من مات و لم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة
من مات و لم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة
سأل سائل فقال : اخبرونی عما روی عن النبی صلى الله علیه واله انه قال : ( من مات وهو لایعرف إمام زمانه مات میته جاهلیه ، ( ۱ ) هل هو ثابت صحیح ام هو معتل سقیم ؟
الجواب:
قیل له : بل هو خبر صحیح یشهد له اجماع اهل الاثار ویقوی معناه صریح القران ، حیث یقول جل اسمه (یَوْمَ نَدْعُو کُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولَٰئِکَ یَقْرَءُونَ کِتَابَهُمْ وَلَا یُظْلَمُونَ فَتِیلًا ) ( ۲ )
وقوله تعالى (فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِن کُلِّ أُمَّهٍ بِشَهِیدٍ وَجِئْنَا بِکَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِیدًا) ( ۳ ) وای کثیره من القران .
فإن قال : فأذا کان الخبر صحیحا کیف یصح قولکم فی غیبه امام هذا الزمان وتغیبه واستتاره على الکل الوصول إلیه وعدم علمهم بمکانه ؟
قیل له : لامضاده بین المعرفه بالامام وبین جمیع ما ذکرت من احواله ، لان العلم بوجوده فی العالم لا یفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا یصح ادراکه بشئ من الحواس ، فضلا عمن یجوز ادراکه واحاطه العلم بما لا مکان له ، فضلا
عمن یخفى مکانه والظفر بمعرفه المعدوم والماضی والمنتظر ، فضلا عن المستخفی المستتر . وقد بشر الله تعالى الانبیاء المتقدمین بنبینا محمد صلى الله علیه وآله قبل وجوده فی العالم .
فقال سبحانه (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَ النَّبِیِّینَ لَمَا آتَیْتُکُم مِّن کِتَابٍ وَحِکْمَهٍ ثُمَّ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِکُمْ إِصْرِی قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَکُم مِّنَ الشَّاهِدِینَ) ) ۴ ) یعنی رسول الله صلى الله علیه والله ( قال ءأقررتم وأخذتم على ذلکم إصری ) یعنی عهدی ( قالوا اقررنا قال فاشهدوا وأنا معکم من الشاهدین )
قال جل اسمه (الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوبًا عِندَهُمْ فِی التَّوْرَاهِ وَالْإِنجِیلِ یَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَائِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( ۵ )
فکان نبینا علیه واله السلام مکتوبا مذکورا فی کتب الله الاولى ، وقد اوجب على الامم الماضیه معرفته والاقرار به وانتظاره ، وهو علیه السلام ودیعه فی صلب آبائه لم یخرج إلى الوجود ، ونحن الیوم عارفون بالقیامه والبعث والحساب وهو معدوم غیر موجود ، وقد عرفنا آدم ونوحا وابراهیم وموسى وعیسى علیهم السلام ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من اخبر عن مشاهدتهم ، ونعرف جبرئیل ومیکائیل واسرافیل وملک ، الموت علیهم السلام ولست نعرف لهم شخصا ولا نعرف لهم مکانا ، فقد فرض الله علینا معرفتهم والاقرار بهم وان کنا لانجد إلى الوصول إلیهم سبیلا ، ونعلم ان فرض المعرفه لشخص فی نفسه من المصالح مما لا یتعلق لوجود مشاهده المعروف ولا یعرف مستقره ولا الوصول إلیه فی مکانه ، وهذا بین لمن تدبره .
فإن قال : فما ینفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذی ذکرنا ؟
قیل له : نفس معرفتنا بوجوده وامامته وعصمته وکماله نفع لنا فی اکتساب الثواب ، وانتظارنا لظهوره عباده نستدفع بها عظیم العقاب ، ونؤدی بها فرضا الزمناه ربنا المالک للرقاب ، کما کانت المعرفه بمن عددناه من الانبیاء والملائکه من اجل النفع لنا
فی مصالحنا ، واکتسابنا المثوبه فی اجلناه وان لم یصح المعرفه لهم على کل حال وکما أن معرفه الامم الماضیه نبینا قبل وجوده مع انها کانت من اوکد فرائضهم لاجل منافعهم ، ومعرفه الباری جل اسمه أصل الفرائض کلها ، وهو اعظم من ان یدرک بشئ من الحواس .
فإن قال : إذا کان الامام عندکم غائبا ، ومکانه مجهولا ، فکیف یصنع المسترشد ؟ وعلى ماذا یعتمد الممتحن فیما ینزل به من حادث لایعرف له حکما ؟ وإلى من یرجع المتنازعون ، لاسیما والامام انما نصب لما وصفناه ؟
قیل له : هذا السؤال مستأنف لا نسبه له بما تقدم ، ولا وصله بینه وبینه ، وقد مضى السؤال الاول فی معنى الخبر وفرض المعرفه وجوابه على انتظام ، ونحن نجیب عن هذا المستأنف بموجز لا یخل بمعنى التمام منقول وبالله التوفیق : انما الامام نصب لاشیاء کثیره :
احدها : الفصل بین المختلفین .
الثانی : بیان الحکم للمسترشدین .
ولم ینصب لهذین دون غیرهما من مصالح الدنیا والدین ، غیر انه انما یجب علیه القیام فیما نصب له مع التمکن من ذلک والاختیار ، ولیس یجب علیه شیئ لا یستطیعه ، ولا یلزمه فعل الایثار مع الاضطرار ، ولم یؤت الامام فی التقیه من قبل الله عزوجل ولا من جهه نفسه واولیائه المؤمنین ، وانما اتی ذاک من قبل الظالمین الذین اباحوا دمه ودفعوا نسبه ، وأنکروا حقه ، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبه القائلین بأمامته .
وکانت البلیه فیما یضیع من الاحکام ، ویتعطل من الحدود ، ویفوت من الصلاح ، متعلقه بالظالمین ، وإمام الانام برئ منها وجمیع المؤمنین .
فاما الممتحن بحادث یحتاج إلى علم الحکم فیه فقد وجب علیه إن یرجع فی ذلک إلى العلماء من شیعه الامام ولیعلم ذلک من جهتهم بما استودعوه من أئمه الهدى المتقدمین ، وان عدم ذلک والعیاذ بالله ولم یکن فیه حکم منصوص على حال فیعلم انه على حکم العقل ، لانه لو اراد الله ان یتعبد فیه بحکم سمعی لفعل ذلک ، ولو فعله لسهل السبیل إلیه .
وکذلک القول فی المتنازعین ، یجب علیهم رد ما اختلفوا فیه إلى الکتاب والسنه عن رسول الله صلى الله علیه والله من جهه خلفائه الراشدین من عترته الطاهرین ، ویستعینوا فی معرفه ذلک بعلماء الشیعه وفقهائهم ، وان کان – والعیاذ بالله – لم یوجد فیما اختلفوا فیه نص على حکم سمعی فلیعلم ان ذلک مما کان فی العقول ومفهوم احکام العقول ، مثل : أن من غصب انسانا شیئا فعلیه رده بعینه ان کانت عینه قائمه ، فإن لم تکن عینه قائمه کان علیه تعویضه منه بمثله ، فان لم یوجد له مثل کان ان یرضی خصمه بما تزول معه ظلامته ، فإن لم یستطع ذلک أو لم یفعله مختارا کان فی ذمته إلى یوم القیامه . وان کان جان جنى على غیره جنایه لا یمکن تلافیها کانت فی ذمته ، وکان المجنی علیه ممتحنا بالصبر . إلى ان ینصفه الله تعالى یوم الحساب . فان کان الحادث مما لا یعلم بالسمع اباحته من خطره ، فانه على الاباحه الا ان یقوم دلیل سمعی على خطره . وهذا الذی وصفناه انما جاز للمکلف الاعتماد علیه والرجوع إلیه عند الضروره بفقد الامام المرشد ، ولو کان الامام ظاهرا ما وسعه غیر الرد إلیه ، والعمل على قوله ، وهذا کقول خصومنا کافه : ان على الناس فی نوازلهم بعد النبی صلى الله علیه واله ان یجتهدوا فیها عند فقدهم النص علیها ، ولایجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأی بحضره النبی صلى الله علیه وآله .
فإن قال : فإذا کانت عبادتکم تتم بما وصفتموه مع غیبه الامام فقد استغنیتم عن الامام .
قیل له : لیس الامر کما ظننت فی ذلک ، لان الحاجه إلى الشئ قد تکون قائمه مع فقد ما یسدها ، ولو لا ذلک ما کان الفقیر محتاجا إلى المال مع فقده ، ولا المریض محتاجا إلى الدواء وان بعد وجوده ، والجاهل محتاجا إلى العلم وان عدم الطریق
إلیه ، والمتحیر محتاجا إلى الدلیل وان یظفر به . ولو لزمنا ما ادعیتموه وتوهمتموه للزم جمیع المسلمین ان یقولوا ان الناس کانوا فی حال غیبه النبی صلى الله علیه والله للهجره وفی الغار اغنیاء عنه ، وکذلک کانت حالهم فی وقت استتاره بشعب ابی طالب علیه السلام ، وکان قوم موسى علیه السلام اغنیاء عنه فی حال غیبته عنهم لمیقات ربه ، وکذلک اصحاب یونس علیه السلام اغنیاء عنه لما ذهب مغضبا والتقمه الحوت وهو ملیم ، وهذا مما لا یذهب إلیه مسلم ولا ملی . فیعلم بذلک بطلان ما ظنه الخصوم وتوهموه على الظنه والرجوم.
__________________________
رسائل فی الغیبه – الشیخ المفید ج ۱ ص ۱۱ – 16
۱- الحدیث متواتر ومشهور ، وقد روته مصادر الفریقین ، وان وقع بعض التفاوت فی الفاظه . انظر من کتبنا : الکافی ۱ : ۳۷۷ / ۳ ، المحاسن : ۱۵۳ / ۷۸ و ۱۵۴ / ۸۵ و ۱۵۵ / ۸۲ . عیون اخبار الرضا علیه السلام ۲ : ۵۸ / ۲۱۴ . اکمال الدین : ۴۱۳ / ۱۵ .
عقاب الاعمال : ۲۴۴ / ۱ . غیبه النعمانی : ۱۳۰ / ۶ . رجال الکشی ۲ : ۷۲۴ / ۷۹۹ . الاختصاص : ۲۶۹ .
ومن مصادر العامه : مسند ابی داود الطیالسی : ۲۵۹ / ۱۹۱۳ . حلیه الاولیاء ۳ : ۲۲۴ .
هامش مستدرک الحاکم ( للذهبی ) ۱ : ۷۷ . شرح نهج البلاغه لابن ابی الحدید المعتزلی ۹ : ۱۵۵ .
ینابیع الموده : ۱۱۷ . المعجم الکبیر لطبرانی ۱۰ : ۳۵۰ / ۱۰۶۸۷ . مجمع الزوائد ۵ : ۲۲۴ .
۲- الاسراء : ۷۱
۳- النساء : ۴۱ .
۴- ال عمران : ۸۱ .
۵- الاعراف : ۱۵۷