:
الأمر الأول: إن من الواضح والمسلمات – لدى جميع العقلاء على اختلاف نحلهم ومللهم ومعتقداتهم – في جميع مجالات الحياة عدم إمكانية تحديد ذوي الخبرة في مجالهم المعين إلا من خلال أمثالهم ممن ثبتت خبرتهم في المجال ذاته، أو ممن لديهم القدرة على تشخيص ذوي الخبرة وفق ضوابط عقلائية معينة، أو يُثبت ذلك بنفسه من خلال القدرة على فعل الأمر بمستوى أمثاله أو أفضل، والشواهد على ذلك كثيرة، فمنها: الهندسة المعمارية فلا تستطيع القول بأن فلان خبير فيها إلا أذا شهد له مهندس معماري قد ثبت له ذلك، أو يبين أعماله التي قام بإنجازها التي تشير إلى خبرته، أو يشهد له بعض الثقات بأنه فعلاً هكذا، وكذلك الطبيب وذوي المهن الصحية وغيرها من مجالات الحياة المختلفة.
الأمر الثاني: أن المجال الديني كذلك، فلا يمكن اثبات اجتهاد المرجع إلا وفق طرق عقلائية وشرعية لمعرفة المجتهد أو المرجع الديني التي ذكرها العلماء في كتبهم وأبحاثهم الفقهية ورسائلهم العملية، فقد ذكر السيد كاظم اليزدي – قدس سره – في رسالته العملية التي أصبحت مداراً للبحث الفقهي لدى علماء الشيعة المعاصرين: “يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص، وكذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، وكذا يعرف بالشياع المفيد للعلم وكذا الأعلمية تعرف بالعلم أو البينة الغير المعارضة أو الشياع المفيد للعلم .”[1]
بل أكثر من ذلك في إثبات العدالة التي يرى البعض عدم أهميتها إلا أنها لا تثبت في المنظار الشرعي إلا وفق ضوابط معينة، فقد ذكر أستاذ الفقهاء السيد الخوئي -قدس سره- : “تثبت عدالة المرجع في التقليد بأمور : الاول: العلم الحاصل بالاختبار أو بغيره. الثاني: شهادة عادلين بها، ولا يبعد ثبوتها بشهادة العدل الواحد بل بشهادة مطلق الثقة أيضا، الثالث : حسن الظاهر ، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني بحيث لو سُئل غيره عن حاله لقال لم نر منه إلا خيرا.”[2]
الأمر الثالث: إن عدم قبول الدعوى بلا ضوابط تجري حتى في اثبات وجود الخالق عز وجل –ولا يخفى المسامحة في التعبير فإن المراد هنا بالإثبات العلمي او البحثي- بل إن نفس الخالق أرشدنا إلى الإيمان به من خلال عقولنا لا مجرد الادعاء، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)[فصلت/53]، (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة/164]، (كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس/24]، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل/44]، (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ)[الروم/8].
والمُطلع على أبحاث علم الكلام لدى الامامية يرى جلياً قولهم القاطع في استحالة اثبات وجود الخالق إلا بالدليل العلمي العقلي القطعي.
ويشيرإلى مجال العقل ودوره في المعرفة الآلهية قول الإمام الصادق -عليه السلام- : (إنّ أوّل الأُمور ومبدأها وقوّتها وعمارتها، التي لا ينتفع شيء إلاّ به: العقل، الذي جعله الله زينةً لخلقه، ونوراً لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنّهم مخلوقون، وأنّه المدبّر لهم، وأنّهم المدبّرون، وأنّه الباقي وهم الفانون، واستدلّوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه، من سمائه وأرضه وشمسه وقمره وليله ونهاره، وبأنّ لهم خالقاً ومدبّراً لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح، وأنّ الظلمة في الجهل، وأنّ النور في العلم، فهذا ما دلّهم عليه العقل)[3].
…………………….
1 – العروة الوثقى: (المسالة 20).
2 – منهاج الصالحين للسيد الخوئي : (المسالة 20).
3 – الكافي للشيخ الكليني: ج ١ ص ٢٩.

Leave A Reply

Your email address will not be published.