غدر الیهود والاغتیالات الهادفه
مع عقائد الیهود وآثارها :
قبل أن نبدأ بالحدیث عن العملیات العسکریه التی جرت بین المسلمین والیهود فیما بین بدر وأحد ، نود أن نشیر باختصار إلى بعض عقائد الیهود ، ثم إلى بعض ما یرتبط بمواقفهم وخططهم ، ومؤامراتهم على الإسلام ، وعلى المسلمین ، فنقول :
۱ ـ عنصریه الیهود :
الیهود شعب عنصری ، مؤمن بتفوق عنصره على البشر کافه . والناس عندهم لا قیمه لهم ولا اعتبار ، وإنما خلقوا لخدمه الإسرائیلیین وحسب . فکل الناس إذاً یجب أن یکونوا فی خدمتهم ، وتحت سلطتهم ، کما یقول لهم تلمودهم .
فقد جاء فی التلمود ما ملخصه : أن الإسرائیلی معتبر عند الله أکثر من الملائکه .
وأن الیهودی جزء من الله .
ومن ضرب یهودیاً فکأنه ضرب العزه الإلهیه .
والشعب المختار هم الیهود فقط ، وأما باقی الشعوب فهم حیوانات .
ویعتبر الیهود غیر الیهود أعداء لهم ، ولا یجیز التلمود أن یشفق الیهود على أعدائهم .
ویلزم التلمود الإسرائیلیین بأن یکونوا دنسین مع الدنسین ، ویمنع من تحیه غیر الیهودی إلا أن یخشوا ضررهم ، ولا یجیزون الصدقه على غیر الیهودی ، ویجوز لهم سرقه ماله ، وغشه ، کما أن على الأممیین أن یعملوا ، وللیهود أن یأخذوا نتاج هذا العمل .
ویجیز التلمود التعدی على عرض الأجنبی ، لأن المرأه إن لم تکن یهودیه فهی کالبهیمه .
وللیهودی الحق فی اغتصاب غیر الیهودیات .
ولا یجوز للیهودی الشفقه على غیره .
ویحرم على الیهودی أن ینجی غیره ۱ .
إلى آخر ما هنالک ، مما لا یمکن الإحاطه به فی هذه المناسبه .
نعم ، هذه هی نظره الیهود لغیرهم ، وهذه هی حقیقه ما یبیتونه تجاه کل من هو غیر یهودی .
وقد نعى الله تعالى علیهم هذه النظره السیئه ، فقال : ﴿ وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُم بِذُنُوبِکُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ یَغْفِرُ لِمَن یَشَاء وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاء … ﴾ ۲ .
فهو یؤکد لهم : أنهم کغیرهم من الخلق ، یعذبهم الله بذنوبهم ، ولا فضل لهم على غیرهم ؛ لأن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح .
۲ ـ الیهود وحب الحیاه الدنیا :
والیهودی أیضاً یؤمن بالماده ، ویرتبط بها بکل وجوده وطاقاته ، فهو یحب المال وجمعه حباً جماً ، وهو یعیش من أجله ، ویعمل فی سبیله بکل ما أوتی من قوه وحول ؛ فهو من أجل الماده ولد ، وفی سبیلها عاش ویعیش ، وعلى حبها سوف یموت . ولأجل ذلک فلا ینبغی أن نستغرب إذا رأینا : أن ارتباطهم بالناس مصلحی ونفعی ، وأن المال واللذه هما المنطق الوحید لهم فی کل موقف ، والمقیاس للحق وللباطل عندهم .
ولا یجب أن نعجب أیضاً إذا رأینا : أن الشیوعیه ، وهی التفکیر الداعی إلى اعتبار الماده هی أساس الکون والحیاه ، وهی المحرک ، والمنطلق ، وهی الغایه ، وإلیها ستکون النهایه ، وهی المعیار والمقیاس الذی لا بد أن یهیمن على کل شؤون الحیاه والإنسان والکون ، وکل نظمه وقوانینه ، وعلاقاته .
نعم ، لا عجب إذا رأینا : أن هذا التفکیر یبدأ من الیهود ، وإلیهم ینتهی ۳ .
۳ ـ أکثر الیهود لا یؤمنون بالبعث :
والیهودی یکره الموت ، وهو یتمنى لو یعمر ألف سنه ، قال تعالى : ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَیَاهٍ وَمِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُواْ یَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ یُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَهٍ … ﴾ ۴ .
ولعل سر ذلک یعود إلى أن توراه الیهود المحرفه الحاضره لم تشر بشکل واضح إلى البعث والقیامه ، وإنما ورد حدیث عن الأرض السفلى ، والجب التی یهوى إلیها العصاه ، ولا یعودون (وإن الذی ینزل إلى الهاویه لا یصعد) .
ویقول البعض : إن الکتاب المقدس نفسه یعد الحیاه الدنیا وحدها هی عالم الإنسان ، ولیس هناک اعتقاد بعد ذلک فی بعث وجنه أو نار ؛ وثوابهم وعقابهم مقصوران على الحیاه الدنیا .
وعلى العموم ، فإن فکره البعث لم تجد لها أرضاً خصبه لدى الیهود ، وقد حاول بعض طائفه الفریسیین القول بها ، ولکن هذه المحاوله لقیت معارضه شدیده ، أما باقی الفرق الیهودیه ، فلم تعرف عنها شیئاً .
وإذا کان الإنسان لا یعتقد بالبعث ، ویؤمن بأن الجزاء لیس إلا فی هذه الدنیا ، فمن الطبیعی أن یسعى إلى المنکرات واقتراف الآثام ۵ .
ملاحظه : هذا ، وقد تفاقم فیهم حبهم للدنیا حتى بلغ بهم الحرص علیها : أن حرمهم من الاستفاده من الأموال التی یجمعونها ، فتجد الکثیرین منهم یعیشون فی دناءه من العیش وفیهم شح کبیر ، ولؤم وبخل ظاهر ، وخسه لا یحسدون علیها . هذا إلى جانب إهمال الکثیر منهم جانب النظافه المطلوبه ، کما یظهر لمن سبر أحوالهم ، وعاش فی بیئتهم .
ویعتقد الیهود : أن الله سیغفر لهم کل ما یرتکبونه من جرائم وعظائم . وهذا ما یشجعهم على الفساد والانحراف ، والإمعان فی المنکرات والجرائم .
وقد رد الله تعالى على عقیدتهم هذه ۶ ، حینما قال : ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِی الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِکَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّیِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْکِتَابَ یَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَیَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنَا وَإِن یَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ یَأْخُذُوهُ أَلَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِم مِّیثَاقُ الْکِتَابِ أَن لاَّ یِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِیهِ وَالدَّارُ الآخِرَهُ خَیْرٌ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ ۷ .
۴ ـ جبن الیهود :
وبعدما تقدم ، وبعد أن کان الیهودی ضعیف الاعتقاد أو قلیل الاهتمام بالآخره ، فإن من الطبیعی أن یکون الیهود شعباً جباناً ، لأنه یخشى الموت ، ویرهب الأخطار ، لأنه یرى بالموت نهایته الحقیقیه ۸ .
ومن طبع الجبان أن یتعامل مع خصومه بأسالیب المکر والخداع ، والغدر والخیانه بالدرجه الأولى .
من أسباب عداء الیهود للإسلام :
ونشیر هنا إلى أننا نلاحظ : أن الیهود بدأوا یحاربون الإسلام من أول یوم ظهوره ، وکانوا وما زالوا یحقدون علیه ، رغم أنهم کانوا أول من بشر بظهور النبی الأعظم «صلى الله علیه وآله» ، مستندین فی بشاراتهم تلک إلى الدلائل القاطعه التی یجدونها فی کتبهم .
ونستطیع أن نذکر من أسباب عدائهم للمسلمین وللإسلام :
ألف : تشریعات تخیفهم :
إنهم قد وجدوا أن هذا النبی یدعو الناس إلى دین هو نظام کامل وشامل للحیاه ؛ وأن هذا الدین قد جاء بنظام اقتصادی متکامل ومتوازن ؛ واهتم بمحاربه الربا ، والاحتکار ، وجمیع أنواع وأشکال استغلال إنسان لإنسان آخر ؛ وجعل فی أموال الناس حقاً معلوماً للسائل والمحروم ، فلم ینسجم ذلک مع أطماعهم ، ومع ما ألفوه وأحبوه ، بل رأوه یتنافى مع تلک الأطماع ومع أهدافهم ومصالحهم ، ومع نظرتهم للکون ، وللحیاه ، والإنسان .
ب : الإسلام یزداد قوه :
والذی زاد من حنقهم وحقدهم : أنهم کانوا یأملون أن یتم القضاء على هذا الدین من قبل قومه القرشیین ، ومن معهم من ذؤبان العرب ، دون أن یکلفهم ذلک أیه خسائر ؛ خصوصاً فی الأرواح ، فرضوا بالمعاهده التی سلف ذکرها . ولکن فألهم قد خاب ، فها هو الإسلام یزداد قوه ، واتساعاً ونفوذاً ، یوماً عن یوم . وها هو یسجل فی بدر العظمى أروع البطولات ، وأعظم الانتصارات ، فلم یعد یقر لهم قرار ، أو یطیب لهم عیش ، إذ کان لا بد ـ بنظرهم ـ من القضاء على هذا الدین قبل أن یعظم خطره ویکتسح المنطقه ، ویضری بهم إعصاره الهادر .
ج : یقظه المسلمین :
وزاد فی حنقهم وقلقهم : أنهم رأوا النبی «صلى الله علیه وآله» والمسلمین معه ، کما أنهم لا یخدعون ، ولا یؤخذون بالمکر والحیله ، کذلک هم لا یستسلمون للضغوط ، ولا تثنیهم المصاعب والمشقات مهما عظمت . وکلما زاد الإسلام اتساعاً کلما زاد الطموح لدى المسلمین ، والضعف لدى خصومهم ، إذاً ، فلا بد من اهتبال الفرصه ، ومناهضه هذا الدین ، والقضاء علیه بالسرعه الممکنه .
د : الجیران . . الأعداء :
ویقول الجاحظ : «إن الیهود کانوا جیران المسلمین بیثرب وغیرها ؛ وعداوه الجیران شبیهه بعداوه الأقارب ، فی شده التمکن وثبات الحقد ، وإنما یعادی الإنسان من یعرف ، ویمیل على من یرى ، ویناقض من یشاکل ، ویبدو له عیوب من یخالط ، وعلى قدر الحب والقرب یکون البغض والبعد ، ولذلک کانت حروب الجیران وبنی الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول ، وعداوتهم أشد .
فلما صار المهاجرون للیهود جیراناً ، وقد کانت الأنصار متقدمه الجوار ، مشارکه فی الدار ، حسدتهم الیهود على نعمه الدین ، والاجتماع بعد الافتراق ، والتواصل بعد التقاطع الخ . .» 9 .
هـ : حسدهم للعرب :
ثم هناک حسدهم للعرب أن یکون النبی الذی تعد به توراتهم منهم ، ولیس إسرائیلیاً ، وقد أشار إلى ذلک تعالى فقال : ﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ کِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَکَانُواْ مِن قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِینَ کَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ کَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَهُ اللَّه عَلَى الْکَافِرِینَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن یَکْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْیاً أَن یُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن یَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْکَافِرِینَ عَذَابٌ مُّهِینٌ ﴾ ۱۰ .
ولعل هذا هو السر فی أنهم ـ حسبما یقوله البعض ـ حینما طلب النبی «صلى الله علیه وآله» منهم أن یدخلوا فی الإسلام امتعضوا ، وأخذوا یخاصمون رسول الله «صلى الله علیه وآله» 11 .
و : الإسلام یوحد ویجمع :
لقد عز علیهم وأرهبهم : ما رأوه من قدره الإسلام على توحید أهل المدینه : الأوس والخزرج ، الذین کانوا إلى هذا الوقت أعداء یسفک بعضهم دماء بعض ، قال تعالى : ﴿ وَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعاً مَّا أَلَّفَتْ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَکِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ ﴾ ۱۲ .
ز : الإسلام یبطل مزاعمهم :
ثم إنهم قد رأوا : أن هذا الدین یبطل مزاعمهم ، ویقضی على الیهودیه ، وعلى أحلام بنی إسرائیل وقد أبطل أسطورتهم فی دعواهم التفوق العلمی ، وأظهر کذبهم فی موارد کثیره ، وتبین لهم : أن الإسلام یعلو ولا یعلى علیه .
أضف إلى ذلک : أنه قد ظهر أن نبی الإسلام أفضل من موسى ، ومن سائر الأنبیاء «علیهم السلام» . وأصبحوا یرون الناس یؤمنون بدین جدید ، هو غیر الیهودیه ، وهم یقولون : ﴿ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِینَکُمْ … ﴾ ۱۳ .
وفوق ذلک کله ، فإن الإسلام یرفض إعطاء الامتیازات على أساس عرقی ، وهو یساوی بینهم وبین غیرهم ، وهذا ذنب آخر لا یمکن لهم الإغماض عنه بسهوله .
الیهود فی مواجهه الإسلام :
لقد حاول الیهود مواجهه المد الإسلامی الکاسح بکل ما لدیهم من قوه وحول . ونذکر هنا بعض ما یرتبط بالأسالیب والطرق التی حاولوا الاستفاده منها فی هذا السبیل ، من دون ملاحظه الترتیب بینها ، لا سیما وأن بعضها متداخل فی الأکثر مع بعض ، فنقول :
۱ ـ قد أشار الجاحظ إلى أنهم :
«شبهوا على العوام ، واستمالوا الضعفه ، ومالأوا الأعداء والحسده ، ثم جاوزوا الطعن ، وإدخال الشبهه الخ . .» 14 .
نعم ، لقد حاولوا تشکیک العوام ، وضعاف النفوس بالإسلام ، وکانوا یرجحون لهم البقاء على الشرک ، کما فعله کعب بن الأشرف ، حینما سأله مشرکو مکه عن الدین الأفضل ، وقد ألمحنا إلیه فیما سبق .
بالإضافه إلى ممالأتهم للذین وترهم الإسلام ، أو وقف فی وجه مطامعهم وطموحاتهم اللامشروعه واللاإنسانیه .
ونذکر مثلاً على ذلک : ما جاء فی الروایات من أن الناس یعتبرون أن من علامات الحق : أن لا یرجع عنه من یقتنع به ، فإذا رجع عنه فلا بد أن یکون ذلک لأجل أنه وجد فیه ضعفاً ، أو نقصاً ، ولذلک نجد ملک الروم یسأل أبا سفیان أحد ألد أعداء محمد «صلى الله علیه وآله» : «هل یرجع عن الإسلام من دخل فیه ؟ فقال أبو سفیان : لا» .
وقد حاول الیهود أن یتبعوا نفس هذا الأسلوب .
«وقد حکى الله تعالى عنهم هذا الأمر ، فقال : ﴿ وَقَالَت طَّآئِفَهٌ مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِیَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِینَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاکْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ ﴾ ۱۵» 16 .
۲ ـ طرح الأسئله الإمتحانیه على النبی «صلى الله علیه وآله» بهدف تعجیزه .
ویلاحظ : أن هذه المحاولات کانت تبذل من قبل مختلف قبائل الیهود : قریظه ، النضیر ، قینقاع ، ثعلبه الخ . . ولکن محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل الذریع . بل لقد ساهم ذلک بشکل فعال فی تجلی ووضوح تعالیم الإسلام ، وترسیخها ، وقد دفعهم فشلهم هذا إلى أن یطلبوا من النبی «صلى الله علیه وآله» أن یأتیهم بکتاب من السماء : ﴿ یَسْأَلُکَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیْهِمْ کِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَکْبَرَ مِن ذَلِکَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَهً … ﴾ ۱۷ .
ثم تمادوا فی العناد واللجاج ، إلى ما هو أبعد من ذلک ، قال تعالى : ﴿ وَقَالَ الَّذِینَ لاَ یَعْلَمُونَ لَوْلاَ یُکَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِینَا آیَهٌ کَذَلِکَ قَالَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ … ﴾ ۱۸ الآیه .
فإن سیاق الآیات ظاهر فی أن الیهود هم الذین قالوا ذلک .
۳ ـ ولما فشلوا فی محاولاتهم محاربه الإسلام على صعید الفکر:
اتجهوا نحو أسلوب الضغط الاقتصادی على المسلمین ؛ فیذکرون : «أن رجالاً من أهل الجاهلیه باعوا یهوداً بضاعه ، ثم أسلموا وطلبوا من الیهود دفع الثمن فقالوا : لیس علینا أمانه ، ولا قضاء عندنا ؛ لأنکم ترکتم دینکم الذی کنت علیه ، وادعوا : أنهم وجدوا ذلک فی کتابهم .
فجاء فی الآیه المبارکه الرد علیهم : ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِینَارٍ لاَّ یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَیْهِ قَآئِمًا ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَیْسَ عَلَیْنَا فِی الأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ وَیَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ ﴾ ۱۹ .
وأیضاً فقد رفض رؤساء الیهود أن یقرضوا المسلمین مالاً فی أول عهدهم فی المدینه ، وقد کانوا فی ضنک شدید ، فالمهاجرون فقراء لا مال لهم ، والذین دخلوا فی الإسلام من أهل المدینه لم یکونوا على سعه من الرزق .
وقد أجابوا رسول الله حینما طلب منهم القرض بقولهم : أحتاج ربکم أن نمده ؟
فنزل قوله تعالى : ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِینَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِیرٌ وَنَحْنُ أَغْنِیَاء سَنَکْتُبُ مَا قَالُواْ … ﴾ ۲۰» 21 .
۴ ـ ممالأه أعداء الإسلام ومساعدتهم بکل ما أمکنهم ، ولو بالتجسس ، وبغیر ذلک من وسائل .
۵ ـ محاربه الإسلام أیضاً :
عن طریق إثاره الفتن بین المسلمین ، ولا سیما بین الأوس والخزرج ، وبین المسلمین والمشرکین .
ونذکر هنا على سبیل المثال قضیه شاس بن قیس ، الذی حاول تذکیر الأوس والخزرج بأیام الجاهلیه ، وإثاره الإحن القدیمه فی نفوسهم ؛ فتثاور الفریقان ، حتى تواعدوا أن یجتمعوا فی الظاهره لتصفیه الحسابات ، وتنادوا بالسلاح ، وخرجوا ، وکادت الحرب أن تقع بینهما ؛ فبلغ الخبر رسول الله «صلى الله علیه وآله» ؛ فخرج إلیهم بمن کان معه من أصحابه المهاجرین ؛ فوعظهم ؛ فأدرکوا أنها نزعه من الشیطان ، وکید من عدوهم ، فندموا على ما کان منهم ، وتعانق الفریقان وتصافیا ، وانصرفوا مع رسول الله «صلى الله علیه وآله» .
ویقول البعض : إن الآیات الشریفه التالیه قد نزلت فی هذه المناسبه : ﴿ قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوَاْ إِن تُطِیعُواْ فَرِیقًا مِّنَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ یَرُدُّوکُم بَعْدَ إِیمَانِکُمْ کَافِرِینَ * وَکَیْفَ تَکْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَیْکُمْ آیَاتُ اللّهِ وَفِیکُمْ رَسُولُهُ وَمَن یَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ ﴾ ۲۲ .
۶ ـ تآمرهم على حیاه النبی الأعظم «صلى الله علیه وآله» وتحریضهم الناس علیه کما سنرى ، إن شاء الله تعالى .
۷ ـ محاولات إثاره البلبله ، وتشویش الأوضاع ، بإشاعه الأکاذیب ، وتخویف ضعاف النفوس من المسلمین .
۸ ـ تآمرهم مع المنافقین على الإسلام ، ومکرهم معهم بالمسلمین ، ثم علاقاتهم المشبوهه مع قریش ، وممالأتهم إیاها على حرب الرسول الأکرم «صلى الله علیه وآله» .
۹ ـ تآمرهم ومکرهم وتدبیرهم لمنع المسلمین من الخروج للحرب ، وکانوا یجتمعون فی بیت سویلم الیهودی ، لأجل تثبیط الناس عن الرسول «صلى الله علیه وآله» فی غزوه تبوک ، فعرف رسول الله «صلى الله علیه وآله» بهم فأحرق البیت علیهم ۲۳ .
وقد رجع عبد الله بن أبی ، حلیف یهود بنی قینقاع فی ثلاثمائه رجل من أصحابه ، وذلک فی حرب أحد ، کما سنرى إن شاء الله تعالى .
موقف النبی صلى الله علیه وآله من الیهود :
ولکن جمیع محاولات الیهود للکید للإسلام والمسلمین ، باءت بالفشل الذریع ، بسبب وعی القیاده الإسلامیه العلیا .
ولقد صبر الرسول الأعظم «صلى الله علیه وآله» على مخالفاتهم الکبیره تلک ، تفادیاً لحرب أهلیه قاسیه فی مقره الجدید . . حتى طفح الکیل ، وبلغ السیل الزبى ، وعرف المسلمون : أن الیهود کانوا ـ بزعمهم ـ یستغلون ظروف المسلمین ومشاکلهم ، ویصعدون من تحدیاتهم لهم . وأصبحوا فی الحقیقه هم الخطر الداهم والحقیقی الذی یتهدد وجود الإسلام من الأساس .
لا سیما وأن هذا العدو الماکر والحاقد یعیش فی قلب المجتمع الإسلامی ، ویعرف کل مواقع الضعف والقوه فیه ، ویتربص به الدوائر ، ویترصد الفرصه المؤاتیه .
فکان لا بد من صیاغه التعامل مع هذا العدو على أساس الحزم والعدل ، بدلاً من العفو والتسامح والرفق ، فلیس من الصالح أن یترک الیهود یعیثون فی الأرض فساداً ، وینقضون کل العهود والمواثیق ، ویسددون ضرباتهم للمسلمین کیف وأنى شاؤوا ، بل لا بد من الرد الحاسم والحازم والعادل على کل اعتداء ، ومواجهه کل مکیده ، قبل أن یکون الندم حیث لا ینفع الندم .
العملیات العسکریه فی مرحلتین :
وبعد أن اتضح نقض الیهود لکل العهود والمواثیق ، حاول الإسلام أن یتعامل معهم على مرحلتین :
الأولى :
أن یتبع معهم أسلوب الإنذار الحازم والعادل ، فکانت عملیات القتل المنظمه لبعض الأفراد ، بمثابه جزاء عادل لناقضی العهود ، الذین یشکلون خطراً جدیاً على صعید استقرار المنطقه . کما وکانت بمثابه إطلاق صفاره الإنذار لکل من ینقض عهداً ، ویتآمر على مصلحه الإسلام العلیا ، مع إعطائهم الفرصه للتفکیر ، وإفهامهم أن الإسلام یمکن أن یتحمل ، ولکنه لیس على استعداد لأن یقبل بوضع کهذا إلى النهایه ، لا سیما إذا کان ذلک على حساب وجوده وبقائه .
الثانیه :
الحرب الشامله والمصیریه ، حیث لا یمکن حسم ماده الفساد بغیر الحرب ۲۴ .
____________________________________________________
۱٫ راجع : الکنز المرصود ص۴۸ ـ ۱۰۶ ، ومقارنه الأدیان (الیهودیه) لأحمد شلبی ص۲۷۲ ـ ۲۷۴ عنه وعن : التلمود شریعه بنی إسرائیل ۲۲ ـ ۲۵ و ۴۰ ـ ۴۴ و۶۵ .
۲٫ القران الکریم : سوره المائده ( ۵ ) ، الآیه : ۱۸ ، الصفحه : ۱۱۱ .
۳٫ الخطر الیهودی ص۶۷ وفیه : أن أعضاء المجلس الشیوعی الذی کان یحکم روسیا سنه ۱۹۵۱ کان یتألف من سبعه عشر عضواً کلهم یهود صرحاء باستثناء ثلاثه هم : ستالین ، وفیرشیلوف ، ومولوتوف . وهؤلاء الثلاثه زوجاتهم یهودیات ، وفیهم یهودی الأم ، أو الجده ، أو صنیعه مجهول النسب من صنائع الیهود ، کما أن المنظر الأکبر للشیوعیه هو الیهودی کارل مارکس .
۴٫ القران الکریم : سوره البقره ( ۲ ) ، الآیه : ۹۶ ، الصفحه : ۱۵ .
۵٫ راجع : أحکامهم هذه فی کتاب ، مقارنه الأدیان (الیهودیه) ص۱۹۹ و۲۰۰ ، والیهود فی القرآن ص۳۷ .
۶٫ الیهود فی القرآن ص۴۴ و ۴۵ .
۷٫ القران الکریم : سوره الأعراف ( ۷ ) ، الآیه : ۱۶۸ و ۱۶۹ ، الصفحه : ۱۷۲ .
۸٫ ویلاحظ : أن العرب فی هذه الأیام یجبنون عن مواجهه الیهود فی حرب الکرامه والشرف ، لماذا ؟ ألیس لأجل ابتعادهم عن دینهم واستسلامهم لانحرافاتهم ، وحبهم للحیاه ، وقله یقینهم بالموت والمعاد .
۹٫ ثلاث رسائل للجاحظ (رساله الرد على النصارى) ص۱۳ و۱۴ نشر یوشع فنکل سنه ۱۳۸۲ ه .
۱۰٫ القران الکریم : سوره البقره ( ۲ ) ، الآیه : ۸۹ و ۹۰ ، الصفحه : ۱۴ .
۱۱٫ راجع : الیهود فی القرآن ص۲۳ .
۱۲٫ القران الکریم : سوره الأنفال ( ۸ ) ، الآیه : ۶۳ ، الصفحه : ۱۸۵ .
۱۳٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیه : ۷۳ ، الصفحه : ۵۹ .
۱۴٫ ثلاث رسائل للجاحظ (رساله الرد على النصارى) ص۱۴ .
۱۵٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیه : ۷۲ ، الصفحه : ۵۹ .
۱۶٫ راجع کتاب : الیهود فی القرآن ص۳۱ ، فإنه أشار أیضاً إلى هذا الأمر .
۱۷٫ القران الکریم : سوره النساء ( ۴ ) ، الآیه : ۱۵۳ ، الصفحه : ۱۰۲ .
۱۸٫ القران الکریم : سوره البقره ( ۲ ) ، الآیه : ۱۱۸ ، الصفحه : ۱۸ .
۱۹٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیه : ۷۵ ، الصفحه : ۵۹ .
۲۰٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیه : ۱۸۱ ، الصفحه : ۷۴ .
۲۱٫ راجع فی ذلک : الیهود فی القرآن ص۲۸ .
۲۲٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیات : ۹۹ – ۱۰۱ ، الصفحه : ۶۲ .
۲۳٫ السیره النبویه لابن هشام ج۴ ص۱۶۰ ، والتراتیب الإداریه ج۱ ص۳۰۹ .
۲۴٫ الصحیح من سیره النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) ، العلامه المحقق السید جعفر مرتضى العاملی ، المرکز الإسلامی للدراسات ، الطبعه الخامسه ، ۲۰۰۵ م . ـ ۱۴۲۵ هـ . ق ، الجزء السادس .