الإمامه ( عند المذاهب الإسلامیه )

0

الإمامه : ـ لغه ـ مصدر على زنه ( فِعاله ) المضاعف ، یقال : أَمَّ القوم و بالقوم یؤُمهم أَمَّاً و إماماً و إمامه ، مثل : کتب یکتب کَتْباً و کِتاباً و کتابه .
و اسم الفاعل من الفعل ( أم یؤم ) : ( آم ) ، ( أصله آمم ) ثم ادغم مثلاه .
و لکن غلب استعمال المصدر فیه فقیل : إمام ـ بصیغه المذکر ـ للمذکر و المؤنث ، و یجمع على ( أیمه ) بالیاء ، و ( أئمه ) بالهمزه .
و معناه ـ معجمیاً ـ : القدوه ، أو من یقتدى به فی قوله أو فعله ، سواء کان محقاً أو مبطلاً .
و استعمل فی القرآن الکریم فی الإمام المحق کما فی قوله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّهً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا … ﴾ ۱ ، و فی الإمام المبطل کما فی قوله تعالى ﴿ … فَقَاتِلُواْ أَئِمَّهَ الْکُفْرِ … ﴾ ۲
و کلامیاً :
عرّف النصیر الطوسی الإمامه بقوله : " الإمامه : ریاسه عامه دینیه مشتمله على ترغیب عموم الناس فی حفظ مصالحهم الدینیه و الدنیاویه و زجرهم عما یضرهم بحسبها " 3 .
و عرفها العلامه الحلی بقوله : " الإمامه : ریاسه عامه فی أمور الدین و الدنیا لشخص من الاشخاص نیابه عن النبی ـ صلى الله علیه و آله و سلم ـ " 4 .
و عرفها العضد الایجی بقوله : " هی خلافه الرسول ( صلى الله علیه و آله و سلم ) فی إقامه الدین بحیث یجب اتباعه ( یعنی الإمام ) على کافه الأمه " 5 .
و عرفها الماوردی بما نصه : " الإمامه : موضوعه لخلافه النبوه فی حراسه الدین و سیاسه الدنیا " 6 .
و بإلقاء شیء من الضوء على هذه التعاریف المذکوره و أمثالها یتبین لنا أن الشیعه یؤکدون على أن الإمامه تشمل فی وظیفتها السلطتین : الروحیه و الزمنیه .
و بتعبیر قانونی مدنی : السلطتین : الدینیه و المدنیه ( السیاسه ) ، و ذلک لأن السنه ـ کما سنرى ـ قصروا وظیفه الإمامه فی الشؤون السیاسیه .
و فی هذا الضوء یأتی تعریف الإیجی ـ و هو من أعلام متکلمه السنه ـ غیر موائم لما ذهبوا إلیه .
و اختلف فی الإمامه : هل هی من أصول الدین أو من فروعه ؟ .
ذهب إلى الأول أصحابنا الإمامیه ، قال استاذنا الشیخ المظفر : " نعتقد أن الإمامه أصل من أصول الدین " 7 .
و ذهب إلى الثانی أهل السنه ، قال العضد الایجی : " المرصد الرابع فی الإمامه و مباحثها : عندنا من الفروع ، و إنما ذکرناها فی علم الکلام تأسیاً بمن قبلنا " 5 .
و قال الآمدی : " و اعلم أن الکلام فی الإمامه لیس من أصول الدیانات " 8 .
و کما اختلف فی أن الإمامه أصل أو فرع ، اختلف أیضاً فی وجوبها و نفیه .
بمعنى : هل یلزم نصب إمام للمسلمین أو لا یلزم ؟ ؟ .
فذهب بعض الخوارج إلى انها غیر واجبه . .
و ذهب الباقون من الفرق الإسلامیه إلى وجوبها .
و اختلف القائلون بوجوبها فی دلیله ( أعنی دلیل وجوب نصب الإمام ) على قولین
۱ ـ ذهب أهل السنه :
إلى أن نصب الإمام واجب سمعاً لا عقلاً ، أی أن دلیل الوجوب هو النقل لا العقل .
۲ ـ ذهب المعتزله و الشیعه :
إلى أن نصب الإمام واجب عقلاً ، أی أن دلیل الوجوب دلیل عقلی .
ثم اختلف القائلون بالوجوب العقلی فی من یجب علیه نصب الإمام على قولین :
۱ ـ ذهب المعتزله إلى انه واجب على العقلاء ( أی الناس ) ، و مثلهم فی هذا أهل السنه .
۲ ـ ذهب الإمامیه و الإسماعیلیه إلى انه واجب على اللّه .
و اختلف القائلون بوجوبه على اللّه فی الغایه و الغرض من الوجوب على قولین هما :
۱ ـ ذهب الإمامیه : انه لحفظ قوانین الشرع .
۲ ـ ذهب الإسماعیلیه لیکون معرفاً للّه تعالى .
و یمکننا أن نلخص هذه الأقوال بالتالی :
الإمامه او نصب الإمام
غیر واجب ، واجب
على الناس ، على اللّه
و نخلص من هذه أیضاً إلى أن فی المسأله قولین رئیسین هما :
۱ ـ إن نصب الإمام یتم عن طریق اختیار الناس له . و هو قول المعتزله و السنه و الاباضیه .
۲ ـ إن نصب الإمام یتم عن طریق تعیینه بالنص علیه من قبل اللّه تعالى ، و هو قول الشیعه .
بیان دلیل أهل السنه :
قال العضد الایجی : " و أما وجوبه علینا سمعاً فلوجهین :
الأول : أنه تواتر إجماع المسلمین فی الصدر الأول بعد وفاه النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) على امتناع خلو الوقت عن إمام ، حتى قال أبو بکر ( رض ) فی خطبته : ( ألا إن محمداً قد مات ، و لا بد لهذا الدین ممن یقوم به ) فبادر الکل إلى قبوله ، و ترکوا له أهم الأشیاء ، و هو دفن رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) .
ولم یزل الناس على ذلک فی کل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متبع فی کل عصر .
فان قیل : لا بد للإجماع من مستند ، و لو کان ، لَنُقِلَ ، لتوفر الدواعی .
قلنا : استغنی عن نقله بالإجماع ، أو کان من قبیل ما لا یمکن نقله من قرائن الأحوال التی لا یمکن معرفتها إلا بالمشاهده و العیان لمن کان فی زمن النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) .
الثانی : أن فیه دفع ضرر مظنون و أنه واجب إجماعاً .
بیانه : أنا نعلم علماً یقارب الضروره أن مقصود الشارع فیما شرع من المعاملات و المناکحات و الجهاد و الحدود و المقاصات و إظهار شعار الشرع فی الاعیاد و الجمعات ، إنما هو مصالح عائده إلى الخلق معاشاً و معاداً ، و ذلک لا یتم إلا بإمام یکون من قبل الشارع یرجعون إلیه فیما یعن لهم ، فإنهم ـ مع اختلاف الأهواء و تشتت الآراء ، و ما بینهم من الشحناء ـ قلما ینقاد بعضهم لبعض ، فیفضی ذلک إلى التنازع و التواثب ، و ربما أدّى إلى هلاکهم جمیعاً ، و یشهد له التجربه ، و الفتن القائمه عند موت الولاه إلى نصب آخر ، بحیث لو تمادى لعطلت المعایش ، و صار کل أحد مشغولاً بحفظ ماله و نفسه تحت قائم سیفه ، و ذلک یؤدی إلى رفع الدین و هلاک جمیع المسلمین .
فان قیل : و فیه اضرار ، و أنه منفی بقوله علیه السلام : ( لا ضرر و لا ضرار فی الاسلام ) .
و بیانه من ثلاثه أوجه :
الأول : تولیه الإنسان على من هو مثله لیحکم علیه فیما یهتدی إلیه و فیما لا یهتدی إضرار به لا محاله .
الثانی : قد یستنکف عنه بعضهم کما جرت به العاده ، فیفضی إلى الفتنه .
الثالث : أنه لا یجب عصمته ـ کما سیأتی ـ فیتصور منه الکفر و الفسوق ، فان لم یعزل أضر بالأمه بکفره و فسقه ، و ان عزل أدى إلى الفتنه .
قلنا : الاضرار اللازم من ترکه أکثر بکثیر ، و دفع الضرر الأعظم عند التعارض واجب " 9 .
بیان دلیل الشیعه :
قال الفاضل المقداد : إن الإمامه لطف ، و کل لطف واجب على اللّه ، فالإمامه واجبه على اللّه تعالى .
أما الکبرى فقد تقدم بیانها .
و أما الصغرى فهو أن اللطف ـ کما عرفت ـ ما یقرب العبد إلى الطاعه و یبعده عن المعصیه ، و هذا المعنى حاصل فی الإمامه .
و بیان ذلک : أن من عرف عواید الدهماء و جرب قواعد السیاسه ، علم ضرورهً أن الناس إذا کان لهم رئیس مطاع مرشد فیما بینهم یردع الظالم عن ظلمه و الباغی عن بغیه و ینتصف للمظلوم من ظالمه ، و مع ذلک یحملهم على القواعد العقلیه و الوظائف الدینیه و یردعهم عن المفاسد الموجبه لاختلال النظام فی امور معاشهم و عن القبائح الموجبه للوبال فی معادهم بحیث یخاف کل مؤاخذته على ذلک ، کانوا مع ذلک إلى الصلاح أقرب و من الفساد أبعد ، و لا نعنی باللطف إلا ذلک ، فتکون الإمامه لطفاً و هو المطلوب .
و اعلم : أن کل ما دل على وجوب النبوه فهو دال على وجوب الإمامه ، إذ الإمامه خلافه عن النبوه ، قائمه مقامها إلا فی تلقی الوحی الإلهی بلا واسطه ، و کما أن تلک واجبه على اللّه تعالى فی الحکمه ، فکذا هذه " 10 .
و یرجع هذا الاختلاف بین المذهبین الشیعی و السنی إلى مدى سعه و ضیق جهه الالتقاء بین النبوه و الإمامه .
ذلک أن الشیعه یرون أن الإمامه فی وظیفتها هی امتداد للنبوه ، فکما کانت وظیفه النبی تتمثل فی ممارسته للسلطتین الدینیه و السیاسیه ، و ان السلطه السیاسیه هی من الدین و لیست اجتهاداً من النبی لأن النبی ـ فی رأیهم ـ غیر ممکن أن یرجع إلى اجتهاد ، لأن الاجتهاد عرضه للخطأ ، و لأن نتائجه ظنیه ، و النبی معصوم ، و المعصوم لا یخطأ .
مضافاً إلیه : أن أحکامه التی یقوم بتطبیقها بصفته رئیساً للدوله ، أی سیاسیاً ، هی أحکام واقعیه ، بمعنى أنها علم یقینی لا مجال للظن فیها ، لأنها نابعه من انکشاف واقع القضیه لدیه موضوعاً و حکماً لا من استخدامه وسیله الاجتهاد التی قد تصیب و قد تخطئ ، و ذلک لاتصاله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) بالوحی ، و عدم صدور أی سلوک منه لا یلتقی مع ما یوحی به إلیه ، فهو فی الواقع لا یحتاج إلى الاجتهاد ، لان الاجتهاد طریق موصل إلى الحکم لدى من لیس له طریق آخر مأمون العثار و الخطأ و مضمون الإصابه و الوصول إلى الحکم بواقعه و هو طریق الوحی .
کذلک وظیفه الإمامه تتمثل فی ممارسه الإمام للسلطتین الدینیه و السیاسیه .
بینما ذهب أهل السنه إلى أن الإمامه وظیفه سیاسیه تعتمد على اجتهاد الإمام ، کما کان الرسول ـ کما یرون ـ یعتمد فی سیاسته بصفته رئیساً للدوله على اجتهاده ، ذلک انهم " فرقوا بین أحکام الدین و أحکام السیاسه ، و مالوا إلى اعتبار الرسول مجتهداً فی الشؤون السیاسه و کل ما یتصل بسلطته الزمنیه ، یقول ابن القیم : السیاسه ما کان فعلاً یکون معه الناس أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد ، و ان لم یضعه الرسول و لا نزل به وحی ، و من قال لا سیاسه إلا بما نطق به الشرع فقد غَلَطَ و غَلّطَ الصحابه " 11 .
فالسنه ـ کما هو واضح مما تقدم ـ یفصلون بین أحکام الدین و أحکام السیاسه کالذی هو معروف حالیاً فی الفکر القانونی المعاصر ، و الذی یوسم بـ ( نظریه الفصل بین الدین و الدوله ) .
و نخلص من هذا إلى أن الشیعه انما قالوا بان وجوب نصب الإمام بالنص أو التعیین من اللّه ، لأن الإمام عندهم امتداد لوظیفه النبوه روحیاً و سیاسیاً ، فکما أن النبی یعین من قبل اللّه تعالى کذلک الإمام .
أما السنه فلأنهم فصلوا بین السلطتین الروحیه و الزمنیه و اعتبروا الإمام قائماً بوظیفه النبی الزمنیه أو السیاسیه ، و هی تعتمد الاجتهاد ، قالوا یتم نصبه عن طریق اختیار الناس له .
و حاول الدکتور احمد محمد صبحی فی کتابه ( الزیدیه ) أن یدافع عن أهل السنه و یدفع عنهم القول بالفصل بین الدین و الدوله بقوله : " على أنه من الخطأ تصور موقف أهل السنه فصلاً بین السیاسه و الدین ، و إنما هو مجرد تفرقه بین شرعٍ مصدره الکتاب و السنه و سیاسهٍ قائمه على الاجتهاد الذی هو بدوره مصدر من مصادر التشریع فی الإسلام ، ولم یُعرف الفصل التام بین السیاسه و الدین إلا بعد سقوط الخلافه العثمانیه ، و بتأثیر من الفکر السیاسی الأوربی " 12 .
و المستغرب من الدکتور صبحی أنه لم یفرق بین المصدر و الوسیله ، فاعتد الاجتهاد ـ و هو وسیله ینتهجها المجتهد لاستنباط و استخراج الحکم الشرعی من مصدره و هما الکتاب و السنه ـ مصدراً من مصادر التشریع .
و ظنی أنه التبس الأمر علیه بین القیاس و أمثاله من مصادر أخرى غیر الکتاب و السنه ، و بین الاجتهاد ، ولم یدرک أن الاجتهاد طریقه یستخدمها المجتهد لأخذ الحکم من هذه المصادر .
فالقیاس و الإجماع و الاستحسان و أمثالها أمور قائمه فی واقها کالکتاب و السنه ، و الفارق ان من لم یکن مجتهداً لا یقوى على استفاده الحکم منها ، و بعکسه من کان مجتهداً فانه یستطیع اذا استعمل اجتهاده أن یستفید الحکم منها .
و بالإضافه إلى ما تقدم استدل کل من الشیعه و السنه بالقرآن الکریم على رأیه فی وجوب نصب الإمام بالتعیین الإلهی أو الاختیار من قبل الناس .
دلیل السنه :
استدل أهل السنه بقوله تعالى : ﴿ … وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَیْنَهُمْ … ﴾ ۱۳ .
و الشورى ـ لغه ـ اسم من المشاوره ، یقال : شورى و مشاوره و تشاور و مَشُوْرَهَ ـ بضم الشین و سکون الواو ـ و مَشْوَرَه ـ بسکون الشین و فتح الواو ـ .
و تعنی المفاوضه فی الکلام بمراجعه البعض إلى البعض لاستخراج الرأی .
و هی من قولهم ( شرت العسل ) إذا اتخذته من موضعه و استخرجته منه .
و تطلق أیضاً على الأمر الذی یتشاور فیه ، یقال : ( صار هذا الشیء شورى بین القوم ) إذا تشاوروا فیه .
و ذکر فی سبب نزول الآیه الکریمه أن الأنصار کانوا قبل قدوم النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) المدینه المنوره إذا أرادوا أمراً تشاوروا فیه ثم عملوا علیه ، فمدحهم اللّه تعالى به .
و تقریر الاستدلال بها :
أن الآیه الکریمه مطلقه لأن مورد النزول هنا لیس بقرینه مقیده .
و الإطلاق یقتضی حملها على کل أمر یطلب فیه التشاور ما عدا الأحکام و الحدود الشرعیه لأنها خارجه بالتخصص لدلیل العقل القاضی بان عدم خروجها من هذا الإطلاق یستلزم إلغاء تشریعها .
و لأن الخلافه لم یرد فیها نص شرعی یبین کیفیتها و شروطها و مواصفاتها تندرج تحت ما یطلب فیه المشوره أو الشورى .
و الذی یلاحظ على هذا الاستدلال :
۱ ـ إن الآیه لیست فی مقام التشریع ، و إنما هی فی مقام بیان أهمیه و قیمه التشاور فی الأمور العامه التی تتطلب ذلک .
و هذا یقتضینا عدم الأخذ بها إذا کان فی القرآن الکریم ما یفاد منه تشریع الخلافه کما فی الآیه الآتیه التی استدل بها الشیعه على ذلک .
۲ ـ إن الآیه لم تبین من الذین یقتضی أن یقوموا بمهمه التشاور ، و علیه لا بد من الاحتیاط المبرئ لذمه المکلف من مسؤولیه التکلیف و الخروج من عهدتها بجمع کل الأطراف المعنیه و إدخالها فی عملیه التفاوض و التشاور .
و هذا ما لم یتحقق تاریخیاً منذ اختیار أول خلیفه حتى عهدنا الحاضر ، و الأمر من الوضوح بمکان لا یفتقر معه إلى إقامه دلیل .
دلیل الشیعه :
و استدل الشیعه بقوله تعالى : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِی قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ﴾ ۱۴ .
و تقریر الاستدلال بالآیه الکریمه :
۱ ـ أن الآیه صریحه فی أن الإمامه لا تکون لأحد إلا بجعل من اللّه تعالى ، أی بتعیین منه .
۲ ـ ان الإمامه عهد اللّه ، أی مسؤولیه إلهیه مهمه فلا تناط إلا بمن لدیه أهلیه القیام بها ، و هی أن یکون غیر ظالم لنفسه أو لغیره ، و هذا لا یتحقق إلا إذا کان الإمام معصوماً ، لأن العصمه ملکه ثابته و دائمه ، و بعکسها العداله فانها قابله للحدوث و التجدد ، ففی حاله زوالها تزول معها الإمامه ، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه .
و جاء فی بعض تفسیرات الآیه : أن المراد بالإمامه هنا النبوه ، و رده السید الطباطبائی بقوله : قوله تعالى : ﴿ … إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ ۱۵ أی مقتدى یقتدی بک الناس ، و یتبعونک فی أقوالک و أفعالک .
فالإمام هو الذی یقتدی و یأتم به الناس ، و لذلک ذکر عده من المفسرین أن المراد به النبوه ، لأن النبی تقتدی به أمته فی دینهم ، قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ … ﴾ ۱۶ ، لکنه فی غایه السقوط .
أما أولاً ، فلأن قوله : ( إماماً ) مفعول ثانٍ لعامله الذی هو قوله : ( جاعلک ) و اسم الفاعل لا یعمل إذا کان بمعنى الماضی ، و إنما یعمل إذا کان بمعنى الحال أو الاستقبال ، فقوله : ﴿ … إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ ۱۵ و عدله ـ علیه السلام ـ بالإمامه فی ما سیأتی ، مع أنه وحی لا یکون إلا مع نبوه ، فقد کان ( علیه السلام ) نبیاً قبل تقلده الإمامه ، فلیست الإمامه فی الآیه بمعنى النبوه ( ذکره بعض المفسرین ) .
و أما ثانیاً : فلأنا بیّنا فی صدر الکلام : أن قصه الإمامه إنما کانت فی أواخر عهد إبراهیم ( علیه السلام ) بعد مجیء البشاره له بإسحق و إسماعیل ، و إنما جاءت الملائکه بالبشاره فی مسیرهم إلى قوم لوط و إهلاکهم ، و قد کان إبراهیم حینئذٍ نبیاً مرسلاً ، فقد کان نبیاً قبل أن یکون إماماً ، فإمامته غیر نبوته " 17 .
و فی حدیث الإمام الصادق ( علیه السلام ) : " و قد کان إبراهیم نبیاً و لیس بإمام حتى قال اللّه : ﴿ … إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِی قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ﴾ ۱۵ من عَبَدَ صنماً أو وثناً لا یکون إماماً " 18 . و ذلک تطبیقاً منه علیه السلام للآیه الکریمه : ﴿ … إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ ﴾ ۱۹ .
و لان أبا بکر الصدیق ( رض ) کان قبل إسلامه مشرکاً لا یکون ـ کما یرون ـ مؤهلاً للإمامه الإلهیه .
و من هنا کان النص من اللّه تعالى على الإمام علی ( علیه السلام ) لأنه لم یسبق منه شرک أو ظلم لنفسه بالشرک أو بغیره .
و ما دمنا وصلنا إلى هذا لا بأس بصرف عنان البحث إلى ذکر أدله کل من الطرفین على الإمام الخاص بعد النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) .
أدله السنه على إمامه أبی بکر :
۱ ـ النص الجلی :
استدل السنه الذین یرون أن النبی نص على أبی بکر نصاً جلیاً بالحدیث المشهور و هو :
( إن امرأه أتت إلى النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) لتسأله أمراً من الأمور فأجابها و طلب منها أن ترجع إلیه متى أرادت ، فقالت : أرأیتَ أن جئتُ فلم أجدک ؟ قال : إن لم تجدینی فأتی أبا بکر ) .
و بالحدیث الآخر :
( اقتدوا باللذین من بعدی : أبی بکر و عمر ) .
و بحدیث أبی هریره :
( قال : سمعت رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) قال : بینما أنا نائم رأیتنی على قلیب علیها دلو ، فنزعت منها ما شاء اللّه ، ثم أخذها ابن أبی قحافه فنزع منها ذنوباً أو ذنوبین ، و فی نزعه ضعف ، واللّه یغفر له ضعفه ، ثم استحالت غرباً ، فأخذها عمر بن الخطاب ، فلم أر عبقریاً من الناس ینزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن ) .
۲ ـ النص الخفی :
و استدل أهل السنه الذین یذهبون إلى أن إمامه أبی بکر ثبتت بالنص الخفی بالواقعه المشهوره ، و هی :
" إن الرسول فی أثناء مرضه أمر أن یؤم أبو بکر المسلمین فی الصلاه ، و الصلاه هی الإمامه الصغرى .
فأولى به أن یکون هو صاحب الإمامه الکبرى إمامه المسلمین دنیا و دیناً " .
و یؤخذ علیهما :
أن الاستدلال بالنص یتنافى و ما ذهب إلیه جمهورهم من أن النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) لم یستخلف ، ولم ینص على أحد بالخلافه .
و علیه :
لا ریب فی أنها اختلقت لیعارض بها النصوص الوارده فی استخلاف علی و النص علیه من قبل النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) بالإمامه .
۳ ـ الشورى :
و هو رأی جمهور أهل السنه الذین یذهبون إلى أن رسول اللّه ترک أمر الإمامه لاجتهاد المسلمین .
" و رأى المسلمون أن أبا بکر هو ثانی اثنین إذ هما فی الغار ، و أول من آمن من الرجال ، ثم رجل الصحبه الطویله : و أخیراً عهد إلیه الرسول بالصلاه الإمامه الصغرى ، فقاسوا الأمر بأن تکون له الإمامه الکبرى " 20 .
کانت هذه مبررات اختیاره للإمامه و مبایعته بها .
هذا ما یذکره متأخرو علماء السنه ، و بتعبیر أدق : المعاصرون منهم .
و لکن التاریخ الکلامی أو العقائدی لقضیه الإمامه أو الخلافه ، یقول فی الحادثه و تبریرها غیر هذا .
فقد جاء فی کتاب ( الملل و النحل ) للشهرستانی ـ و هو من أعلام السنه ـ ما نصه : " اختلف المهاجرون و الأنصار فیها ( یعنی الإمامه ) فقالت الأنصار : منا أمیر و منکم أمیر ، و اتفقوا على رئیسهم سعد بن عباده الأنصاری ، فاستدرکه أبو بکر و عمر ـ رضی اللّه عنهما ـ فی الحال بان حضرا سقیفه بنی ساعده ، و قال عمر : کنت أزوّر ۲۱ فی نفسی کلاماً فی الطریق ، فلما وصلنا إلى السقیفه أردت أن أتکلم فقال أبو بکر : مه ۲۲ یا عمر ، فحمد اللّه و أثنى علیه ، و ذکر ما کنت أقدره فی نفسی کأنه یخبر عن غیب ، فقبل أن یشتغل الأنصار بالکلام مددت یدی إلیه فبایعته و بایعه الناس و سکنت الفتنه ، ألا إن بیعه أبی بکر کانت فلته ۲۳ ، وقى اللّه المسلمین شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأیما رجل بایع رجلاً من غیر مشوره من المسلمین فانهما تَغِرَّه ۲۴ یجب أن یقتلا .
و إنما سکنت الأنصار عن دعواهم لروایه أبی بکر عن النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : ( الأئمه من قریش ) .
و هذه البیعه هی التی جرت فی السقیفه .
ثم لما عاد إلى المسجد انثال ۲۵ الناس علیه و بایعوه عن رغبه ، سوى جماعه من بنی هاشم ، و ابی سفیان من بنی أمیه ، و أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ـ رضی اللّه عنه ـ کان مشغولاً بما أمره النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) من تجهیزه و دفنه و ملازمه قبره من غیر منازعه و لا مدافعه " 26 .
و کما هو واضح من النص هذا : أن الشورى لم تتحقق تاریخیاً فلم یکن فی السقیفه اجتماع شامل أو على الأقل واف لمن له حق المشوره و إبداء الرأی ممن یعرفون بأهل الحل و العقد .
ولم یدر بین من حضروا مشاوره و مفاوضه و مداوله فی ترشیح من یستحقها من المسلمین .
و إنما کانت مبادره و کسب موقف من الشیخین ( رض ) لئلا تکون الإمامه فی الأنصار .
و مع کل هذا و غیره استطاع مبدأ الشورى ـ بصفته النظریه لا التطبیقیه لأنه لم یر النور تطبیقیاً ـ ان یهیمن على الجو الفکری و العقائدی مده خلافه الخلفاء الثلاثه .
و بدأت قوه سیطرته و تأثیرها من قوله عمر : " إن بیعه أبی بکر کانت فلته وقى اللّه المسلمین شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فایما رجل بایع رجلاً من غیر مشوره من المسلمین فانهما تغره یجب أن یقتلا " . . حتى لم یستطع بنو هاشم ـ و هم رهط رسول اللّه ـ إثاره الاحتجاج بالنص .
و استمرت تغذیه هذا المبدأ سیاسیاً خلال هذه المده لئلا یکون من علی و آل علی شیء یعترضه أو یعارضه ، إلى أن تسلم الإمام علی زمام الحکم بعد مقتل عثمان ، فبرز الاحتجاج منه بالنص .
و لعل أول ما کان منه هذا عندما جمع الناس فی ( الرحبه ) فقال : ( انشد اللّه کل امرئ مسلم سمع رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) یقول یوم غدیر خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، و لا یقم إلا من رآه بعینیه و سمعه بإذنیه ) فقام ثلاثون صحابیاً فیهم اثنا عشر بدریاً فشهدوا ، أنه أخذه بیده فقال للناس : أتعلمون انی أولى بالمؤمنین من أنفسهم ؟ قالوا : نعم ، قال ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : من کنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ) ۲۷ .
و إلى جانبه أثار ( علیه السلام ) فکره التوضیح لما ینبغی أن یکون علیه مبدأ الشورى ، و ذلک فی کتابه إلى معاویه ـ الآتی نصه ـ .
و أراد بهذا إلزام معاویه بما ألزم المسلمون به أنفسهم آنذاک ، و بخاصه أن الإمام ( علیه السلام ) ضمّن کتابه ما جاء فی خطاب عمر ( رض ) من أن الخارج عما انتهى إلیه أمر الخلافه یقتل .
قال ( علیه السلام ) : " أما بعد فان بیعتی بالمدینه لزمتک و أنت بالشام ، لأنه بایعنی القوم الذین بایعوا أبا بکر و عمر و عثمان على ما بویعوا علیه ، فلم یکن للشاهد أن یختار و لا للغائب أن یرد ، و انما الشورى للمهاجرین و الأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً کان ذلک رضا ، فان خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبه ردوه إلى ما خرج منه ، فأن أبى قاتلوه على اتباعه غیر سبیل المؤمنین و ولاه اللّه ما تولى و یصلیه جهنم و ساءت مصیرا ً " .
ثم یختم الإمام کتابه هذا بقوله : " و اعلم بأنک من الطلقاء الذین لا تحل لهم الخلافه و لا تعرض فیهم الشورى " 28 .
و کأن الإمام ( علیه السلام ) یشیر بهذا إلى شرط الإمامه الأساسی الذی جاء فی قوله تعالى ﴿ … لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ﴾ ۱۵ .
أدله الشیعه على إمامه علی :
استدل الشیعه على إمامه علی بعده نصوص منها :
۱ ـ حدیث الغدیر :
و قد دوّن هذا الحدیث فی غیر کتاب من الکتب المعتبره ، و روی بغیر طریق من الطرق المختلفه صحاحاً و حساناً و سواها .
و نص على تواتره غیر واحد من الأعلام ، من أحدثهم السید الطباطبائی قال : " و أما حدیث الغدیر ـ أعنی قوله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : ( من کنت مولاه فعلی مولاه ) ـ فهو حدیث متواتر منقول من طرق الشیعه و أهل السنه بما یزید على مئه طریق " 29 .
و نصه کما أخرجه الإمام احمد بن حنبل من حدیث البراء بن عازب ۳۰ من طریقین : قال : کنا مع رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) فنزلنا بغدیر خم فنودی فینا الصلاه جامعه ، و کسح لرسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) تحت شجرتین ، فصلى الظهر ، و أخذ بید علی ، فقال : ألستم تعلمون أنی أولى بالمؤمنین من أنفسهم ؟
قالوا : بلى .
قال : من کنت مولاه فعلی مولاه ، اللهم والِ من ولاه ، و عادِ من عاداه .
قال : فلقیه عمر بعد ذلک ، فقال له : هنیئاً یا بن أبی طالب أصبحت و أمسیت مولى کل مؤمن و مؤمنه " 31 .
و تقریر الاستدلال به :
یقول الشیخ أبو علی الطبرسی : " فأما وجه الاستدلال بخبر الغدیر ففیه طریقان :
أحدهما : أن نقول : إن النبی قرّر أمته فی ذلک المقام على فرض طاعته فقال : ( ألستُ أولى بکم من انفسکم ) فلما أجابوه بالاعتراف و قالوا : ( بلى ) ، رفع بید أمیر المؤمنین علی ( علیه السلام ) و قال عاطفاً على ما تقدم : ( من کنت مولاه فهذا مولاه ) ـ و فی روایات أخر ( فعلی مولاه ) ـ ( اللهم وال من والاه و عادِ من عاداه ، و انصر من نصره و اخذل من خذله ) ، فأتى علیه الصلاه و السلام بجمله یحتمل لفظها معنى الجمله الأولى التی قدّمها ، و هو أن لفظه ( مولى ) تحتمل معنى ( أولى ) و ان کانت تحتمل غیره ، فیجب أن یکون أراد بها المعنى المتقدم على مقتضى استعمال أهل اللغه .
و إذا کانت هذه اللفظه تفید معنى الإمامه بدلاله أنهم یقولون : ( السلطان أولى بإقامه الحدود من الرعیه ) و ( المولى أولى بعبده ) و ( ولد المیّت أولى بمیراثه من غیره ) و قوله سبحانه : ( النبی اولى بالمؤمنین من انفسهم ) لا خلاف بین المفسرین أن المراد : أنه أولى بتدبیر المؤمنین و الأمر و النهی فیهم من کل أحد منهم .
و إذا کان النبی أولى بالخلق من أنفسهم من حیث کان مفترض الطاعه علیهم و أحق بتدبیرهم و أمرهم و نهیهم و تصرفهم بلا خلاف ، وجب أن یکون ما أوجبه لأمیر المؤمنین ( علیه السلام ) فیکون أولى بالمؤمنین من حیث أن طاعته مفترضه علیهم و أمره و نهیه مما یجب نفوذه فیهم ، و فرض الطاعه یتحقق بالتدبیر من هذا الوجه لا یکون إلا للنبی أو الإمام ، فإذا لم یکن ( علیه السلام ) نبیاً وجب أن یکون إماماً .
و أما الطریقه الأخرى فی الاستدلال بهذا الخبر فهی : أن لا نبنی الکلام على المقدمه ، و نستدل بقوله : ( من کنت مولاه ) من غیر اعتبار ما قبله ، فنقول :
معلوم أن النبی أوجب لأمیر المؤمنین أمراً کان واجباً له لا محاله ، فیجب أن یعتبر ما تحتمله لفظه ( مولى ) من الأقسام و ما یصح کون النبی مختصاً به منها و ما لا یصح و ما یجوز أن یوجبه لغیره فی تلک الحاله ، و ما لا یجوز .
و جمیع ما تحتمله لفظه ( مولى ) ینقسم إلى أقسام :
منها ما لم یکنه علیه الصلاه و السلام ، و هو ( المعتق ) و ( الحلیف ) لأنه لم یکن حلیفاً لأحد ، و الحلیف : الذی یحالف قبیله و ینسب إلیها ، لیتعزز بها .
و منها ما کان علیه السلام ـ و معلوم لکل أحد ـ أنه لم یرده ، و هو :
( الجار ) و ( الصهر ) و ( ابن العم ) .
و منها ما کان ، و معلوم بالدلیل أنه لم یرده ، و هو : ( ولایه الدین ) و النصره فیه و المحبه .
و مما یدل على أنه لم یرد ذلک أن کل عاقل یعلم من دینه وجوب موالاه المؤمنین بعضهم بعضاً ، و بذلک نطق القرآن ، و کیف یجوز أن یجمع ذلک الجمع العظیم فی مثل تلک الحال و یخطب على المنبر المعمول من الرحال لیعلّم الناس من دینه ما یعلمونه ضروره .
و منها ما کان حاملاً له ، و یجب أن یریده و هو ( الأولى بتدبیر الأُمه و أمرهم و نهیهم ) ، لأنّا إذا أبطلنا جمیع الأقسام ، و علمنا أنه یستحیل أن یخلو کلامه من معنى أو فائده ، ولم یبق إلا هذا القسم فیجب أن یریده .
و قد بینا أن کل من کان بهذه الصفه فهو الإمام المفترض الطاعه ، و أما استیفاء الکلام فیه ففی الکتب الکبار " 32 .
ان عقد الولایه العامه التی تعنی الإمامه لعلی ( علیه السلام ) من قبل رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) کان امتثالاً منه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) لوحی نزل علیه فی ( غدیر خم ) و هو قوله تعالى : ﴿ یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ ﴾ ۳۳ .
ففی ( أسباب النزول ) روى أبو الحسن الواحدی بسنده عن أبی سعید الخدری : " قال : نزلت هذه الآیه ﴿ یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ … ﴾ ۳۴ یوم غدیر خم فی علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه " 35 .
و الآیه صریحه فی أمر اللّه رسوله الکریم بتبلیغ وحی انزل الیه من ربه .
کما انها ظاهره بأن هذا کان بعد تمام تبلیغه الرساله الالهیه التی أعلن عن إکمالها و تمامها یوم عرفه قبل وصوله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) إلى غدیر خم بقوله تعالى : ﴿ … الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِینًا … ﴾ ۳۶ .
و ظاهره أیضاً فی أن ذلک الأمر حکم جزئی ، و ذلک لأن الرساله لانها تبلیغ لعموم الناس حتى قیام الساعه تحتوی الأحکام الکلیه ، و من تلکم الاحکام الکلیه حکم الإمامه الذی أفدناه من آیه ﴿ … قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ ۱۵ ، فیکون الأمر الجزئی هنا هو تطبیق حکم الإمامه على الشخص المؤهل لها .
و یؤید هذا و یؤکده قوله تعالى : ﴿ … وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ ۳۴ ، لأن الناس ـ و هم العامه هنا ـ قد لا یتورعون من توجیه الاتهام إلى النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) بالمحاباه لابن عمه ، و ربما حاول من له طمع فی الخلافه إفساد الأمر على الرسول ( صلى الله علیه و آله و سلم ) ، فأعطاه تعالى هذا الضمان بحفظه مما قد یلاقیه من الناس حین قیامه بمهمه عقد الولایه لعلی و نصبه إماماً للمسلمین .
" ففی تفسیر العیاشی عن ابی صالح عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه : قالا : أمر اللّه تعالى نبیه محمداً أن ینصب علیاً علماً فی الناس لیخبرهم بولایته فتخوف رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) أن یقولوا حابى ابن عمه و أن یطعنوا فی ذلک علیه ، قالا : فأوحى اللّه إلیه هذه الآیه ﴿ یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ ۳۴ فقام رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) بولایته یوم غدیر خم ) ۳۷ .
یقول الدکتور النشار بعد حدیثه عن حدیث الدار : " ثم هناک الحدیث الهام حدیث الغدیر و الذی اتخذه الشیعه سنداً لأحقیه علی الکامله فی خلافه المسلمین بعد رسول اللّه .
فقد خرج النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) من مکه بعد حجه الوداع ، و فی الطریق نزل علیه الوحی ﴿ یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ … ﴾ ۳۴ ، و کان النبی عند غدیر خم ، فأمر بالدرجات و جمع الناس فی یوم قائظ شدید القیظ و دعا علیاً إلى یمینه ، و خطب فقال : لقد دعیت إلى ربی و انی مغادرکم من هذه الدنیا و انی تارک فیکم الثقلین : کتاب اللّه و عترتی أهل بیتی » ، ثم أخذ بید علی و رفعها و قال « یا ایها الناس ألستُ أولى منکم بانفسکم ؟ قالوا : بلى ، قال : من کنت مولاه فعلی مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أدر الحق معه حیثما دار » ، فقال عمر : « بخ بخ ، أصبحت مولای و مولى کل مؤمن و مؤمنه » ، ثم عاد الرسول إلى خیمته و نصب لعلی اخرى بجانبها ، و أمر المسلمین أن یبایعوه بالإمامه ، و سلموا له بإمره المؤمنین جمیعاً رجالاً و نساء ۳۸ .
هذا هو حدیث غدیر خم الذی اعتقده الشیعه سنداً صریحاً لهم فی القول بإمامه علی ، و قد اعترف أهل السنه جزئیاً بصحه هذا الحدیث و أولوه بان المقصود من ( الولایه ) هنا الولایه الروحیه ، بل إننا نرى الحسن البصری ـ إمام التابعین ـ یعلن أن علیاً ربانی هذه الأمه .
أما السلف من الحنابله المتقدمین فقد أوّلوا الموالاه بعدم الکراهیه ، و أنکر السلف المتأخرون الحدیث إنکاراً تاماً .
و من العجب أن السلف الذین یکرهون التأویل و ینکرونه ، یؤلون هنا » 39 .
و من الواضح أن هذا التأویل کان بتأثیر عوامل سیاسیه ، لان الاعتراف بان ظاهر الحدیث یدل على الإمامه الإلهیه لازمه إلزام من لا یعتقد بمؤداه بالمخالفه الشرعیه .
یقول أبو القاسم البجلی المعتزلی : « لو نازع علی عقیب وفاه رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) و سل سیفه لحکمنا بهلاک کل من خالفه و تقدم علیه ، کما حکمنا بهلاک من نازعه حین أظهر نفسه ، و لکنه مالک الأمر و صاحب الخلافه ، إذا طلبها وجب علینا القول بتفسیق من ینازعه فیها ، و اذا أمسک عنها وجب علینا القول بعداله من اغضى له علیها ، و حکمه فی ذلک حکم رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) ، لانه قد ثبت عنه فی الأخبار الصحیحه أنه قال : ( علی مع الحق ، و الحق مع علی ، یدور معه حیثما دار ) ، و قال له غیر مره : ( حربک حربی ، و سلمک سلمی ) ۴۰ .
مع أن اقتران الولایه لعلی بولایه النبی فی الحدیث الشریف المذکور دلیل على أنها أعم من الولایه الروحیه ، لأن ولایه النبی على الانفس تعنی السلطه التنفیذیه إذ لا معنى أن یکون النبی ولیاً على الانفس روحیاً .
۲ ـ حدیث الکتاب :
و نصه : « لما احتضر رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) و فی البیت رجال فیهم عمر بن الخطاب ، قال النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : هلم اکتبْ لکم کتاباً لن تضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبی قد غلب علیه الوجع ، و عندکم القرآن ، حسبنا کتاب اللّه ، فاختلف أهل البیت فاختصموا ، منهم من یقول : قربوا یکتب لکم النبی کتاباً لن تضلوا بعده ، و منهم من یقول ما قال عمر ، فلما أکثروا اللغو و الاختلاف عند النبی ، قال لهم رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : قوموا .
فکان ابن عباس یقول : إن الرزیه کل الرزیه ما حال بین رسول اللّه و بین أن یکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم و لغطهم » 41 .
قال السید شرف الدین تعلیقاً علیه : « و هذا الحدیث مما لا کلام فی صحته و لا فی صدوره ، و قد رواه البخاری فی عده مواضع من صحیحه ، و أخرجه مسلم فی آخر الوصایا من صحیحه أیضاً ، و رواه احمد من حدیث ابن عباس فی مسنده ، و سائر أصحاب السنن و الأخبار » 39 .
« و أنت إذا تأملت فی قوله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : ( هلم اکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعده ) و قوله فی حدیث الثقلین : ( إنی تارک فیکم ما إن تمسکتم به لن تضلوا : کتاب اللّه و عترتی أهل بیتی ) تعلم أن المرمى فی الحدیثین واحد ، و انه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) اراد فی مرضه ان یکتب لهم تفصیل ما أوجبه علیهم فی حدیث الثقلین .
و انما عدل عن ذلک لان کلمتهم تلک التی فاجأوه بها اضطرته إلى العدول ، إذ لم یبق بعدها أثر لکتابه الکتاب سوى الفتنه و الاختلاف من بعده فی أنه هل هجر فیما کتبه ـ العیاذ باللّه ـ أو لم یهجر ، کما اختلفوا فی ذلک و اکثروا اللغو نصب عینیه ، فلم یتسن له یومئذ اکثر من قوله لهم : ( قوموا ) ـ کما سمعت ـ ، و لو أصر فکتب الکتاب للجوا فی قولهم هجر و لا وغل أشیاعهم فی إثبات هجره ـ و العیاذ باللّه ـ فسطروا به أساطیرهم ، و ملأوا طوامیرهم رداً على ذلک الکتاب و على من یحتج به .
لهذا اقتضت حکمته البالغه أن یضرب ( صلى الله علیه و آله و سلم ) عن ذلک الکتاب صفحاً لئلا یفتح هؤلاء المعارضون و أولیاؤهم باباً إلى الطعن فی النبوه ـ نعوذ باللّه و به نستجیر ـ و قد رأى ( صلى الله علیه و آله و سلم ) أن علیاً و اولیاءه خاضعون لمضمون ذلک الکتاب ، سواء علیهم أکتب أم لم یکتب ، و غیرهم لا یعمل به و لا یعتبرونه لو کتب ، فالحکمه ـ و الحال هذه توجب ترکه إذ لا أثر له بعد تلک المعارضه سوى الفتنه کما لا یخفى » 42 .
أئمه الإمامیه :
و تتسلسل الإمامه عند الشیعه الإمامیه فی اثنی عشر إماماً ، و هم :
۱ ـ علی بن أبی طالب ت ۴۰ هجری
۲ ـ الحسن بن علی ت ۵۰ هجری
۳ ـ الحسین بن علی ت ۶۱ هجری
۴ ـ علی بن الحسین زین العابدین ت ۹۴ هجری
۵ ـ محمد بن علی الباقر ت ۱۱۴ هجری
۶ ـ جعفر بن محمد الصادق ت ۱۴۸ هجری
۷ ـ موسى بن جعفر الکاظم ت ۱۸۳ هجری
۸ ـ علی بن موسى الرضا ت ۲۰۳ هجری
۹ ـ محمد بن علی الجواد ت ۲۲۰ هجری
۱۰ ـ علی بن محمد الهادی ت ۲۵۴ هجری
۱۱ ـ الحسن بن علی العسکری ت ۲۶۰ هجری
۱۲ ـ محمد بن الحسن المهدی و ۲۵۵ هجری
و استدلوا على إمامتهم بنصوص ذکرت فی کتب الحدیث و کتب الإمامه ، تضمن بعضها النص على الاثنی عشر ، و بعضها النص على کل فرد بخصوصه .
و من هذه النصوص ما هو متواتر لفظاً ، و منها ما هو متواتر معنى .
و المبدأ المستخلص منها : أن معرفه الإمام تتم بنص السابق على اللاحق .
و بالإضافه إلى ما ذکروه من نص النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) على الجمیع بأسمائهم ، و الى ما ذکرته أعلاه من نصه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) على ابن عمه علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) بالخصوص استدلوا بما رواه أهل السنه فی صحاحهم و مسانیدهم عن النبی ( صلى الله علیه و آله و سلم ) من أنه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) نص على أن الأئمه إثنا عشر و کلهم من قریش .
ففی روایه البخاری : اثنا عشر أمیراً کلهم من قریش .
و فی روایه مسلم : اثنا عشر خلیفه کلهم من قریش .
و مثلها روایه الترمذی وابن حجر و الحاکم ۴۳ .
و فی روایه احمد بن حنبل عن مسروق ، قال : کنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ، و هو یقرئنا القرآن ، فقال له رجل : یا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : کم یملک هذه الأمه من خلیفه ؟
فقال عبد اللّه : ما سألنی عنها أحد منذ قدمت العراق قبلک .
ثم قال : نعم ، و لقد سألنا رسول اللّه ( صلى الله علیه و آله و سلم ) ، ( فقال ) : اثنا عشر کعده نقباء بنی إسرائیل » 44 .
یقول استاذنا السید محمد تقی الحکیم : « و الذی یستفاد من هذه الروایات :
۱ ـ إن عدد الأمراء أو الخلفاء لا یتجاوز الاثنی عشر ، و کلهم من قریش .
۲ ـ و إن هؤلاء الأمراء معینون بالنص ، کما هو مقتضى تشبیههم بنقباء بنی إسرائیل لقوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِیثَاقَ بَنِی إِسْرَآئِیلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَیْ عَشَرَ نَقِیبًا … ﴾ ۴۵ .
۳ ـ إن هذه الروایات افترضت لهم البقاء ما بقی الدین الإسلامی ، أو حتى تقوم الساعه ، کما هو مقتضى روایه مسلم السابقه ، و أصرح من ذلک روایته الأخرى فی نفس الباب : « لا یزال هذا الأمر فی قریش ما بقی من الناس اثنان » .
و إذا صحت هذه الاستفاده فهی لا تلتئم إلا مع مبنى الإمامیه فی عدد الأئمه و بقائهم و کونهم من المنصوص علیهم من قبله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) ، و هی منسجمه جداً مع حدیث الثقلین و بقائهما حتى یردا علیه الحوض .
و صحه هذه الاستفاده موقوفه على أن یکون المراد من بقاء الأمر فیهم بقاء الإمامه و الخلافه ـ بالاستحقاق ـ لا السلطه الظاهریه .
لأن الخلیفه الشرعی خلیفه یستمد سلطته من اللّه ، و هی فی حدود السلطه التشریعیه لا التکوینیه ، لان هذا النوع من السلطه هو الذی تقتضیه وظیفته کمشرع ، و لا ینافی ذلک ذهاب السلطنه منهم فی واقعها الخارجی لتسلط الآخرین علیهم .
على أن الروایات تبقى بلا تفسیر لو تخلینا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهه أن السلطه الظاهریه قد تولاها من قریش أضعاف أضعاف هذا العدد ، فضلاً عن انقراض دولهم و عدم النص على أحد منهم ـ أمویین و عباسیین ـ باتفاق المسلمین .
و من الجدیر بالذکر أن هذه الروایات کانت مأثوره فی بعض الصحاح و المسانید قبل أن یکتمل عدد الأئمه ، فلا یحتمل أن تکون من الموضوعات بعد اکتمال العدد المذکور ، على أن جمیع رواتها من أهل السنه و من الموثوقین لدیهم .
و لعل حیره کثیر من العلماء فی توجیه هذه الأحادیث و ملاءمتها للواقع التاریخی ، کان منشؤها عدم تمکنهم من تکذیبها ، و من هنا تضاربت الأقوال فی توجیهها و بیان المراد منها .
و السیوطی « بعد أن أورد ما قاله العلماء فی هذه الأحادیث المشکله خرج برأی غریب نورده هنا تفکهه للقراء ، و هو : ( و على هذا فقد وجد من الإثنی عشر : الخلفاء الأربعه و الحسن و معاویه و ابن الزبیر و عمر بن عبد العزیز و هؤلاء ثمانیه و یحتمل أن یضم إلیهم المهدی من العباسیین ، لأنه فیهم کعمر بن عبد العزیز فی بنی أمیه ، و کذلک الظاهر لما أویته من العدل ، و بقی الاثنان المنتظران احدهما : المهدی لأنه من أهل بیت محمد ) ولم یبین المنتظر الثانی ، و رحم اللّه من قال فی السیوطی : انه حاطب لیل ۴۶ » .
و ما یقال عن السیوطی ، یقال عن ابن روزبهان فی دره على العلامه الحلی ، و هو یحاول توجیه هذه الأحادیث ۴۷ .
و الحقیقه أن هذه الأحادیث لا تقبل توجیهاً إلا على مذهب الإمامیه فی أئمتهم .
و اعتبارها من دلائل النبوه فی صدقها عن الأخبار بالمغیبات ، أولى من محاوله إثاره الشکوک حولها کما صنعه بعض الباحثین المحدثین متخطیاً فی ذلک جمیع الاعتبارات العلمیه ، و بخاصه بعد أن ثبت صدقها بانطباقها على الأئمه الإثنی عشر ( علیه السلام ) » 39 .
أئمه السنه :
أما السنه فتتسلسل الإمامه عند جمهورهم بالخلفاء الراشدین و الحکام الأمویین و الحکام العباسیین و بمن ولی أمر حکمهم تحت عنوان الخلافه و امره المؤمنین .
أئمه الزیدیه :
و ذهب الزیدیه إلى أن الإمامه فی علی و الحسنین من بعده ، ثم فی أهل البیت من بعدهما لقوله ( علیه السلام ) : « الأئمه فی قریش فی هذا البطن من هاشم » ، و لإجماع أهل البیت على ذلک .
و تسلسلت الإمامه عندهم کالتالی :
۱ ـ علی بن أبی طالب ت ۴۰ هجری
۲ ـ الحسن بن علی ت ۵۰ هجری
۳ ـ الحسین بن علی ت ۶۱ هجری
۴ ـ الحسن بن الحسن ت ۸۰ هجری
۵ ـ زید بن علی ت ۱۲۲ هجری
۶ ـ یحیى بن زید ت ۱۲۶ هجری
۷ ـ محمد النفس الزکیه ت ۱۴۵ هجری
۸ ـ ابراهیم بن عبد اللّه ت ۱۴۵ هجری
۹ ـ ابراهیم بن الحسن المثنى ت ۱۴۵ هجری
۱۰ ـ یحیى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت ۱۷۵ هجری
۱۱ ـ ادریس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت ۱۷۵ هجری
۱۲ ـ محمد بن طباطبا ت ۱۹۹ هجری
۱۳ ـ محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن المثنى ت ۲۰۰ هجری
۱۴ ـ ادریس بن ادریس ت ۲۱۴ هجری
و استمرت الإمامه بعد هؤلاء ـ و لا تزال ـ وفق الشروط التالیه :
۱ ـ النسب الحسنی أو الحسینی .
۲ ـ الدعوه .
۳ ـ الثوره .
و لمعرفه بقیه أئمتهم حتى سقوط دوله آل حمید الدین فی الیمن سنه ۱۹۶۲ م یرجع إلى کتاب ( الزیدیه ) للدکتور احمد محمود صبحی الصفحه ۵۸۷ تحت عنوان ( سلسله أئمه الزیدیه ) .
و یقول السید احمد حسین شرف الدین الزیدی المعاصر : « و اجمعت الزیدیه على أن معرفه الإمام علی واجبه على کل مکلف .
أما فی حکم من تقدمه من الخلفاء الثلاثه فزیدیه الیمن لا تنکر علیهم شیئاً فی ذلک لجواز قیام المفضول عند وجود الأفضل للمصلحه و لمبایعه علی لهم .
و منهم من یوقف تخطئتهم على علمهم ، أی أنهم إذا کانوا غیر عالمین باستحقاقه دونهم بعد التحری فلا إثم علیهم و ان اخطأوا ، لأن کل مجتهد مصیب ، و إلا فخطیئتهم کبیره ، و هذا هو قول الإمام القاسم بن محمد فی کتابه ( الأساس ) .
أما الجارودیه و الصالحیه ـ و هما من فرق الزیدیه ، و قد ظهرتا بالعراق ـ فتقولان بأن الأمه ضلت و کفرت فی ترکها بیعته ، ولم یخطئوا أبا بکر و عمر لسکوت الإمام علی » 48 .
أئمه الاسماعیلیه :
و أما أئمه الاسماعیلیه فیتسلسلون کالتالی :
أ ـ الأئمه الظاهرون :
۱ ـ علی بن أبی طالب
۲ ـ الحسن بن علی
۳ ـ الحسین بن علی
۴ ـ علی بن الحسین زین العابدین
۵ ـ محمد بن علی الباقر
۶ ـ جعفر بن محمد الصادق
۷ ـ إسماعیل بن جعفر الصادق ت ۱۴۵ هجری
ب ـ الأئمه المستورون :
۱ ـ محمد بن إسماعیل ت ۱۸۳ هجری
۲ ـ عبد اللّه الرضا بن محمد بن إسماعیل
۳ ـ احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعیل
۴ ـ الحسین بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعیل
۵ ـ علی بن الحسین بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعیل
۶ ـ عبید اللّه المهدی الفاطمی ت ۳۲۲ هجری
الأئمه عند الأباضیه :
و ذهبت الأباضیه إلى وجوب الإمامه فی المجتمع الإسلامی ـ کما ألمحت ـ ، و استدلوا على ذلک :
بأن إقامه الحدود واجبه فی الشریعه الإسلامیه ، و هی لا تقام إلا بالأئمه و ولاتهم .
و ذهبوا إلى عدم قصر الإمامه على قریش ، لأن الناس سواسیه أمام اللّه ، و قد خلقهم من نفس واحده ، فلا تمییز بین أبناء المسلمین لهذا المنصب ، و ذلک لقوله ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : ( إن أمّر علیکم عبد حبشی مجدوع الأنف فاسمعوا و أطیعوا ما أقام فیکم کتاب اللّه ) .
و الطریق لتنصیب الإمام عندهم هو الاختیار و البیعه .
و تبدأ الإمامه بعد الرسول عندهم بابی بکر الصدیق ( رض ) لاستخلاف الرسول له فی الصلاه و لإجماع الصحابه على خلافته .
و صححوا من بعدْ خلافه عمر بن الخطاب ( رض ) لإجماع الصحابه أیضاً ۴۹ .
و توقفوا کالخوارج فی خلافه الصهرین عثمان و علی و من بعدهما من الأمویین و العباسیین .
و کانت لهم إمامتهم الخاصه فی ( عمان ) منذ القرن الثالث الهجری ، و لا تزال قائمه حتى الآن .
و الاباضیون یؤکدون فی الکثیر من کتبهم على أنهم لیسوا من الخوارج و ان التقوا معهم فی بعض العقائد .
و یؤکدون أیضاً على أنهم یحترمون الصهرین و یقولون بعدالتهما ، لأن التخطئه ـ کما یقولون ـ لا تستلزم التفسیق أو التکفیر .
العصمه
اشترط الإمامیه و الإسماعیلیه عصمه الإمام .
قال العلامه الحلی : « یجب أن یکون ( الإمام ) معصوماً ، والا لزم التسلسل .
و التالی باطل .
فالمقدم مثله .
بیان الشرطیه :
إن العله المقتضیه لوجوب نصب الإمام جواز الخطأ على المکلف .
فلو جاز علیه الخطأ لوجب افتقاره إلى إمام آخر لیکون لطفاً له و للأمه أیضاً ، و یتسلسل » 50 .
و فی هدی آیه ﴿ … إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِی قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ ﴾ ۱۵ یکون نص تعیین الإمام هو نفسه دلیل أنه معصوم ، لأن الإمامه ـ کما هو صریح الآیه ـ عهد اللّه الذی لا یعهد به لظالم .
و الى هذا یشیر الإمام زین العابدین ( علیه السلام ) بقوله : ( الإمام منا لا یکون إلا معصوماً ، و لیست العصمه فی ظاهر الخلقه فتعرف ، و لذلک لا یکون إلا منصوصاً ) .
و استدلوا أیضاً بآیه التطهیر : ﴿ … إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا ﴾ ۵۱ .
بتقریب أن المراد من الرجس الذنوب ، ذلک أن الرجس : « القذر حساً أو معنى ، و یطلق على ما یستقبح فی الشرع و الفطر السلیمه » 52 .
و المراد بـ ( أهل البیت ) : علی و فاطمه و الحسن و الحسین ، لحدیث الکساء المروی عن أم سلمه ( رض ) : « قالت : نزلت هذه الآیه فی بیتی ﴿ … إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا ﴾ ۵۱ و فی البیت سبعه : جبریل و میکائیل و علی و فاطمه و الحسن و الحسین ( رض ) و أنا على باب البیت .
قلت : ألست من أهل البیت ؟
قال ( صلى الله علیه و آله و سلم ) : إنک إلى خیر ، إنک من أزواج النبی » 53 ، و لحدیث المباهله المروی فی صحیح مسلم : ۷ / ۱۲۱ : « لما نزلت هذه الآیه ﴿ … فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءکُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءکُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَکُمْ … ﴾ ۵۴ دعا رسول اللّه علیاً و فاطمه و حسناً و حسیناً ، فقال : « اللهم هؤلاء أهلی » 55 .
و بوحده الملاک تعم الآیه بمؤداها سائر الأئمه التسعه .
و جاء فی کتاب ( نظریه الإمامه ) للدکتور احمد محمود صبحی صفحه ۱۶ ، نقلاً عن کتاب ( الوشیعه ) لموسى جار اللّه ما نصه : « نحن فقهاء أهل السنه و الجماعه نعتبر سیره الشیخین الصدیق و الفاروق أصلاً تعادل سنه النبی الشارع فی إثبات الأحکام الشرعیه فی حیاه الأمه و إداره الدوله .
و ان الخلافه الراشده معصومه عصمه الرساله » .
و ذهب محدثوهم إلى القول بعصمه الصحابه و أن کبائرهم صغائر ۵۶ .
و المعروف عند أهل السنه و کذلک الزیدیه و الأباضیه اشتراط عداله الإمام .
و اختلفوا فی أمر الخروج علیه إذا ظهر منه ما یثبت انتفاء العداله ، فقال الزیدیه و الأباضیه بالخروج علیه .
و قال الحنابله من أهل السنه بحرمه الخروج علیه ، قال ابو الحسن الاشعری ( الحنبلی المذهب ) : « و نرى الدعاء لأئمه المسلمین بالصلاح و الإقرار بإمامتهم و تضلیل من رأى الخروج علیهم إذا ظهر منهم ترک الاستقامه ، و ندین بترک الخروج علیهم بالسیف » 57 58 .
_____________________________________________________

۱٫ القران الکریم : سوره الأنبیاء ( ۲۱ ) ، الآیه : ۷۳ ، الصفحه : ۳۲۸ .
۲٫ القران الکریم : سوره التوبه ( ۹ ) ، الآیه : ۱۲ ، الصفحه : ۱۸۸ .
۳٫ قواعد العقائد : ۴۵۷ .
۴٫ الباب الحادی عشر : ۴۶ .
۵٫ a. b. المواقف : ۳۹۵ .
۶٫ الاسلام و الخلافه : ۱۹ نقلاً عن : الاحکام السلطانیه ۳ .
۷٫ عقائد الإمامیه : ۹۳ .
۸٫ غایه المرام : ۳۶۳ .
۹٫ المواقف : ۳۹۵ ـ ۳۹۶ .
۱۰٫ النافع یوم الحشر : ۶۷ ـ ۶۸ .
۱۱٫ الزیدیه : ۳۰ و نص ابن القیم منقول عن الطرق الحکمیه فی السیاسه الشرعیه : ۷ .
۱۲٫ المصدر : ۳۰ .
۱۳٫ القران الکریم : سوره الشورى ( ۴۲ ) ، الآیه : ۳۸ ، الصفحه : ۴۸۷ .
۱۴٫ القران الکریم : سوره البقره ( ۲ ) ، الآیه : ۱۲۴ ، الصفحه : ۱۹ .
۱۵٫ a. b. c. d. e. f. القران الکریم : سوره البقره ( ۲ ) ، الآیه : ۱۲۴ ، الصفحه : ۱۹ .
۱۶٫ القران الکریم : سوره النساء ( ۴ ) ، الآیه : ۶۴ ، الصفحه : ۸۸ .
۱۷٫ المیزان فی تفسیر القرآن : ۱ / ۲۷۰ ـ ۲۷۱ .
۱۸٫ مجمع البحرین : ۱ / ۴۰۶ .
۱۹٫ القران الکریم : سوره لقمان ( ۳۱ ) ، الآیه : ۱۳ ، الصفحه : ۴۱۲ .
۲۰٫ نشأه الفکر الفلسفی فی الاسلام ۲ / ۲۶ .
۲۱٫ أزور : أحسّن ، انمقّ .
۲۲٫ مه : اکفف .
۲۳٫ فلته : دون تدبر و تمهل .
۲۴٫ تغره : یقال : غرر بنفسه تغریراً و تغره إذا عرّضها للهلاک .
۲۵٫ انثال الناس : تدافعوا الیه و تکاثروا حوله .
۲۶٫ الملل و النحل : ۱ / ۲۴ و انظر أیضاً : مقالات الإسلامیین للأشعری : ۲ .
۲۷٫ انظر : المراجعات : ۱۹۴ ـ ۱۹۵ .
۲۸٫ الأدب السیاسی : ۷۵ نقلاً عن وقعه صفین : ۲۹ .
۲۹٫ المیزان فی تفسیر القرآن : ۴ / ۵۹ و لزیاده المعرفه فی مستوى السند و دلاله المتن یرجع إلى الجزء الأول من کتاب ( الغدیر ) للشیخ الأمینی .
۳۰٫ مسند احمد بن حنبل : ۴ / ۲۸۱ .
۳۱٫ المراجعات : ۱۹۰ .
۳۲٫ إعلام الورى : ۱۶۹ ـ ۱۷۰ .
۳۳٫ القران الکریم : سوره المائده ( ۵ ) ، الآیه : ۶۷ ، الصفحه : ۱۱۹ .
۳۴٫ a. b. c. d. القران الکریم : سوره المائده ( ۵ ) ، الآیه : ۶۷ ، الصفحه : ۱۱۹ .
۳۵٫ اسباب النزول : ۱۵۰ .
۳۶٫ القران الکریم : سوره المائده ( ۵ ) ، الآیه : ۳ ، الصفحه : ۱۰۷ .
۳۷٫ المیزان فی تفسیر القرآن : ۴ / ۵۳ .
۳۸٫ نشأه الفکر الفلسفی فی الإسلام : ۲ / ۲۷ ـ ۲۸ نقلاً عن منهاج السنه لابن تیمیه : ۴ / ۸۱ و حیاه القلوب للمجلسی : ۳۳۹ .
۳۹٫ a. b. c. م . ن .
۴۰٫ الاصول العامه للفقه المقارن : ۱۷۷ نقلاً عن شرح نهج البلاغه لابن أبی الحدید : ۱ / ۲۱۲ .
۴۱٫ المراجعات : ۲۷۲ .
۴۲٫ المراجعات : ۲۷۵ ـ ۲۷۶ .
۴۳٫ سیره الأئمه الاثنی عشر : ۱ / ۳۶ ـ ۳۷ .
۴۴٫ الاصول العامه : ۱۷۸ .
۴۵٫ القران الکریم : سوره المائده ( ۵ ) ، الآیه : ۱۲ ، الصفحه : ۱۰۹ .
۴۶٫ الاصول العامه : ۱۸۰ نقلاً عن أضواء على السنه المحمدیه ۲۱۲ .
۴۷٫ م . ن عن دلائل الصدق : ۲ / ۳۱۵ .
۴۸٫ تاریخ الفکر الإسلامی فی الیمن : ۱۶۲ .
۴۹٫ دراسات إسلامیه فی الأصول الأباضیه : ۱۱۸ ـ ۱۱۹ .
۵۰٫ نهج المسترشدین : ۵۸ .
۵۱٫ a. b. القران الکریم : سوره الأحزاب ( ۳۳ ) ، الآیه : ۳۳ ، الصفحه : ۴۲۲ .
۵۲٫ معجم ألفاظ القرآن الکریم ، ماده : رجس .
۵۳٫ الاصول العامه : ۱۵۵ نقلاً عن الدر المنثور : ۵ / ۱۹۸ .
۵۴٫ القران الکریم : سوره آل عمران ( ۳ ) ، الآیه : ۶۱ ، الصفحه : ۵۷ .
۵۵٫ الاصول العامه : ۱۷۵ .
۵۶٫ انظر : مقاله ( التعریف بالعواصم و القواصم ) لبسام عبد الوهاب الجابی ، مجله البصائر ، العدد الخامس الصفحه ۱۲۳ .
۵۷٫ الابانه : ۱۱ .
۵۸٫ کتاب خلاصه علم الکلام للدکتور عبد الهادی الفضلی تحت عنوان " الامامه " .

Leave A Reply

Your email address will not be published.