بين السنة والشيعة … (02)
وهذا الكلام لهؤلاء الأعلام من أهل السنة – كما تراه – لم يفرق بين عدم جواز نسخ السنة للقرآن ، سواء كانت من أخبار الآحاد أو كانت متواترة ، فكل ذلك ممنوع عندهم ، بل حتى لو فرض أنّه وجدنا من أهل السنّة من يقول بجواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة – كما هو المنقول عن أبي الحسن الأشعري مثلا – فهو مجرد فرضية لم يثبت لها واقع خارجا كما يصرح بذلك ابن تيمية ..
يقول ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) :” وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ ” .(6)
هذا فضلا عن عدم ثبوت التواتر للأخبار المعارضة لحكم المسح في القرآن .. بل هي أخبار آحاد كما شهد به الرازي وغيره .
قال الرازي في ( مفاتيح الغيب ) : ( فثبت أن قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضا …ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ) .(7) انتهى
هذا ، فضلا عن معارضة هذه الأخبار الآحاد بأخبار كثيرة من السنة نفسها ورد فيها لزوم المسح على الرجلين ، كالحديث الوارد عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال : إنّها لا تتم صلاة لاحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين . (8)
فلاحظ قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا : ( إنّها لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله ) .. فالمسح على الرجلين هو أمر الله تعالى، وبدونه لا تتم الصلاة ، وهذا يعارض دعوى بأنّ الشريعة جاءت بالغسل للرجلين كما يزعم البعض ..
وقد علق الشيخ الألباني في ذيل هذا الحديث على قول المنذري ( رواه ابن ماجة باسناد جيد ) : ( وهذا يوهم أنه لم يروه من السنة سوى ابن ماجة ، وليس كذلك ، فقد أخرجه ابو داود والنسائي والدارمي ، واسنادهم على شرط البخاري ، وصححه الحاكم 1: 241على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، هؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته ) .(9)
وبالتالي ستتعارض الروايات عند أهل السنة أنفسهم ( لأن بعضها يقول بالغسل وبعضها يقول بالمسح ) ، وعند التعارض المستقر وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين يصار إلى تساقط المتعارضين معا عن الحجية ، وحيث تساقطت الأخبار يكون المرجع هو كتاب الله العزيز الوارد فيه حكم المسح لا الغسل وبذلك يثبت المطلوب ، أي يثبت لزوم المسح دون الغسل ..
محاولة الرازي بالجمع بين المتناقضين في المقام :
نعم ، هناك محاولة سمعناها من الفخر الرازي ، جاء فيها : ( أن الغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ).(10)
أقول : هذا الكلام – في الواقع – غريب من الفخر الرازي ؛ خاصة وهو المتضلع في المفاهيم والمعاني ؛ لأن الغسل والمسح مفهومان مختلفان ( وجودي وعدمي ) ، وأحدهما غير الآخر ، فالغسل قد أخذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا ( أي وجود سيلان للماء ) ، وأما المسح فقد أخذ في مفهومه عدم السيلان والاكتفاء بمرور اليد على الممسوح ( أي عدم وجود سيلان للماء ).. وعليه ، فكيف ساغ للرازي أن يجعل المفهومين المختلفين – الوجودي والعدمي ؛ إذ أحدهما يشترط وجود السيلان والثاني عدمه – ضمن حقيقة واحدة ينبغي إيجادها خارجا ؟؟!!
نعم مقتضى الاحتياط هو الجمع بينهما على نحو الترتيب ، بحيث يمسح المتوضيء رجليه أولا ثم يغسلهما ،ولكن هذا الجمع هو فرع ثبوت حجية أدلة الغسل في مرحلة سابقة ، وقد تقدّم أنّ هذه الأخبار هي أخبار آحاد معارضة لظاهر القرآن الكريم الذي جاء بالمسح ، فهي لا حجيّة لها من هذه الناحية وزخرف ينبغي ضربه عرض الجدار .
الكاتب: الشيخ خالد السويعدي / العتبة الحسينية