المرجعیه عند الشیعه التقلید
لابد لکل مکلف من المسلمین، إذا لم یکن مجتهداً ـ یمعنى أنه قادر على استنباط الأحکام الشرعیه من الکتاب والسنه ـ أن یقلد مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم والعدل والورع والزهد والتقوى وذلک لقوله تعالى: «فاسألوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون» (النحل: ۴۳). وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشیعه الإمامیه قد واکبوا الأحداث فلم تنقطع عندهم سلسله المرجعیه أبداً من وفاه النبی (ص) وإلى یوم الناس هذا. وقد واصل الشیعه تقلید الأئمه الاثنی عشر من أهل البیت (علیهم السلام) ، وقد استمر وجود هؤلاء الأئمه أکثر من ثلاثه قرون على نسق واحد فلم یخالف واجد منهم قول الثانی لأن النصوص الشرعیه من الکتاب والسنه کانت هی المتبعه عندهم جمیعاً ولم یعملوا بقیاس ولا باجتهاد ولو فعلوا لکان الاختلاف عندهم شائعاً ، کما وقع لأتباع « أهل السنه والجماعه » . ویستنتج من هذا أن مذهب « أهل السنه والجماعه » سواء کان حنفیاً أم مالکیاً أم شافعیاً أم حنبلیاً ، فهو مبنی على رأی رجل واحد بعید عن عصر الرساله ولا تربطه بالنبی أیه صله . أما مذهب الشیعه الإمامیه فهو متواتر عن اثنی عشر إماماً من ذریه النبی (صلى الله علیه وآله) ینقل الابن عن أبیه فیقول أحدهم : حدیثی هو حدیث أبی وحدیث أبی هو حدیث جدی وحدیث جدی هو حدیث أمیر المؤمنین علی وحدیث علی هو حدیث رسول الله (صلى الله علیه وآله) وحدیث رسول الله هو حدیث جبریل (علیه السلام) وهو کلام الله تعالى . «ولو کان من عند غیر الله لوجدوا فیه اختلافاً کثیراً» ( النساء: ۸۲). ثم جاءت مرحله ما بعد غیبه الإمام المعصوم الذی أرجع الناس إلى تقلید العالم الفقیه الجامع للشرائط . وبدأت سلسله الفقهاء المجتهدین منذ ذلک العهد إلى الیوم تتوالى بدون انقطاع ، وفی کل عهد یبرز فی الأمه مرجع واحد أو عده مراجع للشیعه یقلدونهم فی أعمالهم حسب الرسائل العملیه التی یستبطها کل مرجع من الکتاب والسنه ، ولا یجتهد إلا فی الأمور المستحدثه التی عرفها هذا القرن بسبب التقدم العلمی والتکنولوجی ، کعملیه زرع القلب أو أی عضو جسدی من شخص لآخر ، أو الحمل الاصطناعی ، أو المعاملات البنکیه وغیر ذلک . وقد یبرز من بین المجتهدین أعلمهم فیسمى المرجع الأعلى للشیعه أو زعیم الطائفه والحوزه العلمیه ، والذی یحظى بتقدیر واحترام کل المراجع الآخرین . ویقلد الشیعه على مر العصور الفقیه الحی الذی یعیش مشاکل الناس ویهتم بهمومهم فیسألونه ویجیبهم . وبهذا بقی الشیعه فی کل العصور یحافظون على المصدرین الأساسیین للشریعه الإسلامیه من الکتاب والسنه والنصوص المنقوله عبر الأئمه الاثنی عشر من العتره الطاهره جعلت علماءهم یستغنون عن القیاس والقول بالرأی ، لأن الشیعه اعتنوا بتدوین السنه النبویه من زمن علی بن أبی طالب الذی کان یحتفظ بالصحیفه الجامعه التی جمعت کل ما یحتاجه الناس إلى یوم القیامه کان الأئمه من ولده یتوارثونها کابراً عن کابر ویکنزونها کما یکنز الناس الذهب والفضه . وقد نقلنا قول الشهید آیه الله الصدر فی رسالته العملیه والتی ذکر فیها بأنه لم یعتمد إلا على القرآن والسنه . ولیس ذکرنا للشهید الصدر إلا مثالاً ، وإلا فإن کل مراجع الشیعه بدون استثناء یقولون نفس القول . وبهذا البحث الوجیز فی مسأله التقلید الشرعی والمرجعیه الدینیه یتبین لنا بأن الشیعه الإمامیه هم أهل القرآن والسنه النبویه المنقوله مباشره عن علی «باب مدینه العلم » العالم الربانی والمرشد الثانی للأمه بعد نبیها من کان فی القرآن کنفس النبی (۱) . فمن جاء للمدینه ودخلها من بابها فقد وصل إلى المعین الصافی وأخذ بالکیل الوافی والعلاج الشافی ، وقد استمسک بالعروه الوثقى لا انقصام لها لقوله تعالى : «وائتوا البیوت من أبوابها» ( البقره : ۱۸۹ ) . ومن أتى البیوت من غیر أبوابها سمی سارقاً فلم یتمکن من الدخول ولم یعرف سنه النبی (صلى الله علیه وآله) وسیعاقبه الله على عصیانه . ____________(۱) إشاره إلى قوله تعالى : «قل تعالوا ندع أنفسنا وأنفسکم» ، فدعا علی بن أبی طالب : أخرجه مسلم فی صحیحه فی باب فضائل علی (علیه السلام) .