السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي رحمه الله دراسة في سيرته 02

0

أقوال الأئمة (عليهم السلام) والعلماء فيه:

لم يُروَ عن الأئمة (عليهم السلام) أحاديثُ في الحسين بن روح مثلما روي في حق السفير الأول والثاني من روايات المدح والثناء، فلم يرد مدحه إلّا على لسان الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) بالتوقيع الذي خرج على يد السفير الثاني.

فالحسين بن روح لم يكن كبير السن في عهد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولم يُروَ أن له صحبة معه ولا مع أبيه الهادي (عليه السلام)، وجاء في التوقيع الذي صدر من الناحية المقدسة في حق الحسين بن روح النوبختي: “نعرفه عرّفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً[34].

وأمّا ما ورد من ثناء بحقه على لسان علماء الشيعة وكبار رجالها فهو كثير، ومن ذلك ما روي عن الشيخ الجليل أبي سهل النوبختي (رحمه الله) عندما سأله بعضهم: كيف صار هذا الأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: (هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقي الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة (على مكانه) لَعَلِّي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقُرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه)[35].

وهذه الرواية تكشف مكانة الحسين بن روح ومدى قوة إيمانه وإخلاصه، وهذا الذي ذكره أبو سهل خير دليل على اختيار الحسين بن روح دون غيره ودليل على أن الإخلاص وتحمّل الأمانة شرط مهم في السفارة. وهناك الكثير من الأقوال بحقه لم نذكرها طلباً للاختصار.

وفاته ومرقده:

توفي الحسين بن روح النوبختي في شعبان (٣٢٦هـ) عن عمر قضاه في خدمة الإسلام والمذهب وعانى من أجل ذلك ما عانى من تشريد وسجن حتى أدّى ما كُلّف به من مهمةٍ عظيمة لا ينالها إلّا من له استعداد على تحمل هذه الأمانة الثقيلة والشرف الكبير حيث قام بتأديتها بأفضل ما يكون.

دُفن بمحلة النوبختية في مقبرة النوبختيين، نقل الطوسي في الغيبة بسنده (أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه))[36]. وقبره اليوم في سوق تجاري في الشورجة وعليه قبة خضراء اللون، يتوافد عليه الزائرون في كل يوم ليتبركوا بزيارته ويقرأون له الفاتحة ويطلبون من الله حوائجهم.

المبحث الثاني: دوره الديني:

كان للحسين بن روح النوبختي دورٌ دينيٍ كبيرٌ وخصوصاً في فترة سفارته التي تحمّل فيها أعباء السفارة وتعرض للكثير من الضغوطات من قبل السلطة والتي دعته للاختفاء ومن ثم السجن، ومع ذلك كله فلم يغفل دوره كسفير ونائب عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكان في تلك الظروف يمارس دوره من خلال الاتصال بالشيعة مباشرةً أو عن طريق وكيل عنه ويفضح زيف المدّعين للسفارة وينقل التوقيعات الشريفة إلى عامة الشيعة فقام بمهامه خير قيام، ورغم قيامه بمهام السفارة التي هي بحدّ ذاتها مهمة دينية عظيمة إلّا أننا نجده يمارس أدواراً دينية لها علاقة بالحفاظ على السفارة من الأخطار والحفاظ على الخط الديني من الانحراف، فسلك مسلك التقية والذي من خلاله حافظ على السفارة وقرّبه من البلاط وجعل له مكانة عند العامة والخاصة، وسنتحدث عن ذلك بشكل أكثر تفصيل إن شاء الله تعالى.

دوره في النيابة الخاصة والسفارة عن الإمام (عجّل الله فرجه):

لم يكن الحسين بن روح النوبختي المرشح البارز لشغل هذا المنصب رغم جلالة قدره إلّا أنه تم اختياره من بين عشرة من الشخصيات التي كان بعضها أكثر قرباً منه، ففيهم أبو سهل النوبختي وجعفر بن متيل.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: (كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح حتّى إنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر (رضي الله عنه) وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه)[37].

ولم يكن للحسين بن روح تاريخ حافل بإطراء وثوثيق المعصومين (عليهم السلام) كما كان للسفيرين اللذين سبقاه[38]؛ لذا توجب على السفير الثاني أبي جعفر العمري (رحمه الله) ترسيخ فكرة سفارة الحسين بن روح (رحمه الله) عند عوام وخواص الشيعة قبل وفاته وتمثّل ذلك بعدة أساليب:

جعله السفير عن الإمام (عجّل الله فرجه) في حياته وتقريبه منه، وكان أول تكليف للحسين بن روح (رحمه الله) بالسفارة قبل وفاة السفير الثاني بأكثر من سنتين [39].

أمر السفير الثاني الشيعة في حياته وخلال فترة تسلّم الحسين بن روح (رحمه الله) السفارة ولو بشكل غير رسمي بإعطاء أموال الحقوق للحسين بن روح (رحمه الله) حتى يمهّد لسفارته.

روى الصدوق والطوسي بسندهما قالا: (حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) فيقبضها مني، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) فأمرني أن لا أطالبه بالقبض، وقال: كلُّ ما وصل إلى أبي القاسم وصل إليّ، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض)[40].

قام بترسيخ تلك الفكرة بشكل عملي عند خواص الشيعة وأعيانهم في المجلس الذي جمعهم قبل وفاة السفير الثاني بأيام حين أخذ بيد الحسين بن روح وأجلسه بقربه وأوصى له بالسفارة.

روى الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) الوفاةُ كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إليّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوّلت إلى عند رجليه)[41]. وإنّ ما قام به ذكاء خادم السفير الثاني من تسليم ما أوصاه سيده بتسليمها إلى السفير الثالث ما هو إلّا أسلوب من أساليب ترسيخ فكرة السفارة للحسين بن روح عند الشيعة.

روى ابن طاووس في مهج الدعوات بسنده أنه: (لما مضى سيدنا الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه) وأرضاه وزاده علواً فيما أولاه وفرغ من أمره جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر زاد الله توفيقه للناس في بقية نهار يومه في دار الماضي (رضي الله عنه) فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض، مَدْرجاً وعكّازاً وحُقّة خشب مدهونة فأخذ العكاز فجعلها في حجره على فخذيه وأخذ المدرج بيمينه وألحقه بشماله فقال الورثة: في هذا المدرج ذكر ودائع، فنشره فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمة من آل محمد (عليهم السلام)…)[42]. تقريبه إليه وجعله وكيلاً عنه ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة[43].

كان لتوقيع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي خرج على يد السفير الثاني وكان فيه دعاء من الإمام (عجّل الله فرجه) للحسين بن روح بالغ الأثر في علو مكانة الحسين بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم[44].

ويذكر السيد محمد صادق الصدر أن في إيكال السفارة للحسين بن روح دون غيره مصلحتين إذ يقول: (في إيكال السفارة إليه، مصلحتان مزدوجتان أولاهما: وصول هذا المنصب إلى الشخص المخلص إخلاصاً بحيث لو كان المهدي (عجّل الله فرجه) تحت ذيله وقرض بالمقاريض، لما كشف الذيل عنه. كما سمعنا في حقه، وقد سبق أن قلنا إن مهمة السفارة إنما تستدعي هذه الدرجة من الإخلاص لأهميتها وخطر شأنها، ولا تستدعي العمق الكبير في الثقافة الإسلامية، أو سبق التاريخ مع الأئمة (عليهم السلام)، فإنها إنما تعني بشكل مباشر نقل الرسائل من المهدي (عجّل الله فرجه) وإليه، وتطبيق تعاليمه… وهذا يكفي فيه ما كان عليه أبو القاسم بن روح، من الإخلاص والثقافة الإسلامية.

المصلحة الثانية: غلق الشبهة التي تصدر من المرجفين، من أنه إنما أوكل الأمر إلى ابن روح، باعتبار كونه أخص أصحاب أبي جعفر العمري، وألصقهم به… فإنه لم يكن بأخصهم ولا بألصقهم. وإن كان من بعض أخصائه في الجملة.

بل كانت الأذهان بعيدة عنه وكان احتمال الإيكال إليه ضعيفاً عند الواعين والمستبصرين بشؤون المجتمع من أصحابه، حتى احتاج أبو جعفر لأجل ترسيخ فكرة الإيكال إليه وإيضاحها، إلى تكرار الإعلان عن ذلك، وتقديمه على ساعة موته بسنوات)[45].

وبعد رحيل السفير الثاني استلم الحسين بن روح المهمة بشكل مستقل وكان ذلك في عام (٣٠٥هـ) في عهد وزارة آل فرات في زمن المقتدر العباسي حتى عام (٣٢٦هـ) الذي توفي فيه فأوكل أمر السفارة للسفير الرابع محمد بن علي السمري بأمر من الإمام (عجّل الله فرجه) فكانت مدة سفارة الحسين بن روح (٢١سنة).

والبعض يضيف لها سنتين أو ثلاث وهي الفترة التي كان فيها سفيراً في حياة السفير الثاني، وإلى هذا ذهب السيد محمد صادق الصدر إذ يقول: (فإن استطعنا أن نضيف العامين أو الثلاث، التي أمر فيها أبو جعفر العمري قبل موته بتسليم الأموال إليه، ونصّ عليه بالوكالة، وتصورنا أن السفارة حينئذٍ كانت مسندة إلى شخصين دفعة واحدة… فتكون مدة سفارته ثلاثة وعشرين عاماً، أو أكثر)[46].

………………..

[34] الغيبة للطوسي: ٢٣٧.

[35]  الغيبة للطوسي: ٢٤٨.

[36] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.

[37] الغيبة للطوسي: ٢٣٤.

[38]  ينظر موسوعة الإمام المهدي، محمد محمد صادق الصدر: ١/٤٠٨

[39] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٣٥، ينظر موسوعة الإمام المهدي:١/٤١٠.

[40] كمال الدين للصدوق: ٥٠١، الغيبة للطوسي: ٢٣٥.

[41] الغيبة للطوسي: ٢٣٥.

[42]  مهج الدعوات، ابن طاووس: ٤٦.

[43]ينظر موسوعة الإمام المهدي:١/٤٠٦

[44] ذكرنا نص التوقيع فيما سبق من البحث عند الكلام عن مكانته وأقوال الأئمة فيه.

[45] موسوعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ١/ ٤٠٩.

[46]موسوعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ١/ ٤١٠

Leave A Reply

Your email address will not be published.