الکلام عن الخمس و موارده و کیفیته في زمان الغیبة
الکلام عن الخمس و موارده و کیفیته في زمان الغیبة
هذه المسأله من المسائل الهامّه التی لم یرد فیها نصٌّ فأوجد حیره بین الفقهاء بعد الغیبه إلى عصر شیخ الفقهاء صاحب الجواهر، ویقع الکلام فی مقامین:
الأوّل: فی مصرف الخمس.
الثانی: فی من یتصدّى لصرفه فی مصرفه.
المقام الأوّل: فی مصرف الخمس
فقد نقل الشیخ فی النهایه أقوالاً فی التصرّف بالخمس فی عصر الغیبه وکلّها تشعر بعدم النص والإجماع فی المسأله، وقد أنهاها صاحب الحدائق( [۲۲۵]) فبلغت أربعه عشر قولاً، وأضاف إلیها صاحب الجواهر قولین ثانیهما هو المتعیّن کما سیوافیک.
قال الشیخ: وما یستحقّونه من الأخماس فی الکنوز وغیرها فی حال الغیبه، فقد اختلف قول أصحابنا فیه ولیس فیه نصّ معیّن إلاّ أنّ کلّ واحد منهم قال قولاً یقتضیه الاحتیاط.
فقال بعضهم: إنّه جار فی حال الاستتار مجرى ما أُبیح لنا من المناکح والمتاجر.
وقال قوم: إنّه یجب حفظه مادام الإنسان حیّاً فإذا حضرته الوفاه، وصّى به إلى من یثق به من إخوانه المؤمنین لیسلّمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر أو یوصی به إلیه إلى أن یصل إلى صاحب الأمر.
وقال قوم: یجب أن یُقسم الخمس سته أقسام: فثلاثه أقسام للإمام یدفن أو یودع عند من یوثق بأمانته، والثلاثه الأُخرى یفرّق على مستحقیه من أیتام آل محمد ومساکینهم وأبناء سبیلهم، إلى أن قال:
ولو أنّ إنساناً استعمل الاحتیاط، وعمل على أحد الأقوال المقدّم ذکرها من الدفن أو الوصایه لم یکن مأثوماً، وأمّا التصرّف فیه على ما تضمنه القول الأوّل فهو ضدّ الاحتیاط، والأولى اجتنابه حسب ما قدّمناه.( [۲۲۶])
وإذا کان القول بتحلیل الخمس مطلقاً، کالمناکح و المساکن والمتاجر ضد الاحتیاط فالقول بالدفن خصوصاً فی هذه الأیّام إضاعه للمال، کما أنّ الوصایه تعریض له للتلف والضیاع. وبما ذکرنا یظهر أنّ أکثر ما ذکره صاحب الحدائق من الأقوال من الأُمور التی یقطع الفقیه بعدم رضا صاحب الخمس بصرفه فیه، ومن حاول الوقوف على هذه الآراء على وجه التفصیل فلیرجع إلیه والذی یمکن أن یطرح من الأقوال الهائله عباره عن الأقوال التالیه:
۱٫ سقوط حقّه (علیه السلام) دون حقوق الأصناف الثلاثه
وهو خیره المحدّثین: الکاشانی والبحرانی مع تفاوت یسیر بینهما، فالأوّل منهما قائل بتحلیل حصّه الإمام مطلقاً فی الحضور والغیبه، بخلاف الثانی فإنّه یخص الحلّیه بعصر الغیبه فقط.
قال: أمّا حال الغیبه فالظاهر عندی هو صرف حصّه الأصناف علیهم، کما علیه جمهور أصحابنا فی ما مضى من نقل أقوالهم عملاً بما دلّ على ذلک من الآیه والأخبار المتقدمه فی القسم الأوّل المؤکّده بالأخبار المذکوره فی القسم الثانی فیجب إیصالها إلیهم لعدم المانع من ذلک، وأمّا حقّه (علیه السلام) فالظاهر تحلیله للشیعه للتوقیع عن صاحب الزمان (علیه السلام) المتقدّم فی أخبار القسم الثالث ، والاحتیاط صرفه على الساده المستحقین.( [۲۲۷])
یلاحظ علیه: أنّه فرع القول بالتحلیل مطلقاً أو فی حصّته (علیه السلام) ، وسیوافیک الکلام فی التحلیل، وأنّه یختص بالأُمور الثلاثه: المناکح والمساکن والمتاجر التی یستولى علیها من طریق الحرب.
۲٫ صرف حقّه فی تتمیم مؤونه الأصناف الثلاثه
وهو الذی جعله المحدّث البحرانی، الأحوط.
وحاصل هذا القول هو أنّه یصرف سهم الأصناف فی حقّهم ویصرف سهم الإمام فی تتمیم مؤونتهم، واستدل علیه بمرسلتی حمّاد بن عیسى وأحمد بن محمد.( [۲۲۸]) وإلى هذا القول أشار صاحب الجواهر بقوله: والأحوط له الاقتصار على الساده مادام لم یکفهم النصف الآخر.
یلاحظ علیه: أنّ اللائح من المرسلتین أنّ الإمام یقوم بذلک عند بسط الید، حیث تبیّن أنّ الأوّل وظیفه الوالی ویقول: «فإن فضل عنهم شیء فهو للوالی، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم کان على الوالی أن ینفق عمن عنده بقدر ما یستغنون به» وأقصى ما یمکن أن یقال أنّه ثابت للوالی بالحقّ. وأمّا أنّه کذلک فی کلّ زمان، حتى فی الزمان الفاقد للوالی المبسوطه یده، فلا، إذ ربّما یکون صرفه فی مواضع أُخرى أرجح من التتمیم.
أضف إلى ذلک إذا کانت الزکاه کافیه لرفع حوائج غیر بنی هاشم من الأصناف الثمانیه، فکیف لا یکون سهم الأصناف الثلاثه کافیاً لرفع حاجاتهم الدنیویه مع أنّ عدد بنی هاشم بالنسبه إلى الأصناف الثمانیه قلیل جدّاً، خصوصاً أنّه یجوز للساده دفع زکاتهم إلى الساده من بنی هاشم، فیکون المقرّر لمؤونتهم وافیاً بحوائجهم فقلّما یتّفـق ـ إذا کان هناک نظم ـ الاحتیاج إلى صرف سهمه فی تتمیم مؤونتهم، فیبقى الکلام فی مصرفه عندئذ .
۳٫ صرف حصّته فی موالیه
وحاصله: لزوم صرف حصّه الأصناف فیهم، وصرف سهم الإمام فی رفع حوائج موالیهم.( [۲۲۹]) فیمکن الاستدلال علیه بمرسله الصدوق، قال الصادق (علیه السلام) : «من لم یقدر على صلتنا فیلصل صالحی موالینا یکتب له ثواب صلتنا».( [230])
وفی روایه محمد بن یزید، عن أبی الحسن الأوّل (علیه السلام) قال: «من لم یستطع أن یصلنا فلیصل فقراء شیعتنا».( [231]) ولعلّهما ظاهرتان فی الصلات المندوبه.
۴٫ یتصدّق به عن جانب الإمام
وحاصل هذا القول: إنّه یعامل معها، معامله المجهول مالکه باعتبار تعذّر الوصول إلیه روحی له الفداء، إذ معرفه المالک باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدی، بل لعلّ حکمه حکم مجهول المالک باعتبار تعذّر الوصول إلیه للجهل به فیتصدّق به حینئذ، ویکون ذلک وصولاً إلیه على حسب غیره من الأموال التی یمتنع إیصالها إلى أصحابها.( [۲۳۲])
یلاحظ علیه: أنّه یصحّ إذا کان المال، ملکاً لشخصه، فالتصدّق یکون من إحدى الطرق إلى وصول المال إلیه، ولکنّه مالک له بما أنّه إمام وحاکم ومدیر للمجتمع وحیثیّه الإمامه قید تقییدی، وعلى هذا لا یکون التصدّق طریقاً موصلاً للمال إلى صاحبه
وقد روى أبو علی بن راشد قال: قلت لأبی الحسن الثالث (علیه السلام) : إنّا نؤتى بالشیء فیقال هذا کان لأبی جعفر (علیه السلام) عندنا فکیف نصنع؟ فقال: «ما کان لأبی (علیه السلام) بسبب الإمامه فهو لی، وما کان غیر ذلک فهو میراث على کتاب الله وسنّه نبیّه».( [233])
۵٫ تصرف فیما فیه رضاه
هذا القول ممّا أبدعه صاحب الجواهر هو صرفه فیما نعلم أنّه راض بصرفه فیه، قال (قدس سره) : حسن الظن برأفه مولانا صاحب الزمان ـ روحی له الفداء ـ یقتضی بعدم مؤاخذتنا فی صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثه الذین هم عیاله فی الحقیقه، بل ولا فی صرفه فی غیر ذلک من مصارف غیرهم ممّا یرجح على بعضها.( [۲۳۴])
وحاصله: أنّه لو کان صاحب الأمر ظاهراً بین الناس، مبسوط الید، وکانت الأسهم السته مجتمعه عنده، فلا شکّ أنّه یقوم برفع حاجات الأصناف الثلاثه لکونهم محرومین من الزکاه التی عدّت فی الروایات من أوساخ أیدی الناس، وقد عرفت أنّ الخمس أزید بمراتب ممّا یصرف فی حقّهم، کما یقوم بصرفه فی ترویج الشریعه، فی کلّ عصر بما یلائمه ویناسبه، فتأسیس الحوزات العلمیه ذکوراً ونساء، وتربیه الطلاب وبعثهم إلى الأکناف لتعلیم الناس وإرشادهم ونشر الکتب المفیده على أصعده مختلفه، ککبح جماح الکفر والإلحاد، ونشر مفاهیم الإسلام وتعالیمه وکلّ أمر یعدّترویجاً للشریعه وإقامه للدین، وسبباً لإقبال الناس إلى الحقّ وابتعادهم عن الباطل ـ کلّ ذلک ـ من الأُمور التی نعلم جزماً بکونها مطلوبه عنده، ونعلم أنّه (علیه السلام) راض لصرف حصّته کذلک.
وهذا النوع من الأمر لا یمکن أن یحد بحدّ خاص حیث تختلف صور قیامه به حسب اختلاف الأزمان وعبْر الأجیال فبناء المساجد والحسینیات، وتعمیر المدارس وتأسیسها لغایه نشر الدین من الأُمور التی لا شکّ فی رضاه فی صرفه فیها خصوصاً إذا توقف بناؤها على صرف سهم الإمام.
هذا کلّه فی مصرفه وقد علمت ما هو الحقّ بعد ثبوت عدم تحلیله کما سیوافیک.
المقام الثانی: فی المتصدی للصرف
الکلام فی هذا المقام بعد تعیین المصرف، فی بیان من یتصدى لصرف سهم الإمام أو الساده فی محلّه، فقد ذهب جماعه منهم السید الطباطبائی فی المتن إلى أنّ أمره فی زمان الغیبه راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط فلابدّ من الإیصال إلیه أو الدفع إلى المستحقّین بإذنه.
وفی مقابل ذلک من یقول بأنّه إذا أحرز رضاه (علیه السلام) لصرفه فی جهه معیّنه جاز للمالک تولّی ذلک بلا حاجه إلى مراجعه الحاکم الشرعی.
قال المحقّق بعد ما جعل الأقرب صرف حصّته فی الأصناف الموجودین:یجب أن یتولّى صرف حصّه الإمام فی الأصناف الموجودین، مَنْ إلیه الحکم بحقّ النیابه کما یتولى أداء ما یجب على الغائب.( [۲۳۵])
وقال العلاّمه المجلسی: وأکثر العلماء قد صرّحوا بأنّ صاحب الخمس لو تولّى دفع حصّه الإمام (علیه السلام) لم تبرأ ذمّته بل یجب علیه دفعها إلى الحاکم، وظنّی أنّ هذا الحکم جار فی جمیع الخمس.( [۲۳۶])
وفی مقابله ما ذهب إلیه المفید من جواز صرفه لمن فی یده: قال: إذا فقد إمام الحقّ ووصل إلى الإنسان ما یجب فیه الخمس، فیخرجه إلى یتامى آل محمد ومساکینهم وأبناء سبیلهم لیوفر قسط ولد أبی طالب (علیه السلام) لعدول الجمهور عن صلتهم. ولمجیء الروایه عن أئمّه الهدى بتوفیر ما یستحقّونه من الخمس فی هذا الوقت على فقراء أهلهم وأیتامهم وأبناء سبیلهم.
ومال إلیه صاحب الحدائق: انّا لم نقف له على دلیل، وغایه ما یستفاد من الأخبار نیابته بالنسبه إلى الترافع إلیه والأخذ بحکمه وفتاواه، وأمّا دفع الأموال إلیه فلم أقف له على دلیل لا عموماً ولا خصوصاً، وقیاسه على النوّاب الذین ینوبونهم (علیهم السلام) حال وجودهم لذلک أو لما هو أعمّ منه لا دلیل علیه. (۲)
وقد بنى بعضهم المسأله على إحراز الرضا حیث قال: یتبع هذا ما علیه المالک من الوجدان ولا یصل الأمر إلى البرهان، فإن کان قد وجد من نفسه ـ فیما بینه و بین ربّه ـ أنّه قد أحرز رضا الإمام (علیه السلام) بالتصرف الکذائی بحیث کان قاطعاً أو مطمئناً به فلا إشکال ولا حاجه معه إلى المراجعه، وأمّا إذا لم یجد من نفسه هذا الإحراز، بل انقدح فی ذهنه احتمال أن یکون هذا الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام فی عصر الغیبه کما کان منوطاً بإذنه فی عصر الحضور ولم یتمکّن من دفع هذا الاحتمال، کان اللازم مراجعه الحاکم.
یلاحظ علیه: لیس الکلام فی وظیفه العامی، حتى یکون المیزان إحراز رضاه، بل الکلام فی مقتضى الأدلّه لدى المجتهد، فإذا أفتى بواحد من الوجهین فلا تصل النوبه إلى وجدانه.
أقول: مقتضى الأدلّه هو مراجعه الحاکم الشرعی للدلیل الآتی.
إنّ الخمس لیس ملکاً شخصیاً للإمام بل ملک له بما أنّه قائم بأمر الإمامه والزعامه، کما هو صریح صحیح أبی علی بن راشد قال : قلت لأبی الحسن الثالث: إنّا نؤتى بالشیء فیقال هذا کان لأبی جعفر (علیه السلام) عندنا فکیف نصنع؟ فقال: «ما کان لأبی (علیه السلام) بسبب الإمامه فهو لی، و ما کان غیر ذلک فهو میراث على کتاب الله وسنّه نبیّه».( [237])
فإذا کان الخمس راجعاً لمقام الإمامه ولیس منصبها أمراً قابلاً للتعطیل، فالشاغل لمنصبه فی عصر الغیبه، إنّما هو الفقیه العارف بالکتاب والسنّه، فکیف یکون نائباً عنه فی شؤون الإمامه ولا یکون نائباً عنه فی المال الخاص به؟
ویؤید ما ذکرنا أنّ الأموال فی عصر الحضور کانت تجلب إلیهم ، بما أنّهم کانوا هم القائمین لوظائف الإمامه فی عصرهم، فمقتضى النیابه کونه کذلک فی غیبتهم، واحتمال اختصاص ذلک بعصر الحضور ینافی القول باستمرار وظائف الإمامه وإن انقطعت الإمامه.
أضف إلى ذلک أنّ تولّی أرباب الأموال لتقسیم الخمس یستلزم الهرج، من دون أن یصرف المال فی مواقعها ومصالح الإمامه.
نعم ما ذکر من الوجه لا یأتی فی سهم الساده، إذ لیس لسهامهم صله بمقام الإمامه. فیجوز لربّ المال تخمیس ماله ودفع الشطر التالی إلى أصحابه.
وأمّا إذا قلنا بأنّ جمیع السهام راجع إلى مقام الإمامه والولایه العامه لإداره الشؤون الدینیّه وأنّ إداره معیشه الأصناف الثلاثه من وظائف مقام الإمامه، فکان وجوب الاستئذان قویّاً فی جمیع الأسهم، وهذا ما احتمله صاحب الجواهر فی نهایه المسأله الرابعه للمحقّق وقال: لولا وحشه الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمکن دعوى ظهور الأخبار فی أنّ الخمس جمیعه للإمام (علیه السلام) وإن کان یجب علیه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثه الذین هم عیاله، ولذا لو زاد کان له (علیه السلام) ولو نقص کان الإتمام علیه من نصیبه، وحلّلوا منه من أرادوا.( [۲۳۸])
وبذلک یظهر قوه إفاده السید الطباطبائی فی آخر المسأله حیث قال: وأمّا النصیب الآخر للأصناف الثلاثه فیجوز للمالک دفعه إلیهم بنفسه لکن الأحوط منه أیضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات الّتی ینبغی ملاحظتها، والأولى أن یقول: إنّ الجمیع ملک لمقام الإمامه وإداره الأصناف من شؤونهم.
فی نقل الخمس من بلاد إلى غیره
المراد من النقل نقل نفس الخمس ، إمّا لولایته على الإفراز کما هو الحقّ ـ لأنّ الخطاب بالأداء ، یلازم جواز الإفراز للمؤدّی ـ أو لتحقق الإفراز بالحاکم الشرعی دون التقسیم، وعلى کلّ تقدیر فقد أفتى بوجوب النقل فی صورتی عدم التمکّن من الحفظ أو عدم توقع المستحق، مع عدم الضمان علیه، أمّا الوجوب، فلوجوب إیصال مال الغیر إلیه، وأمّا عدم الضمان فلأنّ الوجوب ینافی الضمان، إلاّ إذا کان مقصّراً، کما فی مورد الغاصب. ویمکن الاستدلال بما رواه الصدوق بسند صحیح عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إذا أخرج الرجل الزکاه من ماله ثمّ سمّاها لقوم، فضاعت، أو أرسل بها إلیهم فضاعت فلا شیء علیه».( [239]) وفی روایه محمّد بن مسلم قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : رجل بعث بزکاه مال لتقسّم فضاعت، هل علیه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعاً فلم یدفعها إلیه فهو لها ضامن حتى یدفعها، وإن لم یجد لها من یدفعها إلیه ، فبعث بها إلى أهلها فلیس علیه ضمان، لأنّها قد خرجت من یده». (2) وتحمل الأُولى على ما إذا لم یکن المستحق موجوداً.
إنّما الکلام فی غیر هاتین الصورتین کما إذا کان المستحق موجوداً أو متوقعاً فیقع الکلام فی أُمور:
۱٫ جوازه تکلیفاً.
۲٫ إجزاؤه إذا نقله وصرفه فی غیر مکانه.
۳٫ ضمانه لو تلف.
أمّا جواز النقل فی المقام والزکاه، فقد قال السید الطباطبائی فی کتاب الزکاه: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحق فی البلد، وإن کان الأحوط عدمه کما أفتى به جماعه، ولکن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أیضاً.( [۲۴۰])
قال المحقّق: لا یحلّ حمل الخمس إلى غیر بلده مع وجود المستحق، ولو حمل والحال هذه ضمن، ویجوز مع عدمه.( [۲۴۱])
وقال الشهید الثانی فی شرح العباره: الأصح جواز الحمل مطلقاً لما مرّ فی الزکاه خصوصاً مع طلب المساواه بین المستحقین. (۳) واختار المحدّث البحرانی عدم الجواز فی الزکاه والخمس معاً.
ویمکن استظهار عدم الجواز، من کونه منافیاً للفوریه، ومستلزماً لمنع المستحق عن حقّه فی بلد الخمس، وموجب لتعریض المال على التلف، والجمیع منظور فیه إذ لم یدلّ دلیل على الفوریه، بل لا یجوز التساهل والتسامح وربّما یکون إیصاله إلى المستحقّ فی المکان المنقول إلیه أقرب، ولیس المستحق خصوص الموجودین فی البلد بل العناوین الثلاثه، ونسبه القریب والبعید إلیه سواء، وضمان الناقل یصونه عن کونه معرضاً للتلف.
فی إذن الفقیه بنقل الخمس
قد عرفت أنّ الضمان، ینافی الوجوب إلاّ إذا کان مقصِّراً، وعلى ضوء ذلک فلو طلبه الحاکم وحکم بالنقل إلى مکان آخر فلا ضمان علیه، ومثله ما لو وکّله فی قبضه عنه بالولایه العامه ثمّ أذن فی نقله، لأنّ قبضه عندئذ کقبض الولی، أو المستحق، ویعد إیصالاً إلى محلّه.
إنّما الکلام إذا أذن بلا إلزام، فهل الإذن یخرج یده عن کونها ید ضمان مثل ما إذا نقل مال الغیر بإذنه، فضاع فی الطریق أو لا؟ بل أقصاه أنّه یکون مأذوناً فی النقل ولا یحرم النقل، وولایه الحاکم على الخمس لیس کولایه الإنسان على ماله الشخصی حتى یستدل بعدم الضمان فیه بالإذن، على عدمه هناک، إذ لیس للحاکم التقلّب فیه کیف ما شاء بخلاف المال الشخصی، فللمالک التصرّف فیه کیف ما شاء، والأقوى الأوّل، وإن کان الثانی أحوط.
فی مؤونه النقل
مؤونه النقل على الناقل فی صوره الجواز، ومن الخمس فی صوره الوجوب.
أمّا الأوّل، لإمکان الدفع فی البلد وعدم الملزم إلى النقل، فإقدامه بالنقل من دون ملزم، التزام بتحمّل مؤونته. وبعباره أُخرى: إذا أمکن إیصال المال بتمامه إلى صاحبه، فلا مسوّغ لإیصاله بطریق موجب لنقص المال إلاّ أن یقوم بترمیمه.
وأمّا الثانی، فلأنّ إلزام صاحب المال بدفع أُجره النقل، یحتاج إلى الدلیل، بعد کون المال للغیر والنقل لصالحه.
فإن قلت: إذا کان الإیصال واجباً فیکون ما یتوقّف علیه واجباً.
قلت: الواجب هو الأداء ورفع المانع عن تحقّقه، وأمّا الإیصال فلا، فعلى الولی الحاکم أو المستحق قطع الطریق وأخذ الحقّ.
وبالجمله: إیراد النقص على الخمس فی الصوره الأُولى، أو تکلیف صاحب المال بشیء وراء ما وجب علیه، یحتاج إلى الدلیل.
لو کان له مال آخر فی بلد آخر
لیس من النقل لو کان له مال فی بلد آخر فدفعه فیه للمستحقّ عوضاً عن الّذی علیه فی بلده، و کذا لو کان له دین فی ذمّه شخص فی بلد آخر فاحتسبه خمساً و کذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه.
إذا قلنا بحرمه النقل فجوازه فی المقام إمّا لعدم تحقّقه کما فی الصورتین الأُولیین أصلاً، أو تحققه لکن لغیر الخمس، غایه الأمر یؤدى الخمس منه.
هذا إذا قلنا بتعلّق الحرمه بعنوان النقل وأمّا إذا قلنا بحرمته لأجل أنّه إضاعه لحقّ المستحقین فی بلد الخمس، أو لأنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) کان یقسم صدقه أهل البوادی فی أهل البوادی وصدقه أهل الحضر فی أهل الحضر، فملاک الحرمه موجود فی الصور الثلاث، والذی یسهل الأمر عدم الدلیل على حرمه النقل.
فی براءه ذمّه الدافع
قد سبق هنا أنّ للمالک ولایه العزل لأنّه المخاطب بالأداء ویلازم عرفاً الولایه له، فإذا عزله وقبض المستحق أو ولیه الحاکم، فقد برأت ذمّته إنّما الکلام فی العزل، فقال صاحب العروه فیه: «وفی تشخیصه بالعزل إشکال».
لا شکّ فی أنّ ذمه المالک تبرأ بقبض المستحق أو الحاکم، إنّما الکلام فی تعیّنه للخمس بمجرد عزله بحیث لو تلف بدون تعدّ وتفریط، لا یکون ضامناً ویصیر بمنزله التلف فی ید المستحق.
مقتضى القاعده، هو عدم التعیّن، کالدین فلا تبرأ الذمه إلاّ بقبض الدائن أو وکیله، ومثله المقام فلا تبرأ الذمه بمجرد العزل وأمّا عزل الموالی، الخمس وبعثه إلى الإمام، فلا یدل على تعیّنه له قبل القبض، لأنّ المفروض أنّ بعث الخمس إلیهم (علیهم السلام) کان مقروناً بالقبض والقبول، فلا یدل التعیّن هناک على التعیّن فی المقام وأمّا جواز نقل الخمس، فلا یدلّ على التعیّـن ولذا قلنا بضمانه إذا نقله مع وجود المستحق.
وأمّا بالنظر إلى الروایات الوارده فی باب الزکاه، وکون الخمس بدلاً منها، فالحقّ جواز العزل وتعیّن المعزول له.
روى یونس بن یعقوب قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : زکاتی تحلّ علیّ فی شهر أیصلح لی أن أحبس منها شیئاً مخافه أن یجیئنی من یسألنی (یکون عندی عدّه)؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالک لا تخلطها بشیء ثمّ أعطها کیف شئت». قال: قلت: فإن أنا کتبتُها وأثبتُّها یستقیم لی؟ قال: «نعم لا یضرّک».( [242])
روى علی بن أبی حمزه، عن أبیه، عن أبی جعفر (علیه السلام) ، قال: سألته عن الزکاه تجب علیّ فی مواضع لا تمکننی أن أُؤدّیها قال: «اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح وإن تَوِیَتْ فی حال ما عزلتها، من غیر أن تشغلها فی تجاره فلیس علیک شیء، فإن لم تعزلها فاتّجرت بها فی جمله مالک فلها بقسطها من الربح ولا وضیعه علیها». (2)
إذا عرفت ذلک نقول: الناظر فی الروایات یقف على أنّ المالک بما هو الشریک الأکبر له ولایه التقسیم وإخراج الخمس فی أیّ جزء من أجزاء ماله ما یشاء ولیس للحاکم ولا للمستحق إلزامه فالإعطاء من مال خاص، کما أنّ له الولایه فی الإیصال وأمّا تعینه قبل قبض المستحق بحیث لو تلف بلا تعد وتفریط لا یکون ضامناً، فیتوقف على إلغاء الخصوصیه وعطف الخمس على الزکاه ولیس ببعید. وإن أبیت وقلت بالضمان قبل قبض المستحق، فالظاهر ترتب جمیع آثار الإفراز إلاّ الضمان، ولو اتّجر به یکون الربح للمستحق لا للمالک.
إذا کان له فی ذمّه المستحق دین
یقع الکلام فی مقامین:
الأوّل: ما هو واقع الاحتساب؟
لیس الاحتساب من قبیل الإبراء، إذ هو عباره عن غضّ النظر عن الدین بلا عوض، بخلاف المقام فإنّه مشتمل علیه إذ بالاحتساب تبرأ ذمّهُ المستحق المدیون، کما تبرأ ذمّه المالک عن الخمس.
کما أنّه لیس من قبیل التملیک لأنّه یتوقف على القبول وهو منتف فی بعض الصور.
بل الاحتساب یدور بین أحد أمرین:
۱٫ إنّه من قبیل تبدیل ما فی ذمّه المدیون إلى الخمس لولایته علیه، کولایته على التقسیم والإفراز والانضاض.
۲٫ من قبیل تقاص ما فی یده عمّا فی ذمّه المستحق، وهو الظاهر من الروایه التی یرویها سماعه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل یکون له الدین على رجل فقیر، یرید أن یعطیه من الزکاه، فقال: «إن کان الفقیر عنده وفاء بما کان علیه من دین من عرض من دار، أو متاع من متاع البیت أو یعالج عملاً یتقلب فیها بوجهه، فهو یرجو أن یأخذ منه ماله عنده من دینه فلا بأس أن یقاصّه بما أراد، أن یعطیه من الزکاه أو یحتسب بها فإن لم یکن عند الفقیر وفاء ولا یرجو أن یأخذ منه شیئاً فیعطیه من زکاته ولا یقاصه شیء من الزکاه».( [243])
وقوله: «أو یحتسب» یحتمل أن یکون عطف تفسیر للتقاص، بشهاده أنّه اقتصر فی الشق المقابل بقوله: «ولا یقاصه شیء من الزکاه» ولم یزد علیه قوله: «ولا یحتسب بها» فالاحتساب أشبه بالتقاصّ.
الثانی: فی جواز الاحتساب
إنّ الاحتساب أمر عقلائی رائج بین الناس فی الأُمور المالیّه، والزکاه والخمس وإن کانا من الأُمور القربیّه، لکن بما أنّه لم یرد فی کیفیه أدائهما نص خاص، یُتَّبع ما هو الرائج ما لم یکن منع من الشارع. أضف إلى ذلک أنّ الغرض من فرض الخمس هو إغناء الفقیر وسدّ خلّته ورفع حاجته، وحلّ مشاکله فی الحیاه، وهو حاصل بالاحتساب ولذلک تضافرت الروایات على الجواز فی باب الزکاه وتوقف بعضهم فی إسرائه إلى باب الخمس ظنّاً بأنّه قیاس غیر تام لمساعده العرف على إلغاء الخصوصیه .
ثمّ إنّ السید الحکیم أشکل فی هذا الأمر العرفی وقال ما هذا حاصله:
الظاهر من الاحتساب أنّه إیقاع لا تملیک، فجوازه یتوقّف على أُمور:
۱٫ کون اللام فی آیه الخمس لبیان المصرف لکفایه إبراء الذمه فی المصرف لکن کون اللام للمصرف، خلاف الظاهر .
۲٫ أن تکون اللام للملک، لکن المالک طبیعه الفقیر، والمالک والفقیه بحسب ولایته على المال الذی لیس له مالک معیّن، یصرفه فی مصالح الطبیعه، ومن المصالح إبراء ذمّه بعض أفراد الطبیعه. وفیه أنّ ثبوت هذه الولایه المطلقه لا دلیل علیه وإنّما الثابت هو الولایه على تطبیق الکلی على الفرد، ودفع ماله إلیه، لا الولایه على صرف المال فی مطلق مصالح الطبیعه ومنها إبراء الذمه لبعض أفرادها.
۳٫ البناء على صحّه عزل الخمس فی المال الذی فی ذمّه الفقیر وبعد تطبیق المستحق علیه، یسقط قهراً. وفیه أنّ عزل الخمس فی المال الخارجی محلّ إشکال، فضلاً عمّا فی الذمّه، ومن ذلک یظهر الإشکال فی جواز الاحتساب فی هذا القسم من الخمس، نعم لا یبعد ذلک فی سهم الإمام (علیه السلام) للعلم برضاه، وقاعده إلحاق الخمس بالزکاه لا دلیل علیها.( [۲۴۴])
والوجوه المذکوره لا تخلو عن نظر.
۱٫ قد عرفت أنّ الاحتساب لیس إیقاعاً، أی إبراءً، لأنّه إنّما یتصوّر إذا لم یکن هناک عوض والمقام غیر خال عن العوض.
۲٫ إنّ الأصناف الثلاثه من قبیل المصارف، بشهاده حذف اللام الموجوده فی الأفراد المتقدّمه علیها، والذهن العرفی لا یساعده.
۳٫ انّ تحدید ولایه المالک والفقیه بتطبیق الکلی على الفرد، دون صرف المال فی مطلق مصالح الطبیعه ومنها إبراء الذمه لبعض أفرادها لا یخلو عن خفاء، إذ المقام أیضاً من قبیل تطبیق الکلی على الفرد، ولو کان هناک اختلاف، فإنّما هو فی کیفیه الأداء وإلاّ فکلّی الفقیر طُبِّق على الفقیر المدیون.
۴٫ قد عرفت أنّ الأمر بالأداء یلازم عرفاً الولایه على التقسیم والإیصال غایه الأمر یکون ضامناً إلى أن یقبضه المستحق، وهذه الأُمور کلّها موجوده فی المقام.
۵٫ إذا کان العلم برضا الإمام (علیه السلام) کافیاً فی الاحتساب فلیکن العلم برضاه به فی مورد الأصناف الثلاثه کافیاً، خصوصاً إذا قلنا بأنّ أمر الخمس کلّه بیده.
فخرجنا بهذه النتیجه ; کفایه الاحتساب مثل باب الزکاه.
دفع العوض نقداً أو عروضاً
إذا أراد المالک أن یدفع العوض نقداً أو عروضاً لا یعتبر فیه رضى المستحقّ أو المجتهد بالنسبه إلى حصّه الإمام (علیه السلام) و إن کانت العین التی فیها الخمس موجوده، لکن الأولى اعتبار رضاه خصوصاً فی حصّه الإمام (علیه السلام) .
وذلک لأنّ أداء الخمس لیس من قبیل المعاوضه حتى یتوقف على رضا الطرفین، وما دلّ على جواز أدائه بالنقد، دلّ علیه غیر مقیده برضا المستحق، نعم فی ولایه المالک على الدفع من غیر النقدین کلام مرّ وقلنا بالجواز إذا کان الجنس رافعاً لحاجه المستحق کالنقد.
ثمّ إنّ القول بجواز الدفع بالنقد والعروض، لا ینافی کون تعلّق الخمس من باب الإشاعه أو الکلّی فی المعیّن، أو کتعلّق الحقّ، لأنّ للمالک ، الولایه على التقسیم والانضاض وفکّ العین عن الحق. نعم یکون ما ذکر على القول بتعلّقه بالمالیه السیّاله أوضح.
فی ردّ الخمس على صاحبه
قال صاحب العروه (قدس سره) فی کتاب الزکاه: السادسه عشره: لا یجوز للفقیر ولا للحاکم الشرعی أخذ الزکاه من المالک ثمّ الردّ علیه المسمّى بالفارسیه بـ «دست گردان» أو المصالحه معه بشیء یسیر أو قبول شیء منه بأزید من قیمته أو نحو ذلک، فإنّ کلّ ذلک حیل فی تفویت حقّ الفقراء، وکذا بالنسبه إلى الخمس والمظالم ونحوهما.
نعم لو کان شخص علیه من الزکاه أو المظالم أو نحوهما مبلغ کثیر، وصار فقیراً لا یمکنه أداؤها وأراد أن یتوب إلى الله، لا بأس بتفریغ ذمّته بأحد الوجوه المذکوره ـ و مع ذلک إذا کان مرجو التمکّن بعد ذلک ـ الأولى أن یشترط علیه أداؤها بتمامها عنده.( [۲۴۵])
أقول: إنّ للحاکم الولایه على الزکاه والخمس لکن فی إطار مصالح المستحقین فلا یجوز له فعل ما فیه إضاعه حقهم، وأمّا سائر الأصناف فلیست لهم أیّه ولایه، غایه الأمر، لهم بذل ما أخذوه للآخرین بعنوان الزکاه أو الخمس فی حدّ شأنهم، لا ما إذا کان فوقه. إذا علمت ذلک فنقول: للمسأله صور مختلفه:
۱٫ إذا کان الدفع بصوره الإقراض، مثلاً لو کان علیه مائه دینار، ولا یملک فعلاً إلاّ عشره، فیدفعها إلى الحاکم، ثمّ یقرضها الحاکم له و یتکرّر دفع الخمس من جانب المالک عشر مرّات، والإقراض من جانب الحاکم تسعه، وهذا جائز، لولایه الحاکم على التصرف بما فیه مصالح المستحقین، إذ المفروض عدم تمکّنه إلاّ بأداء عشره دنانیر و المفروض قبضها نهایه، غایه الأمر صار المالک مدیوناً للحاکم، وهذا هو المعروف بـ «دست گردان».
۲٫ أن یأخذ الخمس، ثمّ یهبه إلى المالک وکانت الهبه وفق شأن الحاکم أو الفقیر، فتبرأ ذمّته.
۳٫ نفس الصوره وتکون فوق شأنهما على وجه یعدّ ضیاعاً لحقّ المستحق فلا یجوز.
فإن قلت: إنّ المستحق بعد القبض یکون مالکاً له فیکون مسلّطاً على ماله یصرفه حیث شاء.
قلت: هو مالک لما قبض بشرط صرفه فیما یحتاج إلیه فی حیاته حسب شؤونه، لا الخارج عن هذا الإطار وردّ المأخوذ إلى المالک، صرف له، فی غیر ما عیّن للصرف فیه.
وبذلک یعلم ما فی کلام الماتن حیث استثنى ما إذا کان علیه مبلغ کبیر ولم یقدر على أدائه بأن صار معسراً وأراد تفریغ ذمّته فأفتى بأنّه لا مانع منه إذا رضى المستحق بذلک، وذلک لأنّه لیس للمستحق تلک الولایه، بل له صلاحیه الأخذ والصرف فیما یرفع به حاجته، وأمّا إفراغ ذمّه المالک بالنحو المزبور فلیس له ذلک الأمر، بل المالک یبقى مدیوناً للساده کسائر دیونه لکن لا یجبر بل ینظر إلى المیسره.
۴٫ أن یصالح الشیء الکثیر بشیء یسیر، فلا یجوز لما ذکر.
۵٫ أن یقبل المستحق شیئاً بأزید من قیمته الواقعیه، فلا یجوز أیضاً.
وبالإحاطه بالصور، یظهر ما هو الصحیح عن غیره الوارد فی المتن.
إذا انتقل إلى الشخص مال فیه الخمس ممّن لا یعتقد وجوبه
المسأله من عویصات المسائل الفقهیه ، لتضارب الروایات والأقوال فیها، وقد طلبت من السید الإمام الخمینی (قدس سره) أبّان شبابی وأیّام دراستی علیه أن یطرح لی مسائل عویصه لأقوم بدراستها وتحلیلها، فأدلى بمسائل عشر، منها هذه المسأله، فشکر الله مساعی علمائنا ، قدّس الله أسرارهم.
وقبل الخوض فی دراسه الروایات نذکر أُموراً:
الأوّل: ما یدل على وجوب الخمس مطلقاً
إنّ وجوب الخمس فی الغنائم من الأحکام الضروریه فی الإسلام، کما أنّ وجوبه فی غیرها أیضاً من ضروریات مذهب الشیعه وفقههم. فلا یمکن نفیه فی برهه من الزمان فی خصوص الغنائم أو غیرها إلاّ بدلیل قاطع یصلح للتحلیل والترخیص من دون أن یتطرّق النسخ إلى الحکم القطعی.
ویدلّ على ثبوت الخمس فی عصر الحضور والغیبه ما یلی:
قوله سبحانه: ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیء فَإنَّ للّهِ خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُربى… ) فالآیه ناطقه بوجوبه فی الغنیمه، بل فی کل ما یغنمه الإنسان ویفوز به ولیست الآیه خاصه بالمشافهین، بل الکتاب حجّه الله الکبرى على المسلمین عبر القرون إلى یوم القیامه.
۱٫ ما رواه أبو بصیر، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث: «لا یحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتّى یصل إلینا حقّنا».( [246])
۲٫ ما رواه هو أیضاً عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سمعته یقول: «من اشترى شیئاً من الخمس لم یعذره الله، اشترى ما لا یحلّ له». (2)
۳٫ ما رواه عبد الله بن بکیر، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: «إنّی لآخذ من أحدکم الدرهم وإنّی لمن أکثر أهل المدینه مالاً ما أُرید لذلک إلاّ أن تطهروا». (3)
۴٫ ما رواه هو أیضاً، عن أبی جعفر (علیه السلام) : «کلّ شیء قوتل علیه على شهاده أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه، ولا یحلّ لأحد أن یشتری من الخمس شیئاً حتى یصل إلینا حقّنا».( [247])
۵٫ ما رواه حفص بن البختری، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «خذ مال الناصب حیثما وجدته وادفع إلینا الخمس». (5)
۶٫ ما رواه الحلبی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال فی الرجل من أصحابنا یکون فی لوائهم ویکون معهم فیصیب غنیمه قال: «یؤدّی خمساً ویطیب له».( [248])
۷٫ ما رواه سماعه قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الخمس فقال: «فی کلّ ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر».( [249])
۸٫ ما رواه علی بن مهزیار فی حدیث: «فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالی، فمن کان عنده شیء من ذلک فلیُوصل إلى وکیلی، ومن کان نائیاً بعید الشقه فلیتعمد لإیصاله ولو بعد حین». (3)
۹٫ ما رواه أبو بصیر قال: قلت: ما أیسر ما یدخل به العبد النار؟ قال: «من أکل من مال الیتیم درهماً، ونحن الیتیم».( [250])
۱۰٫ ما رواه محمّد بن زید قال: قدم قوم من خراسان على أبی الحسن الرضا (علیه السلام) فسألوه أن یجعلهم فی حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا؟ تمحضونا المودّه بألسنتکم وتزوون عنّا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منکم فی حلّ».( [251])
ولنقتصر بهذه العشره الکامله، وإلاّ فما دلّ على وجوب الخمس وعدم سقوطه فی العصرین أکثر ممّا ذکرنا.
الثانی : استثناء الأُمور الثلاثه
قد اشتهر فی ألسن الفقهاء إباحه المناکح والمساکن والمتاجر فی حال الغیبه، وقد حکی أنّ المفید خصّ الإباحه بالمناکح، ولکن الظاهر منه هو التعمیم.( [۲۵۲]) وعمّمها بعضهم إلى المساکن والمتاجر; کالشیخ فی النهایه ( [۲۵۳]) ، والمحقّق فی الشرائع (۳) ، والعلاّمه فی التذکره (۴) ، والمنتهى.( [۲۵۴]) ومنهم من أنکر التحلیل رأساً; کابن الجنید،( [۲۵۵]) وأبی الصلاح، (۷) ولا حاجه لنقل کلماتهم. والعجب أنّه لیس فی النصوص المتوفره عندنا ما یدل على استثناء هذه الثلاثه سوى ما رواه ابن أبی جمهور الأحسائی فی الغوالی مرسلاً عن الصادق (علیه السلام) فقیل له: یابن رسول الله ما حال شیعتکم فیما خصّکم الله به إذا غاب غائبکم؟ واستتر قائمکم فقال (علیه السلام) : «ما أنصفناهم إن أخذناهم، ولا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبیح لهم المساکن لتصح عبادتهم، ونبیح لهم المناکح لتطیب ولادتهم، ونبیح لهم المتاجر لیزکّوا أموالهم».( [256])
والروایه مرسله ولیست منجبره، وقد عرفت الاختلاف.
ثمّ إنّ المتعرضین للمسأله، اختلفوا فی تفسیرها اختلافاً عجیباً، نقله الشهیدان فی الدروس، ( [۲۵۷]) والمسالک ( [۲۵۸]) ، والبحرانی فی الحدائق. (۳)
ولا بأس بنقل ما فی المسالک فإنّه مفید مع إیجازه، قال: المراد بالمناکح، السراری المغنومه من أهل الحرب فی حاله الغیبه، فإنّه یباح لنا شراؤها ووطؤها وإن کانت بأجمعها للإمام (علیه السلام) على ما مرّ، أو بعضها على القول الآخر. وربّما فُسِّرت بالزوجات والسراری التی یشتریها من کسبه الذی یجب فیه الخمس، فانّه حینئذ لا یجب إخراج خمس الثمن والمهر. وهذا التفسیر راجع إلى المؤونه المستثناه وقد تقدم الکلام فیها، وأنّه مشروط بحصول الشراء والتزویج فی عام الربح، وکون ذلک لائقاً بحاله.
والمراد بالمساکن ما یتّخذه منها فی الأرض المختصه به (علیه السلام) ، کالمملوکه بغیر قتال ورؤوس الجبال، وهو مبنی على عدم إباحه مطلق الأنفال حاله الغیبه، وفسِّرت أیضاً بما یشتریه من المساکن بمال یجب فیه الخمس کالمکاسب، وهو راجع إلى المؤونه أیضاً کما مرّ.
وبالمتاجر ما یشتری من الغنائم المأخوذه من أهل الحرب حاله الغیبه، وإن کانت بأسرها أو بعضها للإمام (علیه السلام) ، أو ما یشترى ممّن لا یعتقد الخمس کالمخالف مع وجوب الخمس فیها. وقد علل إباحه هذه الثلاثه فی الأخبار( [۲۵۹]) بطیب الولاده وصحّه الصلاه وحلّ المال.
ولا جدوى فی دراسه التفاسیر المختلفه المذکوره لهذه العناوین الثلاثه بعد عدم ورود دلیل صحیح على استثنائها بالخصوص ، فالأولى عطف عنان الکلام إلى دراسه الروایات الوارده حول تحلیل الخمس، التی تعارض ما سبق فی الأدلّه القاطعه.
الثالث: تقسیم الأخبار الوارده فی المقام
إنّ صاحب الحدائق ـ بعد ما وصف المسأله بأنّها من أُمّهات المسائل، ومعضلات المشاکل، وقد اضطربت فیها أفهام الأعلام، وزلّت فیها أقدام الأقلام، ودحضت فیها حجج أقوام، واتسعت فیها دائره النقض والإبرام ـ ذکر أنّه باسط فیها القول إن شاء الله تعالى بما لم یَسْبِق له سابق فی المقام، ولا حام حوله أحد من فقهائنا الکرام، وأنّ الکلام فی المسأله یقتضی بسطه فی مقامات ثلاثه، وجعل محور کلامه فی المقام الأوّل، تقسیم الأخبار على أربعه أقسام:
۱٫ ما یدل على وجوب إخراج الخمس مطلقاً فی غیبه الإمام أو حضوره فی أیّ نوع کان من أنواع الخمس.
۲٫ ما یدل على الوجوب والتشدید فی إخراجه وعدم الإباحه.
۳٫ ما یدل على التحلیل والإباحه مطلقاً، وهی أخبار مستفیضه متکاثره.
۴٫ ما دلّ على أنّ الأرض وما خرج منها للإمام.( [۲۶۰])
یلاحظ علیه: أنّ القسم الأوّل لیس فی مقام البیان بل هو بصدد بیان ما یجب فیه الخمس، وأمّا أنّه واجب فی جمیع الظروف أو لا، فلیس ناظراً إلیه، ومثله القسم الرابع فانّه خارج عن الموضوع، بقی الکلام فی القسمین المتوسطین، وقد تعرّفت على مقدار کثیر من الروایات الداله على وجوب الخمس مطلقاً غیر مقیّد بزمان خاص، واللازم لنا عندئذ هو الترکیز على تفسیر روایات القسم الثالث، فنقول: إنّه على أصناف:
الأوّل: التحلیل لعسر السائل
هناک لفیف من الروایات یدلّ على أنّ ملاک التحلیل هو عسر السائل، وکثره ورود الظلم على الشیعه من جانب المخالفین، فاقتضت الرأفه ردّ الخمس إلیهم أو تحلیله لهم، وهذا الحکم باق إلى یومنا هذا، فلنذکر من هذا القسم ما یلی:
۱٫ روى الصدوق فی الفقیه بطریق صحیح عن یونس بن یعقوب قال: کنت عند أبی عبد الله (علیه السلام) فدخل علیه رجل من القمّاطین فقال: جعلت فداک، یقع فی أیدینا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أنّ حقّک فیها ثابت وأنّا عن ذلک مقصرون فقال أبو عبدالله: «ما أنصفناکم إن کلّفناکم ذلک الیوم».( [261])
وقد حمل المحقّق الخوئی الروایه على الأموال التی تقع فی الأیدی، أی تنتقل من الغیر کالمخالف بشراء ونحوه وأنّه لا یجب على الآخذ ومن انتقل إلیه إعطاء الخمس وأنّهم (علیهم السلام) حلّلوا ذلک لشیعتهم.( [۲۶۲])
یلاحظ علیه أوّلاً: أنّه یصحّ فی لفظه «الأموال» دون الأرباح بل «تجارات»، فإنّ الظاهر کون الرجل تاجراً یربح فی تجارته والسؤال ناظر إلى ربحه ولیست الروایه ناظره إلى خصوص انتقال أموال من الغیر ممن لا یعتقد بالخمس.
وثانیاً: لو کان وجه التحلیل ما ذکره، کان التعلیل بقوله:«ما أنصفناکم إن کلّفناکم» أمراً لغواً، لأنّه محلّل سواء کان من وقع فی أیدیه متمکّناً أم غیر متمکن.
۲٫ ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن مهزیار قال: قرأت فی کتاب لأبی جعفر (علیه السلام) من رجل یسأله أن یجعله فی حلّ من مأکله ومشربه، من الخمس فکتب بخطّه: «من أعوزه شیء من حقی فهو فی حل».( [263])
الثانی: تحلیل المناکح من الغنائم
هناک روایات ترجع إلى تحلیل المناکح التی ربّما تقع فی أیدی الشیعه، إمّا لمشارکتهم فی الحروب، أو اشترائها من المخالفین الذین لا یؤدّون أخماسهم، وما ذاک إلاّ لتطیب ولادتهم، نظیر:
۳٫ ما رواه الصدوق فی کتاب العلل عن زراره، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «إنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) حلّلهم من الخمس ـ یعنی الشیعه ـ لتطیب ولادتهم».( [264])
۴٫ ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «إنّ أشدّ ما فیه الناس یوم القیامه أن یقوم صاحب الخمس فیقول: یا ربّ خمسی، قد طیّبنا ذلک لشیعتنا لتطیب ولادتهم ولتزکوا أولادهم».( [265]) ولعلّ الروایتین متحدتان مع ما یأتی برقم ۱۱٫
۵٫ ما رواه الشیخ عن ضریس الکناسی قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «أتدری من أین دخل على الناس الزنا؟» فقلت: لا أدری، فقال: «من قبل خمسنا أهل البیت إلاّ لشیعتنا الأطیبین، فإنّه محلّل لهم ولمیلادهم».( [266])
۶٫ ما رواه الشیخ عن الفضیل قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) :«قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) لفاطمه (علیها السلام) أحلّی نصیبک من الفیء لآباء شیعتنا لیطیبوا» ثمّ قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إنّا أحللنا أُمّهات شیعتنا لآبائهم لیطیبوا». ویحتمل وحدته مع ما مرّ برقم (۳) المروی عن علی (علیه السلام) .( [۲۶۷])
۷٫ ما ورد فی التوقیع الرفیع: «وأمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شیئاً فأکله فإنّما یأکل النیران، وأمّا الخمس فقد أُبیح لشیعتنا وجعلوا منه فی حلّ إلى أن یظهر أمرنا لتطیب ولادتهم ولا تخبث».( [268])
إنّ بیع السراری ونکاحهن واستیلادهنّ کان أمراً رائجاً بین المسلمین ولا یطیب النکاح والاستیلاد مع کون خمسهنّ لأصحابه، وکانت الشیعه یوم ذاک مبتلیه بهذا الأمر الرائج بیعاً ونکاحاً واستیلاداً فأباحوا (علیهم السلام) حقّهم فیهنّ لتطیب ولادتهم، ولا صله لها بتحلیل سائر ما یتعلّق به الخمس، وهذه الروایات صریحه فی ذلک، ویحتمل أن یکون المحلّل فی کلامه ـ عجّل الله فرجه الشریف ـ أعمّ من المناکح، بل یعمّ کلّ الغنائم الحربیه التی ربّما تقع بید الشیعه، فتکون متّحده مع ما یأتی من الصنف الثالث.
الثالث: الأموال المنتقله من الغیر إلى الشیعه من المتاجر والغنائم وغیرهما
هناک لفیف من الروایات التی تدل على حلّیه خمس الأموال التی تنتقل إلى الشیعه من المخالفین غیر المعتقدین له من غیر فرق بین المناکح والمساکن والمتاجر وغیرها، فقد أحلّوه فیها، ویدلّ علیه ما یلی:
۸٫ ما رواه الشیخ فی التهذیب عن الحسن بن علی الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن سالم بن مکرم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر حلّل لی الفروج، ففزع أبو عبد الله (علیه السلام) ، فقال له رجل: لیس یسألک أن یعترض الطریق إنّما یسألک خادماً یشتریها أو امرأه یزوّجها أو میراثاً یصیبه أو تجاره أو شیئاً أُعطیه، فقال:« هذا لشیعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والمیّت منهم والحی، وما یولد منهم إلى یوم القیامه فهو لهم حلال».( [269])وظهور الروایه فی المال المنتقل إلیه بشراء ونحوه لا ینکر، ولو کان الراوی مقتصراً بالإماء لکان داخلاً فی القسم الثانی لکن التوسع فی کلام مصاحب السائل، صار سبباً لعدّه من هذا القسم.
۹٫ ما رواه فی الکافی عن أبی حمزه، عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث قال: «إنّ الله جعل لنا أهل البیت سهاماً ثلاثه فی جمیع الفیء…، إلى أن قال: فنحن أصحاب الخمس والفیء، وقد حرّمناه على جمیع الناس ما خلا شیعتنا».( [270]) ویصلح لصاحب الحدائق أن یجعل هذه الروایه شاهده لمختاره من اختصاص الحلّ بسهم الإمام . ویأتی الکلام فیه.
۱۰٫ ما رواه فی الکافی، عن عبد العزیز بن نافع قال: سأل رجل أبا عبد الله (علیه السلام) و قال: إنّ أبی کان ممن سباه بنو أُمیّه، وقد علمت أنّ بنی أُمیّه لم یکن لهم أن یحرّموا ولا یحلِّلوا ولم یکن لهم ممّا بأیدیهم قلیل ولا کثیر وإنّما ذلک لکم ـ إلى أن قال: ـ فقال أبو عبد الله له: «أنت فی حلّ ممّا کان من ذلک، و کل من کان فی مثل حالک من ورائی فهو فی حلّ من ذلک». (2)
۱۱٫ ما رواه الشیخ فی الصحیح عن أبی بصیر، وزراره، و محمّد بن مسلم عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : هلک الناس فی بطونهم وفروجهم لأنّهم لم یؤدوا إلینا حقّنا ألا وإنّ شیعتنا من ذلک وأبناءهم فی حلّ» (3) وذکر «البطون» شاهد على أن موضوع التحلیل هو الأعم.
۱۲٫ ما فی التفسیر المنسوب إلى الإمام العسکری (علیه السلام) عن آبائه عن أمیر المؤمنین (علیهم السلام) أنّه قال لرسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) :« قد علمت یا رسول الله ، أنّه سیکون بعدک ملک عضوض، وجبر فیستولى على خمسی من السبی والغنائم ویبیعونه ولا یحلّ لمشتریه لأنّ نصیبی فیه، قد وهبت نصیبی منه لکلّ من ملک شیئاً من ذلک من شیعتی لتحلّ لهم منافعهم من مأکل ومشرب ولتطیب موالیدهم ولا یکون أولادهم أولاد حرام…».( [271])
والحدیث على فرض صحّته نصّ فی تحلیل خمس الغنائم التی تنتقل إلى الشیعه.
۱۳٫ ما رواه الصدوق فی الفقیه، عن داود الرقی، عن أبی عبد الله (علیه السلام) ، قال: سمعته یقول: «الناس کلّهم یعیشون فی فضل مظلمتنا إلاّ أنّا أحللنا شیعتنا من ذلک». (2)
الظاهر أنّ المقصود خمس الغنائم، وما کانوا یأخذون من الخراج والمقاسمه، یبیعونها من الناس، فإنّهم یوم ذاک کانوا مبتلین بهذه المظالم، وأین هو من أرباح المکاسب، التی کان عامّه الناس جاهلین بحکمها حتّى الشیعه؟!
۱۴٫ ما رواه الشیخ عن الحارث بن المغیره النصری… ثمّ قال «نجیّه» : جعلت فداک ما تقول فی فلان و فلان؟ قال: «یا نجیه إنّ لنا الخمس فی کتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا فی کتاب الله، وأوّل من حمل الناس على رقابنا» (3) والمراد، هو الغنائم بقرینه أنّ الرجلین حالا بین خمس الغنائم وبین أهل البیت عند تسلّم زمام الخلافه.
۱۵٫ ما رواه الشیخ فی التهذیب عن أبی حمزه الثمالی، قال: سمعته یقول (علیه السلام) : «من أحللنا له شیئاً أصابه من أعمال الظالمین فهو له حلال، وما حرّمناه من ذلک فهو حرام».( [272]) والحدیث راجع إلى أموال الظالمین، وکانوا یوم ذاک یستمدّون فی تمویل عمّالهم من جبایه الزکاه، والغنائم الحربیه وغلّه الأراضی المفتوحه عنوه، فیختص التحلیل بهذه المواضع ولا یعمّ غیرها.
۱۶٫ ما رواه الحکم بن علباء الأسدی، قال: دخلت على أبی جعفر (علیه السلام) فقلت له: إنّی ولّیت البحرین فأصبت بها مالاً کثیراً، واشتریت متاعاً، واشتریت رقیقاً واشتریت أُمّهات أولاد، وولد لی وانفقت، وهذا خمس ذلک المال وهو أُمّهات أولادی ونسائی وقد أتیتک به. فقال: «أما إنّه کلّه لنا وقد قبلت ما جئت به، وقد حللتک من أُمّهات أولادک ونسائک وما أنفقت».( [273])
والحدیث ظاهر فی الغنائم الحربیه بشهاده أنّه قال: «أما إنّه کلّه لنا» حیث إنّ الغزو بلا إذن من الإمام من الأنفال، أضف إلى ذلک أنّ الإمام قبل ما قدّم، وحلل ما لم یأت به، فهو على خلاف المقصود أدلّ.
الرابع: التحلیل لشخص خاص
هناک ما یدل على أنّ الإمام حلّل الخمس لشخص وهو:
۱۷٫ صحیح أبی سیّار «مسمع بن عبد الملک» قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : إنّی کنت ولّیت الغوص فأصبت أربعمائه ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانین ألف درهم وکرهت أن أحبسها عنک وأعرض لها، وهی حقک الذی جعل الله تعالى لک فی أموالنا ـ إلى أن قال: ـ «یا أبا سیّار قد طیّبناه لک وحلّلناک منه فضمّ إلیک مالک وکلّ ما کان فی أیدی شیعتنا من الأرض فهم فیه محلّلون».( [274]) وصدر الحدیث راجع إلى خمس الغوص أو الربح الحاصل من تجارته، وذیل الحدیث یدلّ على تحلیل غله الأراضی المفتوحه عنوه، للشیعه لا تحلیل مطلق الخمس.
الخامس: کون التحلیل مختصاً بعصر أبی جعفر (علیه السلام)
وهنا روایه تدل على أنّ أبا جعفر (علیه السلام) حلّل الخمس بوجه مطلق وهو:
۱۸٫ ما رواه حکیم مؤذن بنی عیس عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: ( واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیء فَإنّ للهِ خُمُسهُ وَللرَّسُولِ ) قال: «هی الإفاده یوماً بیوم، إلاّ أنّ أبی جعل شیعتنا فی ذلک فی حلّ لیزکوا». (2) ولعلّ التحلیل العام کان خاصّاً بأبی جعفر (علیه السلام) ، ولأجل ذلک نسبه إلیه دون نفسه.
وحصیله الکلام ، أنّ أحادیث التحلیل ترجع إلى أحد الأُمور التالیه:
أ. کون المحلّل ، قلیل المال أو مهضوم الحقّ.
ب. تحلیل مناکح الإماء، لتطیب ولاده أولادهم.
ج. تحلیل ما وقع بأیدی الشیعه من الأموال التی لم یخرج خمسها.
د. التحلیل لشخص خاص.
هـ. کون التحلیل مختصّاً بأبی جعفر (علیه السلام) .
وأمّا ما رواه معاذ بن کثیر بیّاع الأکیسه، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «موسّع على شیعتنا أن ینفقوا ممّا فی أیدیهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على کلّ ذی کنز کنزه حتى یأتوه به ویستعین به (على عدوه)».( [275]) فهو على خلاف المطلوب أدلّ، لأنّ المفروض عدم إمکان إیصال الخمس أو مطلق الواجبات المالیه إلى الإمام (علیه السلام) وعندئذ یصرف فی مصالح الشیعه، ولا یصحّ عند قیام الدوله الحقّه، أو وجود نائبه العام صاحب الولایه فی غیبته.
إکمال
ثمّ إنّ السید المحقّق الخوئی، حمل جمیع الروایات على المال المنتقل إلى الشیعه الذی لم یخرج خمسه، واستند على ذلک بحدیثی یونس بن یعقوب( [۲۷۶]) وسالم بن مکرم (۳) . وقد عرفت الإشکال فی الحدیث الأوّل، وأنّ التحلیل لأجل عسر حال السائل لا کون المال منتقلاً من الغیر، نعم لا بأس بحمل الثانی علیه، لکنّه لا یکون دلیلاً على تفسیر جمیع الروایات بنمط واحد، بعد کونها ظاهره فی أمر آخر.
کما أنّ صاحب الحدائق جمع بین الروایات بأنّ الساقط نصف الخمس، وأمّا النصف الآخر ، أعنی: حقّ الساده، فلابدّ من دفعه إلیهم مستشهداً على ذلک بما مرّ فی صحیح ابن مهزیار: «من أعوزه شیء من حقی فهو فی حلّ»( [277]) وعلى فرض تسلیم دلاله الحدیث على خصوص حقّه ولم نقل أنّ المراد مجموع الخمس لکون أمره بیده فالمجموع حقّه ، إنّ التحلیل خاص بالمحتاجین والمعوزین.
إنّ تحلیل الخمس فی الأموال المنتقله إلى الشیعه هل یختص بأموال غیر المعتقدین بالخمس، أو یعمّ الشیعه المعتقدین به، ولکن یبیعون الأموال بدون تخمیس؟ والقدر المتیقن هو الأوّل، وهو مصب الروایات والمتفاهم بقرینه الترکیز على لفظه الشیعه، الدال على أنّ المقابل غیرهم، وأمّا إسراء التحلیل حتى بالنسبه إلى تجّار الشیعه الذین یتّجرون ولا یخرجون تساهلاً، فغیر داخل تحت الروایات.
وبذلک یعلم وجوب تخمیس أموالهم الموروثه، قبل التقسیم لکونه داخلاً تحت قوله: ( مِنْ بَعْدِ وَصِیَّه تُوصونَ بها أَوْ دَیْن ) ( [۲۷۸]) وبالورثه إنّما یملکون ما وراءهما، سواء کانت الأموال موجوده أو تالفه والخمس متعلّقاً بالذمّه.
[۲۲۵] . الحدائق الناضره:۱۲/۴۳۷ـ ۴۴۴٫
[۲۲۶] . النهایه:۲۰۰ـ ۲۰۱٫
[۲۲۷] . الحدائق: ۱۲/۴۴۸٫
[۲۲۸] . الوسائل: ج ۶، الباب ۳ من أبواب قسمه الخمس، الحدیث ۱، ۲٫
[۲۲۹] . الجواهر:۱۶/۱۷۷٫
[۲۳۰] . الوسائل: ج ۶، الباب ۵۰ من أبواب الصدقه، الحدیث ۳٫
[۲۳۱] . الوسائل: ج ۱۰، الباب ۹۷ من أبواب المزار، الحدیث ۵٫
[۲۳۲] . الجواهر:۱۶/۱۷۷٫
[۲۳۳] . الوسائل: ج ۶، الباب ۲ من أبواب الأنفال، الحدیث ۶٫
[۲۳۴] . الجواهر:۱۶/۱۷۷٫
[۲۳۵] . الشرائع:۱/۱۳۸٫
[۲۳۶] . لاحظ الحدائق: ۱۲/۴۶۸٫ ۲ . الحدائق: ۱۲/۴۷۰٫
[۲۳۷] . الوسائل: ج ۶، الباب ۲ من أبواب الأنفال، الحدیث ۶٫
[۲۳۸] . الجواهر:۱۶/۱۵۵٫
[۲۳۹] و ۲ . الوسائل: ج ۶، الباب ۳۹ من أبواب المستحقین للزکاه، الحدیث ۳و۱٫
[۲۴۰] . العروه الوثقى: ۲ / ۳۲۶ ، کتاب الزکاه، فصل فی بقیه أحکام الزکاه، المسأله الحادیه عشره.
[۲۴۱] . الشرائع : ۱/۱۸۳٫ ۳ . المسالک: ۱/۴۷۲٫
[۲۴۲] و ۲ . الوسائل: ج ۶، الباب ۵۲ من أبواب مستحق الزکاه، الحدیث ۲و۳; ولاحظ الباب ۵۳٫
[۲۴۳] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴۶ من أبواب مستحق الزکاه ، الحدیث ۳٫
[۲۴۴] . المستمسک:۹/۵۸۹٫
[۲۴۵] . العروه الوثقى: ۲ / ۳۴۵ ، کتاب الزکاه، الفصل الختامی، المسأله ۱۶٫
[۲۴۶] ـ ۳ . الوسائل: ج ۶، الباب ۱ من أبواب ما یجب فیه الخمس، الحدیث ۴، ۵، ۳٫
[۲۴۷] ـ ۵ . الوسائل: ج ۶، الباب ۲ من أبواب ما یجب فیه الخمس، الحدیث ۵ و ۶٫
[۲۴۸] . الوسائل: ج ۶، الباب ۲ من أبواب ما یجب فیه الخمس، الحدیث ۸ .
[۲۴۹] و ۳ . الوسائل: ج۶، الباب ۸ من أبواب ما یجب فیه الخمس، الحدیث ۶، ۵٫
[۲۵۰] . الوسائل: ج۶، الباب ۲ من أبواب الأنفال، الحدیث ۵٫
[۲۵۱] . الوسائل: ج۶، الباب ۳ من أبواب الأنفال، الحدیث ۳٫
[۲۵۲] . المقنعه:۲۸۲ـ ۲۸۳، وقد نقل روایه یونس بن یعقوب; لاحظ الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۶٫
[۲۵۳] . النهایه: ۲۰۰٫ ۳ . الشرائع: ۱/۱۳۷٫ ۴ . التذکره: ۱ / ۲۵۴٫
[۲۵۴] . المنتهى: ۸ / ۵۷۴، تحقیق مجمع البحوث الإسلامیه، مشهد ـ ۱۴۲۳ هـ .
[۲۵۵] . مختلف الشیعه: ۳/۳۴۰٫ ۷ . الکافی: ۱۷۴٫
[۲۵۶] . المستدرک: ۷، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۳٫
[۲۵۷] . الدروس: ۱/۲۶۳٫
[۲۵۸] . المسالک: ۱/۵۷۵٫ ۳ . الحدائق: ۱۲/۴۴۴٫
[۲۵۹] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال.
[۲۶۰] . الحدائق: ۱۲/۴۱۹ـ ۴۲۷٫
[۲۶۱] . الوسائل:ج۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۶٫
[۲۶۲] . مستند العروه:۳۴۶، کتاب الخمس.
[۲۶۳] . الوسائل:ج۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۲; ولاحظ أیضاً، الباب ۸ من أبواب ما یجب فیه الخمس، الحدیث۸٫
[۲۶۴] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۵٫
[۲۶۵] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۵٫
[۲۶۶] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۳ .
[۲۶۷] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۰ .
[۲۶۸] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۶٫
[۲۶۹] . الوسائل: ج ۶ ، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۴٫
[۲۷۰] و ۲ و ۳ . الوسائل: ج ۶ ، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۹، ۱۸، ۱ .
[۲۷۱] . الوسائل: ج ۶ ، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۲۰، ۷، ۱۴ .
[۲۷۲] . الوسائل: ج ۶، الباب ۳ من أبواب الأنفال، الحدیث ۴٫
[۲۷۳] . الوسائل: ج ۶، الباب ۱ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۳٫
[۲۷۴] و ۲ . الوسائل: ج ۶، الباب ۴ من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۲و ۸ .
[۲۷۵] . الوسائل: ج ۶، الباب ۴من أبواب الأنفال، الحدیث ۱۱٫
[۲۷۶] و ۳ . مر الحدیثان برقم ۱و ۸٫
[۲۷۷] . مرّ برقم ۲ ولاحظ ما مرّ برقم ۹٫
[۲۷۸] . النساء:۱۱٫